شمس بريطانيا “غابت” وجرائمها لا تزال عالقة في ذاكرة اليمنيين
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
نجيب علي العصار
صور شتى وحكايات مؤلمة لا تزال عالقة في الذاكرة اليمنية عن الأساليب اللا إنسانية الموحشة التي ارتكبها جنود الاحتلال البريطاني في الجنوب لقمع وإذلال المواطنين شيوخا وأطفالا ونساء تُوجت بعد كفاح وطني مرير بتحقيق الاستقلال الوطني المجيد في الـ30 من نوفمبر 1967م.
ومع ذلك لم تفكر حكومة بريطانيا بالاعتذار الواجب والإقرار الأخلاقي بما لحق شعبنا اليمني من قتل لأهالينا واستباحة لحرماتنا أثناء حكمها الاستعماري الذي دام مائة وتسعة وعشرين عاما عُد الأطول والأنكى في تاريخ الدول الاستعمارية.
ولم تكتف بريطانيا ما بين الأمس واليوم بما ارتكبته من انتهاكات جسمية لحقوق الإنسان في جنوب اليمن إبان حكمها الاستعماري، هاهي تمارس ذات الدور بتدخلها بشكل سافر ضد اليمن واليمنيين، بدءا من مشاركتها في العدوان على اليمن في مارس من العام 2015م، ثم مشاركتها الآن في ما يسمى تحالف “حارس الازدهار” في البحر الأحمر، في بلد يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم تستدعي وقف الحرب.
ذريعة لنهب الثروة
في أوائل القرن التاسع عشر، وجهت بريطانيا أطماعها الاستعمارية إلى عدن، فموقع هذه المدينة كان مثالياً لتزويد السفن المُبحرة من مركز الإمبراطورية إلى الهند بالفحم الحجري (وقود السفن حينها).
جرائم وانتهاكات ووحشية وسجون وأقبية لقمع المطالبين بالاستقلال
وعمدت القوات البحرية لشركة الهند الشرقية في العام 1839 إلى احتلال هذه المدينة الساحلية بذريعة مكافحة القرصنة.
وجاء افتتاح قناة السويس في العام 1869 ليزيد من أهمية عدن الاستراتيجية، فجزء كبير من التجارة البحرية بين أوروبا وشرق آسيا تحوّل من رأس الرجاء الصالح إلى البحر الأحمر، وعدن تقع عند مدخل مضيق باب المندب، وهو بوابة السويس.
السفينة تغرق!
السفينة تغرق، بهذه العبارة احتلت بريطانيا عدن وبدأ معه تقسيم جنوب الجزيرة العربية من اليمن ومعه بدأ تاريخ الوصاية والإقصاء والألم والصراعات، حين زارها ضابط البحرية البريطانية “هينس” لم يستطع أن يخبئ اندهاشه بما رآه من روعة، وبسرعة المكتشف قام بالتواصل سريعا بحاكم التاج البريطاني في الهند وأخبره كما في نص الرسالة، “إن هذا المرفأ العظيم يمتلك من المقدرات والإمكانات ما لا يمتلكه أي ميناء آخر في الجزيرة”.
في عام 1837م مثل غرق السفينة “داريا دولت” الفرصة التي جاءت من السماء، أبرق “هنس” إلى التاج الملكي في بومباي وبصوت مرتفع “السفينة تغرق”، شارحا تفاصيل ما حدث وتفاصيل ما فكر القيام به.
وكان يوم 19 يناير 1839م، إعلاناً بتاريخ مغاير لعدن، فلقد تحولت عدن الى محمية بريطانية تابعه للملكية التي لا تغيب عنها الشمس، ومن يومها غابت عدن عن الجزيرة العربية.
بطش وإرهاب وقتل
مارس الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن أبشع صور الاحتلال وأكثرها قسوة ووحشية، ولو لم يفعل ذلك لما كان للثورة وقودها من القهر والآلام والأوجاع التي مضى على تكريسها عشرات السنين.
