لجريدة عمان:
2025-01-23@05:36:12 GMT

موسى عمر.. مقاومة الصمت بالألوان

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

بعض التجارب الإبداعية، تشبه الثمار، عندما تنضج يقترب موعد قطافها، والغياب المفاجئ للفنان الراحل موسى عمر، يشبه قطف ثمرة نضجت بعد طول انتظار وصبر، فقد ظلّ يرسم، ويجرّب، ولم يقف عند حدّ معين، بحسّ من يسابق الزمن، من أجل أن يصل مرحلة الاكتمال، والنضج، وحين بلغ ذلك، فجأة حان موسم القطاف.

والغريب أن تجارب موسى عمر الفنية الأخيرة احتوت تجاربه السابقة، وهضمتها، واصطبغت بصبغة أكثر حداثية، فقد قام بتبسيط عناصره الفنية وأخذت تلك العناصر بعدا جماليا اختزل تجاربه مع الألوان والرموز والتكوينات والإشارات، ويؤكّد الناقد والفنان عبد الكريم الميمني أن تلك العناصر قام بمزجها "في كلّ متناغم عبر الألوان والرموز والأشكال وهذا ما دلت عليه أعماله التي قدّمها في مركز عمان للمؤتمرات قبل شهور".

كان لقائي الأول به في أحد مطاعم مسقط -أواخر التسعينيات- وكان برفقة الفنّانين نوري الراوي في زيارته الأخيرة لمسقط، وحسين عبيد، وجلسنا نتجاذب أطراف الأحاديث، وكان الفنان موسى يصغي إلى ما يدور من أحاديث في الفن التشكيلي والحياة، يلفّه بصمت عميق، وكلّما نحاول استنطاقه يكتفي ببضع جمل، ووسط هذا الصمت، كان يحرّك يديه ليرسم في الهواء هلالا، أو شمسا، أو كفّا، ومن الواضح أنه حين أراد كسر جدار الصمت لم يجد وسيلة غير الرسم، فمضى يرسم على الجدران، والدروب، والأوراق، فالفرشاة هي الوحيدة القادرة على ذلك، وقد تحدّث عن هذا في كتابه "مدني الملوّنة" قائلا: "لطالما سعيت في أعمالي إلى مقاومة الصمت المطبق بكل ثقله وخفته على روح الإنسان، ذلك المختبئ دوما خلف الجدران وأمامها. أنكش ذلك الصمت وأبعثر مفرداته وأشياءه على بياض اللوحات وبهائها، فتتدفّق سيولي في كلّ أروقة العمل الفني، فتحطّم تلك الجدران أو تعيد بناءها، فيمتلئ حيز اللوحة بروائح المدن والقرى، بليلها وبنهارها، بشموسها وأقمارها، ببصمات أناسها ونقوشهم على جدرانها، وبذلك القدر الذي يمضي بالإنسان قدما، إما نحو لب الأرض أو باتجاه عنان السماء، الفن وجه الحياة الأوحد"

ومن خلال معرفتي به لاحظته أنه غير مهتم بالتنظير للوحاته، ولا يتحدّث عنها، بل يتركها تتكلّم نيابة عنه، فهو يرسم فحسب، وهو بهذا أقرب ما يكون لفنان فطري. وفي جولاتنا في مسقط القديمة ومطرح كثيرا ما كان يقف عند الجدران، والكتابات التي تغطّيها، وحين سألته عنها ذات يوم أجابني مستلا مقطعا من كتابه: "تدهشني كثيرا بصمات الإنسان على الجدران أرى أنها انعكاس وتسجيل لما تختزنه الذاكرة من مشاعر وأحداث وهموم، أليست البصمات أبرز ما يميزنا عن بعض نحن بني البشر؟ تجذبني أيضا الكتابات والرموز المنقوشة على الجدران وكذلك النقوش التقليدية على الأبنية القديمة وعلى الأزياء والأدوات القديمة لهذه العناصر تملأ سماوات لوحاتي".

تضجّ أعمال موسى عمر بألوان الحياة، وتحتشد بالكثير من التفاصيل، التي تحيل إلى الطفولة، والحكايات الشعبية، ورموز يلتقطها من الحارات القديمة، فيحمّلها دلالات متعددة، ففي لوحاته تجد الهلال حاضرا، وكذلك الأفعى، والقمر، والعين، وهو في كل أعماله ظلّ مخلصا لبيئته العمانية، ويجدها المتابع موظّفة في أعماله توظيفا دقيقا، بعفوية طفل، متمثّلا بمقولة بيكاسو "طموح كل رسام هو الاحتفاظ بالعفوية التي تعرفها أصابع الطفل عند الرسم"، لقد احتفظ موسى عمر بعفويته، لذا فأعماله متخمة بالتفاصيل وهو يشتغل على أعماله بصبر، فمعرضه "قميص الأحلام" الذي أقامه بمتحف بيت الزبير في مارس 2012م واستلهم به قصة النبي يوسف (عليه السلام) استغرق إعداده ثلاث سنوات، قبل ذلك شغلته المدينة، لكن مدينة موسى عمر ليست حيّزا مكانيا، ومعماريا وفضاء محدّدا، بل هي حيّز مفتوح يسكن مخيلته، خرجت على هيئة جدران، وبيوت، وحارات، وأزقّة ضيّقة، تقول الناقدة اليمنية د.آمنة النصيري: إن موسى عمر "يحيل صورة المكان الحسّية إلى أمكنة مجازية متخيلة، لذا تبدو تلك المدن أشبه بإعلان لميلادات متوالية جمالية للحيز تحلق به في مدارات لا يقننها الواقع".

واليوم، حين أجيل طرفي في صالون سكني، بين لوحات مهداة لي من فنانين كبار، أرى خزفيّة من خزفيات موسى عمر تتوسّط تلك الأعمال، عنوانها "المحبة"، وهو العنوان الأبرز للفنان موسى عمر، الإنسان المحبّ الذي امتدّت يد الموت لتقطف ثمرة تجربة في قمّة نضجها واكتمالها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: موسى عمر

إقرأ أيضاً:

وفاة كاهن من قطاع كنائس مصر القديمة والبابا تواضروس يقدم التعزية.. صور

توفي، اليوم، الأب القمص مينا منير كاهن كنيسة السيدة العذراء والقديس الأنبا بيشوي بمنطقة عين الصيرة التابعة لقطاع كنائس مصر القديمة، عن عمر ناهز ٧٢ سنة، وعقب خدمة كهنوتية امتدت إلى ٣٧ سنة.

وفاة كاهن من كنائس مصر القديمة 

ولد الأب المتنيح ( المتوفي ) يوم  ١١ فبراير ١٩٥٣ وسيم كاهنًا بيد مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث في ٢٩ مايو ١٩٨٨ على مذبح كنيسة السيدة العذراء والقديس الأنبا بيشوي بعين الصيرة والتى لم يكن قد اكتمل بناؤها بعد، فخدم فترة في كنيسة الشهيد مار مينا بفم الخليج حتى انتقل للخدمة في كنيسته بمنطقة عين الصيرة بعد اكتمال البناء، كما نال رتبة القمصية بيد قداسة البابا تواضروس الثاني في ٢ أبريل ٢٠١٣.

أول معجزة للمسيح .. الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل بتذكار عرس قانا الجليلالأنبا انجيلوس يترأس قداس عيد الغطاس بكنيسة مار مرقس الرسول بشبراالأنبا دانيال يترأس القداس الإلهي بكنيسة السيدة العذراء بروماوصول ترامب وعائلته إلى القديس يوحنا .. لماذا سميت بكنيسة الرؤساء؟

هذا ومن المقرر أن تقام صلوات تجنيزه بكنيسته صباح غدٍ الأربعاء الساعة الثانية عشر ظهرًا عقب القداس الإلهي، بحضور نيافة الأنبا يوليوس الأسقف العام لكنائس قطاع مصر القديمة.

البابا تواضروس يقدم التعزية 

قداسة البابا تواضروس الثاني يتقدم بخالص العزاء لنيافة الأنبا يوليوس الأسقف العام لكنائس قطاع مصر القديمة والمنيل وفم الخليج، وللآباء كهنة القطاع في نياحة الأب الفاضل القمص مينا منير، ويلتمس عزاءً سمائيًّا لشعب كنيسته، ولأسرته المباركة، طالبًا لنفسه البارة النياح والراحة، النصيب والميراث مع الأربعة وعشرين قسيسًا.

مقالات مشابهة

  • تفاصيل معاقبة عامل بالسجن المشدد 5 سنوات في مصر القديمة
  • السلطات السورية تمنع الرسم على الجدران في اللاذقية.. وتحذر
  • التشكيل وفق القواعد القديمة.. وسلام لا يرضخ للضغوط
  • مجلس مدينة اللاذقية: يُمنع القيام بأي طلاء أو رسومات على الجدران ‏والممتلكات العامة
  • وفاة كاهن من قطاع كنائس مصر القديمة والبابا تواضروس يقدم التعزية.. صور
  • دينية النواب تزور مسجد عمرو بن العاص بمنطقة مصر القديمة
  • ضبط سيدة وعاطل سرقا مبالغ مالية من داخل عيادة بمصر القديمة
  • أروى جودة تشعل الجدل بأنباء زواجها وتلتزم الصمت
  • الصمت الجبان!
  • وزارة بنعلي تلزم الصمت أمام التقرير الناري للمجلس الأعلى للحسابات حول تعثر استراتيجية الطاقة