كيف تصبح الثرثرة بديلاً عن المعرفة؟
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
27 نوفمبر، 2024
بغداد/المسلة:
رياض الفرطوسي
“الحمقى يعرفون كل شيء عن أي شيء”، هذا ما قاله ميلان كونديرا، مشيراً إلى ظاهرة غريبة تجعل الثرثرة بديلاً للمعرفة. هؤلاء الذين يدّعون امتلاك الإجابات على كل الأسئلة لا يفسرون في الواقع أي شيء.
كلماتهم تتحول إلى ضجيج فارغ يملأ الأجواء دون أن يثمر فكرة، مثل صحراء لا حياة فيها .
كما يقول برتراند راسل: “الحمقى واثقون، بينما الحكماء مليئون بالشك”. هذه الثقة العمياء لدى الحمقى لا تأتي من إدراكهم، بل من افتقارهم للمعرفة الحقيقية والوعي الذاتي. إنهم يرون أنفسهم في مرايا مشوهة تعكس صوراً من صنع الوهم، ما يجعلهم يهربون إلى بيئات تافهة خالية من النقد أو الحوار الحقيقي.
وفي هذه البيئة، يصبح العنف أحياناً النتيجة الحتمية لغياب الحوار والفهم. نعوم تشومسكي يشرح هذه الفكرة في كتابه غريزة الحرية، حيث يقول: “أي إنسان ذي فكر أو إنسانية لن يدين بسرعة العنف الذي يحدث عندما تتمرد الجماهير المظلومة ضد مضطهديهم”.
وهذا العنف، رغم قسوته، يعبر أحياناً عن صرخة مظلوم، على عكس الثرثرة التي تخدم فقط أصحابها دون أن تحقق أي تغيير.لكن الأزمة الحقيقية تظهر عندما يجد الأحمق نفسه في مجتمع يحكم بمعايير سوية.
وفي هذه اللحظة، يصبح مكشوفاً وعاجزاً عن التكيف. وقد لاحظت ذلك خلال تجربتي في العيش خارج العراق، حيث تكون أزمة الحمقى أشد وطأة وأقسى. فهم يجدون أنفسهم في بيئة غير متسقة مع حماقتهم، كأنهم أسماك ألقيت في صحراء قاحلة، عاجزة عن التكيف أو البقاء .
وما زاد الطين بلة في العراق هو التغيرات السياسية والاجتماعية المتعاقبة التي أوجدت حالة من الفوضى الفكرية.
والآية القرآنية: “كلما دخلت أمة لعنت أختها”، تنطبق بشكل كبير على هذا الواقع. الأنظمة المتغيرة أضعفت النهج الاجتماعي، وتركت المجتمع في حالة من عدم الاستقرار والتشرذم. ومع ذلك، يبقى المثقفون العراقيون في الطليعة، يحاولون الحفاظ على جذوة الفكر رغم كل هذا الشتات.
المفارقة أن أمل الأجيال القادمة يعتمد على الثقافة العالمية، حيث جعلت ثورة المعلومات المعرفة في متناول الجميع. ما فشلت مجتمعاتنا في إنتاجه من ثقافة حديثة، قد يعوضه انفتاح الأجيال القادمة على الفكر الإنساني العالمي.
لكن يبقى الخوف من أن يستمر الفراغ الفكري، ويضعف تأثير المثقفين في مواجهة هذا المد المتسارع من التفاهة والسطحية . كما قال جاك ديريدا: “المطلوب تفسير العالم أولاً، قبل تغييره”.
التفسير هو الأساس لأي تغيير حقيقي. إنه يمنحنا الأمل حتى في أحلك الظروف، لأن الفهم العميق يعطينا قوة لمواجهة الألم والوجع بطريقة واعية . لقد حان الوقت لنتوقف عن لعب دور “النّدابات” في مأتم طويل، ونتحول إلى بشر يعيدون تفسير الواقع، يفهمون جذوره، ويعملون على تغييره بأدوات الفكر والمعرفة.
التغيير يبدأ من الكلمة الواعية، لا من الثرثرة الفارغة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
مكتبة محمد بن راشد.. أمسية الإنجازات في حفل تكريم الشركاء
دبي (الاتحاد)
نظّمت مكتبة محمد بن راشد، حفلها السنوي لتكريم شركائها من الجهات الحكومية والخاصة، والرعاة، والمساهمين، والإعلاميين، تقديراً لمساهماتهم القيمة في تعزيز رؤيتها، ونشر رسالتها، وتحقيق أهدافها في دعم المعرفة وتعزيز الثقافة والابتكار على الصعيدين الوطني والعربي.
وشهد الحفل حضور معالي محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد، والدكتور محمد سالم المزروعي، عضو مجلس الإدارة، إلى جانب كبار المسؤولين، والموظفين، والإعلاميين، وممثلين عن الشركاء الاستراتيجيين والمؤسسات الإعلامية، والشخصيات العامة التي دعمت مسيرة المكتبة وإنجازاتها خلال العام الماضي. أكد معالي محمد أحمد المر، في كلمته الافتتاحية، أن التعاون والشراكات الفعّالة يشكلان الركيزة الأساسية لتحقيق الإنجازات الكبرى، مشيراً إلى أن استراتيجية المكتبة تهدف إلى تعزيز مكانة المعرفة ودعم الإبداع من خلال بناء شراكات استراتيجية مستدامة مع المؤسسات الحكومية والخاصة على المستويين المحلي والدولي. وتابع معاليه، «إن النمو المستدام في محتوى المكتبة المعرفي يسهم اليوم وبشكل كبير في تطوير المشهد الثقافي والمعرفي الوطني، ويدعم تعزيز الوصول إلى المعرفة في مختلف المجالات».
وشدد معاليه على أن الشراكة مع الجهات المختلفة تسهم في تحقيق رؤية المكتبة التي ترتكز على إحداث تأثير حقيقي في المجتمعات، من خلال توفير بيئة معرفية تحفز الابتكار وتشجع التفكير المستقبلي. وفي ختام كلمته، أعرب معاليه عن خالص شكره وتقديره لجميع الشركاء الذين أسهموا بدور كبير في دفع مسيرة المكتبة وتحقيق أهدافها الاستراتيجية الطموحة. وبدأت الفعالية بعرض فيديو مميز، سلط الضوء على أبرز الإحصائيات والأرقام، والمبادرات والفعاليات والبرامج الثقافية المتنوعة التي نظمتها المكتبة خلال العام الماضي، بالإضافة إلى جهودها لنشر المعرفة وتحفيز شغف القراءة بين مختلف فئات الجمهور، ودورها الرائد في دعم التنمية الثقافية والفكرية في المجتمع.
شهد الحفل تكريم عدد من الأفراد والهيئات والجهات الحكومية والخاصة، إلى جانب المؤسسات الإعلامية والصحفيين والمؤثرين وصنّاع المحتوى الذين كان لهم دور كبير وفعّال في دعم القطاع الثقافي ومكتبة محمد بن راشد.