جلالة السلطان: مهد تنامي القوتين العمانية والعثمانية لتعزيز التعاون العسكري والسياسي
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
العلاقات العمانية التركية.. تاريخ طويل من العمل على توطيد الاستقرار في المنطقة -
يبدأ غدًا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، حفظه الله ورعاه، زيارة رسمية إلى جمهورية تركيا الصديقة تأكيدا على العلاقات التاريخية العميقة التي تربط بين البلدين والتي تمتد لقرون طويلة مضت، حيث عرفت دائماً بمستوى عالٍ من الاحترام والتقدير المتبادل بين أئمة وسلاطين عُمان وسلاطين الدولة العثمانية.
وتُعد هذه الزيارة الرسمية الأولى لعاهل البلاد المفدى إلى تركيا منذ تسنم جلالته عرش عُمان في عام 2020. تهدف الزيارة، التي تأتي في سياق العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين، إلى فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري بينهما. كما تأتي الزيارة في ظروف صعبة تمر بها منطقة الشرق الأوسط وتحولات كبرى في العالم.
ورغم العلاقات التاريخية بين البلدين إلا أن حجم التبادل التجاري ما زال دون الطموح خاصة وأن تركيا دولة منتجة في مختلف القطاعات ويُنظر إلى منتجاتها باعتبارها ذات جودة عالية. وبلغ حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان وتركيا حتى نهاية أغسطس الماضي 216 مليون ريال عماني. وهو رقم شهد نمو بالمقارنة بنفس الفترة العام الماضي. لكن الطموحات أن ينمو حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة.
وينظر حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، إلى العلاقات مع تركيا من زوايا مختلفة لا تتجاوز الجوانب التاريخية، حيث ساهم كل من عُمان والدولة العثمانية في توطيد الأمن والاستقرار في المنطقة لفترة طويلة من الزمن.
يقول صاحب الجلالة في تقديمه لكتاب "عُمان في الوثائق العثمانية": "ساهمت الدولة العثمانية في توطيد الاستقرار في النطاق الجغرافي الذي امتدت إليه، ولتحقيق ذلك واجهت القوى المعادية في القرن السادس عشر الميلادي دفاعا عن المناطق والبلدان الخاضعة لسيطرتها، وتزامن ذلك مع احتدام الصراع العماني البرتغالي الذي بلغ أشده في القرن السابع عشر الميلادي والذي أفضى إلى تحرير السواحل العمانية ومنطقة الخليج ومناطق الامتداد العماني في شرق أفريقيا". ويضيف جلالة السلطان بالقول: "مهد تنامي القوتين العمانية والعثمانية في العالم الإسلامي إلى تعزيز التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي بينهما الذي شهد أوجه خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر حيث تكشف الوثائق والتقارير الرسمية حجم المراسلات المتبادلة بين سلاطين عُمان وسلاطين الدولة العثمانية؛ إذ عملوا على إيجاد استقرار في المنطقة وتأمين الملاحة الدولية الممتدة من عُمان إلى شرق أفريقيا وسواحل المحيط الهندي؛ ما ساعد على زيادة النشاط التجاري والسياسي".
ويقول جلالته حفظه الله: "ارتبط سلاطين عُمان بعلاقات جيدة وحظوا بمودة خاصة لدى سلاطين الدولة العثمانية، تجلت في حفاوة الاستقبال والتقدير الذي نالوه أثناء زياراتهم إلى إسطنبول. وفي المقابل، حظيت وفود الدولة العثمانية بالاهتمام والترحيب الكبيرين أثناء زياراتهم لمسقط وزنجبار".
من جانبه يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوجان في تقديم للكتاب نفسه: "بدأت عُمان تتوسع وتزداد قوة اعتبارا من القرن السادس عشر، وقامت بتأسيس واحة من السلام والاستقرار أولا على الأراضي التي تعيش عليها، ثم على سواحل وسط وشرق أفريقيا. ويفيد المؤرخون أن للبحارة العثمانيين دور أساسي في هذه الانجازات". ويضيف أردوجان بالقول: "إن النضال الناجح الذي أبداه البحار العثماني الشهير في القرن السادس عشر، مير علي بيك، ضد البرتغاليين هو أحد العوامل المهمة التي مهدت الطريق لضعف البرتغال وفقدان قوتها وبالتالي ازدهار عُمان".
والواضح أن الرئيس أردوجان يشير هنا إلى أقدم وثيقة وردت في الكتاب وتعود إلى نوفمبر 1552 في زمن السلطان العثماني سليمان القانوني. تشير الوثيقة إلى محاولة الأسطول العثماني تحرير مسقط من الاحتلال البرتغالي، حيث دارت معركة بين الأسطول العثماني والبرتغاليين استمرت سبعة أيام بقيادة بيري ريس. وتمكنت القوات العثمانية من تحرير مسقط، إلا أن بيري لم يكن يملك العدد الكافي من الجنود للحفاظ على النصر بعد توجهه نحو هرمز، مما أعاد الأمور إلى ما كانت عليه حتى بدأ التحرير الحقيقي لعُمان بقيادة الإمام ناصر بن مرشد واكتمل في عهد الإمام سلطان بن سيف عام 1650.
لكن العلاقات بين عُمان والدولة العثمانية شهدت تبلورا أكبر خلال حكم سلاطين البوسعيد لعُمان بدءا من العام 1744، حيث تعاونت عُمان في عهد الإمام المؤسس لحكم البوسعيد أحمد بن سعيد البوسعيدي مع الدولة العثمانية لصد محاولات الفرس بقيادة كريم خان زند للسيطرة على البصرة، التي كانت آنذاك تابعة للعثمانيين. قدم الإمام أحمد بن سعيد الدعم للعثمانيين في فك الحصار الذي ضرب على البصرة وتم تحريرها من سيطرة الفرس في عام 1755. وتشير الوثائق العثمانية إلى أن الإمام أرسل جيشا قوامه 400 سفينة حربية صغيرة وأخرى كبيرة مع 20 سفينة تجارية بقيادة ابنه هلال بن أحمد. وتمكنت السفينة "الرحماني" التي كانت تقود الأسطول من قطع سلسلة حديدية ضخمة وضعت في عرض شط العرب لمنع أي سفينة من الدخول ونجدة البصرة.
وفي وثيقة عثمانية تعود إلى فبراير 1777 موجهة من عبدالله باشا والي بغداد والبصرة موجهة إلى الصدر الأعظم العثماني يتحدث الوالي عن إمام عمان أحمد بن سعيد بالقول: "إمام مسقط الشخص المساعد للمسلمين والذي سارع للدفاع بقواته أثناء احتلال البصرة من قبل الفرس". على أن حادثة السفينة "الرحماني" ليست الوحيدة في تاريخ التعاون العماني العثماني فهناك وثيقة أخرى مؤرخة بتاريخ 7 يوليو 1777 موجهة من السلطان عبدالحميد الأول إلى إمام عمان أحمد بن سعيد يطلب منه إرسال مساعدة عسكرية بحرا لتحرير البصرة مرة أخرى. وتشير وثائق أخرى إلى أن السلطان العثماني عبدالحميد عندما أراد عقد صلح مع الفرس استشار الإمام أحمد ما يدل على عمق الروابط التي كانت قائمة في ذلك الوقت بين عُمان والدولة العثمانية.
وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان زادت العلاقات بين عُمان وبين الدولة العثمانية وأبدى السلطان سعيد بن سلطان استعداده للتعاون مع محمد علي باشا الذي أمر باستقبال فخم يليق بالسلطان سعيد بن سلطان عندما زار مكة لأداء فريضة الحج عام 1824. والأمر نفسه كان عند بقية سلاطين عمان وزنجبار من الذين كانوا يزورون الحجاز أو اسطنبول أو أي مدينة أخرى كانت خاضعة للسيطرة العثمانية.
وتكشف الوثائق الضخمة التي صدرت في خمسة أجزاء حجم العلاقات التاريخية بين عمان وبين الدولة العثمانية ولاحقا جمهورية تركيا وصولا إلى مرحلة العلاقات الحديثة بين البلدين والتي توجت بالعلاقات الدبلوماسية في سياقها الحديث في عام 1973.
وكانت الوفود الدبلوماسية والتجارية لا تنقطع بين البلدين، وفي ديسمبر من عام 1997 قام رئيس الجمهورية التركية سليمان ديمرال بزيارة رسمية لسلطنة عمان التقى خلالها بالسلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه. وفي مايو من عام 1999 قام جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم (أمين عام وزارة الخارجية آنذاك) بزيارة لتركيا عقد خلالها مشاورات سياسية مع الجانب التركي. وتوالت الزيارات بين الجانبين وفي سبتمبر 2005 قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان "آنذاك" بزيارة رسمية لسلطنة عمان في عام 2005 التقى خلالها السلطان الراحل.
وبعد ذلك بخمس سنوات زار عُمان الرئيس التركي السابق عبدالله غل وعقد مع السلطان الراحل جلسة مباحثات سياسية ناقشت تطوير العلاقات بين الجانبين وفتح آفاق من التعاون الاقتصادي. ولم تنقطع الوفود العمانية والتركية من عقد جلسات المباحثات المشتركة بين الجانبين لتعزيز التعاون في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد أثمرت تلك الزيارات في عقد الكثير من الاتفاقيات في جوانب مختلفة من بينها الجوانب العسكرية والاقتصادية.
وفي الجانب الاقتصادي هناك أكثر من 849 شركة مسجلة بها مساهمة تركية بقيمة إجمالية 104.1 مليون ريال عُماني وبنسبة 79.24% من إجمالي رأس المال المستثمر في الشركات. ويركز المستثمرون الأتراك على الاستثمار في تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية، والصناعات التحويلية، والتشييد، وأنشطة الإقامة والخدمات الغذائية، والنقل والتخزين، والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية، وأنشطة الخدمات الإدارية وخدمات الدعم، والمعلومات والاتصالات، إلى جانب الأنشطة العقارية، وأنشطة صحة الإنسان والخدمة الاجتماعية.
وتبدو زيارة جلالة السلطان المعظم، لتركيا والتي تبدأ هذا اليوم مرحلة جديدة من مراحل العلاقات التاريخية بين البلدين والتي من شأنها أن تتحول إلى علاقات استثمارية واقتصادية تعود بالنفع على البلدين الصديقين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العلاقات التاریخیة الدولة العثمانیة جلالة السلطان أحمد بن سعید بین البلدین سلاطین ع فی عام مان فی
إقرأ أيضاً:
مصر والنرويج تتفقان على عقد مشاورات سياسية لتعزيز الشراكة بين البلدين
اتفقت مصر والنرويج على عقد مشاورات سياسية منتظمة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك بهدف تعزيز شراكتهما ودمج جهودها لتحقيق مصالح البلدين المشتركة لتحقيق الاستقرار والسلام والرخاء.
جاء ذلك في بيان مشترك أصدرته مصر والنرويج؛ جرى الاتفاق عليه في إطار متابعة نتائج زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة النرويجية "أوسلو" خلال الفترة من 8 إلى 10 ديسمبر 2024، وذلك ضمن الجولة الأوروبية للرئيس السيسي.
وأكد البيان المشترك أن مصر والنرويج تجمعهما علاقات تعاون ثنائي وثيق منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1936 وأعادتا التأكيد اليوم على التزامهما بمزيد من تطوير علاقات الود والصداقة بين البلدين.
مصر والنرويج تتفقان على عقد مشاورات سياسية منتظمة لتعزيز الشراكة بينهمامصر والنرويج تتفقان على عقد مشاورات سياسية منتظمة لتعزيز الشراكة بينهمافيما يلي نص البيان المصري-النرويجي المشترك، والذي تم الاتفاق عليه بين البلدين في إطار متابعة نتائج زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة النرويجية "أوسلو" خلال الفترة من ٨ إلى ١٠ ديسمبر ٢٠٢٤، وذلك ضمن الجولة الأوروبية للسيد الرئيس:
بيان مشترك
لقد التقينا نحن رئيس جمهورية مصر العربية ورئيس وزراء النرويج في مدينة أوسلو بالنرويج يوم ٩ ديسمبر.
تجمع مصر والنرويج علاقات تعاون ثنائي وثيق منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام ١٩٣٦، ولقد أعدنا التأكيد اليوم على التزامنا بمزيد من تطوير علاقات الود والصداقة بين البلدين.
اتفقنا على عقد مشاورات سياسية منتظمة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك بهدف تعزيز شراكتنا ودمج جهودنا لتحقيق مصالحنا المشتركة لتحقيق الاستقرار والسلام والرخاء.
أعدنا التأكيد على مبادئنا المشتركة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة بشأن احترام القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، والسلامة الإقليمية، والسيادة الوطنية.
أكدنا قلقنا البالغ إزاء الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك المعاناة الهائلة للمدنيين والاحتياجات الإنسانية الماسة، واتفقنا على ضرورة أن تكسر جميع الأطراف دائرة العنف وتتخذ تدابير فورية وجوهرية لمعالجة هذا الوضع.
قمنا بإدانة جميع انتهاكات القانون الدولي الإنساني واتفقنا على الحاجة الملحة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن والأسرى بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ٢٧٣٥. كما أدانت النرويج من جانبها الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وتدعو إلى الإفراج الفوري عن الرهائن.
أكدنا أن جميع الأطراف مُلزمة بحماية المدنيين،وأكدنا على التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي الإنساني بالسماح وتسهيل النفاذ الآمن للمساعدات الإنسانية عبر كافة الطرق في كل المناطق بقطاع غزة. كانت هذه أيضًا ذات الرسائل الأساسية خلال مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية لغزة في الثاني من ديسمبر ٢٠٢٤.
كما رفضنا كافة أشكال التهجير القسري للفلسطينيين في قطاع غزة. كما أعربنا عن قلقنا إزاء التصعيد الحالي، وزيادة عنف المستوطنين والاقتحامات العسكرية في الضفة الغربية.
رحبنا بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان وقمنا بحث الطرفين على تنفيذه.
تناولنا أيضاً قلقنا العميق إزاء العرقلة المنهجية التي تفرضها إسرائيل على وكالة "الأونروا"والمنظمات الأخرى التي تقدم المساعدات، بما في ذلك التشريع الأخير الذي تبناه الكنيست. والذي إذا تم تنفيذه، فإن هذا التشريع من شأنه أن يمنع وكالة "الأونروا" من مواصلة عملياتها في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة، وأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على مئات الآلاف من المدنيين ويخالف التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي.
شددنا على جهودنا المشتركة لدعم دور وكالة "الأونروا" الذي لا يمكن الاستغناء عنه ودعم تقديم مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب قيام محكمة العدل الدولية بتقديم رأي استشاري بشأن هذه المسألة.
لقد ناقشنا التحديات العديدة التي تواجه السلطة الفلسطينية، وأكدنا مجدداً على دعمنا لجهود الحكومة الفلسطينية بقيادة رئيس الوزراء محمد مصطفى لمعالجة هذه التحديات.
شددنا على ضرورة توحيد غزة والضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية، بهدف تدعيم الدولة الفلسطينية وإقامتها على أساس خطوط عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
واتفقنا على أن إسرائيل بحاجة إلى إجراء تغييرات جوهرية على سياساتها وممارساتها حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من العمل وتقديم الخدمات لشعبها. وأكدنا على الحاجة إلى مواصلة تنسيق هذه القضايا في إطار لجنة تنسيق المساعدات للشعب الفلسطيني.
اتفقنا على أن إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وتنفيذ حل الدولتين، حيث يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنباً إلى جنب في سلام وأمن، يُعد أمراً حيوياً للاستقرار في المنطقة.
ناقشنا أيضاً كيف ينبغي لنا وللآخرين تنسيق المبادرات في المستقبل، بما في ذلك داخل التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين. ونحن نتشاطر الرأي بأن الحل السياسي، القائم على القانون الدولي، هو المفتاح للتعايش والتعاون والسلام في الشرق الأوسط.