«قصر قرداحي» لوحة معمارية تراثية بالإسكندرية.. كان مقرا لقيصر ألمانيا
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، وهذا اللقب ليس من فراغ أو بمحض الصدفة ولكنه عن جدارة واستحقاق، فالإسكندرية جمعت في جنباتها معظم ثقافات العالم، وخاصة دول أوروبا المُطلة على البحر الأبيض المتوسط، والتي جاء منها جاليات عاشت بعروس البحر المتوسط وشهدوا بجمالها واستقروا فيها وشيَّدوا فيها أبنية تدل على وجودهم، وأنهم يفخرون أنهم عاشوا هنا يوماً وتركوا ما يفخر به أحفادهم ومنهم عائلة قرداحى التي تركت الكثير من العمارات والقصور ومنهم قصر قرداحي بمنطقة كفر عبده بشرق الإسكندرية، فما هي حكايته؟
قصر قرداحى طراز ألمانىويروى محمد السيد، مسئول الوعى الأثري بإدارة آثار الإسكندرية لـ«الوطن»، حكاية قصر قرداحى قائلا إنه قصر ضخم تبلغ مساحته حوالي 8 أفدنة، أقامة الثرى الألماني بندر ناجيل في منطقة كفر عبده لاستقبال القيصر الألماني فليلهلم عام 1905 وهي الزيارة التي لم تحدث بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وقام المهندس الإيطالي الدو ماريللى بتصميم القصر على نفس نسق مقر إقامة القيصر في ألمانيا ويسمى إكيليون كورفو، إذ يتشابه تصميم الواجهات بشكل المعابد اليونانية، حيث نجد الأعمدة الضخمة والتماثيل التى تشبه الأعمدة الآدمية الستة التي تحمل سقف معبد الارخثيون في أثينا.
والمهندس الإيطالي ألدو ماريلي قام بتصميم عدد من المباني أهمها قسم باب شرقي وفيلا عاداة والتي يقع فيها حالياً أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، وفي القاهرة عمارة الإيموبيليا الشهيرة وغيرها.
بندر ناجيل وقرداحيويشير السيد إلى أن بندر ناجيل كان صديقا شخصيا للثري ذي الأصول الشامية بدر الدين قرداحي والذي طلب شراء القصر وبالفعل القصر حاليا ملك عائلة قرداحي، وقرداحي ثري شامى انتقلت أسرته للإقامة في الإسكندرية، وعُرف بتجارة الأقطان حتى تلقب بملك البورصة، ومن أهم أعماله العمارة الحمراء أو عمارة قرداحي في المنشية، ويقال إنه اشترى قصر الكونت زيزينيا في شارع فؤاد، وأقام مكانه تياترو محمد علي المعروف حالياً بأوبرا الإسكندرية أو مسرح سيد درويش.
سبب تسمية كفر عبده
وعن حي كفر عبده أضاف مسؤول الوعي الأثري أنه تمت تسميته بذلك تضامنا مع أهالي مدينة السويس التي دمرت قوات الاحتلال البريطاني حيًا كان يحتمى به الفدائيون في السويس يسمى كفر عبده عام 1951حيث كان الحي في الإسكندرية يقيم فيه المندوب السامي البريطاني كتشنر واسم أهم شارع اللنبى على اسم المندوب السابق فتم تغيير الاسم تضامنا مع أهالي السويس لتصبح المنطقة بالكامل اسمها كفر عبده.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: تراث الإسكندرية کفر عبده
إقرأ أيضاً:
ماذا ستكتب عن مقشن؟!
قدمتُ فـي نهاية الأسبوع الماضي محاضرة فـي مدينة مقشن ضمن فعاليات ملتقى مقشن الشتوي، استعرضت فـي الورقة ما كتبه الرحالة عن مقشن وواديها الذي قال عنه الرحالة الإنجليزي برترام توماس (1895- 1950) فـي كتابه (رحلات ومغامرات عبر صحراء الربع الخالي: دار الكتب الوطنية 2013): «كنت قد اكتشفت فـي العام الماضي الحد الصحراوي فـي اتجاه الأخيرة على امتداد مائة ميل باتجاه واحة مقشن الشهيرة (وادي مقشن هو بلا شك سيد الوديان فـي كل جنوب شرق جزيرة العرب حيث إنني لم ألتق بمثله قط فـي أي مكان آخر. يتألف الوادي من حزام غابات أشجار السنط (الغاف) بطول ثلاثين ميلا (محور شرق ـــ غرب) على الحافة الجنوبية الشرقية للرمال. عند العين أو العينين. هناك بستان نخيل كبير ينمو بريا ودون عناية متاخم لضفاف حوض سبخي، وإلى الشرق توجد بحيرة أشبه بالمعلف بطول بضع مئات من الياردات وعرض حوالي خمس عشرة ياردة».
بعد الانتهاء من الورقة سألني رجل فـي نهاية الستينات من العمر قائلا: «سمعنا ما كتبه الرحالة الأجانب عن مقشن، أنت ماذا ستكتب عنها؟». هذا السؤال جعلني أتساءل عن المكان العُماني فـي أدب الرحلات العُمانية، وما الإضافة التي سيضيفها الكاتب العماني فـي رحلاته إلى الأمكنة العُمانية بمختلف تضاريسها وتنوعها الجغرافـي ناهيك عن الثقافة اللامادية المرتبطة بالبيئات المتنوعة والمختلفة؟
بعد تقديم المحاضرة التي قدمت فـيها اقتراحا لبعث ملتقى موسمي للرحلات الشتوية فـي مدينة مقشن لتكون نقطة انطلاق لرحلات صحراوية تجوب الفـيافـي العُمانية فـي الاتجاهات الأربعة، نظرا لموقع مقشن فـي الخارطة العُمانية وما تمثله من أهمية فـي الرحلات التي أسهمت فـي اكتشاف مجاهل الربع الخالي والكتابة عنه.
تركت الفعاليات المصاحبة للملتقى واتجهت إلى وادي مقشن بصحبة الشاعر المهندس علي العامري، والكاتب المحامي مسعود بيت سعيد. تراءت الشمس وكأنها فـي طريقها إلى الانزواء فـي الركن المعلوم من جغرافـية الكون، ولكن فـي الحقيقة أننا من توارى عن الشمس فـي الدوران الدائم للكوكب المسكون بقصص الخلق والخلائق. اتخذنا موقعا مناسبا بين أشجار الغاف الباسقة التي تحكي صراعها الأزلي مع الجفاف والقسوة والتأقلم فـي البيئات القاحلة، كما كانت شاهدة على الفقدان الدائم لغابة كانت مأهولة ثم تناقصت بشكل يدعو إلى التدخل من قبل الجهات المعنية فـي إعادة التوازن لأشجار الغاف فـي الصحاري العُمانية. الغابة التي أضفت اسمها على منطقة مقشن المشتقة من كلمة (قشنة) التي تعني فـي اللهجة الكثيرية البدوية الأشجار المتداخلة الأغصان.
كان وادي مقشن أو سيد الوديان فـي جنوب شرق جزيرة العرب كما وصفه توماس، قد تهيأ لاستقبال الغروب الذي يُغيّر ألوانه كأي رسام من المدرسة الانطباعية المستمدة اسمها من الشمس فـي بداية شروقها. لكن الغروب فـي وادي مقشن أعاد رسم لوحة «انطباع غروب الشمس» كرد على لوحة الفنان الفرنسي كلود مونيه (1840-1926) صاحب اللوحة الشهيرة (انطباع شروق الشمس) التي أسست للمذهب الانطباعي فـي الفن التشكيلي.
كنا شهود على حركة فرشاة المغيب على لوحة السماء الصافـية فمن درجة اللون البرتقالي إلى درجة اللون النيلي مزج الأفول بين الألوان الساخنة والألوان الباردة، قبل أن يسدل الستار على ختام النهار الحافل بالأنشطة، وبداية المساء بمعزوفة النار التي تبعث الأنس والدفء فـي المناخات المثقلة بالعتمة والوحشة الدائمة، لتأذن للحكايات بالتوالي وتبعد زمهرة الليل وانثيال الرمل على الأقدام المتوغلة فـي لجج البحر الرملي. واستذكار للرحلات والمغامرات العابرة للبادية وسكون الصحراء واستحضار نواميسه المهيمنة على المولعين باكتشاف أسرار آخر الأمكنة التي بقيت مجهولة عن الآخر الذي لا ينتمي لمناخ الفلوات والمفازات.
صبيحة اليوم التالي اتجهنا إلى «الحدري»- الجنوب فـي بعض اللهجات العمانية- وبعد استراحة قتبيت، إشارات لوحة إلى مناطق ولاية مقشن منها مرسودد ونيابة بندر الظبيان ونيابة المشاش، فقادنا حب الاكتشاف إلى التوغل غربا نحو الأمكنة المحددة مسافاتها على الشاخصة الزرقاء، إلى أن أوقفتنا العلامة الحدودية بين سلطنة عمان وشقيقتها المملكة العربية السعودية على مقربة من نيابة بندر الظبيان المجسدة لروح المواطنة والهوية فـي أبلغ معانيها.
لن تكون هذه الكتابة جوابا على السؤال الذكي للرجل المسن ولكنها انطباع ذاتي ومحاولة للاقتراب من روح الصحراء المبثوثة فـي كتاباتٍ عدة أهمها مؤلفات الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني.