أ.د.عبد العزيز بن حبتور

لقد صدر في يوم الخميس بتاريخ 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 م قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي – هولندا بحق رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه المجرم يوآف غالانت، وبمجرد صدور هذا القرار التاريخي بحق قادة الكيان الإسرائيلي، والذي حظي بإجماعٍ القضاة من دون تحفظ أي منهم، وظهوره في العلن عبر وسائل الإعلام الأجنبية والصهيونية العالمية والعربية، وقد تابعنا واستمعنا إلى ارتداد القرار وتأثيره وصداه حول العالم بأشكال مختلفة ومتباينة.

إن أثر القرار القضائي الدولي الصادر اليوم تجاه “دولة” الكيان الإسرائيلي الصهيوني ووقعه، كان بمنزلة الصدمة النفسية الهائلة لقادة الكيان، كونه يحدث لأول مرة في تاريخ الكيان منذ نشأته في العام 1947م، بل نقول كان وقعه كالزلزال المدوّي والمدمّر على الطبقة السياسية والثقافية والإعلامية وحتى الأكاديمية في المجتمع الصهيوني، بشقّيها لمن هم في سُدّة الحكم، أو أولئك الذين يمثلون المعارضة (في إطار اللعبة الديمقراطية الرأسمالية الكاذبة)، أي بين قوى وأحزاب اليمين الصهيوني، وقوى أحزاب اليسار المتصهين، واللذين اتحدا بموقفهما في تكتل جبهوي عصبوي عنصري مقيت واحد.

لقد كاد الرأي العام العالمي كله يعتقد ويؤمن بأن هذه المحاكم الدولية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، لم تنشأ ولم تُنصب إلا لتكون مخصصة لمحاكمة شعوب بعينها، بل إنها نُصبت بشكل خاص لشعوب أفريقيا السوداء وأمريكا اللاتينية والشعوب السلافية الشرقية والأمم من الشعوب والأقوام ذات اللون الأصفر، والأقوام العربية والإسلامية، وهذا الاعتقاد السائد جاء نتاج ما حدث من جرائم مروّعة اقترفتها الدول والحكومات الأوروبية البيضاء والأمريكية ومخرجاتهما النظام العنصري المقيت وهو الكيان الإسرائيلي الصهيوني اليهودي العنصري المزروع عنوة في أرض فلسطين.

إن محكمة الجنايات الدولية هذه بالتحديد تم التشريع لها وتأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية في مدينة لاهاي الهولندية كي تحمي الإنسانية جمعاء، وكي لا تكرر مأساة الفعل المشين والإرهابي لـ”الدولة” النازية الديكتاتورية الألمانية والحكومة الفاشية الإيطالية والعسكرتارية اليابانية العدوانية، وكانت محاولة ظاهرها إنساني بحت، وجوهرها حماية مصالح الدول الغربية وأفعالها العسكرية والأمنية المُشينة.

وبالمناسبة، لقد دفعت جرائم الكيان الصهيوني اليهودي و”جيشه” النازي الفاشي كل حدود المنطق والسلوك السوي بين الجيوش، والأخلاق الإنسانية المتوارثة بين الشعوب أثناء الحروب التي تنشأ بينهما، بل إنه قد فاض الكيل إلى منتهاه لدى القضاة العدليين في محكمة الجنايات الدولية، الذين شاهدوا ويشاهدون عبر القنوات التلفزيونية الفضائية، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي قتل الفلسطينيين بالجملة، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بلا شفقة ولا رحمة، والقتل بواسطة الحصار والتجويع، والقتل بواسطة تدمير المستشفيات والمراكز الصحية وفي خيام اللجوء وفي مدارس “الأونروا” وفي أماكن دور العبادة وفي الطرقات والأسواق وغيرها، ما تحقق للقضاة بأن ما يحدث هو جرائم حرب جرّمها القانون الدولي الإنساني، وحرب إبادة جماعية أيضاً يرتكبها “الجيش” الصهيوني بحق المدنيين الفلسطينيين العُزل، بل هو ما عرف بالتطهير العرقي لإبادة أهلنا في فلسطين المحتلة.

كل تلك الشواهد المثبتة بالصوت والصورة والدليل الثابت من كل تلك الجرائم، جعل القضاة جميعهم من دون أن يعترض أو يتحفظ أي منهم، جعلهم ينحازون إلى القانون والنص القانوني الفقهي المحايد، ويحكمون بما أملته ضمائرهم الفقهية القانونية تجاه مجرم الحرب وقاتل أطفال فلسطين.

لكن تعالوا معنا لننظر في موقف الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس جو بايدن والمنتهية ولايته، وإدارة الرئيس الجديد القديم دونالد ترامب، وجميعهم قالوا، وبصوت واحد بأنهم ضد قرار محكمة الجنايات الدولية ولن يطبقوه وسيُخضعون القضاة للمساءلة وربما للتحقيق والمحاكمة والعزل، أي وقاحة سياسية هذه! وأي بلطجة حكومية سافلة من رأس النظام الغربي الأمريكي! الذي يدّعي بأنه يلتزم بالقانون الدولي الإنساني، ويحمي حقوق الإنسان والطفل والمرأة وحقوق البشرية في وجه الطغاة، هذا النظام الديمقراطي الذي يتشدق بكل تلك الأقاويل والترهات والخزعبلات سقط سقوطاً مروعاً وهم يحمون القتلة من مجرمي الحرب من قادة العدو الصهيوني.

إن الجريمة البشعة المتمثلة في التطهير العرقي للفلسطينيين في قطاع غزة لها أركان وشركاء لفعل “الجيش” الإسرائيلي وهم:

– جميع حكومات الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة، وجميع حكومات حلف شمال الأطلسي، وجميع الحكومات الصديقة للكيان الإسرائيلي الصهيوني العربية منها والإسلامية والأجنبية.

وللمقارنة المنصفة بين نتائج قرار محكمة الجنايات الدولية الصادر، وبين نتائج مؤتمري القمة العربي والإسلامي الاستثنائي اللذين انعقدا في مدينة الرياض عاصمة السعودية الأول بتاريخ 11 نوفمبر 2023 ، والثاني بتاريخ 11 نوفمبر 2024، وقد خرج القادة العرب والمسلمين في كلتا القمتين، خرجوا بقرارات أشبه ما تكون بقرارات هزيلة فقيرة هابطة وربما شبه ميتة، هنا تأتي قيمة القرارات والتوصيات التي سيسجلها التاريخ بأنها قرارات تاريخية ولها قيمة ووزن، وقرارات تافهة لأشخاص تافهين لا قيمة ولا وزن ولا أثر لقراراتهم بالمطلق.

وحينما نقارن بشيء من الموضوعية والانصاف بين قرارات مؤتمرات القمة العربية الإسلامية المتوالية تحت سقف مؤتمرات الرياض التي لا قيمة لها ولا فائدة منها، وبين قرارات التنسيق والمشورة بين قادة محور الجهاد والمقاومة العربية والإسلامية نجد بأن هناك بوناً شاسعاً بين الجهتين، وبين المؤسستين، المقاومة والجهاد والنظام الرسمي العربي والإسلامي.

هكذا تشاهد وتحكم الشعوب العربية والإسلامية جمعاء، والشعوب من حول العالم أجمع والرأي العام العربي، يعيشان بين موقفين متناقضين بل شديد التناقض بينهما، بين موقف محور الجهاد والمقاومة العربية الإسلامية وبين موقف النظام العربي الإسلامي الرسمي المتخاذل.

نموذج محور المقاومة والجهاد في تقديم الإسناد للشعب الفلسطيني، والمكون من:

– المقاومة في الجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء، المقاومة في فلسطين المحتلة، المقاومة في جمهورية لبنان، المقاومة في الجمهورية العربية السورية، المقاومة في جمهورية العراق، وبدعم وإسناد لوجستي سخي من الحرس الثوري في جمهورية إيران الإسلامية البطلة، هذا المحور المجاهد الصلب قد أمطر الكيان الصهيوني الإسرائيلي بصواريخه السكود وصواريخه الفرط صوتية والطيران المسير والطيران الانقضاضي وصواريخ الكاتيوشا ومدافع الهاون وبرصاص الكلاشنكوف، أمطرهم في البر والبحر وفي داخل عمق الكيان وفي عمق معسكراته ووزارة دفاعه حتى وصل القصف المسير إلى غرفة نوم مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى الدعم العسكري بإغلاق الملاحة البحرية على الكيان الإسرائيلي في البحرين الحمر والعربي وباب المندب وصولاً إلى أطراف المحيط الهندي، إضافة إلى الإسناد المعنوي الهائل عبر القنوات الإعلامية الرسمية والقنوات المقاومة والمسيرات التضامنية والاحتجاجية والندوات والمؤتمرات.. إلخ من أشكال الدعم المادي واللوجستي وغيرها.

نموذج محور دول التطبيع العربي الصهيوني (النظام العربي الإسلامي الرسمي) وما قدموه للشعب الفلسطيني، ومحور النظام العربي الرسمي الذي اصطف معظمه إلى جانب المعتدي، أي إلى جانب الكيان الإسرائيلي و”جيشه” العدواني، بل إنهم طلبوا من وزير الخارجية الأمريكية / أنتوني بلينكن أن يتم القضاء السريع على حركة المقاومة الفلسطينية، كما ورد في كتاب الحرب للكاتب الأمريكي ذائع الصيت والشهرة/ بوب ودوورد، وطلبوا منه سحق رؤوس المقاومة في قطاع غزة بشرطين هما:

الشرط الأول: أن تُسرع أجهزة الكيان الإسرائيلية القمعية بالقضاء على خلايا ونموذج محور دول التطبيع العربي الصهيوني (النظام العربي الإسلامي الرسمي).

الشرط الثاني: أن لا يتم إظهار المشاهد المزعجة إعلامياً لمقتل الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين في وسائل الإعلام، لكي لا يغضب الرأي العام العربي المحلي.

هكذا هي الرؤية الوقحة والمستهترة والتافهة لمن يسمون أنفسهم بالقادة الأشاوس (العرب أو الأعراب) الذين خصهم وزير الخارجية الأمريكي اليهودي المتصهين أنتوني بلينكن بزيارات متكررة خلال عام “طوفان الأقصى”.

كما أن هؤلاء القادة الأعراب فتحوا أراضيهم البرية والجوية والبحرية لجميع وسائل النقل والتنقل لخدمة الكيان الصهيوني أثناء فترة الحصار الخانق على أهلنا في قطاع غزة، على سبيل المثال تُنقل البضائع بأنواعها الغذائية والاستهلاكية والعسكرية في كل ساعات الليل والنهار من ميناء رأس جبل علي في الإمارات مروراً بأراضي المملكة السعودية والمملكة الهاشمية وصولاً إلى “الجيش” الإسرائيلي بفلسطين المحتلة، السؤال هنا هل يوجد سقوط أخلاقي وإنساني وديني أكثر من سقوط وانحطاط مريع كهذا؟.

وفي أثناء المجازر اليومية بحق أهلنا في فلسطين المحتلة ولبنان واليمن نجد بأن الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني تقيم حفلات الزواجات الملكية الفارهة، والترفيه والتعري والسقوط والانحطاط الأخلاقي في مدنهم وقنواتهم ووسائل إعلامهم.

