حزب الله وجبهة الإسناد.. من التصعيد إلى الرضوخ
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
بعد تصريح الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله، بأن "نقل نهر الليطاني إلى الحدود مع إسرائيل أسهل من ارجاع الحزب شماله، وأن جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف النار في غزة"، وافق حزب الله على شروط التسوية مع إسرائيل، التي تلزمه تفكيك ارتباطه بجبهة غزة، وتراجعه إلى شمال نهر الليطاني.
وتوصلت إسرائيل وحزب الله، الثلاثاء، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، دخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء بتوقيت بيروت، وهو ينص على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان خلال 60 يوماً، مقابل الانسحاب الكامل لحزب الله إلى شمال نهر الليطاني.
ويبعد الليطاني نحو 30 كم عن الحدود مع إسرائيل.
وكان حزب الله فتح جبهة جنوب لبنان، في 8 أكتوبر، غداة الهجوم الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل، ليتطور بعدها التصعيد العسكري إلى اجتياح بري إسرائيلي لجنوب لبنان، مع توسع دائرة العمليات العسكرية لتشمل مناطق متعددة في البلاد، ما تسبب بخسائر بشرية ومادية كبيرة في لبنان.
ورغم التصريحات المتكررة لحزب الله عن رفضه لشروط معينة لوقف إطلاق النار، عاد الحزب وقبل بها. هذا الموقف يثير تساؤلات عما أراده من هذه الحرب، التي كلفت لبنان وشعبه خسائر فادحة؟
خلفيات التسوية"الضغوط العسكرية والسياسية التي تعرض لها حزب الله، بالإضافة إلى حجم الدمار، دفعته نحو توقيع الاتفاق"، كما يؤكد الباحث في الشأن السياسي نضال السبع مشدداً على أن "الحزب تلقى ضربات كبيرة، فاستهداف الجيش الإسرائيلي للبيئة الشيعية وتدمير البنية التحتية كان جزءاً من معركة جاءت ضمن توقيت ملائم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو."
كما يؤكد السبع في حديث لموقع "الحرة" أن هناك عوامل عدة دفعت الإسرائيليين إلى توقيع الاتفاق، من أبرزها "الضربات التي تلقاها الجيش الإسرائيلي، سواء في مطعم بتل أبيب أو في العديسة، حيث أجبر الإسرائيليون حينها على استخدام عدة طائرات لإجلاء الجرحى والقتلى، بالإضافة إلى الهجوم الذي استهدف بلدة الخيام قبل أيام.
هذه التطورات دفعت المؤسسة العسكرية، إلى الضغط على المؤسسة السياسية، للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وبالتالي، نحن أمام مجموعة من العوامل المشتركة التي دفعت كلا الطرفين إلى توقيع الاتفاق".
ويعتبر السبع أن حزب الله دخل الحرب "مرغماً".
ويشرح أن "رئيس حركة حماس، يحيى السنوار وضع الحزب في موقف حرج عندما أبلغه قبل نصف ساعة فقط بنيته تنفيذ عملية الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، مما جعل حزب الله أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الامتناع عن التدخل وتحمل اتهامات بعدم مساندة غزة، رغم قتاله سابقا في سوريا دعماً للنظام، أو الدخول في معركة قد يتهم بسببها بتوريط لبنان في حرب لا مصلحة له فيها، وحين أعلن حزب الله فتح جبهة جنوب لبنان لإسناد غزة لم يتوقع أن تمتد الحرب لأكثر من أسبوعين إلى شهر على أبعد تقدير".
ويشدد "حزب الله دخل هذه المعركة دون استعداد كافٍ، مع تسجيل اختراقات كبيرة في صفوفه"، مشيراً إلى أن "الجيش الإسرائيلي امتلك قاعدة بيانات استخبارية ضخمة جمعها على مدى سنوات، ما مكنّه من استهداف مخازن أسلحة وصواريخ حزب الله، وإضعاف قدراته".
مع توقيع الاتفاق، سينسحب حزب الله من جنوب الليطاني والجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان بشكل تدريجي، وسيبدأ الجيش اللبناني انتشاراً تدريجياً أيضاً في جنوب لبنان، وفقا لبنود الاتفاق، وسيخضع الاتفاق إلى إشراف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ومن المتوقع أن يصبح اتفاقا دائماً بعد فترة الستين يوماً.
خسارة ثلاثيةيقول الكاتب والمحلل السياسي إلياس الزغبي أنه "بعيداً عن العاطفة الشعبية التي تحاول عبر عودة النازحين التعويض العاطفي عن الوقائع المأساوية من خلال الحديث عن انتصارات مزعومة، والقول بأن حزب الله منع إسرائيل من تحقيق أهدافها، وبعيداً عن القراءات المتشابكة للنصوص الراعية لهذا الاتفاق، وكذلك نص الوثيقة الثنائية الموازية بين إسرائيل وأميركا، فإن الواقع على خطورة النتائج ويؤكد أن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة كلياً عن المرحلة السابقة، سواء على مستوى التأثير العسكري للحزب أو تأثيره السياسي داخل لبنان."
لا شك أن حزب الله فقد كما يشدد الزغبي في حديث لموقع "الحرة" "ثلاثة عناوين رئيسية خاض تحتها حربه منذ 8 أكتوبر 2023، وهي: أولاً سقوط شعار إسناد غزة، ثانياً سقوط شعار وحدة الساحات، وثالثاً انهيار ثلاثية شعب-جيش-مقاومة. وقد بات الحزب أمام الحقيقة العارية بأنه مجبر فعلياً على إخلاء منطقة جنوب الليطاني لمصلحة الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية. وعندما يصبح سلاحه متمركزاً شمال الليطاني، يكون قد فقد مبرر وجوده الأساسي، أي المقاومة، التي تتطلب اشتباكاً ميدانياً مباشراً مع العدو. وهنا تكمن ضرورة التعامل بحذر ووعي كاملين مع مرحلة انتقال سلاح حزب الله إلى الداخل اللبناني."
ويشير الزغبي إلى أن "سابقة اجتياح بيروت والجبل عام 2008 لا تزال حاضرة في الأذهان، لكن اليوم هناك حاجزان فاعلان أمام أي محاولة جديدة للانقضاض على الداخل اللبناني. الأول هو تماسك المكونات اللبنانية الرافضة لسلاح الحزب، سواء في الجنوب أو في الداخل. والثاني يتمثل في الرقابة الدولية والعربية المفتوحة على أداء إيران وحزب الله".
واليوم الأربعاء، باشرت قوات الجيش اللبناني، الانتشار في جنوب الليطاني، بعدما دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وقال الجيش اللبناني في تغريدة على منصة (X) إن قواته تنتشر بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وأن الانتشار العسكري في المنطقة يأتي التزاما من الحكومة اللبنانية تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن بمندرجاته كافة والالتزامات ذات الصلة.
الاختبار الأول لهذه المرحلة سيكون وفق الزغبي "استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث سيظهر مدى تراجع الهيمنة التي فرضها سلاح حزب الله على مدى السنوات الأخيرة. ويتطلب ذلك أداء جديداً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالعودة إلى التزام الدستور بجميع مندرجاته."
بعد هذه المرحلة، يمكن الحديث كما يضيف "عن إعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس جديدة، أبرزها تعزيز السيادة على القرار الشرعي، وضبط الحدود البرية والجوية والبحرية، وإعادة إنتاج سلطة متحررة من أي وصاية خارجية، لا سيما الوصاية الإيرانية في نسختها الأخيرة".
ضغط وتكبيليعتبر السبع أن الحكمة "لا تكمن في الاستمرار بالمعركة، بل في التوجه نحو اتفاق يضمن الحفاظ على ما تبقى من قوة حزب الله". لكنه يتساءل عن مدى التزام الجيش الإسرائيلي بهذا الاتفاق، خصوصاً أن غزة ما زالت تواجه تحديات كبرى دون أي إطار سياسي يحميها"، ويشير إلى الدور الأميركي في تمرير هذا الاتفاق، متسائلاً عما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستسعى لإقرار اتفاق مشابه في غزة.
وأسفر الصراع بين حزب الله وإسرائيل منذ أكتوبر 2023 عن مقتل 3768 شخصاً وإصابة 15699 آخرين حتى 24 نوفمبر، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية. ولم يصدر حزب الله أي إحصاءات رسمية حديثة عن عدد قتلاه في المعارك الدائرة مع إسرائيل. وكانت قد أعلنت سابقا مقتل نحو 500 من مقاتليها حتى سبتمبر الماضي، فيما ذكر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن حزب الله خسر نحو 2450 مقاتلاً، بحسب وكالة رويترز.
وقدّر البنك الدولي الأضرار السكنية في لبنان بنحو 2.8 مليار دولار، مع تدمير أكثر من 99 ألف وحدة سكنية، وأشار إلى أن إجمالي الخسائر الاقتصادية في لبنان بلغت نحو 8.5 مليار دولار، مع توقع انكماش الناتج المحلي بنسبة 5.7% في عام 2024.
على صعيد النزوح، أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن أكثر من 886 ألف شخص نزحوا داخلياً في لبنان، فيما فرّ 540 ألفاً إلى سوريا.
وعن قدرة حزب الله على استعادة قوته، يشير السبع إلى أن "الاتفاق يمنع الحزب من ترميم قدراته العسكرية، وذلك عبر اللجنة المشتركة التي تضم فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل والأمم المتحدة ولبنان".
هذه اللجنة، بحسب السبع، "ستراقب أي محاولة لتصنيع أو إدخال أسلحة جديدة، حيث ستقوم بإبلاغ الجيش اللبناني للتدخل، وفي حال لم يتحرك، سيتولى الجيش الإسرائيلي استهداف المنشآت أو الشاحنات. هذا الأمر سيكبّل حزب الله ويضعه تحت ضغط كبير، فالوضع الحالي لا يشبه الظروف التي مر بها الحزب في عامي 2000 و2006، أي تحرير جنوب لبنان وحرب يوليو".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی الجیش اللبنانی توقیع الاتفاق إطلاق النار أن حزب الله جنوب لبنان مع إسرائیل فی لبنان إلى أن
إقرأ أيضاً:
وفد أمني مصري يزور تل أبيب في محاولات لوقف التصعيد
يتوجه وفد أمني مصري رفيع إلى تل أبيب في الساعات المقبلة لإجراء محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين بشأن تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، والذي تم التوصل إليه بعد تصاعد التوترات على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
وبحسب صحيفة "العربي الجديد" يسعى الوفد المصري من خلال هذه المحادثات إلى ضمان استدامة الهدنة ووقف أي تصعيد قد يؤثر على الاستقرار في المنطقة وكذلك النقاش حول العودة لصفقة تبادل الأسرى مع المقاومة في قطاع غزة.
ويضم الوفد المصري، مسؤولين من جهاز المخابرات العامة، وحمل رسالة إلى إسرائيل حول ضرورة الحفاظ على استقرار الوضع في لبنان، وناقش مع المسؤولين الإسرائيليين سبل ضمان عدم تصعيد النزاع في الفترة المقبلة، خاصة في المناطق الحساسة مثل الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
زيارة الوفد المصري إلى تل أبيب تتزامن مع زيارة أخرى قام بها وفد مصري إلى قطاع غزة، حيث التقى مع قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتنسيق الخطوات القادمة في ضوء الوضع الإقليمي الراهن.
الجهود المصرية في هذا السياق تركز على تحقيق تهدئة طويلة الأمد في لبنان وغزة على حد سواء، وتجنب أي تصعيد يمكن أن يهدد الأمن الإقليمي. من المتوقع أن تستمر المحادثات في الأيام القادمة مع الأطراف المعنية في محاولة لضمان تنفيذ الاتفاقات والبحث في آليات لإعادة الإعمار في غزة
ويُجري المسؤولون المصريون اتصالات مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بهدف التوصل إلى تفاهمات حول تصورات الإدارة الأميركية لوقف الحرب على غزة
وفي الفترة الأخيرة، شهدت الحدود اللبنانية توتراً شديداً بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، بعد سلسلة من الهجمات المتبادلة، وبدأ التصعيد في وقت حساس للغاية، في أعقاب الحرب المستمرة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي دفعت بالعديد من القوى الإقليمية إلى التدخل لمنع تفاقم الوضع في لبنان والمنطقة.
وكان هذا التصعيد في لبنان كان جزءاً من معركة أوسع في الشرق الأوسط، حيث دفعت الأحداث الجارية في غزة الأطراف الإقليمية والدولية إلى التحرك بشكل عاجل لتفادي تمدد النزاع، وكانت المخاوف من اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله تلوح في الأفق، ما دفع القوى الكبرى إلى الضغط من أجل وقف القتال وإقرار هدنة.
قرار وقف إطلاق النار في لبنان
واتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله الذي دخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء، يأتي في إطار هذه الجهود لتفادي تصعيد إضافي، الاتفاق كان بمثابة صمام الأمان لتجنب تطور النزاع إلى حرب شاملة، وتم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد مفاوضات مكثفة، وأدى إلى التهدئة على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
ومن ضمن بنود الاتفاق، تم التوافق على وقف العمليات العسكرية من كلا الجانبين، مع السماح باستئناف حركة المدنيين عبر الحدود في ظروف آمنة. كما ركز الاتفاق على ضرورة تجنب الأزمات المتكررة، مثل تلك التي تتعلق بالمسجد الأقصى أو حي الشيخ جراح في القدس، والتي يمكن أن تؤجج الصراع الإقليمي.