العرب وإيران.. معارك وهمية!
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
د. عبدالله الأشعل **
ليس هناك مشكلة بين إيران وأي دولة عربية أخرى، وإنما تكمن المشكلة بين إيران من ناحية وكل من إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية أخرى.
ومعلوم أنَّ بعض العرب حلفاء للولايات المتحدة؛ ولذلك يحاربون معركتها مع إيران، ولنذكر أنَّ الثورة الإسلامية في إيران قامت ضد الشاه والولايات المتحدة وإسرائيل؛ لأنَّ الشاه رَهَنَ إرادة إيران بكل من إسرائيل والولايات المتحدة، ولذلك فإنَّ الثورة الإسلامية في إيران لم تعادي أيًا من الدول العربية ولكن بعض الإعلام العربي هاجم الثورة الإسلامية في إيران.
ولا يَخفى بهذه المناسبة أنَّ الولايات المتحدة ارتبكت مصالحها الاستراتيجية ووقع بعض العرب في الفتنة الطائفية التي زرعتها الولايات المتحدة وإسرائيل؛ فإيران كانت شيعية منذ بداية القرن السابع عشر وكان الشاه شيعيًا، ومع ذلك كان حليفًا للسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة وكان متزوجًا من الأميرة فتحية ابنة الملك فؤاد الأول وأخت الملك فاروق، فماذا حدث للفتنة الطائفية بظهور الثورة الإسلامية في إيران، إلّا أن تكون الثورة مُعادية لإسرائيل والولايات المتحدة، ولم يدخل العرب على خط العداء من جانب إيران، وإنما كانت إيران دائمًا عبر التاريخ جزءًا من ثقافة المنطقة وقوة ترنو ببصرها نحو الخليج، وتُدير ظهرها للقارة الآسيوية وتمتد علاقاتها مع العرب في الجاهلية وفي الإسلام.
والواقع أنَّ هناك أمرين يفصلان إيران عن الولايات المتحدة فهو صراع أمريكى إيرانى لأن إيران أرادت الاستقلال عن بيت الطاعة الأمريكي. وبدأت الثورة الإسلامية في إيران معادية للولايات المتحدة واستولت على القنصلية الأمريكية في طهران بمن فيها لمدة 444 يومًا.
المهم أنَّ إيران استقلت عن الإرادة الأمريكية، فكانت فتنة لغيرها في المنطقة، كما إنها كانت ركيزة أساسية للمصالح الأمريكية في المنطقة وكانت واشنطن تعتمد على إيران في التجسس على الاتحاد السوفيتى على خط الحدود الذي يبلغ 2500 كليومتر؛ ولذلك اختلت رؤية واشنطن للاتحاد السوفيتي من الناحية الاستراتيجية وبدأت المشاكل بينهما؛ حيث كانت واشنطن تؤمن تنفيذ الاتحاد السوفيتي لالتزاماته من خلال إيران الشاه.
الأمر الثاني، إسرائيل؛ حيث بدأت الثورة الإسلامية من أوَّل يوم بإزالة العلم الإسرائيلي عن مبنى السفارة الإسرائيلية في طهران ووضعت العلم الفلسطيني، ثم إن إيران تُزوِّد المقاومة ضد إسرائيل في جميع الجبهات بالدعم، وإسرائيل- كما نعلم- بؤرة المصالح الأمريكية في المنطقة؛ فالصراع إيراني أمريكي أساسًا وليس إيرانيًا عربيًا؛ بل إنَّ العرب كان يجب أن يكنوا- ولو سرًا مخافة الولايات المتحدة- أخلص مشاعر الامتنان لإيران، على دعمها للحقوق العربية التي تخلى عنها بعض العرب، ولذلك فإنَّ بعض العرب يعادون إيران بسبب الصراع الإيراني الأمريكي.
أما العواصم العربية التي تدعم إيران فيها المقاومة فهم حلفاء لإيران. وأطرحُ هنا اقتراحين لتبديد التوتر الوهمي في العلاقات الإيرانية مع بعض العرب:
الاقتراح الأول: أن يحل العرب المنتقدين لإيران محل إيران في دعم المقاومة، ولكن هذا الاقتراح مستحيل التحقيق لأن العرب الناقدين لايران ناقدون لها مجاملة لأمريكا وإسرائيل وليس لحماية مصالح بلادهم التي يفترض أن إيران أضرت بها؛ بل ذهب العرب إلى العكس في موقفهم من المقاومة التي يعتبرونها تدافع عن المصالح الإيرانية ولا تدافع عن المصالح العربية، وهذا خطاب إسرائيلى أمريكى ضمن الحملة ضد إيران، وهؤلاء الناقدون لإيران اتخذوا موقفين من المقاومة ضد إسرائيل الموقف الأول في الجامعة العربية؛ حيث اتخذت قرارًا بوصم المقاومة بالإرهاب فكأن الجامعة وضعت نفسها في صف إسرائيل ضد المقاومة.
لقد حريًا بالعرب جميعًا أن يساندوا المقاومة للاسباب الآتية:
1- أن إسرائيل سرطان في الجسد العربي وهي صهيوينة ولا علاقة لها باليهودية.
2- أن إسرائيل وكيل عن الغرب في العبث بمقدرات العرب، فقد زال الاستعمار العسكرى وبقيت إسرائيل تشرف على تحقيق المصالح الغربية في المنطقة وقاعدة متقدمة ضد روسيا والصين، وكل من يستقل قراره في المنطقة ويتخذ قراراته وفقًا لمصالحه، وإلّا لماذا تُعادي إسرائيل تركيا التي كانت أول دولة اعترفت بإسرائيل فور قيامها، وكانت دائمًا حليفًا لتركيا قبل اردوغان أو بعبارة أخرى قبل نجاح التيار الإسلامي في تركيا في عهد أربكان. أما معادة تركيا لإسرائيل؛ فسببها جرائم إسرائيل ضد الانسانية، إذن تركيا اردوغان تدافع عن القيم الإنسانية وليس الإسلام، هو المنطلق والحق أن قيم الإسلام قيم إنسانية راقية.
إذن نرى أن الخلاف بين تركيا وإسرائيل ليس خلافا دينيا .
الاقتراح الثاني: بدلًا من نقد إيران والانحياز لإسرائيل وأمريكا في هذا الصراع اقترح أن يركز العرب على أن يستخدم من له علاقة بإسرائيل والولايات المتحدة لكي يدفعهما إلى تقديم حل عادل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين. ولكن هذا الاقتراح أيضاً صعب ولكن ليس مستحيلا ونقطة الإشكالية فيه هي أنَّ إسرائيل أصدرت قانونا عام 2023 بحظر إقامة الدولة الفلسطينية في فلسطين والمسألة ليست قانونية وإنما تتعلق بمدى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بقطع النظر عن توافق هذا السلوك مع القانون الدولى من عدمه.
أما الصيغة العربية للسلام فلنا عليها ملاحظتان؛ الأولى أنها غير واقعية وتتصادم مع رغبة إسرائيل في الاستحواذ على كل فلسطين. الملاحظة الثانية تتعلق بالصياغة؛ فالمبادرة العربية للسلام تطالب بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وهذا يعني موافقة العرب على إضافة ربع فلسطين إلى إسرائيل خارج قرار التقسيم، كما إن الصيغة العربية للسلام تطالب بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وهذا يصطدم بالموقف الإسرائيلى المدعوم أمريكيًا، كما إن هذا الموقف العربي عليه ثلاثة تحفظات الأول أنه يتنازل عن ضم القدس الغربية دون مقابل. والثاني أنه لا يقدم مقابلًا كما تريد إسرائيل. أما افتراض أن القدس الشرقية محتلة، فقد ردت عليه إسرائيل في 17/7/2024 حين ردت على محكمة العدل الدولية وطالبتها المحكمة بالانسحاب الفوري من الأراضي الفلسطينية، وقال نتانياهو: "هل ينسحب المرء من أرضه؟" فكرس نظريته بأن إسرائيل لا تحتل أرض الغير وإنما تسترد أرضها.
على العالم العربي أن يفكر في هذه الملاحظات، ولا يكرر بشكل آلي مقولات ليست منطقية ولا تليق بمقام العرب.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
من هي الدولة العربية التي يُريد لبنان مشاركتها في مراقبة “أي اتّفاق”
هذا السؤال ردّده دبلوماسيون غربيون في العاصمة الأردنية عمان خلال الساعات الماضية على هامش محاولات متابعة الإعلانات الأمريكية التي تتحدث عن قرب التوصل إلى إتفاق وأن مهلة نهائية طرحت بين يدي الحكومة اللبنانية فيما بدأت حكومة إسرائيل تجهز نفسها لإبرام الصفقة.
تقارير وكالات الأنباء تحدّثت عن خمسة دول ستراقب الالتزام بتطبيق ألإتفاق المزمع عقده.
وسبق للمفاوض اللبناني أن تحفّظ على مشاركة بعض الدول الأوروبية في مثل هذا الإطار الرقابي مُصِرًّا على أن قرارات الشرعية الدولية لا تتضمّن بروتوكولات مراقبة للاتفاق.
لكن الأهم يترقّب المعنيون إعلان صيغة الاتفاق بعد مشاورات مكثفة مع عدة أطراف وقد تشمل الدول الضامنة للالتزام حسب آخر المعلومات دولة عربية واحدة على الأقل طلب لبنان وجودها.
راي اليوم