المسلة:
2024-11-27@22:42:29 GMT

كيف تصبح الثرثرة بديلاً عن المعرفة؟

تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT

كيف تصبح الثرثرة بديلاً عن المعرفة؟

27 نوفمبر، 2024

بغداد/المسلة:

رياض الفرطوسي

“الحمقى يعرفون كل شيء عن أي شيء”، هذا ما قاله ميلان كونديرا، مشيراً إلى ظاهرة غريبة تجعل الثرثرة بديلاً للمعرفة. هؤلاء الذين يدّعون امتلاك الإجابات على كل الأسئلة لا يفسرون في الواقع أي شيء.

كلماتهم تتحول إلى ضجيج فارغ يملأ الأجواء دون أن يثمر فكرة، مثل صحراء لا حياة فيها .

الثرثرة ليست مجرد كلمات فارغة، بل هي أحد مظاهر غياب العمق.

كما يقول برتراند راسل: “الحمقى واثقون، بينما الحكماء مليئون بالشك”. هذه الثقة العمياء لدى الحمقى لا تأتي من إدراكهم، بل من افتقارهم للمعرفة الحقيقية والوعي الذاتي. إنهم يرون أنفسهم في مرايا مشوهة تعكس صوراً من صنع الوهم، ما يجعلهم يهربون إلى بيئات تافهة خالية من النقد أو الحوار الحقيقي.

وفي هذه البيئة، يصبح العنف أحياناً النتيجة الحتمية لغياب الحوار والفهم. نعوم تشومسكي يشرح هذه الفكرة في كتابه غريزة الحرية، حيث يقول: “أي إنسان ذي فكر أو إنسانية لن يدين بسرعة العنف الذي يحدث عندما تتمرد الجماهير المظلومة ضد مضطهديهم”.

وهذا العنف، رغم قسوته، يعبر أحياناً عن صرخة مظلوم، على عكس الثرثرة التي تخدم فقط أصحابها دون أن تحقق أي تغيير.لكن الأزمة الحقيقية تظهر عندما يجد الأحمق نفسه في مجتمع يحكم بمعايير سوية.

وفي هذه اللحظة، يصبح مكشوفاً وعاجزاً عن التكيف. وقد لاحظت ذلك خلال تجربتي في العيش خارج العراق، حيث تكون أزمة الحمقى أشد وطأة وأقسى. فهم يجدون أنفسهم في بيئة غير متسقة مع حماقتهم، كأنهم أسماك ألقيت في صحراء قاحلة، عاجزة عن التكيف أو البقاء .

وما زاد الطين بلة في العراق هو التغيرات السياسية والاجتماعية المتعاقبة التي أوجدت حالة من الفوضى الفكرية.

والآية القرآنية: “كلما دخلت أمة لعنت أختها”، تنطبق بشكل كبير على هذا الواقع. الأنظمة المتغيرة أضعفت النهج الاجتماعي، وتركت المجتمع في حالة من عدم الاستقرار والتشرذم. ومع ذلك، يبقى المثقفون العراقيون في الطليعة، يحاولون الحفاظ على جذوة الفكر رغم كل هذا الشتات.

المفارقة أن أمل الأجيال القادمة يعتمد على الثقافة العالمية، حيث جعلت ثورة المعلومات المعرفة في متناول الجميع. ما فشلت مجتمعاتنا في إنتاجه من ثقافة حديثة، قد يعوضه انفتاح الأجيال القادمة على الفكر الإنساني العالمي.

لكن يبقى الخوف من أن يستمر الفراغ الفكري، ويضعف تأثير المثقفين في مواجهة هذا المد المتسارع من التفاهة والسطحية . كما قال جاك ديريدا: “المطلوب تفسير العالم أولاً، قبل تغييره”.

التفسير هو الأساس لأي تغيير حقيقي. إنه يمنحنا الأمل حتى في أحلك الظروف، لأن الفهم العميق يعطينا قوة لمواجهة الألم والوجع بطريقة واعية . لقد حان الوقت لنتوقف عن لعب دور “النّدابات” في مأتم طويل، ونتحول إلى بشر يعيدون تفسير الواقع، يفهمون جذوره، ويعملون على تغييره بأدوات الفكر والمعرفة.

التغيير يبدأ من الكلمة الواعية، لا من الثرثرة الفارغة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

«الأوقاف» تطلق 4 قوافل دعوية إلى المناطق الحدودية لنشر الفكر الوسطي

تطلق وزارة الأوقاف 4 قوافل دعوية إلى مديريات البحر الأحمر ومطروح والوادي الجديد وجنوب سيناء، بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر الفكر الوسطي المستنير وترسيخ القيم الإنسانية والتعايش السلمي، تحت رعاية الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، وتستمر القوافل في الفترة من الأربعاء 27 نوفمبر 2024 حتى الجمعة 6 ديسمبر 2024.

قافلة دعوية في حلايب وشلاتين

تبدأ مديرية أوقاف البحر الأحمر بتنظيم قافلة دعوية في حلايب وشلاتين بمشاركة الشيخ محمود سليم بسطاوي إبراهيم بمسجد نور الإيمان في عزبة علي والشيخ أحمد حامد كامل محمود بمسجد أبرق في قرية أبرق والشيخ سالم يوسف سيد سالم سلمى بمسجد الخير في قرية الخير والشيخ صلاح أحمد عبد الله أحمد بمسجد الصيادين في قرية الصيادين.

كما يشارك الشيخ أبو الفضل محمد علي مبارك بمسجد شهداء الشرطة بجوار قسم الشرطة والشيخ أسعد عبد الغني السيد عامر بمسجد التبة في الحظيرة والشيخ خيري عبد اللاه محمد عبد اللاه بمسجد التقوى في أبو رماد والشيخ محمود علي محمود رشوان بمسجد أدلديت في أبو رماد والشيخ سيد عبد الحافظ أبو الحجاج حسين بمسجد جبل علبة في سرارة 2 والشيخ سليمان أحمد أحمد منصور بمسجد أبو بكر الصديق في المنفذ.

مقالات مشابهة

  • استكشاف فنون الأزياء.. كيف تصبح الملابس تعبيرًا فنيًا
  • خبير بـ«القومي للبحوث الاجتماعية»: مشروبات الطاقة ليست بديلا للنظام الغذائي
  • وكيل الأزهر: استراتيجية الأزهر التعليمية تنشر العلوم وترسخ الفكر الوسطي
  • هل يحل نظام FVS بديلا لـ VAR؟ كل ما تحتاج معرفته
  • «الأوقاف» تطلق 4 قوافل دعوية إلى المناطق الحدودية لنشر الفكر الوسطي
  • إيلون ماسك: طائرات «إف- 35» فاشلة ولا يستعين بها سوى الحمقى
  • تشارك في غارات على اليمن… إيلون ماسك: طائرات إف- 35 فاشلة ولا يستعين بها سوى الحمقى
  • أردوغان: حكومة نتنياهو المجنونة أشبه بـ”القتلة المتسلسلين”
  • عدنان أبو حسنة: منظمات الأمم المتحدة ليست بديلا عن الأونروا