الغلاء يغير أكلات المصريين.. والشكوى جماعية
«هناء عبدالحليم» سيدة فى الستينات من عمرها دخلت أحد الأسواق الشعبية بمنطقة إمبابة.. خطواتها ثقيلة، وجبينها مقتضب، وملامحها يكسوها حزن بلا آخر، وكأنها تحمل على كتفيها جبل المقطم. توجهت إلى أحد باعة الخضراوات قاصدة كومة متراصة من الكرنب، وبكلتا يديها الهزيلتين حملت واحدة، وسألت البائع عن سعرها، فقال بحزم: 40 جنيهًا، وبسرعة أعادت «هناء» الكرنبة مكانها، ودارت بعينها على الأسعار المثبتة فوق خضراوات السوق: البطاطس بـ22 جنيهًا للكيلو، والكوسة بـ18 جنيهًا، والملوخية بـ16 جنيهًا، والباذنجان بـ13 جنيهًا، والخيار بـ14 جنيهًا والجزر بـ30 جنيهاً، والطماطم بـ12.
لم يطل بها الوقوف وتوجهت مباشرة إلى الباذنجان واشترت كيلو واحد. تصورت لأول وهله أنها تعيش بمفردها، فكيلو الباذنجان لا يمكن أن يكفى طعام أسرة حتى لو كانت لا تضم سوى فردين فقط، ولكن المفاجأة التى أكدتها لى أن أسرتها تضم أربعة أفراد: هى وزوجها وشابين فى الجامعة!
سألتها: أربعة اشخاص وكيلو باذنجان؟!..
ردت بمرارة: «آه كيلو باذنجان على 4 أفراد»..
صمتت السيدة لثوان ثم قالت: لما يكون دخل الأسرة 5400 جنيه هم كل معاش زوجى ومعاشى، فلازم يكون طعامنا إما بطاطس مسلوقة أو باذنجان مشوى، لأنهما الوحيدان اللذان يمكن أكلهما بدون اضافات سوى الملح، وهذا ما أفعله يوميًا.. يوم أسلق بطاطس ويوم أشوى باذنجان، وهكذا نعيش أغلب الأيام، ولا أشترى الكرنب أو الملوخية مثلًا إلى كل حين وحين واللحمة فى المواسم فقط».
«هناء» التى تحمل اسمًا على غير مسمى، لم تعرف الهناء منذ سنوات طويلة، وهى واحدة من ملايين المصريات اللاتى يعشن يوميًا حربًا حقيقية لتدبير الثلاث وجبات!
قبل أن أكمل كلامى مع «هناء» شق الفضاء صوت معركة بين بائع فول وأحد زبائنه، كانت المعركة شديدة بين الطرفين.. الزبون شاب كان يصرخ فى البائع قائلًا: طبق فيه معلقتين فول وطبق فيه أقل من ربع «بططساية» بـ 45 جنيه.. ليه؟
ظل الشاب يردد: كلمة «ليه» مرات ومرات، والبائع لا يجيب سوى بعبارة: هى كده الأسعار.. كنت سألت من الأول قبل ما تاكل.
استمرت المعركة بين الطرفين لعدة دقائق، وتدخل كثير من المارة، وتطوع أحدهم بأن يدفع الفلوس لبائع الفول، ولكن الشاب رفض بشدة وأخرج من أحد جيوبه 50 جنيهًا وسدد ما طلبه البائع. قبل أن يغادر المكان قال بصوت عالى سمعه كل من فى المكان: «كنت أتناول نفس الطلب من شهور قليلة بنصف المبلغ إيه اللى جرى علشان السعر يتضاعف».
اقتربت منه وسألته عن اسمه وعمله: فقال: اسمى مصطفى حسنين وأعمل فى مجال الدهانات، وأوصل الطلبات على التروسيكل الخاص بى إلى المنازل وأتقاضى أجراً بحسب تقدير الزبون، وأعمل حوالى 12 ساعة ومتزوج ولدى طفلان يقيمون مع والدتهم فى محافظة المنيا، لأن أجرة السكن فى القاهرة والجيزة مرتفعة كثيراً فأسكن أنا مع بعض أبناء محافظتى فى الجيزة ونستأجر شقة بمنطقة «الكيت كات» بحوالى 10 آلاف جنيه شهريًا ويقيم بها 7 أفراد، وأدفع 1400 جنيه شهرى نظير المبيت على سرير فى تلك الشقة، وبعد الغلاء الذى ضرب كل شىء صارت ميزانية الإفطار ووجبة الغداء هماً كبيراً بالنسبة لملايين المصريين».
