ما دلالات انتقال حالة الغضب في مصر إلى القضاء والشرطة؟
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
كشف قضاة وضباط شرطة مصريين، عن تنامي حالة الغضب من قرارات وتوجهات حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وما تبعها من موجات غلاء وتضخم أثرت بالفئات الدنيا ووصلت تبعاتها إلى الفئات الأعلى من الدولة، لتطال العاملين باثنتين من 5 وزرات تصنف بـ"السيادية" في البلاد، وهما، العدل، والداخلية.
وأثار قرار وزير العدل المصري، المستشار عدنان الفنجري، بإحالة 48 قاضيا من محاكم الاستئناف والابتدائية إلى التحقيق، بعد شكوى قضاة من تدهور أوضاعهم المالية، وأحاديثهم داخل "المجموعات القضائية" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الجدل حول غضب القضاة، وغضب فئات أخرى، قريبة من النظام الحاكم في مصر.
وفي الوقت الذي يشكو فيه القضاة من أوضاعهم المالية رغم ما منحته حكومات السيسي لهم ومنذ العام 2013، من مميزات مالية وتخصيص صناديق خاصة وعلاج ودواء وزيادة في الرواتب والمعاشات، يشكو كذلك ضباط الشرطة من أوضاع مالية خانقة وعجز عن مجاراة الغلاء وسط تدني أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
"شكاوى القضاة"
تتركز شكوى القضاة في التمييز داخل الهيئة القضائية بين قضاة محاكم النقض وقضاة محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، وغياب مبدأ المساواة في المرتبات والامتيازات المالية بين أعضاء الجهات والهيئات القضائية المصرية، الخمس.
وهي: المحكمة الدستورية العليا (الأكثر في الرواتب والمخصصات)، والقضاء العادي الذي يضم المحاكم (الإبتدائية، والجزئية، والأسرة، والاستئناف، والنقض)، ومجلس الدولة (الادارية العليا، والقضاء الاداري، والمحاكم الادارية)، والنيابة الإدارية (تختص بقضايا الفساد المالي والإداري الحكومي)، وقضايا الدولة (تمثل الحكومة).
وتحدث القضاة في مجموعات مغلقة عن فقدان امتيازاتهم واستقلاليتهم، وتحولهم إلى موظفين لدى السلطة التنفيذية، وتدهور حقوقهم المالية، مع شكاوى من عدم تطبيق مجلس القضاء الأعلى مبدأ مساواة المرتبات والامتيازات المالية بين أعضاء الهيئات القضائية، ملمحين إلى أن مرتبات رؤساء محاكم الاستئناف 40 ألف جنيه شهريا، بينما نظرائهم في النقض 75 ألفا.
وهو الأمر الذي اشتكى من عدم تطبيقه رؤساء محاكم الاستئناف الثمانية بمصر وأرسلوا مذكرة بذلك قبل أيام، لرئيس المجلس الأعلى للقضاء، المستشار حسني عبداللطيف.
وكان السيسي قد أقر في حزيران/ يونيو 2021، خلال اجتماعه برئيس المجلس الأعلى للقضاء، مبدأ المساواة في المعاملة المالية للمستشارين في الدرجات المناظرة بكل الجهات والهيئات القضائية باستثناء المحكمة الدستورية العليا.
"مواجهة الغلاء والمساواة"
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد القاضي المصري بمحكمة الأسرة، (ع. ش)، أن "القضاة تأثروا كثيرا بموجات الغلاء ورفع الأسعار في كل السلع والخدمات، ويعانون حتى في توفير أدنى درجات الترفيه والحفاظ على المظهر الاجتماعي".
وقال إن "الدعاوى القضائية التي رفعها قضاة منذ العام 2015، أمام المحكمة الإدارية العليا لم تنجح في المساواة بينهم وبين قضاة المحكمة الدستورية في ذات الدرجات، في الرواتب والامتيازات والمخصصات المالية، أو حتى بالكشف عن رواتبهم الحقيقية، ما يؤكد التمييز داخل أسرة القضاء بالمخالف للقانون والدستور".
ولفت إلى أن "الأمر الآن لم يعد يضع قضاة الدستورية في المقارنة، بل هناك مطالبات بتعديلات مالية لمواجهة الغلاء، ومن جانب آخر، تنفيذ مبدأ مساواة رواتب قضاة المحاكم الثلاث النقض والاستئناف والابتدائي".
وحدد مطالب القضاة في "المساواة بين أقرانهم في الرواتب، والبدلات، والحوافز، ونسب دعم العلاج، ورفع قيمة حضور الجلسات، مع دعم صناديقهم وزيادة المعاشات".
وفي سؤاله عن عدم خضوع القضاة للحد الأدنى من الأجور الذي تخضع له الوزرات والجهات الحكومية، قال: "لدينا أحكاما قضائية بعدم تطبيق الحد الأقصى للأجور على القضاة"، مبينا أن "ذلك يمنح القاضي الأمان المالي ولا يجعله يسقط في فخ الفساد الحكومي والإداري".
وأشار إلى أنه "في مقابل ذلك، تم قصر انتداب القضاة لوظائف حكومية وغير قضائية على جهة واحدة"، مبينا أن "هذا القرار حرم القضاة من الجمع بين أكثر من دخل في العمل كمستشار قضائي لدى جهات حكومية أو بتكليف السلطة التنفيذية".
واستغرب القاضي المصري إحالة 48 قاضيا من محاكم الاستئناف والابتدائية للتحقيق لـ"حديثهم في دوائر مغلقة خاصة بهم، أو شكوتهم من عدم المساواة"، موضحا أن "شكاوى القضاة لها قناة رسمية هي رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء الأعلى".
"القضاة والسيسي"
وفي كانون الثاني/ يناير 2019، طالب "نادي القضاة" من رئيس محكمة النقض ورئيس القضاء الأعلى، حينها، المستشار مجدي أبوالعلا، بـ"زيادات مالية للقضاة ورفع المعاناة عنهم فيما يتعرضون له في الآونة الأخيرة بسبب الغلاء".
حينها جاءت رسالة رئيس نادي القضاة المستشار محمد عبد المحسن، لتقول: "هذه المعاناة تزامنت مع الانتقاص من حقوق القضاة من فروق الترقيات والعلاوات، وشعورهم بغياب المساواة مع بعض الهيئات القضائية الأخرى"، وهي تقريبا ذات الشكوى التي يقول بها القضاة الآن.
بل إن رسالة القضاة حينها أكدت أن ذلك الوضع "يؤشر على بوادر أزمة واستياء وفتنة داخلية تهدد وحدة القضاء وحسن سير العدالة".
ومنذ انقلاب السيسي منتصف 2013، منح السيسي، الجيش والشرطة والقضاة الكثير من المميزات في الرواتب والحوافز والمكافآت والمعاشات، وزادت دخول القضاة مع مواصلة قرارات رفع الرسوم القضائية.
وفي العام 2016، جرى إقرار قانون "الرسوم القضائية" الذي يضيف دمغة بقيمة عشرة جنيهات على جميع رسوم الدعاوى القضائية والمحررات، لدعم صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للقضاة العاديين والعسكريين.
وفي المقابل يؤكد حقوقيون على خضوع القضاة للسلطة التنفيذية وإصدار آلاف الأحكام بحق معارضين ورافضين لحكم السيسي.
ومع ذلك، منح السيسي، نفسه في التعديلات الدستورية التي أقرها استفتاء بإشراف قضائي في نيسان/ أبريل 2019، حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين 3 ترشحهم الجمعيات العمومية، بدلا من التصعيد التلقائي بحكم الأقدمية، وأصبح يتحكم في تعيينات ورواتب ودرجات القضاة وندبهم لجهة واحدة، وتطبيق ضريبة الدخل عليهم في نفس العام.
"شكاوى الضباط"
لكن شكوى ضباط الشرطة تختلف بعض الشيء عن شكوى الضباط، حيث أنها ترتكز على أمرين، أولهما: ضعف الرواتب والمخصصات المالية مع الغلاء الذي طالهم.
وثانيا: الغضب من مخصصات السيسي لضابط الجيش دون الشرطة، وتمييزهم في الرواتب، والمكافآت، والمخصصات، والمعاشات، والصناديق، والخدمات، وحتى الصلاحيات، ومنحهم تسهيلات للحصول على الشقق والسيارات، وهو ما أكده عدد من الضباط لـ"عربي21".
وكشف ضابط شرطة مصري برتبة رائد، عن "حالة من الغضب والإحباط والمشاعر السلبية تسود بين ضباط الشرطة وعناصر وزارة الداخلية"، ملمحا إلى أن "الكثير من الضباط يشكون أوضاعهم المالية بالمقارنة بأوضاع ضباط الجيش وامتيازاتهم"، مؤكدا أننا "في وزارة الظلم".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن "هناك ضباط غير راضين عن أوضاعهم المالية"، مؤكدا أن "معاناتهم تتزايد يوما بعد يوم مع ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الجنيه، واستئثار الجيش بكل السلطات المتاحة لهم وبكل العوائد الاقتصادية في البلاد".
وأوضح أن "ضباط اشتكوا لوزير الداخلية أمرين: أولهما تغول الجيش على صلاحياتهم في ملف الضبط القضائي وفي المدارس الحكومية والتموين والتحكم في الطرق وما يتحصل منها من كارتة، ويشكون ثانيا: من ضعف دخلهم وراتبهم الأساسي الذي يخصم منه نحو 40 بالمئة ضرائب وتأمينات".
وبين أن "رد الوزير كان صادما للجميع، بأن: الداخلية هيئة مدنية تنفذ أوامر رئيس الدولة، ولا علاقة لها بالاقتصاد ولا يمكنها التدخل فما يحصل عليه ضباط الجيش من صلاحيات".
وأشار إلى عدة مواقف أكد أنها "كاشفة لحجم التضارب بين رواتب ومخصصات الجيش والشرطة ومعاملة كل منهما من قبل وزارته"، معتبرا أنها "وغيرها من الأمور تؤجج حالة الغضب المكتوم بين ضباط الشرطة من نظام السيسي وقراراته".
وأكد أن "رواتب ضباط وأفراد الجيش لا يمكن مقارنتها بالشرطة والفارق كبير، ناهيك عن صناديق الجيش التي يتحصل منها الضابط عند سن المعاش على مبالغ كبيرة تسنده ما تبقى من حياته".
وألمح إلى أن "الضابط الصغير في الجيش من رتبة ملازم، وملازم أول، يمنحه الجيش مميزات هائلة بينها الحصول على سيارة بالتقسيط وعلى سنوات، وذلك إلى جانب شقق سكنية في مشروعات إسكان الجيش المنتشرة بأفضل أماكن القاهرة والمحافظات والمناطق الساحلية".
وأضاف: "أصبت بصدمة عندما علمت أنه يتم تخصيص شقق سكنية لضباط الجيش الصغار في مشروعات إسكان تابعة للجيش في العاصمة الإدارية الجديدة، بينما أي ضابط شرطة لا يستطيع أن يشترى أو يتملك في تلك المدينة".
وأكد أنه "يعرف على الأقل 3 أسماء ضباط صغار من الجيش جرى تخصيص شقق لهم في العاصمة، ويركبون سيارات أحدث مما يركبه وزملائه".
وقال: "يقف ضابط الشرطة ومن معه من درجات أقل خدمة مدة 8 ساعات و12 ساعة و24 أو 48، دون أن يحصل على وجبة طعام أو حتى زجاجة مياه، ويشترونها من نفقاتهم الخاصة ويذهبون ويغادرون على نفقاتهم".
