التعليم.. وتحقيق أهداف الدولة
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
لا شك أن مصر تخطو بثبات فى ترسيخ أركان الجمهورية الجديدة التى بدأتها عام 2014، وتظهر ملامحها بجلاء الآن على أصعدة عدة، ربما يكون أبرزها استعادة مصر لوجهها الحضارى من جديد بعدما طغت عليه لعقود العشوائيات والفوضى وانهيار وتراجع معظم مرافق الدولة، وتهالك المبانى والمناطق التراثية والتاريخية التى كانت تميز القاهرة تحديدًا، لتستعيد من جديد بريقها وقيمتها التاريخية بعد إعادة تأهيلها، ثم اضيفت إليها الأحياء والمدن الجديدة والحديثة لتجعلها عاصمة الحداثة والتحضر إلى حد أن كثيرًا من الأشقاء العارب والأجانب الذين لم يزوروا مصر من فترة، تصيبهم الدهشة من التحول الكبير الذى شهدته القاهرة فى سنوات قليلة، يشعرون أن مصر تحولت بالفعل إلى جمهورية جديدة بكل ما تحمله من جوانب ليس فقط على مستوى الحداثة والتطور، وإنما سعى مصر بالفعل إلى التغيير الشامل لترسيخ قيم وأسس الجمهورية الجديدة فى المجتمع المصرى وفى القلب منه بناء الإنسان، وهو أمر بالتأكيد يحتاج إلى وقت وجهد وسياسات جديدة على رأسها نظام التعليم فى مصر باعتبار أن التعليم هو قاطرة التنمية البشرية، ومن ثم قاطرة التنمية الشاملة.
قضية التعليم فى مصر تحتاج إلى مراجعة شاملة واستيراتيجية تتواكب مع الجمهورية الجديدة.. وقبل أيام أشار فضيلة الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب إلى جانب مهم للتعليم، عندما قال إن جزءًا غير قليل من التعليم الحديث يحتاج إلى إعادة نظر ولا بد من إخضاعه لاستيراتيجية تقييم وطنية للوقوف على مدى مناسبته لاحتياجات المجتمع من عدمها، منوهًا أن بعض أساليب التعليم تفرغ التعليم من محتواه والهدف المنشود منه، وتفقد التلاميذ القدرة على صياغة موضوع كامل مكتمل العناصر، الأمر الذى يفقد التعليم القدرة على بناء العقلية النقدية، وحذر الإمام الأكبر من طغيان الجوانب المادية التى تهدف لتحويل التعليم إلى سلعة استثمارية وتجارية تهدف إلى التربح بغض النظر عما تلحقه من هدم لأركان التعليم، مشيرًا إلى ضرورة الاهتمام بتدريس تاريخنا وتراثنا الذى تركناه لأعدائنا وتجاهلناه فأعادوا تقديمه لنا مشوهًا ومؤدلجًا، كما أكد ضرورة استعادة المدرسة دورها الأساسى لتحقيق آمال وطموحات الوطن والارتقاء به.. الحقيقة أن قضية التعليم التى تثير الجدل من حين لآخر، تحتاج إلى إعادة نظر واستيراتيجية جديدة على مستويات عدة، حتى تتماشى وقيم وأسس الجمهورية الجديدة.
إذا كان التعليم العام والبحث العلمى فى حاجة إلى استيراتيجية جديدة.. فإن التعليم الفنى فى حاجة إلى مراجعة كبيرة الآن، فى ظل الخطوات الجادة التى تتخذها مصر نحو التوجه إلى التصنيع وتوطين الصناعة على أرض مصر، وسعى الدولة إلى شراكات دولية، وتقديم كل التسهيلات والحوافز إلى القطاع الخاص للدخول فى هذا المجال وجذب مزيد من الاستثمارات للقطاع الصناعى، وهو أمر سوف يحتاج إلى توفرعمالة فنية ومدربة للدفع بها إلى شتى القطاعات والمناطق الصناعية، وحتى تكتمل هذه المنظومة لتحقيق الهدف الاستراتيجى الذى تسعى إليه مصر، يجب العمل بشكل متواز على استيراتيجية لتطوير التعليم الفنى لتخريج دفعات مؤهلة ومدربة لدخول سوق العمل فى شتى المجالات، وذلك من خلال المدارس الفنية بعد اعادة تأهيلها، بحيث يتحول العام الأخير إلى النظام العملى التدريبى والانتاجى كشرط للتخرج والالتحاق بسوق العمل، وهو فى ذات الوقت أمر يشكل رافدًا اقتصاديًا للمدارس الفنية والدولة بشكل عام من النماذج الانتاجية لهذا القطاع الكبير والمتنوع، الذى يمكن أن يسهم بشكل كبير فى عملية نشر وتوطين الصناعة، خاصة فى الصناعات الصغيرة.
حفظ الله مصر
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صواريخ مصر ت الجمهوریة الجدیدة
إقرأ أيضاً:
محمد مغربي يكتب: أين يتجه الذكاء الاصطناعي بقيادة ترامب وماسك؟
بتعبير الكاتب اللبنانى غسان شربل، رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط، كانت لحظة فوز ترامب هى اللحظة التى ضبط العالم ساعته عليها، فى الكرملين جلس القيصر يعيد ترتيب الأوراق ويرسم سيناريوهات المعارك القادمة، وفى بكين جلس زعيم التنين الصينى مع مساعديه ليجهز البلاد لحرب اقتصادية شرسة وطويلة، أما فى الشرق الأوسط فاجتمعت الدول العربية فى قمة أسفرت عن رسالة موحدة بضرورة حل النزاعات، ووحده كان الخائف زيلينسكى الرئيس الأوكرانى الذى تلقى مكالمة استمرت 20 دقيقة مع ترامب كانت كلها طمأنة وتأكيداً على الدعم.
لكن فى تلك المكالمة، برز وجه آخر أثار التساؤل أكثر من اتصال ترامب نفسه، وهو وجه إيلون ماسك الذى شهد على المحادثة الهاتفية الخاصة، وخرجت صحف تتساءل عن دور ماسك فى الفترة المقبلة، فأغنى رجل فى العالم لم يكتفِ بدور رائد الأحلام، بل دخل حلبة السياسة ودعم ترامب الذى رد له الجميل بتعيينه وزيراً لكفاءة الحكومة، لكن كافة التقارير تؤكد أن دوره سيكون أكبر من ذلك بكثير، ولأن الجميع ضبط ساعته، فشركات الذكاء الاصطناعى بوجود ماسك فى الواجهة، كانت هى الأخرى تحاول التنبؤ بالمستقبل خلال السنوات المقبلة.
ولأن ترامب ليس رئيساً جديداً، وتولى تلك المهمة لمدة 4 سنوات من قبل، يمكننا استعراض سجله فى هذا القطاع فى الفترة من 2017 وحتى 2021 لنجد أنه أثَّر بشكل ملحوظ على قطاع التكنولوجيا من خلال سياسته التى كان أبرز ملامحها الحرب التجارية مع الصين والتى شكّلت أبرز العوامل التى أثرت على قطاع التكنولوجيا، إذ فرض ترامب عقوبات اقتصادية على شركات صينية مثل هواوى، ما دفع الشركات الأمريكية إلى البحث عن بدائل وتقوية سلاسل الإمداد المحلية.
كما شهد عصر ترامب توجيه استثمارات ضخمة لتطوير التكنولوجيا المحلية، فعلى سبيل المثال أطلق برامج لدعم الشركات الناشئة فى مجال الذكاء الاصطناعى والحوسبة الكمية، وشجّع شركات مثل مايكروسوفت وأمازون على الاستثمار فى البحث والتطوير، كما أدى تخفيض الضرائب على الشركات إلى زيادة الأرباح التكنولوجية مثل أبل وتسلا، ما منحها سيولة أكبر للابتكار والاستثمار.
هكذا كانت الفترة الأولى لترامب، خليطاً من الصفقات الكُبرى وتخفيضات الضرائب وتحفيز الابتكار، وهو ما يبدو استمراره فى الولاية الثانية التى ستبدأ رسمياً يناير المقبل، فنظرة واحدة إلى برنامج الرئيس الجديد تثبت أنه يركز على إعادة بناء الاقتصاد الأمريكى وفى القلب منه قطاع التكنولوجيا الذى يخطط ترامب إلى تحفيز الشركات المحلية على الاستثمار فيه، بجانب الأمن السيبرانى الذى يجسّد لديه أولوية لمواجهة التحديات المستقبلية، بجانب تشجيع ريادة الأعمال ودعم الشركات الناشئة وتقديم تسهيلات ضريبية للمستثمرين.
أما الذكاء الاصطناعى فيبدو أنه سيحظى بنصيب الأسد تحت قيادة ترامب، إذ من المتوقع أن يلعب هذا المجال دوراً مركزياً فى أى سياسة تكنولوجية أمريكية، ويُرجَّح أن يزداد التمويل الحكومى لمشروعات الذكاء الاصطناعى، خاصة تلك التى تخدم الصناعات الدفاعية والأمنية.
ويُعد تحالف ترامب مع إيلون ماسك أبرز الأدلة على ذلك، فمن المحتمل أن يتولى الأخير بخبرته تسريع خطط أمريكا لبناء مصانع متطورة ومراكز بحثية تعزز ريادتها فى الذكاء الاصطناعى، بالإضافة إلى توسيع مشروعات استكشاف الفضاء واستخدام الذكاء الاصطناعى فى الصناعات الفضائية والدفاعية، وتقديم حلول تقنية مبتكرة تجاه التغير المناخى.
رغم ذلك فإن هذا التحالف يواجه عدة تحديات، أبرزها أن بعض قطاعات التكنولوجيا تعارض ترامب، وظهر ذلك جلياً فى شركات عملاقة مثل جوجل وفيس بوك، كما أن سياسة ترامب المتساهلة تجاه الانبعاثات قد تتعارض مع توجهات التكنولوجيا الخضراء، وكذلك تحتاج أمريكا إلى تسريع وتيرة الابتكار للحفاظ على صدارتها أمام الصين والاتحاد الأوروبى.
وخلاصة القول، أن نجاح ترامب قد يعيد تشكيل مشهد التكنولوجيا بالكامل فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالى فى العالم أجمع، خاصة مع تحالفه مع إيلون ماسك، لكن تكلفة هذه التحولات ستعتمد فى المقام الأول على كيفية إدارة هذا التشكيل ومدى قدرة وفاعلية التحوّل بحيث يؤدى فى النهاية إلى فوائد اقتصادية قد تكون ضخمة حال تنفيذها بفاعلية.