ماذا يعني التحديث الصيني النمط؟
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
د. هيثم مزاحم **
يجري التحديث في العصر الحالي بسرعة متزايدة منذ الثورة الصناعية وصولًا إلى الثورة المعلوماتية والثورة التكنولوجية إلى ثورة الذكاء الاصطناعي.
هذه التحولات العميقة، التي نقلت البشر من المجتمع والاقتصاد التقليديين إلى المجتمع والاقتصاد الحديثين، عرفتها الصين خلال القرن الماضي، وتسارعت بشكل استثنائي في القرن الحادي والعشرين؛ حيث شهدت الصين نسبة سرعة نمو لم تشهدها البشرية في تاريخها.
لكن الأدبيات الصينية تكرر في السنوات الأخيرة تعبير التحديث الصيني النمط، وهو ما يوحي بنوع من التميز والتمايز والادعاء. لكننه في الواقع يعبّر عن فخر وثقة بالنفس لدى الصينيين بسبب نجاح تجربتهم التنموية بشكل استثنائي وفريد.
لا يخفي الحزب الشيوعي الصيني أنه يسعى إلى بناء دولة اشتراكية حديثة بشكل شامل؛ حيث أعلن في مؤتمره الوطني العشرين عن أن المهمة المركزية للحزب تتمثل في توحيد وقيادة الشعب من جميع المجموعات العرقية لبناء دولة اشتراكية حديثة وقوية بشكل كامل، وتعزيز التجديد العظيم بشكل شامل من خلال التحديث الصيني النمط، وجعل الترتيب الاستراتيجي العام المكون من خطوتين هما "تحقيق التحديث الاشتراكي بشكل أساسي من عام 2020 إلى عام 2035، وبناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة مزدهرة وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة من عام 2035 إلى منتصف هذا القرن".
إذن.. التحديث الصيني النمط هو التحديث الاشتراكي الذي يقوده الحزب الشيوعي الصيني، وهو يُظهر التناغم بين الاستراتيجية والتكتيكات، والنزاهة والابتكار، والكفاءة والإنصاف، والحيوية والنظام، والاعتماد على الذات والانفتاح.
لقد أنجزت الصين عملية التصنيع، التي مرت بها الدول الغربية عبر مئات السنين، خلال عقود قليلة فقط، ودمجت بين الإبداع الثقافي والإبداع العملي، مسلطة الضوء على التراث الثقافي الصيني مبتعدة عن كل من الحضارة الرأسمالية التي تدعو إلى سيادة رأس المال، وعن نموذج الحضارة الاشتراكية التقليدية للاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية.
ويتمتع التحديث الصيني النمط بخصائص مُميَّزة بناءً على الظروف الصينية الخاصة لكنه يشترك في خصائص متعددة مع مناهج التحديث العالمية. قمنذ تأسيس الصين الجديدة، وعلى مدى السنوات السبعين الماضية، حققت الأمة الصينية قفزة كبيرة من النهوض والثراء والقوة، وجذورها تكمن في التنمية.
وقد دأبت الصين على تشجيع الإبداع والابتكار من خلال تطوير أفكار جديدة تحقق منفعة عامة، وهي عملية تتناول أهمية الابتكار والابداع في المؤسسات، كما يتم توسيع نطاق التعلّم وإنشاء ابتكارات أكثر ثراء على مستويات ومجالات أخرى. ولقد عززت الحكومة الصينية باستمرار التحديث الصيني النمط من خلال الإصلاحات المؤسسية.
وقد ارتكز نهج القيادة الصينية على القيم والمبادئ الأخلاقية. تجسد ذلك في الخطط الواقعية والعقلانية وإعداد الشعب لقبول الأفكار والإصلاحات الجديدة. ومنذ تأسيسه، جمع الحزب الشيوعي الصيني بين الثقافة الصينية التقليدية، والمبادئ الأساسية للماركسية ودمجهما مع الواقع الصيني، لنشوء القيادة ذات القيم الأخلاقية المعنية بقيادة الثورة والبناء والإصلاح والانفتاح.
وتُعد العولمة السمة الأساسية للتحديث، ومن أهم العوامل التي تؤثر على الاقتصاد العالمي وتجعله يعمل كنظام واحد متكامل. وقد أقرت اللجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني ضرورة الإصلاح والانتقال إلى الانفتاح الشامل. كما اغتنمت الصين فرصة العولمة الاقتصادية، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، والاندماج العميق في نظام تقسيم العمل الدولي، والمشاركة في الدورة الدولية والتحول إلى "مصنع عالمي"، وتعزيز التحديث الصناعي، وتحسين القدرة التنافسية الدولية.
وتتمثل خصائص التحديث الصيني النمط، في اختلاف طرق التحديث نظرًا لاختلاف الظروف والبيئة؛ حيث إن تحقيق التحديث في الصين، كأكبر دولة نامية في العالم، يعني التحديث مع عدد كبير من السكان، ومع رخاء مشترك للجميع، ومع حضارة مادية متناغمة وحضارة روحية، ومع تعايش متناغم بين الإنسان والطبيعة؛ إذ إن الحجم السكاني الضخم هو أساس تحديث الصين. وقد وصل إجمالي عدد سكان الصين إلى أكثر من 1.400 مليار نسمة؛ حيث يعد الشعب أساس التحديث الصيني النمط الذي يشمل جميع أفراد الشعب؛ حيث أضحى العدد السكاني الكبير ميزة يمكن الاستفادة منها.
ويمثل الرخاء المشترك، المطلبَ الأساسيَّ للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتحقيقه هو المهمة الأصلية للحزب الشيوعي وسمة مميزة للتحديث الصيني النمط.
ويدعو التحديث الصيني النمط إلى التنسيق بين الحضارة المادية والحضارة الروحية؛ حيث تسعى الصين من خلاله الى بناء دولة حديثة مزدهرة وقوية. وهي لا تسعى الى تحقيق التنمية المتزامنة للتحديث الزراعي والتصنيع والتمدن فحسب؛ بل تسعى إلى البدء في طريق تصنيع جديد ذي محتوى تكنولوجي عالٍ، وفوائد اقتصادية جيدة، واستهلاك منخفض للموارد، وتلوث بيئي أقل.
كما تسعى الصين لتحويل البلاد إلى دولة حديثة متحضرة جدًا ذات حضارة اشتراكية، متناغمة مع الثقافة التقليدية الصينية، وتراعي التناغم بين الإنسان والطبيعة، عبر تحقيق حماية بيئية عالية المستوى، وبناء اقتصاد أخضر منخفض الكربون.
لقد أطلقت الصين شعار التنمية السلمية بعيدًا عن سياسات التوسع والنهب والاستغلال والهيمنة الطاغية على التحديث الغربي، وفتحت طريقًا جديدًا للتعاون والمساواة والفوز المشترك للحضارة الإنسانية. ويقوم التحديث الصيني النمط على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون المربح للجانبين، ويسعى إلى جسر الخلافات من خلال الحوار وحل النزاعات من خلال المفاوضات، من أجل تحقيق التنمية المشتركة للبشرية جمعاء، وتعزيز إنشاء مجتمع مستقبل مشترك للبشرية.
وفي 17 أكتوبر 2022، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني: "إن شروع الصين في طريق التحديث لا ينفصل عن الثقافة الصينية. إننا نسير في طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وسببه الداخلي مُتأصِّلٌ في جينات الثقافة التقليدية الصينية الممتازة."
إنَّ التحديث الصيني النمط، هو تحديث متجذر في تربة الثقافة التقليدية الصينية ونظريته تجسّد حكمة الصين القديمة والحديثة، وهي لا تشتمل على العناصر المشتركة لعملية التحديث لجميع دول العالم فحسب، وإنما تشتمل أيضًا على الخصائص الذاتية للصين.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان، باحث غير مقيم في مركز الدراسات العربي الصيني للإصلاح والتنمية في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً: