لجريدة عمان:
2024-09-19@14:12:28 GMT

ذاكرة من مطيرح

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

مطيرح، قطعة من جغرافية مطرح، سأعدها نموذجا للحارات المطرحية والمسقطية.. لي معها ذكريات طفولة بين جبالها وأزقتها، ومشاوير السوق والمدرسة والبريد، عندما كانت بعض بيوتها ما زالت بأسقف خيمية من الخشب والسعف، وأغلب جدرانها بلا ألوان.. تنقسم إلى (علوا) عند سفح الجبل، و(حدرا) الأقرب إلى البحر.

حياة ودودة رغم صعوبتها.

. الكل يعرف الكل، وإن تباينت بعض المستويات والثقافات، وما زالت المودة ممتدة إلى اليوم رغم التباعد الجغرافي والزمني، إن لم تلتق في الأفراح تظهر في الأتراح.. المسجد يجمع أهل الحارة للصلوات وما بينها، وبيت المعلمة حليمة ينشر بركات من حناجر الصغار.

نادى منادي الحكومة: إن من حق المواطن أن يمتلك أرضا يبني عليها بيتا؛ لحياة كريمة. ولضيق الأفق وإدراك ما ستصل له البلاد من تغيير فقد رفض الأهل -مثل كثيرين- أن يخرجوا من تلك الحارة، ويذهبوا للمربعات الجديدة البعيدة فقالوا (ما نسير نسكن حيت يتمرغن الكلاب، ونخلي دكاكينّا) غير متخيلين أن تلك المواقع ستعلو فيها الفلل والمباني التجارية والبنوك، فاختاروا قطعة أرض طولية غير متساوية الأضلاع تحت أحد الجبال، ليشرعوا في تمهيدها لبناء أول بيت سنمتلكه في العاصمة..

يكسّرون الصخور من الجبل بسواعدهم وأدواتهم البدائية (هيب-مند-كزمة-مسحاة...إلخ)، يعلون بها الأساسات ويبنون بها وببعض الأسمنت، والطابوق الذي يقومون بتصنيعه في الموقع نفسه.. لم نكن قد عرفنا بعد العمالة الأجنبية والخرائط الهندسية، إذا عليهم الاستعانة ببعض المعارف الذين أتوا من (لبلاد) لهذا الغرض، ويتولى الشايب سالم، المحب للسياسة والأدب دور الوستاد (المهندس) والمقاول، وكان على والدي وأحد الأهل، الذي يملك أتانا (حمارة) جلب مواد البناء على ظهرها من السوق إلى هنا، قبل استحداث شارع ترابي يربط المكان بالشارع. ذلك المشروع الذي جعل معظم أهل الحارة وخاصة الشياب والعجائز يخرجون محتجين على تنفيذه، ويرون فيه تطاولا على أسلافهم، لأنه أنشأ فوق قبورهم.

الأضلاع الثلاثة للبيت طبيعية تقريبا، أما سوره الشرقي فهو الجبل مباشرة الذي سنجد فيه أنا وشقيقتيّ ألعابا تشبه الزحاليق والبيوت الصغيرة.. لا يمر أسبوع تقريبا إلا وتختفي فردة حذاء، لأن الحصيني (الثعلب) ينزل ليلا ويسرقها، مطبقا المثل العماني (حصيني راقط وطية).. كانت فرحة لا توصف بامتلاك أول بيت.

وهنا تغيرت بعض عناصر البناء مثل نوع النوافذ، خاصة بعد أن علق رأسي بين قضبان النافذة قبل سنتين، وأصبح جسمي داخل البيت ورأسي خارجه. فقد حلت النوافذ الحديدية ذات المربعات الزجاجية الشفافة وغير الشفافة والبيضاء السادة والملونة المزخرفة، فكان الناس يصفونها بأنه يمكن للإنسان أن ينظر للخارج وهي مغلقة. لذلك سنعرف أيضا الستائر.

هذا البيت الذي اكتمل في 1971 م، شهد استقبال العديد من أسر الأقارب المغتربين في أفريقيا، لتتحسن لدي اللغة السواحلية حتى يصبح اسمي بين أقراني (محمد الزنجباري) بعد أن كنتُ محمد تتّو (الصغير جدا).. ويستضيف أقارب ومعارف من البلد وممن يدرسون في الخارج. فالشايب سالم معارفه كثر، وهو شخصية جاذبة.

كثير من تفاصيل الحياة اليومية تتطور، بدءا من المطبخ، بدخول أسطوانة الغاز التي تُجلب شهريا من الشركة في روي، بعد الحطب، وستيمة البترمكس النحاسية (طباخة) التي تعمل بالحل تراب (كيروسين) ثم التي تحوي أكثر من عين (شعلة)، كما دخلت صفاري (قدور) الضغط التي أصبحت حديث النساء والرجال، بأنها تنضّج الرنز (الأرز) في ست دقائق. ونرتقي إلى أكل البسمتي بدل الزيرة ذي الحبة الكبيرة، وطحين الميدا بدل الآتا.

ووصل ماء الحكومة إلى حوش البيت، بعد أن كانت أمهاتنا يجلبنه من الطوي البعيدة على رؤوسهن ليلا، ودخلت الأدوات الكهربائية تباعا لنقتني الدفايات والسخانات للشتاء، ويتوج البيت بمكيف هواء تم تقسيمه على غرفتين، وتفاصيل كثيرة لا تحصى.

وهنا يتجمع الأهل سنويا من المناطق الأخرى لمشاهدة الألعاب النارية وهي تطلق من قلعة مطرح كواحدة من أكبر المظاهر بهجة وإثارة.

في شقوة الطفولة تلك كنا (نهوى صعود الجبال) المحيطة بحارتنا، لذلك قررنا ذات حماقة أن نتتبع الأنبوب الذي تم مده إلى ريام لتزويد محطة الكهرباء بالوقود، حتى بلغنا القمة، لنتفاجأ بمساحة كبيرة وليس كما نتخيل في تلك الأعمار أن أعالي الجبال كسنام الجمل. هاجمَنا قطيع من الكلاب، ولكن تعاطينا شجاعة وأخذنا نقذفها بالحجارة حتى هربت.. كان وقت خصب لذلك عدنا ببعض أوراق نبات (المحميضة).. وربما تجرأنا ونحن في بداية الطريق على التقاط بعض البيسات المنثورة عند فراغ جبلي يسمى العين، يُتخذ للنذور وما شابه.. تابعنا السير فكانت المفاجأة أن نجد درجا من الحجر الكبير من أعلى الجبل إلى الأرض ونزلنا منه إلى ريام.

تلك هي (سكة الخيل). وهي اليوم ممشى جبلي للهواة والمغامرين.. كما تجرأت مرة على الصعود من بيتنا حتى القمة لأحظى بمشهد بانورامي ما زال مطبوعا في ذاكرتي.

الكوت، (قلعة مطرح) تقف شامخة على رأس جبل منفصل عن الجبال المجاورة.. لها هيبة، تشعرنا أن داخلها مفقود والخارج منها مولود.. إنها بمثابة السجن الرسمي لمطرح. قضى فيها والدي والشايب سالم ليلة رمضانية كئيبة، لأنهما دافعا عن نفسيهما عندما تعرض لهما اثنان لا يعرفانهما بالمضايقة.

فبعد الشجار أتى العسكر، وحُسم الموضوع بنقل المضروبين إلى المستشفى، والضاربين إلى الكوت.. وتمت التسوية في اليوم التالي.

ألعابنا قليلة بسيطة، مثل (الكلولو) و(الدوامة) و(الويه ويه أو الصولة)، و(السباحة) في البحر أو السد، و(السياكل)، بل وحتى الضرابة (الشجار) أحيانا هي نوع من اللعب.. ولكن كلما ارتقينا في الدراسة نرتقي بأنشطة أخرى. ففي المدرسة سينضم بعضنا للكشافة أو الأشبال، وسنمارس تنس الطاولة والجمباز والعدو والسلة والطائرة وكرة القدم والرسم والموسيقى، وربما المسرح كمقررات دراسية، وسنقوم برحلات مدرسية لأماكن ندخلها أول مرة، ونقف على الشوارع نحمل أعلاما صغيرة لدول أخرى مرددين الترحيب بضيوف جلالة السلطان، فنزعم صدقا أو كذبا أننا رأينا السلطان وضيفه، وقد يذهب بعضنا لأبعد ويزعم أن جلالته خصه بالتحية، ونقف لاحقا بين قلعة الميراني وقصر العلم ومسجد الخور، مرحبين بالملكة إليزابيث الثانية وهي تنزل من اليخت. ونشارك في المهرجانات الطلابية الكبيرة، ويكون نصيبي في العرض الذي حضره شاهنشاه إيران. كل ذلك يفتح لنا نوافذ أخرى أوسع من (سكيك الحارة).. معظم هؤلاء الأطفال كانوا مشاريع قيادات ومبدعين سيثبتون جدارتهم في مجالاتهم، فصالح سيصبح مسؤولا مهما في عمانتل، ورشاد سيتقلد منصبا عاليا، وجارنا (عبدالله بشير) تسجل له الإذاعة بعض أغانيه، وأبرزها (اشتقت لك يا زين)، وسيتوزع آخرون في الأجهزة العسكرية والأمنية والإدارية، ويسافر آخرون لتكملة تعليمهم في الخارج. كانت التسميات، بدون (بن) أو (القبيلة) لذلك نشأنا وقلما نعرف أو يهمنا قبائل أو مذاهب بعضنا بعضا.. فممن سألتقيهم وأزاملهم وأستعيد معهم تلك التفاصيل بعد سنوات مثلا (أحمد سعيد) الذي أصبح كاتبا ومخرجا وممثلا ومسؤولا، و(صالح محفوظ) ممثلا ومقدما ومسؤولا، و(محمد عبدالله) -رحمة الله عليه- الذي سيعشق الإخراج ونمارس أنا وهو الكثير من الجنون الإذاعي. ولكن سأفجع برحيله المفاجئ وهو يحضّر حقيبته للحاق بي في القاهرة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

طقس الـ6 أيام القادمة.. الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة

كتب- محمد أبو بكر:

كشفت الهيئة العامة للأرصاد الجوية، عن حالة الطقس ودرجات الحرارة خلال الـ6 أيام القادمة والأحوال الجوية المتوقعة.

وذكرت "هيئة الأرصاد"، أن طقس الـ6 أيام القادمة يشهد عددًا من الأحوال الجوية المتوقعة، منها نشاط رياح.

وقالت "الأرصاد"، بحسب بيانها، إن حالة الطقس خلال الـ6 أيام القادمة تشهد ارتفاع درجات الحرارة على أغلب الأنحاء، وتستمر حتى السبت 21 سبتمبر 2024.

وأضافت "الهيئة"، أنه يسود خلال الـ6 أيام القادمة طقس شديد الحرارة على أغلب الأنحاء، مائل للحرارة رطب ليلًا.

وأوضحت أن حالة الطقس خلال الـ6 أيام القادمة تشهد رياح نشطة قد تكون مثيرة للرمال والأتربة، على مناطق من جنوب سيناء وشمال الصعيد ومحافظة الوادي الجديد، على فترات متقطعة.

وتابعت "الأرصاد"، أن حالة الطقس خلال الـ6 أيام القادمة تشهد شبورة مائية خفيفة صباحًا، على بعض الطرق الزراعية والسريعة والقريبة من المسطحات المائية.

مقالات مشابهة

  • تفاصيل طقس الغد ونصائح للتعامل مع الموجة الحارة.. المحسوسة تصل 44 درجة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. عودة مصطفى فغاغا
  • طقس الـ6 أيام القادمة.. الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة
  • أسخن يوم مع نهاية فصل الصيف.. ممنوع الخروج لهذه الفئات
  • البيت الأبيض: الولايات المتحدة لم تشارك في الهجمات التي شهدها لبنان أمس واليوم
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • طريقة عمل الكباب المشوي بالهريسة الحارة
  • الارصاد : طقس ضبابي في الجبال خلال ساعات الصباح الباكر
  • كدم.. وأنظمتها البديعة
  • الحرب الحالية قد تطمس “ذاكرة” السودان التاريخية والحضارية