وأضاف: أتناول وجبتى الغداء والإفطار فقط، وأحاول بقدر الإمكان تقليل نفقاتى الشخصية من أجل إرسال مبلغ شهرى إلى زوجتى لرعاية أطفالى وازورهم 4 أيام شهرياً، بعدما كنت اسافر كل أسبوعين أصبحت أسافر كل شهر مرة واحدة توفير الأجرة السفر، وبالنسبة لوجبة الغداء أصبحت تكلفنى كثيراً فأقل وجبة الأن تساوى 85 جنيهًا مقابل ربع دجاجة وأرز وخضار، وهو رقم كبير بالنسبة إلى وكنت أدفع العام الماضى نصف المبلغ».
وتدخل فى الحوار موسى حسين، طالب جامعى، فقال إنه طلب «ساندوتشين» فول وواحد بطاطس وأخبره البائع أن الحساب 30 جنيهاً.. وقال: تخيل 3 ساندوتشات بـ30 جنيه».
وتابع: «قبل شهور قليلة كان نفس الثلاث ساندوتشات بـ15 جنيهًا وبنصف المبلغ الذى أدفعه حاليا، ولو أقدر «ما أفطرش» ما كنتش أكلت، فوجبة الإفطار تساعدنى على تحمل أعباء اليوم، حيث أذهب إلى الجامعة صباحاً ثم أذهب إلى العمل ليلاً «كول سنتر» فى إحدى شركات الاتصالات، من أجل مساعدة والدى فى جزء من مصاريف الجامعية والدراسية، أما وجبة الغداء فأتناولها خلال عملى وغالباً ما تكون كشرى من أجل التوفير رغم أن أقل علبة كشرى لوجبته تكون بمبلغ 40 جنيهاً، ولكن اللحوم والدواجن أقل وجبة لا تقل عن 100 جنيه وأتناولها فى أوائل الشهر كنوع من التغيير، ورغم أن الرواتب لا تزيد بنفس زيادات الأسعار ولكن ما باليد حيلة، وأحاول توفير أكبر قدر من مصروفاتى الشخصية ولكن الأسعار فى زيادة مستمرة.
سألت «عم ناصر»، صاحب عربة الفول، عن سر ارتفاع الأسعار هذا العام لوجبة الإفطار.. فقال: والله أنا كمان ضحية.. فسعر انبوبة البوتاجاز التجارى ارتفع إلى 200 جنيه وتكفينى لمدة يوم وأحياناً اضطر لشراء انبوبة أخرى مع نهاية اليوم من أجل عمل اليوم التالي، وأسعار الفول وصلت إلى 70 جنيهًا للكيلو وأيضاً الفول المدشوش للطعمية وأسعار البهارات والطحينة تخطت 150 جنيهًا للكيلو وجميع الخامات والزيوت وغيره، ورغم أننى أعلم أن الزيادة على الزبائن تضرنى بشكل أكبر ولكنى آسفاً مضطراً للزيادة من أجل القدرة على مواجهة ارتفاع الأسعار وتحقيق دخل يستر أبنائى فأنا لدى أسرة ولديهم متطلبات وأقوم برعايتهم.
وقالت أمل صلاح- موظفة - الوجبات الثلاث مأساة فى كل بيت، ففى الغالب يطلب الأبناء وجبات معينة، والكارثة أن تلك الوجبات صارت فوق قدرة أغلب الأسر، التى اضطرها الغلاء إلى الاعتماد على وجبات مثل كشرى عدس أصفر وسلطة وبصارة ومسقعة وغيرها من الأكلات المصرية الشعبية وهى وجبات مكلفة وليست رخيصة ولكنها أرخص من تناول اللحوم والفراخ.
وتضيف: «رغم أننا اسرة مستورة الحال فأنا موظفة وزوجى موظف، ولكن أسعار الكهرباء والغاز والمياه والمواصلات، وأيضا أسعار الخضراوات والفاكهة، كلها زادت، ولهذا لم نعد نأكل لحومًا إلا مرة كل 10 أيام، ونحمد الله كثيرًا على هذا الفضل، لأن ملايين المصرين لا يستطيعون شراء اللحوم ولو مرة فى الشهر».
وتابعت: حتى وقت قصير كان أبنائى يغضبون جدا إذا كانت وجبة الغذاء مكرونة وبانية، وكانوا يقولون: «كل يوم هناكل مكرونة وبانيه»، أما الآن فصار من الصعب أن نأكل بانيه أكثر من مرتين فى الشهر، فكيلو البانيه الآن وصل لـ200 جنيه.
وقالت حنان على– موظفة- إنها تذهب إلى السوق فى نهاية يومها لشراء مستلزماتها من الخضراوات والفاكهة على أمل أن تكون اسعار آخر اليوم أقل قليلًا من أسعارها فى الصباح.