وتابع: "تجد على الجانب الآخر خدمة ضباط الجيش في نفس الأماكن، مثل كمائن الطريق، لا تتعدى 4 ساعات، وتحملهم سيارات مخصصة لمكان الخدمة، ثم تعود لأخذهم، وبين ذلك تأتي وجبات مغلفة لكل ضابط وفرد وعسكري، بينما يتسول عساكر الشرطة الطعام من السيارات المارة".
وأشار إلى واقعة وصفها بـ"المؤسفة"، موضحا أنه بينما كان يشارك في تأمين مباراة في إحدى استادات القاهرة، لم يجد مكانا يضع سيارته إلا على مسافة بعيدة من الاستاد، وحاول وضعها تحت إحدى الكباري المنشاة حديثا.
وقال إن "أحد الأفراد رفض، وقال إنها أماكن خاصة بضباط الجيش فقط، مؤكدا أنها تعليمات، ولم يشفع كارنيه ضابط شرطة لوضع سيارتي".
وختم: "لن أتحدث عن الفارق بين مستشفيات الجيش ومستشفيات الشرطة فهو كبير، ولكن يكفي أن أذكر لك أن مستشفيات الشرطة الآن لا تملك الكثير من الأدوية ويضطر الضباط أصحاب الأمراض المزمنة لشرائها من الصيدليات".
"طالت كل الشرائح"
وحول دلالات انتقال حالة الغضب الشعبي إلى العاملين بوزارتين سياديتين في مصر، قال الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية أحمد مولانا، سياسات النظام الاقتصادية أضرت بأغلب شرائح المجتمع، وستكون لها تأثيرات عميقة على بنية المجتمع المصري".
الباحث في مجال الدراسات الأمنية، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "الاعتماد على الاستدانة من الخارج وقروض صندوق النقد الدولي، واحتكار شركات الجيش للمشاريع الكبرى والمربحة، وصفة أكيدة لتدمير الاقتصاد".
وأكد أنه "لا يستفيد من تلك الأوضاع سوى الفاسدين وسماسرة الأزمات، ولذا أتوقع أن تمتد الشكاوى لتشمل بقية قطاعات المجتمع".
"حتمية ثورية قادمة"
وفي حديثه، لـ"عربي21"، لفت الخبير العسكري وضابط الجيش المصري السابق، العميد عادل الشريف، إلى أن التمييز وصل فئات كثيرة من المجتمع حتى داخل الفئات المميزة هناك فئات تعاني، وتفقد الكثير من المميزات التي حصلت عليها سابقا.
وقال إن "المشهد مثلا في عمارات ضباط الجيش بشرق القاهرة، الغالبية من الضباط في سن معاش ونصفهم تقريبا توفى، والمتبقي منهم يُعامل أسوأ معاملة بمستشفيات ونوادي الجيش".
وأكد أن "التفرقة الحادة بين الضباط بالمعاش والضباط في الخدمة ظاهر جدا، بل وحتى هناك ضباط عاملون يعانون من عنصرية بغيضة، بحسب الوظائف، وليس بحسب الرتب".
وخلص للقول: "تلك وهذه كلها مؤشرات على حتمية ثورة قادمة، وأن هذه الثورة القادمة ستكون ثورة الجميع، ولو لم يظهر لها من الآن قيادة تهندمها وتقلل عنف المواجهة فلسوف يكون العنف والغضب هو السمة الأكبر والضحايا ستكون أكثر مائة ضعف عن ضحايا 25 يناير 2011".
وختم مبينا أن "الغلاء فاق حدود الموجود، والأغنياء متترسين في مجمعاتهم السكنية وأرقام أموالهم في البنوك، وكل ذلك سيتحطم تحت سلطان الغضب العارم، وهذا سر بكاء السيسي وقوله أننا نعيش اليوم حالة نكسة 1967".
"طالهم سوط النظام"
من جانبه، قال السياسي المصري، رضا فهمي، إن "السيسي يتعرض لأزمات مركبة ونتيجة أنه شخص نرجسي فكل ما يعزز موقفه ويثبت وضعه سيحافظ عليه، ونظرته أن المؤسسة العسكرية درعه وسنده وملاذه للحفاظ على الحكم، وبقية المؤسسات مساعدة داعمة وفي مرتبة متأخرة، سواء الشرطة أو القضاء".
رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا، أضاف لـ"عربي21": "صحيح أنهم يلعبون دورا ليس بسيطا، ولكنه يخاف وقت الجد وخاصة من الشرطة أنها لا تقف حال انفرط العقد وأصبحنا أمام انفلات أمني أو حراك مجتمعي أو مظهر من مظاهر الثورة، وهو جرب ذلك في 2011، ما دفعه لعمل مليشيات موازية من اتحاد القبائل العربية بقيادة إبراهيم العرجاني أو عن طريق صبري نخنوخ".
وأكد أن "الأزمة من وجهة نظره، هي الاقتصاد، وبيع الأصول والاستدانة ومنح وهبات الخليج وغيره لم تحل المشكلة، فأصبح أمام اضطرار تقليص النفقات الداخلية، ولا يستطيع تقليص اقتصاد المؤسسة العسكرية لصالح الدولة ولا حجب امتيازات قادتها وضباطها، ولكن يمكنه فعل ذلك مع الشرطة والقضاة".
ويرى فهمي، أن "سوط النظام طال الجميع، وهذا غير مستغرب وغير مستبعد، أن ينتقل لمؤسسات أخرى دون المؤسسة العسكرية ودون أجهزة الاستخبارات لأنه يعتبر ثالوث (الجيش والمخابرات العامة والحربية)، درعه الواقي وبدرجة متأخرة جهاز الأمن الوطني".
ومضى يؤكد أن "السيسي يعرف المؤسسات التي تثبت أركانه ولا يأتي على مصالحها ويعرف تلك التي يستطيع هرسها، لكن هذا لا يمنعه من ترضية رؤوس هذه المؤسسات"، ملمحا إلى أن "مديري الأمن مثلا لديهم امتيازات ضخمة مقارنة بباقي الهرم الشرطي، الذي يعاني أوضاعا مأساوية ومعيشية سيئة لأنهم ليسوا الفئة الأولى بالدولة ولا الأولى بالرعاية كالمؤسسة العسكرية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية مصريين السيسي القضاء الداخلية مصر السيسي الاسعار الداخلية القضاء المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أوضاعهم المالیة محاکم الاستئناف ضباط الشرطة فی الرواتب ضباط الجیش حالة الغضب الکثیر من فی حدیثه وأکد أن قضاة من وقال إن إلى أن
إقرأ أيضاً:
مدى شجاعة القضاء الدولي في حالة إسرائيل
د. عبد الله الأشعل **
حين نتحدث عن القضاء الدولي يكون نموذج القضاء الداخلي حاضرًا في أذهاننا؛ فالقضاء الوطني للمدعي والمجتمع والمواطن، وتلتزم الحكومة في أي بلد ديمقراطي بتقريب القضاء للمواطن، كما إن أحكام القضاء واجبة الاحترام والتنفيذ وتتكفل السلطة التنفيذية بإنفاذ أحكام القضاء.
غير أننا لاحظنا ظاهرة جديدة في الدول المتخلفة وهي أن الفساد في أجهزة إنفاذ القانون يُعطِّل تنفيذ أحكام القضاء، خاصة في الشق الجنائي. لكن الدولة في كل الأحوال تستطيع أن تُرضي كل الأطراف بتنفيذ الأحكام؛ لأن عدم التنفيذ يعني ضياع مرفق القضاء بالكامل، فلا يجوز الإنفاق على الدعاوى وإشغال المحامين والقضاء، ومع ذلك تتم بالتضحية بكل الأطراف.
ويجب التمييز بين محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ومثول إسرائيل أمام كليهما، فأي المحكمتين أجدى لإشعار إسرائيل بأنها تُساءَل؟
يمكن شرح الموضوع في الملاحظات الآتية:
أولًا: محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي للرئيس ففي الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية تسعى لإنشاء رابطة مع الأمم المتحدة، ولكن لم يتبلور شيء.
ثانيًا: المحكمة الأولى تختص بالفصل فى المنازعات القانونية التي تنشأ بين الدول وحدها، بينما الجنائية الدولية تختص بالفصل في 4 مجموعات من الجرائم وتحاكم مرتكبيها بصفة شخصية، فهي تختص بالأفراد أي المتهم بشخصه، وإنما المحكمة الأولى المتهم فيها بصفته وليس بشخصه.
ثالثًا: محكمة العدل الدولية بعد أن تصدر الحكم، لا يمكن استئنافه، وتنتهي صلة المحكمة بالحكم فور صدوره، عدا طلبات إيضاح الحكم إذا كان مُلتبِسًا أو طُلب تفسير الحكم.
رابعًا: تحريك الدعوى في المحكمة الأولى يتم من خلال الدولة المدعية ويتخذ المسجل فى المحكمة إجراءات رفع الدعوى. أمام الجنائية الدولية فيتم تحريك الدعوى فيها بوسائل 3؛ أولها: مجلس الأمن عن طريق قرار الإحالة إلى المحكمة ويصدر القرار وفقا لأحكام الفصل السابع. وقد أصر الوفد الأمريكي في مؤتمر روما فى يوليو 1998 على إدراج مجلس الأمن فى المادة 13 كأول وسيلة والأمم المتحدة كما ذكرنا. والغريب أن الإحالة إلى المحكمة من جانب مجلس الأمن تعلو على حرية المحكمة في تحديد اختصاصها؛ وهي قاعدة راسخة في القضاء الدولي وهي سلطة للقضاء في تحديد اختصاصه وفق الوثيقة المُنشِئة له.
أما الوسيلة الثانية لتحريك الدعوى هي الدولة العضو، والوسيلة الثالثة هي المدعي العام للمحكمة، وفي هذه الوسيلة يمكن تقديم تقارير إلى المدعي العام، فإذا اقتنع بها بدأ التحقيق الأوّلي بناءً على عرضه للدائرة التمهيدية الأُولى التى يُمكن أن تصدر قرار القبض على المتهم، مثلما حدث مع نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت في إسرائيل. ومن الواضح أن المحكمة الجنائية الدولية فيها مستوى استئناف، وقد قدَّم المُدَّعي العام الإسرائيلي استئنافيْن على قرار القبض على رئيس الوزراء ووزير الدفاع.
خامسًا: في المحكمة الأولى يتمتع الموظفون الرسميون الأساسيون (بمعنى رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية) بالحصانة المطلقة؛ لأن القضية ضد الدولة ورئيس الدولة مسؤول ومتهم بصفته وليس بشخصه، ولذلك يستحيل أن تُوَجِّه محكمة العدل الدولية إلى رئيس وزراء إسرائيل ووزير الدفاع أمرًا بالقبض عليهما؛ لأنهما يتمتعان بالحصانة المطلقة (الحصانة الدبلوماسية وحصانة الدولة).
أما في المحكمة الجنائية الدولية، فإن المادة 27 من "ميثاق روما" تنص على أن الجريمة شخصية والعقوبة شخصية أيضًا، ولذلك وجهت المحكمة أمرًا بالقبض على نتنياهو ووزير الدفاع السابق بعد أن اتهمتهما المحكمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد أكدت المحكمة الأولى مبدأ الحصانة فى عدة أحكام وهذا أمر منطقي.
وهناك فارق بين القضاء الدولي والقضاء الأجنبي، وقد رأينا في القضاء الدولي المدني مبدأ الحصانة المُطلقة؛ حيث يتمتع المسؤولون أنفسهم بالحصانة المطلقة أمام القضاء الأجنبي، فلا تجوز مُحاكمة الدولة أمام القضاء الأجنبي؛ لأن ذلك من نتائج تمتع الدولة بالسيادة والمساواة في السيادة بين الدول صغيرها وكبيرها. أما في القضاء الجنائي؛ فالعقوبة شخصية، وهي تتشابه مع الشريعة الإسلامية في كون العقوبة شخصية، مصداقًا لقوله تعالى "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" (فاطر: 18)، وقوله تعالى "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ" (الإسراء: 13)، وهذا المبدأ يتَّسمُ بالعدل في المسائل الجنائية في العالم كله؛ سواءً في القضاء الدولي الجنائي أو القضاء الجنائي الداخلي داخل الدول، وهناك مجموعة من المبادئ التى تضمن عدالة المحاكمة في المسائل الحمائية، أهمها مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلّا بنصٍ، وأيضًا في أحكام الإعدام باعتبارها بترًا للمتهم الجاني من المجتمع ومن الحياة، ويلزم إجماع أعضاء المحكمة الجنائية في الجنايات، أما في الجنح، فإن الوضع مختلف .
أما جدوى مثول إسرائيل أما القضاء الدولي بنوعيه، بصرف النظر عن أن القضاء الدولي في بيئة دولية لا يتضمن آليات إلزامية سوى النصوص، فإن قيمة الأحكام القضائية الدولية معنوية في الاساس، لكن يبدو أن الدول أعضاء المحكمة الجنائية الدولية مُلزمون في "ميثاق روما " بتسليم المتهم الصادر بحقه أمر القبض، قد تطور، والدليل على ذلك أنه عندما صدر أمر القبض من الجنائية الدولية على نتنياهو ووزير دفاعه السابق، أعلنت عدة دول أعضاء ومنها أعضاء في الاتحاد الأوروبي، عزمها القبض عليهما فور وصول أيٍِ منهما إلى أراضي الدولة لأي سبب.
وتطبيقًا لذلك، فإن نتنياهو اعتذر عن تلبية دعوى لزيارة هولندا، مخافة القبض عليه خلال الزيارة. ونلاحظ أن القبض يتم؛ سواءً كانت زيارة شخصية أو كانت زيارة دولة رسمية، وقد أصدر القاضي البريطاني قرارًا بالقبض على تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل سابقًا، خلال زيارتها لبريطانيا، لكن الحكومة البريطانية ساعدت الضيفة على الهرب من الأبواب الخلفية، وهذا يمثل مخالفةً من الحكومة لأحكام القضاء البريطاني. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية، قال وينستون تشرشل رئيس الوزراء آنذاك، إن "لندن سُوِّيَت بالأرض، ولكنَّ الأمل كبير في سلامة بريطانيا ما دام القضاء البريطاني مُستقلًا".
ونلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية تُسهِّل لإسرائيل الإفلات من العقاب، ومع ذلك تحرص إسرائيل على الرد بحجج تافهة على المحكمة الجنائية الدولية. وفي الأسبوع الثاني من ديسمبر 2024، قدم المدعي الاسرائيلي طعنًا على قرار الجنائية الدولية بالقبض على رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق، وهذا الطعن عبارة عن استئنافين، وقد سبق أشرنا إلى أن من الفوارق بين الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، أن الأولى بها استئناف للأحكام التمهيدية، ومعنى ذلك أن إسرائيل شديدة الاهتمام بما صدر عن المحكمة، رغم أنها ليست طرفًا في "ميثاق روما". وفى شهر نوفمبر 2024، أصدر مجلس النواب الأمريكي قانونًا بمعاقبة المدعي العام وأعضاء المحكمة الجنائية الدولية، إن هم أقدموا على إصدار أمر الاعتقال، لكن المحكمة تحدَّت الولايات المتحدة.
بقي أن نرى ماذا سيفعل الرئيس المنتخب دونالد ترامب عندما يتولى السلطة رسميًا في 20 يناير المقبل، وهو الذي تعهَّد بحماية إسرائيل وإقامة "إسرائيل الكبرى"!
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا