كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (29)
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
تحقيق: ناصر أبوعون
يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(وَيُوْجَدُ بِظَفَارِ مِنَ السِّبَاعِ النَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالْوَعْلِ، وَهُوَ أَكْبَرُ حَجْمًا مِنَ الثَّوْرِ ذُي قُرُونٍ طُوَالٍ. وَالنَّارْجِيْلُ عِنْدَهُمْ مِثْلَ النَّخْلِ عِنْدَنَا إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُوْنَ غَرْسَهُ، فَتَرَاهُ غَيْرَ مَنْضُوْدٍ.
وَالنَّارْجِيْلُ شَجَرَةٌ هِنْدِيَّةٌ، وَيُسَمَّى الْجَوْزُ الْهِنْدِيّ. وَمَا ذَكَرَهُ اِبْنُ بَطُوْطَةَ فِي رِحْلَتِهِ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ رَأْسُ إِنْسَانٍ؛ فَهُوَ حَدِيْثُ خُرَافَةٍ لَاشَكَّ فِيْهِ، وَابْنُ بَطُوْطَةَ دَأْبُه نَقْلُ الْخُرَافَاتِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَحَاشَا عَنْ نَقْلِهَا، وَهِيَ تَمُجُّهَا الْأَسْمَاعُ، ويُحدِّث عَنْ بَلَدٍ بَأَحَادِيْثَ وَقِصَصٍ، ومَا هِيَ خَالِيَة مِنَ الْخُرَافَة. قَالَ الضَّرِيْرُ الْأَنْطَاكِيّ فِي تَذْكَرَتِهِ: إِنَّ النَّارْجِيْلَ هُوَ الْجَوْزُ الْهِنْدِيّ، وَأَجْوَدُهُ الْكَالَكُتِّيّ، وَيَعْنِي بِهِ الْمِلْيِباريّ لَأَنَّ كَالَكُوْتَا بَلَدٌ مِنْ مَلِيْبَارَ، وَهُمْ يَسْقُوْنَهُ بِالْمَاءِ إِلَى سَنَتَيْنٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَتْرُكُوْنَه وَسَبِيْلَهُ فَيَشِبُّ وَيَنْمُو وَيَعِيٍشُ مِائَةَ عَامٍ. وَهَكَذا ذَكَرَهُ الْانْطَاكِيّ. وَأَمَّا النَّخْلَةُ فَلَاشَكَّ أَنَهَا أَشْرَفُ مِنَ النَّارْجِيْلِ. قال – عليه الصلاة والسلام-:{أَكْرِمُوا عَمَّتُكُمُ النَّخْلَةَ فَإِذَا مَالَتْ فَأَوْكُوْهَا، وَإِذَا مَاتَتْ فَابْكُوْهَا؛ لَأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ فُضْلَةِ الطِّيْنَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا أَبُو الْبَشَرِ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَفِيْمَا يُرْوَى قَالَ الشَّاعِرُ: [وعمّاتِك النَخل كُن مثلَها/بِرَمي الحِجَارة تَرمي الرُّطَبْ]. والتَّحِيَّةُ عِنْدَهُمْ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا بِتَقْبِيْلِ الْخُدُوْدِ، وَقَدْ شَاهَدْتُ صَفًّا مِنْهُمْ وُقُوْفًا وَآخَرِيْنَ يُحَيُّوْنَهُمْ؛ فَيَبْدَأُ الْمُحَيّي بِتَقْبِيْلِ أَوْلِ الصَّفِ حَتَّى يَأْتِي عَلَى آخِرِهِ، وَكُلَّمَا حَاذَى رَجُلًا مِنْهُمْ أَدْلَى إِلَيْهِ خَدَّهُ فَيَشُمَّهُ، فَعَجِبْتُ مِنْ صَبْرِهِمْ عَلَى طُوْلِ الْوُقُوفِ. أمّا تَحِيَّةُ السَّادَةِ عِنْدَهُم فِإِنَّهُ يَشُمُّ ظَهْرَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَيُقَبِّلُهَا. وَيَعْتَقِدُون أنَّ شَمَّ يَدِ السَّيْدِ وَتَقْبِيْلِها يُبْرِيءُ مِنْ دَاءِ الْجُذَامِ – أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهُ – وَإِذَا خَاطَبْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَمْ يَفْهَمْ مَقْصِدَكَ وَمُرَادَكَ أَخْرَجَ لِسَانَهُ إِشَارَةً أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا تَقُولُ)].
السِّبَاع في جبال ظَفَار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَيُوْجَدُ بِظَفَارِ مِنَ السِّبَاعِ؛ النَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالْوَعْلِ، وَهُوَ أَكْبَرُ حَجْمًا مِنَ الثَّوْرِ ذُي قُرُونٍ طُوَالٍ)]
فأمّا [(السِّبَاعِ، و(أَسْبُع)] جمع مفرده: (سَبُع)، وهو لفظ يُطلق على كل ما له ناب ومِخلب من الحيوانات المفترسة، و(السِّبَاعِ)إجمال ألحق به الشيخ عيسى الطائيّ التفصيل الشارح لمعناه بعده في قوله: (النَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالْوَعْلِ)، ونعثر على شاهده الشعريّ في أكثر من موضع؛ فهذا لقيط بن يعمر الإياديّ يقول: [فَسَاوَرُوهُ، فَأَلْفَوه أَخَا عِلَلٍ/فِي الْحَرْبِ يَحْتَبِلُ الرِّئْبَال و(السَّبُعَا)(01)]. وفي رحلة برترام توماس إلى ظفار تحدّث عن مغامراته في اصطياد السِّباع بصحبة مرشده السياحيّ (علي ضَبْعان)؛ فيقول: "اقترح عَلَيَّ (ضَبْعان) بأن يتمَّ ذبح بقرة بقرب إحدى الأشجار بحيث تكون مناسبة لمراقبة الذئاب التي لابد وأن تجذبها رائحة اللحم، وقد اخترنا موقعا نكمن فيه انتظارًا للسباع. وفي نحو الساعة العاشرة مساءً جاء أحد السباع، وأخذ يتقدم نحو الذبيحة وبمجرد اقترابه صوبنا بنادقنا نحوه، وأطلقنا عليه النار فقفز وزمجر، ثم سقط على الأرض. لقد كان الحيوان ضبعًا كامل النمو، وهو واحد من خمسة ضباع اصطدتها. ولقد كنت أطمع في اصطياد ذئب كان موجودا في المنطقة، وكان لدينا الكثير من الطُّعم؛ لأنه من عادة الذئاب أن تفضل الحيوانات الأليفة كـ(الخراف والماعز والعجول) كما إنها لا تتردّد في أن تلتهم ضبعا"(02).وأمّا (النَّمِر) بفتح النون وكسر الميم، مفرد وجمعه: (نُمُور/ نِمَار/ نُمُر/ أَنْمُر)، وهو حيوان مفترس، يكسوه فروٌ أصفر، مُرَقّط بـرِقَطٍ سُودٍ مُجتمعة كالحَلَق. ونقرأ شاهده الشعريّ في ديوان امريء القيس: [أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أُنَاسٍ بِقُنَّةٍ/يَرُوحُ عَلَى آثَارِ شَائِهِمُ (النَّمِرُ)(03)]. و(النَّمِرُ) في البيئة الظفاريّة يُسمّى (النَّمِر العربيَ)؛ ويتراوح وزنه بين20-30 كيلوغراماً، وقد يصل طوله إلى 203 سنتيمتراً. وأكدت دراسة علمية، أجراها باحثون من سلطنة عُمان والمملكة المتحدة منشورة بمجلة التطبيقات التطورية العلمية المحكمة"Evolutionary Applications" أنّ فصيلته من "نوعٍ فرعيّ نادر من النمور، وقد تناقصت أعداده كثيرا بسبب القتل المباشر وفقدان موائله الطبيعية، ويعد مهددًا بالانقراض بشكل حرج، وإنّ التنوع الوراثي الضئيل يزيد من خطر انقراضه". وَأمّا[(الْفَهْد)]، فهو مفرد، وجمعه: (فُهُود- أَفْهُد)، ونجد شاهده الشعريّ في قول المُتَلَمِّس الضُّبَعِيّ: [يُعْطُونَ مَا سُئِلُوا، والخَّطُ مَنْزِلُهُمْ/كَمَا أَكَبَّ عَلَى ذِي بَطْنِهِ (الْفَهْدُ)(04)]؛ وهو حيوان مفترس من السِّباع ذوات المخالب، و"قطة كبيرة الحجم من فصيلة السنّوريات، ولونه فاتح وله خطان واضحان على وجهه من العين إلى الفم، وبقع كبيرة بُنيّة تنتشر على ظهره وأطرافه وذيله، مع بطن أبيض، وأذنان قصيرتان وجمجمة مُقبَّبة وأطراف قصيرة نسبيًا لكنها قوية، وطوله يتراوح بين 95-165سم وارتفاعه 45-80 سم، وتُظهر التقديرات وجود أقل من 200 فرد منها في البريّة، ويتركز وجوده في سائر جبال ظفار وخاصةً في جبل سمحان"(05). ومن صفات الفهد التي ذكرها لنا برترام توماس في رحلته إلى ظفار؛ قوله: "أمّا الفهود فإنها تأنف من أكل الحيوانات الميتة، وتُفضل أن تأكل ما تصطاده بنفسها. ومن هذه الناحية يُعتبر الفهد خطرا على الناس والجِمال. فلا غرابةَ إذًا عرفنا أنّ من عادات سكان جبال ظفار تركهم الفهود وشأنها؛ وخاصةً إذا كانت في منطقة بعيدة عنهم ولايهاجمونها إلا إذا اقتربت وبدا منها خطر، وقد كان الشيخ حسن يعتقد بأن الفهود نادرة الوجود في المنطقة بعكس الذئاب التي توجد بكثرة(06)".وأمّا([الْوَعْلُ])بسكون العين؛ فمقصوده: (تيس الجبل)، ويُجمع على (وُعُول- وأَوْعَال - وُعْل - وِعْلِان)، والأنثى منه تُسَمّى (وعلة) أو (أروى)، وهو حيوان مِنْ فصيلة الأيليّات من رتبة شفيعيات الأظلاف (الحوافر المتقابلة)، ولذكوره قرون متشعّبة فيها تجاويف. وشاهده الشعري نقرأه عند المُهلهل بن ربيعة التّغلبي في قوله: [وَخَيْلٍ تَكَدَّسُ بِالدَّارِعِيْنَ/كَمَشْي (الوُعُولِ) عَلَى الظَّاهِرَه(07)]. وأكدت دراسة حقلية حول انتشار الوعل النوبيّ، قام بها الفريق البحثيّ بـ(مكتب حفظ البيئة) التابع لحكومة سلطنة عُمان أنّ "الوعل النوبيّ أحد أبرز ثروات الحياة البرية العُمانية، فقد جاب نطاق البيئة الجبلية منذ قرون عدة إلا أن أعداده محدودة في جبال عُمان، كما إنه عادة ما ينتشر على شكل تجمعات صغيرة أو قطعان متناثرة لا تتعدى (١٠-٢٠) رأسا، وتوجد أكبر تجمعات للوعل النوبيّ في سلاسل جبال محافظة ظفار، وفي الحزام الجبليّ للمنحدرات الشرقية بمنخفض (الحقف) بمحمية الكائنات الحية والفطرية بمحافظة الوسطى". و"جاء ذِكر الوعل (Ibex) في إحدى النقوش اليمنيّة القديمة باسم (إيل -إيلن)، ويعرف أيضا (بالماعز البريّ أو تيس الجبل)، وهو حيوان متوسط الحجم يبلغ طول الذكر البالغ ما بين 130-140سم، ويبلغ ارتفاعه عن سطح الأرض بين 65-75سم، وله لِحْية يبلغ طولها 2- 5سم وله قرنان يصل طول الواحد منها إلى 120سم، وتمتاز بشدة تقوسها وبوجود حلقات منتظمة على سطحها تُعرف بالعُقَد تتواجد في قرون الذكور من الوعول فقط ولا تظهر في قرون الإناث"(08). وقد وصف الشيخ عيسى الطائيّ الوَعْل: بـ(ذُي قُرُونٍ طُوَالٍ) وهو وصفٌ علميٌّ دقيق؛ فأكثر ما يميز حيوان الوعل هو "وجود القرون الطويلة الملساء والقوية وذات الشكل المميّز، إذ تكون منحنية إلى الوراء بحيث تشكل نصف دائرة، ويمكن أن يصل طول القرن الواحد 150 في الذكر. وغالبًا ما يستخدم حيوان الوعل هذه القرون القوية، من أجل الدفاع عن منطقته التي يعيش فيها، وكذلك في حالة اختيار الأنثى في أثناء فترة التكاثر والتزاوج، حيث يتقاتل الذكر مع ذكر آخر بواسطة قرونه القوية من أجل الفوز بالأنثى"(09)
خرافات ابن بطوطة
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَالنَّارْجِيْلُ عِنْدَهُمْ مِثْلَ النَّخْلِ عِنْدَنَا إِلَّا أَنَّهُمْ لَايُحْسِنُوْنَ غَرْسَهُ، فَتَرَاهُ غَيْرَ مَنْضُوْدٍ. وَالنَّارْجِيْلُ شَجَرَةٌ هِنْدِيَّةٌ، وَيُسَمَّى الْجَوْزُ الْهِنْدِيّ. وَمَا ذَكَرَهُ اِبْنُ بَطُوْطَةَ فِي رِحْلَتِهِ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ رَأْسُ إِنْسَانٍ؛ فَهُوَ حَدِيْثُ خُرَافَةٍ لَاشَكَّ فِيْهِ، ويُحدِّث عَنْ بَلَدٍ بَأَحَادِيْثَ وَقِصَصٍ، ومَا هِيَ خَالِيَة مِنَ الْخُرَافَة)]
[(النَّارْجِيْلُ)]، قال عنه أبو زيد السِّيرافيّ "شجرٌ له ثمر يخرج منه شراب أبيض، فإذا شُرِبَ ساعةَ يُؤخذُ من النارجيل، فهو حُلوٌ مثلَ العسل، فإذا تُرِكَ ساعةً صار شَرابًا مُسْكِرًا، وإنْ بَقِيَ أيامًا صار خَلًّا"(10). وقد أشار الشيخ عيسى الطائي بجملة: [(لَايُحْسِنُوْنَ غَرْسَهُ)] إلى عدم اهتمام الظفاريين بزراعة النارجيل مقارنةً بأهل الهند الذين يستغرقون السنوات الطوال في زراعة ورعاية شجر النارجيل حتى يُثمر ويُنتج. وهذا القول له ما يُعضده عند السيرافيّ في رحلته؛ فيقول: "وبالهند عُبّادٌ في شرائعهم يقصدون إلى الجزائر التي تحدث في البحر فيغرسون بها النارجيل ويستنبطون بها المياه