وتضيف: «كل ربة بيت فى مصر تحمل هم تجهيز وجبات الأسبوع، ومع مطلع كل اسبوع أحدد وجبات الأسبوع فأحدد مثلًا يوم خضار، ويوم مسقعة، ويوم كشرى، ويوم مثلًا بطاطس محمرة وجبنة، ويوم بروتين فى الأسبوع سواء لحوم أو فراخ أو سمك، ويوم نطبخ مكرونة بالصلصة، وغيره، لأن الأسعار غالية جدًا والمعيشة صعبة جدًا جدًا وأنا وزوجى نواجه صعوبات فى تدبير أمورنا مع ارتفاع أسعار الكهرباء وجميع الخدمات ومستلزمات الطبخ».
وتابعت: لي ولدان فى المرحلة الجامعية، ويحتاجان إلى التغذية ولكن نحاول الاقتصاد بأكبر قدر ممكن فى الوجبات من البروتين لأن كيلو اللحوم بـ 400 جنيه والفراخ عدت200 جنيه فى الكيلو والسمك الكيلو بـ100 جنيه ودى أرقام غالية علينا فى ظل زيادات الأسعار المجنونة ووجود التزامات أخرى وجميع السلع غليت زى الرز والمكرونة والزيت والسكر وبطاقة التموين لا تكفينى سوى اسبوع واحد فقط وأضطر أوفر فى الأكل ومعظمنا يفطر فى العمل ونعود على وجبة الغداء ولا تكون هناك وجبة عشاء سوى بيضة لكل فرد مثلًا ومن الممكن جبنة قريش وادعى ربنا إن الفترة الجاية الأحوال والأسعار تتحسن لأن حرام بجد اللى بيحصل فينا فى السنين دى احنا تعبنا من الأسعار من كل النواحي».
وقال محمد عبدالله- بائع خضراوات وفاكهة– إن الزبائن أصبحت تشترى نصف وأحيانًا ربع الكمية التى كانوا يشترونها من قبل بسبب ارتفاع الأسعار، وأغلب الناس تكتفى بشراء كيلو واحد فقط من السلعة التى يحتاجونها سواء خضار أو فاكهة، وقبل ثلاث سنوات مثلًا من الآن كان معظم الناس تشترى فى المتوسط ما بين 2 و3 كيلو».
واضاف: «ارتفاع الاسعار وثبات الدخول هو السبب الاساسى فى تراجع مشتريات المصريين، فكل التجار يرفعون السعر مع كل زيادة فى البنزين أو السولار، وبسبب الزيادة الأخيرة فى أسعار الوقود زاد سعر الخضار والفاكهة بنسبة 15% وهو ما زاد من أعباء كل أسرة خاصة، وأن الخضار والفواكه أساس الطعام فى كل بيت».
وتابع: «أسعار السلع تصل لتجار التجزئة مرتفعة ولهذا نضطر كتجار تجزئة تقليل هامش ربحنا حتى نتمكن من بيع السلع والخضراوات ولكن الأسعار عمومًا صارت فوق احتمال الغالبية العظمى من الناس كلها وليس فئة معينة الكل يشكو.. والكل يعانى».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فى كل بيت الشكوى جماعية وجبة الغداء من أجل جنیه ا
إقرأ أيضاً:
«التضامن» توجّه برفع كفاء وتطوير دور الرعاية.. وإعداد وجبات غذائية متكاملة للنزلاء
أصدرت مديريات التضامن الاجتماعي، تنبيهات مُهمة بشأن مؤسسات الرعاية الاجتماعية لتقديم أفضل الخدمات بها، مشددة على رفع كفاءة وتطوير المؤسسات القائمة وتفعيل دور المجتمع المدني وحث الجمعيات على رفع كفاءة المؤسسات المسندة إليها، وأن تؤدي الجمعيات واجباتها في تحمل الأعباء المالية وتجويد الأداء والرعاية داخل دور الرعاية.
تعليمات مؤسسات الرعاية الاجتماعية- إعادة مراجعة مستوى النظافة والهوية البصرية للدور
- التأكد من الشهادات الصحية للعاملين بمطابخ إعداد الطعام
- أن تكون الوجبات كافية وبها جميع العناصر الغذائية
- تطبيق ضوابط التغذية الصحية السليمة
- مراجعة موقف التراخيص
- مراجعة المشكلات النفسية التي يتعرض لها الأبناء
- العمل على دمج أبناء دور الرعاية بالتعاون مع مراكز الإرشاد والعلاج النفسي
- عقد دورات تدربية وورش عمل للأجهزة الوظفية بالدور لبناء ورفع قدراتهم المهنية في التعامل مع الأبناء وخاصة الرعاية اللاحقة.
متابعة الإدارات الاجتماعيةوأكدت المديريات على التنسيق الكامل مع الإدارات الاجتماعية تنفيذا للمبادرات التي توصي بها وزارة التضامن الاجتماعي، موضحة أنّه يتم التنسيق مع المجتمع المدني أيضا في هذا الشأن.