ترامب .. سنوات سياسية مثيرة!
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
لا يمكننا اليوم أن نقرأ تفسير صعود الترامبية مرةً أخرى، بمعزل عن مؤثرات كبيرة طرأت على العالم منذ عقد التسعينيات، كالعولمة وثورة المعلوماتية والاتصال، فما ظهر على سطح التواصل العالمي من تأثير العولمة وثورة المعلوماتية كانت له آثار إيجابية وسلبية على أكثر من وجه. وإذا بدا عالمنا اليوم في ظل العولمة وثورة المعلوماتية، في شبه قطيعة مع العديد من مظاهر القرن العشرين، فإن ما بدا واضحًا كذلك أن تلك القطيعة اليوم تتمظهر في بنيات جديدة وظواهر جديدة، لاسيما في عالم السياسة.
الأرجح، إن ما يراه جيل المخضرمين اليوم (أولئك الذين عاشوا طرفًا من حياتهم نهايات القرن العشرين وبدايات الألفية الجديدة) من ظواهر كانت مستهجنة في سياسيات أمريكا خلال القرن العشرين، ستبدو أكثر من عادية في عالم اليوم، بحيث يمكن القول إن التطبيع مع تلك العادات السياسية الجديدة لزمن عالم السياسة الأمريكي منذ بداية الألفية الثالثة سيكون مسألة وقت. والحال أن إشكاليات التغيير التي تضرب عالم السياسة منذ بداية القرن الحادي والعشرين ليست هي مما يمكن إدراجها في سوية عامة للخطأ والصواب السياسيَين (وهذا ما يعزز الانطباع بأنها عادات سياسية مستهجنة) وإنما هي عادات يتم تصويرها على أنها من مقتضيات الأمر الواقع لعالم السياسة الجديد، وهكذا ما إن بدت غرائبيات الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش مع بداية الألفية الجديدة، والقصص التي كانت تحكى عن معلوماته المسطحة عن العالم خارج أمريكا، حتى كانت قصص الرئيس الأمريكي الجمهوري الذي جاء من بعده (دونالد ترامب) أكثر غرابةً وطرافةً. فإذا كان الرئيس جورح دبليو بوش دخل السياسة من أبواب الإرث الجمهوري العريق لعائلته السياسية، فإن الرئيس دونالد ترامب دخل عالم السياسة من محيط عالم المال والعقارات، والأغرب من ذلك، أن الأخير لم يأت إلى عالم السياسة حتى من أي خلفية للخدمة المدنية أو العسكرية، الأمر الذي كشف عن الكثير من ممارساته السياسية الغريبة إبان ولايته الأولى بين عامي 2016 - 2020م. هل سيتعين على العالم التطبيع مع تلك المتغيرات الغريبة في عالم السياسة (كالتي ظهرت في سياسيات الترامبية الأولى) وأثرت، بحكم التأثير العالمي لأمريكا، على الكثير من القادة الشعبويين في العالم؟ وهل في أبجديات السلطة السياسية والترتيبات الجيوستراتيجية لعالم اليوم ما يحتمل «خفَّة» عالم السياسة الجديد الذي بدا كما لو أنه هوية سياسية تناظر سرعتها وخفتها إيقاع السرعة الذي تميز به زمن السوشيال ميديا؟ لعل السنوات الأربع المقبلة من الولاية الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستتكشف عن الكثير من ممكنات سياسة «الخفة» ومستحيلاتها، لاسيما وأن العالم الذي خلفه ترامب في العام 2020 ليس هو عالم اليوم الذي يعيش على وقع اهتزازات جيوسياسية ضربت حتى قلب القارة العجوز في أوروبا (الحرب الروسية الأوكرانية) إلى جانب تفاقم صراع منطقة الشرق الأوسط. وإذا ما هيمنت إرادة شعبوية في سياسات دولة كبرى كالولايات المتحدة، خلال الولاية الثانية لرئاسة الرئيس ترامب، وأصبحت احتمالًا واردًا؛ فإن المعادلة الغريبة التي ربما أضمرت تناقضًا يجمع بين التعقيدات الجيوسياسية الصعبة لعالم اليوم والمعالجات السياسوية المسطحة لتلك التعقيدات، هي معادلة قد لا تنجو من نتائج كارثية في مصائر الكثير من بلدان العالم. ذلك أن التعقيد الذي يهيمن على المعادلات الاستراتيجية - سياسيًا واقتصاديًا - لعالم اليوم عبر تشبيك واسع تعززه شبكات التواصل الرقمي وحركة التجارة العالمية هو أكبر بكثير من أي معالجات مسطحة. فالصراع الروسي الأوكراني الذي تنخرط فيه أوروبا اليوم تنطوي تداعياته وتعقيداته الجيوسياسية على إمكانية لإحياء أزمات خطيرة نائمة في تايوان وكوريا الشمالية. أما حرب التعرفة الجمركية والزيادات الضريبية التي ينوي ترامب استئنافها ضد الصين فقد تأتي بنتائج عكسية لدول حليفة للولايات المتحدة من خلال التأثيرات الهائلة للاقتصاد الصيني في العالم واعتماده الرئيس على الصادرات. فـــ«الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، ستضعف الطلب الصيني على مدخلات التصنيع، بما فيها الطاقة والمعادن، وستكون هذه أخبار سيئة لجيران الولايات المتحدة مثل بيرو وتشيلي والمكسيك -وجميعها من كبار المصدرين للنحاس إلى الصين- ولأستراليا حليفة الولايات المتحدة (وهي مصدر كبير لخام الحديد والفحم). |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عالم السیاسة عالم الیوم الکثیر من
إقرأ أيضاً:
نتنياهو في واشنطن: زيارة مثيرة للجدل وسط مذكرات اعتقال دولية
ديسمبر 26, 2024آخر تحديث: ديسمبر 26, 2024
المستقلة/- في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، يعتزم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو التوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور حفل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في 20 يناير. ورغم أن خطة سفره لم تُحسم بشكل نهائي بعد، إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية أكدت أن دعوة ترامب لنتنياهو تأتي ضمن قائمة 50 شخصية بارزة دُعوا لحضور الحفل، ما يعكس العلاقة القوية بين الرجلين، والتي لطالما أثارت تساؤلات سياسية وجيوسياسية.
تحالفات مشبوهة: العلاقة بين نتنياهو وترامبلطالما كانت العلاقة بين نتنياهو وترامب محط اهتمام في الأوساط السياسية، إذ يُنظر إليها كتحالف غير تقليدي، مليء بالتوترات والصفقات المشبوهة. وكان نتنياهو أول من هنأ ترامب على فوزه في الانتخابات في نوفمبر الماضي، واصفًا فوزه بـ”أعظم عودة في التاريخ”. ورغم ذلك، فإن هذا التحالف يتناقض مع مسار العلاقات المتوتر بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، خصوصًا في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة وسياسات الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
وتعتبر زيارة نتنياهو للولايات المتحدة فرصة لتمتين هذا التحالف مع ترامب، الذي يظهر استعدادًا مستمرًا لدعمه، وهو ما يثير تساؤلات حول تأثير هذه العلاقة على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
مذكرات الاعتقال: عثرة في الطريقما يثير الجدل بشكل أكبر هو أن زيارة نتنياهو للولايات المتحدة تأتي في وقت حساس، حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرات اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هذه المذكرات، التي تستدعي اعتقال نتنياهو فور وصوله إلى أي دولة عضو في المحكمة، وضعت العالم في موقف حرج.
ورغم أن الولايات المتحدة ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، ما يعني أن نتنياهو يمكنه السفر إليها بأمان، إلا أن هذا لا يعني أن الزيارة خالية من العواقب السياسية. إذ يفتح هذا الباب أمام نقاشات حول مسؤولية الدول الكبرى في تطبيق مذكرات الاعتقال الدولية، خاصة في وقت تشهد فيه العلاقات بين إسرائيل والدول الغربية توترًا متزايدًا بشأن سياسات الاحتلال والحروب في غزة.
في أعقاب الحرب: تداعيات القضية الفلسطينيةلا شك أن زيارة نتنياهو تأتي في وقت حساس بالنسبة للقضية الفلسطينية، التي شهدت تصاعدًا في العنف مع الحرب الأخيرة في غزة. ومن المتوقع أن تثير زيارة نتنياهو لواشنطن غضب العديد من النشطاء السياسيين والحقوقيين، الذين يرون في هذه الزيارة دعمًا أمريكيًا صريحًا لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما قد يؤجج التوترات في المنطقة.
ترامب ونتنياهو: شراكة إستراتيجية أم استغلال سياسي؟العلاقة بين ترامب ونتنياهو لا تقتصر على مجرد تحالف سياسي، بل تحمل أبعادًا إستراتيجية كبيرة. ترامب، الذي دعم في فترته الرئاسية تحركات إسرائيل التوسعية في الأراضي الفلسطينية، جعل من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أحد أبرز إنجازاته. في حين أن نتنياهو، الذي يواجه انتقادات دولية واسعة بسبب سياسات حكومته، يراهن على تعزيز هذه العلاقة لتأمين دعم سياسي في أوقات صعبة.
لكن هل أن هذه الشراكة هي بمثابة استغلال سياسي من قبل الطرفين؟ فترامب يسعى لتعزيز نفوذه في الشرق الأوسط باستخدام إسرائيل كحليف رئيسي، بينما يسعى نتنياهو إلى تأمين دعمه في ظل الضغوط السياسية الداخلية والدولية، بما في ذلك مذكرات الاعتقال.
الخلاصة: زيارة أم أزمة دبلوماسية؟زيارة بنيامين نتنياهو المحتملة إلى واشنطن ليست مجرد حدث سياسي عادي. بل هي جزء من فصل جديد في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية التي تتسم بالتعقيد والتوترات. ومع مذكرات الاعتقال التي تلاحق نتنياهو، تبدو الزيارة بمثابة تحدي للنظام الدولي ولفكرة العدالة الدولية. وبينما يستعد نتنياهو لرحلته إلى واشنطن، تظل الأسئلة مفتوحة حول تأثير هذه الزيارة على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية وعلى مستقبل القضية الفلسطينية في ظل هذا التحالف المثير للجدل.