لجريدة عمان:
2024-12-23@18:02:21 GMT

موسى عمر.. مقاومة الصمت بالألوان

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

بعض التجارب الإبداعية، تشبه الثمار، عندما تنضج يقترب موعد قطافها، والغياب المفاجئ للفنان الراحل موسى عمر، يشبه قطف ثمرة نضجت بعد طول انتظار وصبر، فقد ظلّ يرسم، ويجرّب، ولم يقف عند حدّ معين، بحسّ من يسابق الزمن، من أجل أن يصل مرحلة الاكتمال، والنضج، وحين بلغ ذلك، فجأة حان موسم القطاف.

والغريب أن تجارب موسى عمر الفنية الأخيرة احتوت تجاربه السابقة، وهضمتها، واصطبغت بصبغة أكثر حداثية، فقد قام بتبسيط عناصره الفنية وأخذت تلك العناصر بعدا جماليا اختزل تجاربه مع الألوان والرموز والتكوينات والإشارات، ويؤكّد الناقد والفنان عبد الكريم الميمني أن تلك العناصر قام بمزجها "في كلّ متناغم عبر الألوان والرموز والأشكال وهذا ما دلت عليه أعماله التي قدّمها في مركز عمان للمؤتمرات قبل شهور".

كان لقائي الأول به في أحد مطاعم مسقط -أواخر التسعينيات- وكان برفقة الفنّانين نوري الراوي في زيارته الأخيرة لمسقط، وحسين عبيد، وجلسنا نتجاذب أطراف الأحاديث، وكان الفنان موسى يصغي إلى ما يدور من أحاديث في الفن التشكيلي والحياة، يلفّه بصمت عميق، وكلّما نحاول استنطاقه يكتفي ببضع جمل، ووسط هذا الصمت، كان يحرّك يديه ليرسم في الهواء هلالا، أو شمسا، أو كفّا، ومن الواضح أنه حين أراد كسر جدار الصمت لم يجد وسيلة غير الرسم، فمضى يرسم على الجدران، والدروب، والأوراق، فالفرشاة هي الوحيدة القادرة على ذلك، وقد تحدّث عن هذا في كتابه "مدني الملوّنة" قائلا: "لطالما سعيت في أعمالي إلى مقاومة الصمت المطبق بكل ثقله وخفته على روح الإنسان، ذلك المختبئ دوما خلف الجدران وأمامها. أنكش ذلك الصمت وأبعثر مفرداته وأشياءه على بياض اللوحات وبهائها، فتتدفّق سيولي في كلّ أروقة العمل الفني، فتحطّم تلك الجدران أو تعيد بناءها، فيمتلئ حيز اللوحة بروائح المدن والقرى، بليلها وبنهارها، بشموسها وأقمارها، ببصمات أناسها ونقوشهم على جدرانها، وبذلك القدر الذي يمضي بالإنسان قدما، إما نحو لب الأرض أو باتجاه عنان السماء، الفن وجه الحياة الأوحد"

ومن خلال معرفتي به لاحظته أنه غير مهتم بالتنظير للوحاته، ولا يتحدّث عنها، بل يتركها تتكلّم نيابة عنه، فهو يرسم فحسب، وهو بهذا أقرب ما يكون لفنان فطري. وفي جولاتنا في مسقط القديمة ومطرح كثيرا ما كان يقف عند الجدران، والكتابات التي تغطّيها، وحين سألته عنها ذات يوم أجابني مستلا مقطعا من كتابه: "تدهشني كثيرا بصمات الإنسان على الجدران أرى أنها انعكاس وتسجيل لما تختزنه الذاكرة من مشاعر وأحداث وهموم، أليست البصمات أبرز ما يميزنا عن بعض نحن بني البشر؟ تجذبني أيضا الكتابات والرموز المنقوشة على الجدران وكذلك النقوش التقليدية على الأبنية القديمة وعلى الأزياء والأدوات القديمة لهذه العناصر تملأ سماوات لوحاتي".

تضجّ أعمال موسى عمر بألوان الحياة، وتحتشد بالكثير من التفاصيل، التي تحيل إلى الطفولة، والحكايات الشعبية، ورموز يلتقطها من الحارات القديمة، فيحمّلها دلالات متعددة، ففي لوحاته تجد الهلال حاضرا، وكذلك الأفعى، والقمر، والعين، وهو في كل أعماله ظلّ مخلصا لبيئته العمانية، ويجدها المتابع موظّفة في أعماله توظيفا دقيقا، بعفوية طفل، متمثّلا بمقولة بيكاسو "طموح كل رسام هو الاحتفاظ بالعفوية التي تعرفها أصابع الطفل عند الرسم"، لقد احتفظ موسى عمر بعفويته، لذا فأعماله متخمة بالتفاصيل وهو يشتغل على أعماله بصبر، فمعرضه "قميص الأحلام" الذي أقامه بمتحف بيت الزبير في مارس 2012م واستلهم به قصة النبي يوسف (عليه السلام) استغرق إعداده ثلاث سنوات، قبل ذلك شغلته المدينة، لكن مدينة موسى عمر ليست حيّزا مكانيا، ومعماريا وفضاء محدّدا، بل هي حيّز مفتوح يسكن مخيلته، خرجت على هيئة جدران، وبيوت، وحارات، وأزقّة ضيّقة، تقول الناقدة اليمنية د.آمنة النصيري: إن موسى عمر "يحيل صورة المكان الحسّية إلى أمكنة مجازية متخيلة، لذا تبدو تلك المدن أشبه بإعلان لميلادات متوالية جمالية للحيز تحلق به في مدارات لا يقننها الواقع".