للأجر، وأن يجتاز بها المراكب فتنال منها"؛ ويرجع عدم اهتمام الظَفاريين بزراعة شجر النارجيل لسببين يمكن استنباط الأول منهما في مخطوطة الطائيّ نفسه من قوله: [(وَأَكْثَرُ ثَرْوَةِ أَهْلِ ظَفَارِ مِن الْحَيَوَانِ؛ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ)]، وهذا دليلٌ على أنّ معظم النشاط الظَّفاري يتركز في التجارة والثروة الحيوانية؛ وذلك مرجعه لكون التجارة والثروة الحيوانية أسرع ربحًا وأعلى عائدًا. وأما السبب الثاني الذي يُفسر عدم اهتمام الظَّفاريين بزراعة النارجيل فراجع لاكتفائهم وسائر أهل عُمان باستجلابه من بلاد الهند. وهذا السبب ذكره السيرافيّ في رحلته بقوله:"وبعُمان من يقصد إلى هذه الجزائر التي فيها النارجيل ومعهم آلات النَّجَّار وغيرها، فيقطعون من خشب النارجيل ما أرادوا، فإذا جفّ قُطِّعَ ألواحًا، ويفتِلون من ليفِ النارجيل، ما يَخْرِزُون به ذلك الخشب، ويستعملون منه مركبا، وينحتون منه أدقالا(مفردها [دقل] وهي سارية السفينة)، وألواح السفينة [القاموس 3:287]، وينسجون من خُوصه شِراعًا، ومن لِيفه خراباتٍ [سباتي، وهي عُروة المَزَادة وأُذُنها، القاموس:1/62]، وهي القلوس [ومفردها: قلس، وهو الحبل الضخم من ليفٍ أو خوص من قلوس سفن البحر، القاموس:2/25] عندنا فإذا فرغوا من جميعه شُحنَت المراكب بالنارجيل فَقُصِدَ بها عُمان فبيع وعَظُمَتْ بركتُه، ومنفعتُه إذا كان جميع ما يُتخَذ منه غير محتاج إليه"(11)
وقول شيخنا عيسى الطائيّ: [(فَتَرَاهُ غَيْرَ مَنْضُوْدٍ)] أي: شجر النارجيل غير مرصوص ولا متناسق في غرسه: حيث يرى المارون أشجاره في ظَفار متناثرة وغير مرصوصة في صفوف متتالية ولا متدرجة ولا زراعتها مرصوفة بعضها فوق بعض بتناسق. و(غَيْرَ مَنْضُوْد= غير مرصوف) مفرد وجمعه (مناضيد)، ونقرأ شاهدها في شعر امرؤ القيس بن حُجر الكِنْدِيّ: [للهِ زَبْدَانُ أَمْسَى قَرْقَرًا جَلَدًا/وَكَانَ مِنْ جَنْدَلٍ أَصَمَّ (مَنْضُودَا)(12)]. أمّا قول شيخنا الطائيّ: [(وَمَا ذَكَرَهُ اِبْنُ بَطُوْطَةَ فِي رِحْلَتِهِ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ رَأْسُ إِنْسَانٍ؛ فَهُوَ حَدِيْثُ خُرَافَةٍ)] فهو قول منقول عن كتاب ابن بطوطة لإقامة الدليل على تُرّهاته وخاصةً قوله: (إنّ شجرة النارجيل جَوْزُها يشبه رأس ابن آدم؛ لأن فيها شِبْه العينين والفَم وداخلها شِبْهُ الدِّماغ إذا كانت خضراء وعليها لِيفٌ شَبَهُ الشَّعْر"(13). وقد أثارت تلك الأخبار والحكايات الجدل بين سامعيها بين مصدق ومكذِّب، ورانت الشكوك حول ما يروي ابن بطوطة من حكايات، وترجع تلك الشكوك إلى عاملين؛ الأول: ما تضمنته حكاياته من مبالغات وأوهام وشطحات الخيال، لاسيما فيما يتعلّق بأخبار رجال الدين. والثاني: شمول رحلات ابن بطوطة أقطارًا قَصيّة لم يكن معاصروه يعرفون شيئا عن عادات أهلها وأنظمة حكمهم شيئا. وقد امتدت غمامة الشك إلى العصور التالية فلقيت رحلته من الجغرافيين والرحالة المسلمين إهمالا تامًا، ولم يشيروا إليها في كتاباتهم باعتبارها لا تَمُتّ إلى المؤلفات الجِدّيَّة"(14)
أجود أنواع النارجيل الْكَالَكُتِّيّ
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(قَالَ الضَّرِيْرُ الْأَنْطَاكِيّ فِي تَذْكَرَتِهِ: إِنَّ النَّارْجِيْلَ هُوَ الْجَوْزُ الْهِنْدِيّ، وَأَجْوَدُهُ الْكَالَكُتِّيّ، وَيَعْنِي بِهِ الْمِلْيِباريّ لَأَنَّ كَالَكُوْتَا بَلَدٌ مِنْ مَلِيْبَارَ، وَهُمْ يَسْقُوْنَهُ بِالْمَاءِ إِلَى سَنَتَيْنٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَتْرُكُوْنَه وَسَبِيْلَهُ فَيَشِبُّ وَيَنْمُو وَيَعِيٍشُ مِائَةَ عَامٍ. وَهَكَذا ذَكَرَهُ الْانْطَاكِيّ)].
فقوله: [(الضَّرِيْرُ الْأَنْطَاكِيّ)]: عَنيَ به "داود بن عمر الأنطاكي (ت، 1008هـ - 1600م) وشهرته (الضرير)، حيث كُفَّ بصره في رحم أمّه، وهو من مواليد القرن العاشر الهجري ببلدة أنطاكية - جنوب تركيا – فلمّا شبَّ عن الطوق انتقل إلى بيزنطة (إسطنبول حاليًّا والأناضول شرق تركيا)؛ فتعلّم هناك المنطق والرياضيات، واللغات اليونانية واللاتينية، ثم رحل إلى القاهرة ليعمل صيدلانيًا وطبيبًا في البيمارستان المنصوريّ، ثم أصبح رئيسا على(العَشَّابين/الصيادلة)، ومن أشهر مؤلفاته:(النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة)، و(غاية المرام في تحرير المنطق والكلام)، و(نزهة الأذهان في إصلاح الأبدان)، و(زينة الطروس في أحكام العقول والنفوس)، و(ألفية في الطب)، و(كفاية المحتاج في علم العلاج) و(رسالة في علم الهيئة)، (شرح قصيدة "النفس" لابن سينا)، وله شِعْرٌ"(15). وأمّا [(تَذْكَرَتِهِ)]، فيعني بها شيخنا الطائيّ كتابه الشهير المسمى بـ(تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب)، وهذا الكتاب مكون من ثلاثة أجزاء تحتوي على مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة: والجزء الأول: يخص فيه المؤلف المقدمة بتعداد العلوم المذكورة في الكتاب وحال الطب معها، ومكانته وما ينبغي له ولمتعاطيه وما يتعلق بذلك من الفوائد، ويقسم العلوم والمعارف إلى أقسام ويعرفها ويسميها ويحدد مدلولاتها، ويورد نصائح عامة. والجزء الثاني: خصصه في تفصيل أحوال الأمراض الجزئية واستقصاء أسبابها وعلاماتها وضروب معالجتها الخاصة، ثم يذكر بعض القواعد ويشير إلى أنها تجرى منه مجرى المقدمة ويسرد عددا من القواعد بلغت عشرين وجعلها دستور بحثه في هذا الجزء، ثم رتَّبَ الأمراض على حسب الحروف الهجائية، وبين أعراض كل نوع ثم عقب بوصف طريقة العلاج والجزء الثالث: في موضوعات شتى، ويورد في عنوانه تذييلا لبعض تلاميذ الشيخ داود، ويخص أحد فصول هذا الجزء بعلم التشريح وأخيراً يسرد الكتاب عدداً من الوصفات العامة والخاصة كما يحتوي كتاب التذكرة على بعض الأمور غير المتعلقة بالطب؛ ففيه كلام عن منازل الكواكب والبروج والفوائد والأدعية والرقى والتعاويذ والطلاسم والجداول، وكلام في الفلك والجغرافيا(16).
فن زراعة شجر النارجيل
في هذا المقام يذكر لنا شيخنا عيسى الطائي خُلاصة الطريقة العلمية المُتبعة في زراعة شجر النارجيل في بلاد الهند، وخاصة في إقليم ؛ فيقول: [(وَهُمْ يَسْقُوْنَهُ بِالْمَاءِ إِلَى سَنَتَيْنٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَتْرُكُوْنَه وَسَبِيْلَهُ)]، أمّا التفاصيل الدقيقة لزراعته ورعايته فقد أوردها داود الأنطاكيّ في تذكرته قائلا:"الجوز الهنديّ، شجر كالنخل إلا أنّ وجه الجريد فيه إلى أسفل، وإذا قُطعَ لم يمُت، وأيام غرسه نزول الشمس في برج الجوزاء، ويُثمر بعد سبع سنين، وتبقى شجرته مائة عام وأجوده الكالكوتي الصغير المستدير الأبيض الدهن وأردؤه (الشحريّ) المتكرج، ومنه نوع لايتعقَّد؛ بل يبقى كالحليب وهو داخل قشر صلب، وعليه طبقات لِيْفِيّة فوقها قشر رقيق، وقد يُفصَّد طلْعُه أو جريدُه، ويُلَقَّم كوزًا فيسيل منه لبنٌ يسمى (السدى) ويبقى يوما على الحلاوة والدسومة، وله أفعال أشدُّ من الخمر، وهو خير منها، ثم يكون خَلًّا بالغًا قاطعًا"(17)
أَكْرِمُوا عَمَّتُكُمُ النَّخْلَةَ
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَأَمَّا النَّخْلَةُ فَلَاشَكَّ أَنَهَا أَشْرَفُ مِنَ النَّارْجِيْلِ. قال – عليه الصلاة والسلام-: {أَكْرِمُوا عَمَّتُكُمُ النَّخْلَةَ فَإِذَا مَالَتْ فَأَوْكُوْهَا، وَإِذَا مَاتَتْ فَابْكُوْهَا؛ لَأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ فُضْلَةِ الطِّيْنَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا أَبُو الْبَشَرِ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَفِيْمَا يُرْوَى قَالَ الشَّاعِرُ: (وعمّاتِك النَخل كُن مثلَها/بِرَمي الحِجَارة تَرمي الرُّطَبْ)].
و[(النَّخْلَةُ)] اسم جنس والجمع (نخيل)، وهو شجرٌ له جذوعٌ طِوال ذاتُ عُقَدٍ، وأغصانُه سَعَفٌ أخضرُ مُتقوُّسٌ مُتَدَلٍ، وثمرُه حَبٌّ بـ(نواةٍ)، يكون (بَلَحًا)، فـ(بُسْرًا)، فـ(رُطْبًا)، فـ(تَمْرًا). وشاهدها الشعريّ نقرأه عند أُحَيْحَةَ بن الجُلاح الأوسيّ: [لقد لَامَنِي فِي اِشْتِرَاءِ (النَّخِــيـ/لِ) قَوْمِي، فَكُلُّهُمُ يَعْذِلُ(18)]. وقد ورد هذه الحديث بأكثر من صيغة، وفي (مجمع الزوائد) مرويًا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه –قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم، وليس من الشجرة يلقح غيرها"(19). وأما عن سند الحديث فقد أورده الألبانيّ: في السلسلة الضعيفة، تحت رقم: 263، وقال ابن عدي: هذا الحديث مَوضوعٌ، ولا شكَ أن جعفر بن أحمد بن علي الغافقي وَضَعَه، وقال ابن الجوزيّ:لايصحُّ، وجعفرٌ وَضَّاعٌ، وأَقَرَّهُ الحَافظ بن حجر في (اللسان). وَيقول شيخنا عيسى الطائيّ: [(وفِيْمَا يُرْوَى قَالَ الشَّاعِرُ:وعمّاتِك النَخل كُن مثلَها/بِرَمي الحِجَارة تَرمي الرُّطَبْ)]، وهذا البيت منسوبٌ للشاعر محمد صفوت الساعاتي، "وهو أديب وشاعر مصري وُلِد في القاهرة ونشأ فيها. وفي شعره (بديعية)؛ والبديعية قصيدة طويلة في مدح النبي(صلى الله عليه وسلم) يتضمن كل بيت فيها نوعًا من علم البديع، وتكون على البحر البسيط، ورَوِيها الميم المكسورة ـ نظمها في 142بيتًا، وتضمنت 150صِنْفًا من فنون علم البديع"(20)
تقبيل الخدود تحية أهل ظفار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(والتَّحِيَّةُ عِنْدَهُمْ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا بِتَقْبِيْلِ الْخُدُوْدِ، وَقَدْ شَاهَدْتُ صَفًّا مِنْهُمْ وُقُوْفًا وَآخَرِيْنَ يُحَيُّوْنَهُمْ؛ فَيَبْدَأُ الْمُحَيّي بِتَقْبِيْلِ أَوْلِ الصَّفِ حَتَّى يَأْتِي عَلَى آخِرِهِ، وَكُلَّمَا حَاذَى رَجُلًا مِنْهُمْ أَدْلَى إِلَيْهِ خَدَّهُ فَيَشُمَّهُ، فَعَجِبْتُ مِنْ صَبْرِهِمْ عَلَى طُوْلِ الْوُقُوفِ)].
وفي هذه التحية الظفاريّة إشارة فاحصة من الشيخ عيسى الطائي إلى ثقافة اجتماعية متوارثة بين أهل ظَفار، وتوجد مثيلتها لدى شعوب أخرى ولكن بأشكال مختلفة وضروبٍ متباينة، وبحث الانثربولوجييي تبريراتها العِلمية وفسروها بأنّها حالة مقاومة للانقراض والفناء والامّحاء، التي قد تتعرض لها بعض المجتمعات. ويمكن القول هنا: "إنّ تكرار العادات الاجتماعية وانتقالها من جيل إلى آخر، وإحياء الممارسات القديمة ظواهر ملازمة ومقاومة للتغيّر الاجتماعي السريع الذي يقع في تجربة الناس التاريخية. وهي- كما يقول "مافيزولّي"- وسيلة "تتّخذها" "تشكيلة اجتماعية" مُهدَّدة بالزوال لتقاوم خطر الانمحاء بفعل آثار التغيّرات الاجتماعية المتسارعة"(21) التي تقع. وبهذا المعنى تُصبح ممارسات الطقوس الاجتماعية خزّانا حاميا يضمن بواسطة (إحياء زمن الأصول)، تفادي ما قد يصاحب التغيرات الاجتماعية السريعة من آثار. كما إنّ الاجتماعي (lesocial) كما يقول(نوربار إلياس)،"لا ينمو ولا يتطوّر بحسب انفجارات فجائية تُغيّر الواقع الاجتماعي بسرعة، إنّما بحسب تحويرات صغيرة كامنة وغير مدركة"(22) ومن هنا سنعدّ الطقوس الاجتماعيّة، ومن زاوية نظر علماء النفس، بمثابة (خزّانات مقاومة) بامتياز، فمن خلال أشكال الإبداع الصغيرة التي تتمّ في المشهد اليومي تتشكّل جيوب المقاومة، ويعوّض المجتمع المحلّي، الذي أربكت "جسده" الاجتماعي عوامل التغيّر، عمّا خسره خلال التغيّرات ويسدّ الفراغات الواقعة هنا وهناك(23).
تقبيل اليُمنى تحية السَّادة
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(أمّا تَحِيَّةُ السَّادَةِ عِنْدَهُم فِإِنَّهُ يَشُمُّ ظَاهِرَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَيُقَبِّلُهَا. وَيَعْتَقِدُون أنَّ شَمَّ يَدِ السَّيْدِ وَتَقْبِيْلِها يُبْرِيءُ مِنْ دَاءِ الْجُذَامِ–أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهُ–)]
و[(التَحِيَّةُ)]:ما يُفَاتَحُ بهِ الظَّفاريون وغيرهم من البشر عندَ التَّلاقِي مِنَ السَّلامِ ونحوِه. وشاهدُها في بيت شعريّ منسوب إلى مالك بن فهم الأزديّ يقول فيه: [(تَحِيَّةَ) نَازِحٍ، أَمْسَى هَوَاهُ/بِجِنْحِ الْبَحْرِ، مِنْ أَرْضِي عُمَان(24)]. و[(السَّادَة)]: لفظة دالة قصد بها الشيخ عيسى الطائيّ الإشارة إلى (بني علوي أو آل علوي أو باعلوي)، وجدّهم: "(السيد علوي بن عبيد الله بن أحمد (المهاجر إلى حضرموت) ابن عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء ابنة الرسول محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وسلم)، وذكر السيد أحمد بن عبد الله السقاف في كتابه (خدمة العشيرة) أن آل البيت من العلوين وما لقوه من وسائل التعذيب والتشريد جعل معظم أعقابهم يهاجرون إلى أماكن بعيدة عن الحرمين الشريفين وأماكن الخلافة. فكان هناك الكثير من ذراريهم في الهند وباكستان وبُخارى والمغرب العربي وإيران. وقال الشيخ النبهاني في كتابه (رياض الجنة): إن (السادة آل باعلوي) من أصح أهل بيوت النبوة نسباً، وأثبتهم حسباً، وأكثرهم علماً وعملاً وفضلاً وأدباً. وكلهم من أهل السنة والجماعة على مذهب إمامنا الشافعيّ -رضي الله عنه- مع كثرتهم، ومع تفرقهم في سائر البلاد"(25).وقول شيخنا عيسى الطائيّ: [(يَشُمُّ ظَهْرَ الْيَدِ الْيُمْنَى)]، ومعنى الشمُّ: نَشْقُ الرَّائِحَةِ وإِحْسَاسُها بِالأَنْفِ. وشاهدها اللغويّ في قول امريء القيس بن حُجر يُشبّه الحرب بعجوز شمطاء، تُكْرَه مُباشرتُها: [شَمْطَاءَ جَزَّتْ رَأْسَهَا وَتَنَكَّرَتْ/ مَكْرُوهَةً لِلـ(شَمِّ) والتَّقْبِيْلِ(26)]، وَفي قول الطائي [(يُقَبِّلُهَا)] إشارة إلى قضية فقهية وعقدية، ومن تفصيل القول فيها ننقل جزءا مما جمعه الحافظ أبو بكر بن المقري في (تقبيل اليد) أورد فيه أحاديث كثيرة وآثارا فمن جيِّدِها حديث الزارع العبديّ وكان في وفد عبد القيس قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي (صلى الله عليه وسلم) ورجله أخرجه أبو داود ومن حديث مزيدة العصري مثله ومن حديث أسامة بن شريك قال: قمنا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقبلنا يده وسنده قوي ومن حديث جابر:"أن عمر قام إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقبل يده" ومن حديث بريدة في قصة الأعرابي والشجرة فقال: يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له". وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" من رواية عبد الرحمن بن رزين قال: أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفا له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها" وعن ثابت أنه قبل يد أنس وأخرج أيضا أن عليا قبل يد العباس ورجله وأخرجه ابن المقري. وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعي قال: قلت لابن أبي أوفى ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فناولنيها فقبلتها.قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أوعلمه أو شرفه أوصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يُكْرَه، بل يُسْتَحَبّ فإن كان لِغِناه أو شَوكته أو جَاهِه عند أهل الدنيا فمكروه شديدُ الكراهةِ. وقال أبو سعيد المتولي: لا يجوز(27).
إخراج اللسان لعدم الفهم
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَإِذَا خَاطَبْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَمْ يَفْهَمْ مَقْصِدَكَ وَمُرَادَكَ أَخْرَجَ لِسَانَهُ إِشَارَةً أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا تَقُولُ)]
وهذه العادة لها تفسيرها العلميّ وفقا لدراسة نُشرت عام 2019 في مجلة Frontiers in Psychology. تقول إن التدفق الحركي يشير إلى نشاط زائد في الخلايا العصبية التي تُطلق في منطقة البراعة وتتدفق إلى الأنسجة العصبية المجاورة (والتي تحدث لتوجيه الفم). لذلك، عندما نُركِّز بعمق على مهمة حركية دقيقة، فإن التأثير "يمتد" إلى منطقة اللغة، مما يجعلنا نُحرّك الفم واللسان. وتفسيرها في (لغة الجسد) دلالة وتعبير عن التركيز الشديد، مثلما يحدث عند الأطفال أثناء الرسم أو محاولة الكتابة، ومع الكِبار في المواقف التي تتطلب ردًا سريعًا أو عند الشعور بعدم الارتياح لعدم فهم مقصود المتحدث إلينا. ويعضد هذا التفسير العلميّ قول غيليان فورستر، أستاذة الإدراك المقارن ونائبة عميد كلية العلوم في بيركبيك بجامعة لندن: "إنّ ما وجدناه هو ما يقصده الناس هو أنهم يخرجون لسانهم عندما يفعلون شيئًا حساسًا يتطلب تنشيطا حركيا دقيقا لأيديهم"(28)
*********
المراجع والمصادر:
([01]) ديوان لقيط بن يعمر، تحقيق: عبد المعيد خان، دار الأمانة، مؤسسة رسالة، بيروت، 1971م، ص: 50
([02]) البلاد السعيدة، برترام توماس، ترجمة: محمد أمين عبد الله، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، 1981م، ص: 80، 81
([03]) ديوان امريء القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1990م، ص: 112
([04]) ديوان المُتَلَمِّس الضُّبَعِيّ، رواية: الأثرم وأبي عبيدة عن الأصمعيّ، حققه: حسن كامل الصيرفيّ، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1970، ص ص: 204، 205
([05]) الفهد العربي، بتصرف من سلسلة ليديبيرد "حيوانات العالم". نقله إلى العربية: رامز مسّوح. الناشرون: مكتبة لبنان، بيروت؛ ليديبيرد بوك ليمتد، لافبُورو؛ لونگمان هارلو. طبع في إنگلترا 1981. صفحة 24.
([ 06]) البلاد السعيدة، برترام توماس، ص: 83
([ 07]) ديوان المُهلهل بن ربيعة التّغلبي، شرح وتحقيق: أنطوان القوال، دار الجيل، بيروت، ط1، 1995م، ص: 27/28
([ 08]) الوعل اليمني.. الوجود التاريخي والرمزية، عبدالرحمن طه، alwalalyemeni.com/?p=6549
([09]) OUNTAIN GOAT", www.defenders.org, Retrieved 10-7-2018. Edited/ "Facts About Ibex", livescience, Retrieved 8/10/2021. Edited.
([10]) رحلة السيرافيّ، أبو زيد الحسن السيرافيّ (ت،330هـ)، تحقيق: عبدالله الجشي، المجمع الثقافي، أبوظبي 1999م، ص: 27
([11]) رحلة السيرافيّ، أبو زيد الحسن السيرافيّ ص: 85-86
([12]) ديوان امريء القيس، شرحه: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت، ط2، 2004م، ص: 90
([13]) رحلة ابن بطوطة..تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الأسفار، محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبد الله، ابن بطوطة (ت ٧٧٩هـ)، دار المعارف المصرية، ج:1، ص: 202
([14]) ابن بطوطته ورحلته، د. شاكر خصباك، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1971م، ص ص: 12، 13
([15]) للاطلاع على سيرته المفصلة يمكنكم البحث في: شذرات الذهب في أخبار من ذهب" لابن العماد، و"الأعلام" للزركلي، "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" للشوكاني، وعرض الدكتور عبد الحليم منتصر لكتاب "تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب" لداود الأنطاكي، ضمن كتاب / مجلة "تراث الإنسانية"، المجلد الأول، العدد الخامس، سنة 1963م (ص: 396-386)، و"داود الأنطاكي" للدكتور أحمد فؤاد باشا، ضمن موسوعة "أعلام الفكر الإسلامي" (ص: 354-356، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
([16]) من النقل إلى الإبداع، حسن حنفي، مؤسسة هنداوي، 2022م، ص: 301، وملخصا وافيا للكتاب في موقع إسلام ويب: https://www.islamweb.net/ar/fatwa/54426
([17]) تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب، وبهامشه (النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة، داود الأنطاكي، طبعة القاهرة، ج1، حرف النون، ص:335
([18]) الشعراء الجاهليون الأوائل، تحقيق: عادل الفريجات، دار المشرق، بيروت، ط2، 2008م، ص: 446
([19]) مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، 21 - 12 - باب في الرطب، ج5، ص: 89، رقم: 8306، وأخرجه أبو يعلى في (مسنده)(1/353) واللفظ له، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) (6/123)، وابن أبي حاتم في (التفسير) (7/ 2406).
([20]) للاستزادة: أعلام الأدب والفن أدهم الجندي، مطبعة الاتحاد، دمشق 1958م- لويس شيخو، الآداب العربية في القرن التاسع عشر، مطبعة الآباء اليسوعيين، بيروت م1910- علي أبوزيد، البديعيات في الأدب العربي ، عالم الكتب، بيروت 1983م
([21])Maffesoli, Michel, La conquête du présent…op cit, p. 98.
([22])Elias, Norbert, La dynamique de l’occident ; Ed Calmann- Levy, 1975, p.234.
([23]) الطقوس وجبروت الرموز: قراءة في الوظائف والدلالات ضمن مجتمع متحوّل، منصف المحواشي، مجلة إنسانيات، العدد: 49، 2010م، ص:. 15–43
([24]) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2000م، ص: 83
([25]) الشجرة الزكية في الأنساب وسير آل بيت النبوة،ل.أ.م.السيد يوسف بن عبد الله جمل الليل (أبـوسهل)، http://www.al-amir.info/inf4/article.php?action=s&id=54
([26]) ديوان امري القيس، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1990م، ص: 353
([27]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، ج11، ص: 58
([28]) https://arabic.rt.com/technology/1309204
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً: