المسلة:
2024-12-29@05:37:02 GMT

كيف تصبح الثرثرة بديلاً عن المعرفة؟

تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT

كيف تصبح الثرثرة بديلاً عن المعرفة؟

27 نوفمبر، 2024

بغداد/المسلة:

رياض الفرطوسي

“الحمقى يعرفون كل شيء عن أي شيء”، هذا ما قاله ميلان كونديرا، مشيراً إلى ظاهرة غريبة تجعل الثرثرة بديلاً للمعرفة. هؤلاء الذين يدّعون امتلاك الإجابات على كل الأسئلة لا يفسرون في الواقع أي شيء.

كلماتهم تتحول إلى ضجيج فارغ يملأ الأجواء دون أن يثمر فكرة، مثل صحراء لا حياة فيها .

الثرثرة ليست مجرد كلمات فارغة، بل هي أحد مظاهر غياب العمق.

كما يقول برتراند راسل: “الحمقى واثقون، بينما الحكماء مليئون بالشك”. هذه الثقة العمياء لدى الحمقى لا تأتي من إدراكهم، بل من افتقارهم للمعرفة الحقيقية والوعي الذاتي. إنهم يرون أنفسهم في مرايا مشوهة تعكس صوراً من صنع الوهم، ما يجعلهم يهربون إلى بيئات تافهة خالية من النقد أو الحوار الحقيقي.

وفي هذه البيئة، يصبح العنف أحياناً النتيجة الحتمية لغياب الحوار والفهم. نعوم تشومسكي يشرح هذه الفكرة في كتابه غريزة الحرية، حيث يقول: “أي إنسان ذي فكر أو إنسانية لن يدين بسرعة العنف الذي يحدث عندما تتمرد الجماهير المظلومة ضد مضطهديهم”.

وهذا العنف، رغم قسوته، يعبر أحياناً عن صرخة مظلوم، على عكس الثرثرة التي تخدم فقط أصحابها دون أن تحقق أي تغيير.لكن الأزمة الحقيقية تظهر عندما يجد الأحمق نفسه في مجتمع يحكم بمعايير سوية.

وفي هذه اللحظة، يصبح مكشوفاً وعاجزاً عن التكيف. وقد لاحظت ذلك خلال تجربتي في العيش خارج العراق، حيث تكون أزمة الحمقى أشد وطأة وأقسى. فهم يجدون أنفسهم في بيئة غير متسقة مع حماقتهم، كأنهم أسماك ألقيت في صحراء قاحلة، عاجزة عن التكيف أو البقاء .

وما زاد الطين بلة في العراق هو التغيرات السياسية والاجتماعية المتعاقبة التي أوجدت حالة من الفوضى الفكرية.

والآية القرآنية: “كلما دخلت أمة لعنت أختها”، تنطبق بشكل كبير على هذا الواقع. الأنظمة المتغيرة أضعفت النهج الاجتماعي، وتركت المجتمع في حالة من عدم الاستقرار والتشرذم. ومع ذلك، يبقى المثقفون العراقيون في الطليعة، يحاولون الحفاظ على جذوة الفكر رغم كل هذا الشتات.

المفارقة أن أمل الأجيال القادمة يعتمد على الثقافة العالمية، حيث جعلت ثورة المعلومات المعرفة في متناول الجميع. ما فشلت مجتمعاتنا في إنتاجه من ثقافة حديثة، قد يعوضه انفتاح الأجيال القادمة على الفكر الإنساني العالمي.

لكن يبقى الخوف من أن يستمر الفراغ الفكري، ويضعف تأثير المثقفين في مواجهة هذا المد المتسارع من التفاهة والسطحية . كما قال جاك ديريدا: “المطلوب تفسير العالم أولاً، قبل تغييره”.

التفسير هو الأساس لأي تغيير حقيقي. إنه يمنحنا الأمل حتى في أحلك الظروف، لأن الفهم العميق يعطينا قوة لمواجهة الألم والوجع بطريقة واعية . لقد حان الوقت لنتوقف عن لعب دور “النّدابات” في مأتم طويل، ونتحول إلى بشر يعيدون تفسير الواقع، يفهمون جذوره، ويعملون على تغييره بأدوات الفكر والمعرفة.

التغيير يبدأ من الكلمة الواعية، لا من الثرثرة الفارغة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

«موارد عجمان» تستعرض الفكر الاستراتيجي في الموارد البشرية

عجمان: «الخليج»
نظمت دائرة الموارد البشرية في حكومة عجمان اللقاء الرابع للمجلس التنسيقي للموارد البشرية، بحضور ممثلي وحدات الموارد البشرية في الجهات الحكومية بالإمارة. وتركز اللقاء على ورشة متخصصة بعنوان «الفكر الاستراتيجي في إدارة الموارد البشرية» قدمها المستشار الاستراتيجي بكر عبيدات، وتمحورت حول دور الفكر الاستراتيجي في تعزيز الكفاءة والفاعلية.
استعرضت الورشة مفهوم الاستراتيجية مع أمثلة تطبيقية للخيارات الاستراتيجية في القطاع الحكومي ومستوياتها المختلفة، إلى جانب توضيح الجوانب الرئيسية للإدارة الاستراتيجية للموارد البشرية. كما تطرقت إلى المراحل الأساسية لتطوير استراتيجياتها والتحديات المستقبلية التي قد تؤثر في بيئات العمل. وشملت الورشة تقديم نماذج متطورة، وآليات تحليل استراتيجيات الاستقطاب والتوظيف.

مقالات مشابهة

  • «تحولات الفكر والسياسة» وتشخيص أزمة الواقع العربي
  • علي جمعة: العلم والعقل وأهمية المنهج في الفكر الصحيح
  • ترند الشوكلاته في الجامعات… بين النقد والقبول…!
  • «موارد عجمان» تستعرض الفكر الاستراتيجي في الموارد البشرية
  • المفتي: الأخلاق بلا دين لا يمكن أن تكون بديلاً حقيقيا
  • التركية تصبح لغة رسمية! قرار يذهل العالم
  • السعودية تفوز بتنظيمخليجي 27 والعراق بديلاً
  • سطر واحد..
  • الدرقاش: قادة الثورة السورية يمتلكون الفكر ولم تغريهم المكاسب المادية
  • السوريون يحزمون حقائبهم.. هل تجد السوق العراقية بديلا؟