أثبت يوم الـ7 من أكتوبر 2023، وبدء حرب “طوفان الأقصى” وثبات أهلنا في فلسطين على حقهم المشروع في المقاومة والجهاد من أجل استعادة الحرية والكرامة للشعب الفلسطيني، أثبت بأن كيان العدو الإسرائيلي ما هو إلا كيان استيطاني مؤقت، وثبت فشل وخطأ تقدير النظام العربي والإسلامي الرسمي لمستقبل فلسطين، وأن محور المقاومة والجهاد هو الضامن الأوحد لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر .

عضو المجلس السياسي الأعلى

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: محکمة الجنایات الدولیة الکیان الإسرائیلی المقاومة والجهاد الکیان الصهیونی فلسطین المحتلة النظام العربی المقاومة فی فی فلسطین أهلنا فی

إقرأ أيضاً:

خبيرعلاقات الدولية: توسع الصراع بين الفصائل سيكون أكثر خطورة في سوريا

قال محمد نادر العمري، الكاتب المتخصص في العلاقات الدولية، إن بعض المناطق في سوريا أصبحت ملاذًا لأولئك الذين يمكن أن نطلق عليهم «فلول النظام السابق» أو الذين يستفيدون من النظام السياسي القديم، مضيفًا أن هؤلاء يسعون بشكل مدروس، أو بالتعاون مع دول خارجية، خاصة إسرائيل، لتشويه الهدوء في سوريا.

رويترز: رفعت الأسد هرب من سوريا واستقر في دبيالعمليات العسكرية لا تزال مستمرة في سوريا .. تقرير

وأشار خلال مداخلة على قناة «القاهرة الإخبارية»، إلى أن التصعيد الأخير جاء بعد ساعات قليلة من تصريحات إيرانية تضمنت دعوات لعدم دفع الشعب السوري نحو التفاؤل، معتبرًا أن هذه التصريحات تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني السوري، إذ تحمل في طياتها أبعادًا خطيرة.

كما تحدث عن الخلاف التركي الكردي واستمرار الدعم الأمريكي للأكراد في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، قائلا: «الولايات المتحدة لا تشجع الأكراد على الحوار مع القيادة السورية الجديدة أو على الانخراط في العملية السياسية»، وهذا الصراع الإقليمي يعقد الوضع الأمني في البلاد.

وأضاف أن هذه العوامل تشكل تحديات أمنية كبيرة في الفترة القادمة، حيث لا يزال هناك تفلت للسلاح ووجود «فلول النظام السابق»، معتبرًا أن هذه الفوضى قد تكون مفتعلة لغايات متعددة، مثل توجيه الانتباه عنها أو تنفيذ أجندات إقليمية.

وفيما يخص الصراع المحتمل في سوريا، حذّر «العمري» من أن أي توسع في الصراع سيكون أكثر خطورة مما شهدته سوريا خلال السنوات الـ13 الماضية، مضيفًا أن الوضع الحالي يهدد استقرار البلاد بشكل أكبر من أي وقت مضى.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد العربي للمؤتمرات الدولية ينظم معرضًا للصناعات في العراق خلال 2025
  • خبيرعلاقات الدولية: توسع الصراع بين الفصائل سيكون أكثر خطورة في سوريا
  • ائتلاف القانون يحذر من مخطط الكيان الصهيوني لتقسيم العراق عبر إشعال حرب أهلية
  • مراجعات نهاية عام الكوارث العربية والفلسطينية
  • الكيان الصهيوني يعتقل فلسطينيا من طولكرم
  • مؤسسة البحر الأحمر تحمل المجتمع الدولي مسؤولية استهداف الكيان الصهيوني لموانئها
  • موانئ البحر الأحمر تحمل المجتمع الدولي مسؤولية استهداف الكيان الصهيوني لموانئها
  • مجلس الشورى يطالب رابطة مجالس الشيوخ بالتحرك دوليا لإيقاف جرائم الكيان الصهيوني بغزة
  • خبير في العلاقات الدولية: قضية فلسطين لم تغب لحظة عن أجندة السياسة الخارجية المصرية
  • المقاومة مستمرّة: الكيان الصهيوني تحت مجهر القانون