واليوم، حين أجيل طرفي في صالون سكني، بين لوحات مهداة لي من فنانين كبار، أرى خزفيّة من خزفيات موسى عمر تتوسّط تلك الأعمال، عنوانها "المحبة"، وهو العنوان الأبرز للفنان موسى عمر، الإنسان المحبّ الذي امتدّت يد الموت لتقطف ثمرة تجربة في قمّة نضجها واكتمالها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: موسى عمر

إقرأ أيضاً:

العملة القديمة بالخرطوم: سارية حتى اكتمال الترتيبات

أكدت اللجنة العليا لاستبدال العملة استمرار التعامل بالعملة القديمة بولاية الخرطوم حتى اكتمال الترتيبات الفنية. والي الخرطوم شدد على أهمية حماية الاقتصاد الوطني من العملات المزورة..

التغيير: الخرطوم

أكدت اللجنة العليا لاستبدال العملة أن العملات القديمة بولاية الخرطوم ستظل سارية المفعول ومبرئة للذمة حتى اكتمال الترتيبات الفنية المطلوبة.

جاء ذلك خلال زيارة وفد اللجنة للولاية اليوم، حيث طمأنت اللجنة التجار والمواطنين بأن أموالهم بأمان وأكدت استمرار العمل بجميع فئات العملات القديمة في المعاملات التجارية.

والتقى والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، وفد اللجنة العليا لاستبدال العملة القادم من بورتسودان، بحضور الأمين العام لحكومة الولاية، الهادي عبد السيد، وأعضاء لجنة استبدال العملة في الخرطوم.

وأوضح الوالي أن الدولة تواجه حرباً مزدوجة، عسكرية واقتصادية، مشيراً إلى أن استثناء الخرطوم مؤقتاً من عملية استبدال العملة أدى إلى تحديات كبيرة، منها امتناع بعض البنوك عن استلام فئتي 500 و1000 جنيه، مما أثر على حركة البيع والشراء في الأسواق.

وخلال جولة ميدانية شملت فروع البنوك العاملة في كرري وسوق صابرين وسوق خليفة، أكد الوالي ثقته في تضامن لجنة استبدال العملة مع المواطنين لإيجاد حلول عاجلة للمشكلات الناشئة، لكنه شدد على أن أجهزة الولاية لن تسمح باستخدام الخرطوم كمعبر للأموال المزورة أو المنهوبة، متوعداً بفرض ضوابط صارمة لمكافحة تلك الظواهر.

من جانبه، أوضح رئيس وفد اللجنة، حيدر عباس، أن زيارة الوفد تهدف إلى تقييم الوضع ميدانياً، مشيراً إلى أن عملية الاستبدال الحالية تختلف عن سابقاتها، حيث تعتمد على الحسابات المصرفية لتحديد العملات المزورة والمسرقة.

وأضاف أن اللجنة تسعى لتعزيز قدرة البنوك على كشف التزوير وتوفير مساحات آمنة لتخزين الأموال المستبدلة.

وأشار عباس إلى أن اللجنة ستقدم توصياتها لاجتماعها المزمع عقده مساء اليوم في بورتسودان، مؤكداً استمرار التواصل بين والي الخرطوم ومجلس السيادة وبنك السودان لإيجاد حلول جذرية للمشكلات القائمة. وطمأن التجار والمواطنين بأن أموالهم محفوظة وآمنة.

وأكد التجار والبنوك جاهزيتهم للتعامل بالعملة القديمة، مما ساهم في تهدئة المخاوف ووضع حد للشائعات المتعلقة بإلغائها.

الوسومآثار حرب السودان الاقتصاد السوداني اللجنة العليا لاستبدال العملة

مقالات مشابهة

  • "صوت بلا صمت": النساء ذوات الإعاقة تكسرن جدران الصمت من أجل حقوقهن الإنجابية
  • تحذير بشأن استخدام بطاقات الهوية القديمة في تركيا
  • واتساب يتوقف عن العمل على الهواتف القديمة 31 ديسمبر
  • سامح عسكر: الجهاديون والصهاينة يعتبرون مقاومة إسرائيل عمالة لإيران
  • *مشاجرة مع المستقبل*
  • الإسلام ومفهوم المقاومة والثورة
  • “بين الكرم العراقي والرفض المقنّع .. تساؤلات تبحث عن إجابة”
  • العملة القديمة بالخرطوم: سارية حتى اكتمال الترتيبات
  • حصن السنيسلة بولاية صور .. عبقرية المبنى المستدام وذكاء البنّائين القدامى
  • حكومة الدبيبة تعلن استعادة أصول ليبية ومالطا تلتزم الصمت