وفعل الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن ما أراد من استغلال، ومارس كما يمارس أشباهه وأضرابه من الانتهاكات والاعتداءات من القتل والتدمير والقمع والتنكيل، حتى أنه استخدم الطيران الحربي مراراً وتكراراً في حربه ضد المدنيين العزل في مختلف المناطق، وكان الطيران يقصف القرى والمدن والمساكن والطرقات والمباني بكل عنف ووحشية دون أن يفرق بين مواطن أو مقاتل، وبين الأطفال والنساء والشيوخ الطاعنين في السن دون اكتراث لما يمكن أن يؤدي إليه القصف الجوي المتسم بالهمجية والبربرية.
“مذبحة الشهداء”
استخدمت بريطانيا ضد المتظاهرين العزل في مدينة عدن القوة المفرطة والأسلحة النارية والمدافع والمدرعات وأطلقت النار عليهم دون رحمة مما أدى إلى اعتقالات واسعة وسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى،
(حسب التقارير الرسمية البريطانية وحدها قُتل حوالي 82 متظاهرًا وأصيب آخرون).
وأثارت هذه المذبحة غضب الشعب وزادت من رغبته وهدفه بالاستقلال والذي تحقق بعدها بعام واحد من المذبحة.
كما اتسم العهد الاستعماري البريطاني خلال تلك الحقبة بالبطش والإرهاب ولم يترك لأبناء شعبنا في الجنوب مساحة للحوار، فأشهر الغزاة السلاح وجندلوا به رؤوس المواطنين العزل وروعوا النساء والأطفال والعجزة بأصوات المدافع ولعلعات الرصاص ودوي القنابل والمدرعات وأزيز الطائرات.
ومضى المستعمرون بدم بارد في ابتداع أساليب لا إنسانية لإذلال المواطنين مداهمات واقتحام للمساكن والبيوت لاعتقال المطلوبين من عناصر الحركة الوطنية من بين أسرهم وأطفالهم في ساعات متأخرة من الليل وتهافت أجلاف المستعمر من جنوده المتعطشين للدم والتنكيل على استباحة كرامة الإنسان، وتعمدوا هتك حرمات النساء لكسر إرادة الرجال وفي المقدمة منهم المناضلون والثوار.
كما يجب ألا ننسى الأساليب الوحشية التي مارسها جنود الإنجليز في أقبية وكهوف التعذيب داخل المعتقلات والسجون البريطانية في عدن عُدَت من أقسى الأساليب التي اتبعتها الاستخبارات البريطانية في إذلال المواطنين ومحاولة تدمير الروح الوطنية لدى من يتوثب إلى مساندة ودعم المقاومة ضد الاستعمار وأعوانه.
بدم بارد ابتداع المستعمرون أساليب لا إنسانية لاعتقال المطلوبين من عناصر الحركة الوطنية
تسفير جماعي
وما لبث المستعمرون لترسيخ الاحتلال والسيطرة على المناطق المجاورة لعدن أن يمضوا في تنفيذ سياستهم التي تعتمد على مبدأ “فرق تسد” فعندما رفع العمال شعار الإضراب كأسلوب سلمي من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة ما برح جنود الاحتلال يشهرون في وجه الشعب كل أسلحتهم، وقبل أن تجف دماء الضحايا والشهداء اتخذ الإنجليز إجراءات انتقامية حاقدة تمثلت في التسفير الجماعي لأبناء الشمال اليمني بهدف عزلهم عن الحركة العمالية وإهانتهم وتحطيم معنوياتهم، لإدراك المستعمر أن هؤلاء العمال من أبناء اليمن شماله وجنوبه هم القاعدة الشعبية الأساسية التي تعتمد عليها الحركة العمالية الوطنية في نضالها من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق وحدة الأرض اليمنية، ووقتئذ أقدمت السلطات الاستعمارية على إلغاء بطاقات تحقيق الشخصية التي أعطيت لأبناء الشمال لتحل محلها بطاقات أخرى لا يستطيع اليمني من أبناء الشمال الحصول عليها، إلا إذا كان قد أمضى عشر سنوات متواصلة في مدينة عدن بينما أبناء الجاليات الهندية واليهودية وغيرها يحصلون على الجنسية إذا أثبتوا بقاءهم في عدن لمدة خمس سنوات.
مأساة زهرة
حكايات ومآسٍ عديدة لا تنسى، عاناها شعبنا في الجنوب أثناء تلك الحقبة اللعينة وتلك الحكايات مفرداتها تتوشى بالشموخ وبالاعتداد بالتاريخ النظيف للكرامة الوطنية وعلى النقيض ظهرت صفحات سوداء في تاريخ المحتل البريطاني.
ويحكي مناضلون مأساة “زهرة” وفقا لكتاب: “عدن.. الاعتقالات ووحشية التعذيب في سجون الاستعمار البريطاني”، لمؤلفه راشد محمد ثابت: “أن امرأة من قرية حبيل جبر تدعى “زهرة” كانت تعبر تحت القصف البريطاني سيل ماء متدفق في وادي بنا تحمل في حضنها رضيعة في الشهر الثالث ملفوفة في قماط من رقع وأسمال بالية حتى إذا اجتازت هذا السيل وتوقفت على ضفته الأخرى اكتشفت أنها لم تعد تحمل في حضنها إلا تلك الخرقة والأسمال، أما الطفلة الوليدة فقد سقطت من حضنها إلى الماء الجارف دون أن تشعر وهي تشق عباب السيل مذعورة تحت أزيز الطائرات التي كانت تنخفض حتى مستوى رأسها وتقذف الصواريخ ميسرة وميمنة منها حتى خالجها الإحساس بأنها ستقتل لا محالة في تلك اللحظة التي كانت الطائرات تقذف صواريخها من حولها بلا حساب طوال الطريق.
سرقة وتهريب الأثار
أما في ما يتعلق بـ “هوية الشعوب” الآثار فالمصادر التاريخية ذكرت أن البدايات الأولى لتهريب الآثار اليمنية إلى خارج البلاد تعود إلى خمسينيات القرن الماضي إبان الاحتلال البريطاني لجنوب الوطن، حيث نشط عدد من الضباط البريطانيين حينها في تهريب الآثار اليمنية، ووفقاً لإحصائيات دار المخطوطات فإن 0002 مخطوطة يمنية موجودة في المتحف البريطاني في لندن.
وحكى رجل إنجليزي هو “جون ستودي لي” في صفحات من يوميات بحار إنجليزي تعود إلى نهاية سنة 1838م ، والأسابيع الأولى من سنة 1839م وهي تمثل الفترة التي شهدت الإعدادات العسكرية البريطانية لاحتلال عدن والذي تم في 91 يناير 1839م ، حكى هذا البحار الذي عايش الحدث وكان شاهداً عليه عن كثب أنه تحقق من وجود رخامات أضرحة في المتحف البريطاني بلندن كان قد تولى بنفسه نزعها ونقلها من عدن سنة 1841م.
كما عُرضت الآثار اليمنية المهربة والمسروقة في متاحف عالمية منها بريطانيا.
ووثق تقرير مركز “الهدهد” للدراسات الأثرية في صنعاء، 4265 قطعة أثرية منهوبة ومهربة، تم عرضها في المزادات العالمية في ست دول من بينها العاصمة البريطانية لندن، التي جاءت في المرتبة الثانية، خلال الفترة 1991 إلى 2022 منها 2610 قطع أثرية تم نهبها وتهريبها منذ بدء العدوان على اليمن في مارس 2015.
فيما يتحدث الخبير اليمني المهتم بالآثار عبد الله محسن عبر سلسلة منشورات في “فيسبوك” عن بيع قطع وتماثيل أثرية يمنية تاريخها يعود إلى فترة ما قبل الميلاد، منها 34 قطعة بيعت في يونيو 2024م.
واحتوت القطع الأثرية المعروضة للبيع في مزاد لندن على (عنصرين معماريين من المرمر عليهما طيور وأوراق زخرفية، وعنصر معماري من المرمر عليه نحت بارز لورق وثمار العنب، وعنصر آخر عليه نقش مسند في الأسفل، ومجموعة من ثلاث قطع، نحت بارز على الحجر الجيري لأسد وثعبان وكلب صيد، ونحت برأسين مع حيوان، وحجر زاوية به غزال وأوراق شجر وشكل، ومبخرة دائرية من الحجر الجيري الأسود، وقطعة برونزية ذات فصوص مزدوجة مع رأس ثور مثبّت في المنتصف بشكل بارز).
تجارة الأسلحة وقتل المدنيين
وخلال سنوات الحرب على اليمن التي بدأها التحالف عام 2015م، دعمت بريطانيا تحالف العدوان بقيادة السعودية لوجستيا، وفاقت مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية خمسة مليارات جنيه إسترليني منذ بداية الحرب في اليمن في مارس 2015، بحسب صحيفة “غارديان” البريطانية، وكانت منظمة “أوكسفام” الدولية قد اتهمت بريطانيا بتأجيج العنف ضد المدنيين في اليمن من خلال مبيعات الأسلحة للسعودية.
منذ بداية العدوان.. أسلحة بريطانية للسعودية بقيمة خمسة مليارات جنيه إسترليني
من جهتها، رفعت منظمة “الحملة ضد تجارة السلاح” دعوى متهمة الحكومة البريطانية بالمساهمة في انتهاك القانون الدولي، والتسبب بأكبر كارثة إنسانية في العالم.
المقاومة المناهضة للاستعمار
ومع كل هذه الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها بريطانيا أبان حكمها الاستعماري لجنوب اليمن، وما صنعته وتصنعه الآن من حقد ومؤامرات دنيئة لتغذية الصراعات والحرب في اليمن، ما زال هذا الإرث المناهض للاستعمار حيا ويُذكِّي اليوم المقاومة اليمنية ضد الاحتلال الأجنبي والهيمنة الغربية، وما أشبه الليلة بالبارحة، احتلت بريطانيا عدن بحجة غرق السفينة “داريا دولت” في عام1837م، وحولت عدن آنذاك إلى محمية بريطانية، واليوم تشارك بريطانيا حليفتها أمريكا في عدوانها على اليمن، في ما يسمى بـ”حارس الازدهار” في البحر الأحمر، ما يؤكد أن بريطانيا الحليفة في هذا العدوان الغاشم قد سبقت الولايات المتحدة إلى الاعتداء على اليمن، وذلك من خلال ممارسات القرصنة والاستعمار التي قامت عليها الإمبراطورية البريطانية أساساً.
المحتلين الجدد
بعد مرور 57 عاماً على استقلال جنوب اليمن من الاحتلال البريطاني، عاد الجنوب مجدداً إلى الاحتلال، أجزاء واسعة، من ضمنها الجزر والموانئ والشريط الساحلي والمنشآت النفطية والغازية، تسيطر عليها الإمارات، وما تبقى في المنطقة الشرقية المهرة، أصبح تحت سلطة السعودية.
وفي ذلك الوقت دخلت قوات الاستعمار البريطاني، عبر ميناء صيرة، إلى مدينة عدن تحت ذريعة مكافحة القرصنة، وفي سيناريو مشابه، لكن في القرن الحادي والعشرين، دخلت القوات الإماراتية إلى المدينة عبر ميناء البريقة، تحت ذريعة مواجهة “التمدد الإيراني» في الجزيرة العربية وتأمين الملاحة الدولية هذه المرة.
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا انصار الله في العراق ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي الاحتلال البریطانی البریطانی فی جنوب الیمن على الیمن
إقرأ أيضاً:
قصفٌ بلا “ردع”: ورطة ترامب في اليمن تطغَى على أكاذيبه
يمانيون../
فيما تكافح إدارة ترامب لملء الفضاء الإعلامي بدعايات مضللة حول تحقيق انتصارات في اليمن، هروباً من واقع الفشل الذريع للعدوان الجديد، يتواصل تدفق الاعترافات بذلك الفشل والتأكيدات على انسداد أفق الحملة الحالية، مع تقديم اقتراحات لاستراتيجيات مختلفة تعبر بوضوح عن ورطة استراتيجية تعاني منها الولايات المتحدة في التعامل مع الملف اليمني.
كان إعلان القوات المسلحة اليمنية، مساء أمس، عن استهداف العمق الصهيوني بطائرة مسيَّرة، قال الإعلام العبري: إنها “تحدت” الأنظمة الدفاعية للعدو من خلال سلوك مسار مختلف لمهاجمة الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى أن استهداف مدمرتين أمريكيتين في البحر الأحمر، دليل جديد على تماسك القدرات العسكرية اليمنية واحتفاظ القوات المسلحة بجاهزيتها لمواكبة التصعيد على كافة مسارات الإسناد في وقت واحد، وهو الأمر الذي يقوض سيل الدعايات المضللة التي تحاول إدارة ترامب من خلالها صناعة انتصارات وهمية فيما يتعلق بتدمير القدرات اليمنية وتصفية القيادات الوطنية، وهي دعايات بات واضحًا أن البيت الأبيض يعتمد عليها بشكل أساسي للهروب من التساؤلات المستمرة عن جدوى العدوان على اليمن، خصوصاً في ظل الاستنزاف الكبير لموارد الجيش الأمريكي في فترة وجيزة.
ومن آخر تلك الدعايات تصريح وزير الدفاع الأمريكي، بأن العدوان على اليمن سيشتد خلال الفترة المقبلة، في محاولة مكشوفة للقفز على ادّعاءات ترامب بأن الحملة العسكرية ناجحة؛ إذ لو كانت كذلك لما كانت هناك حاجة إلى التهديد بتصعيد جديد.
وعلى أية حال، فإن محاولة إدارة ترامب لملء الفضاء الإعلامي بمثل هذه التهديدات والدعايات، لم تفلح في إخفاء الحقيقة، مثلما لم تفلح الغارات الجوية في إحداث أي تأثير حقيقي على واقع الميدان، حيثُ نشر موقع مجلة “ماريتايم إكسكيوتيف” الأمريكية المختصة بشؤون الملاحة البحرية تقريرًا جديدًا، ذكّرت فيه بأن “القوة الجوية لم تنجح قط في قلب موازين الأمور في اليمن، أو تحييد قدرات صنعاء على إطلاق الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، أو دفع قواتها إلى التراجع”.
وأشار التقرير إلى أن أحد أسباب فشل القوة الجوية في ردع اليمن خلال المراحل الماضية كان التضاريس الصعبة لليمن، ونقص المعلومات الاستخباراتية للقوى المعادية، وهي أمور لم تتغير حتى الآن، حيثُ لا زالت التضاريس كما هي، فيما تجمع مختلف التقارير الأمريكية على أن الولايات المتحدة لا زالت تفتقر إلى المعلومات الكافية عن الترسانة العسكرية اليمنية، لدرجة أنها لا تستطيع حتى تقييم فعالية ضرباتها؛ بسبب نقص هذه المعلومات.
وقد جدَّد تقرير حديث نشره “المجلس الأطلسي”، وهو مركز أبحاث أمريكي، التأكيد على أن “محدودية المعلومات الاستخباراتية الميدانية في اليمن ستعيق قدرة الولايات المتحدة على النجاح” مشيراً إلى أن “هذا الواقع تكرر في أوائل العام الماضي عندما واجهت الولايات المتحدة صعوبة في تقييم نجاح عملياتها وتقييم الترسانة الكاملة في اليمن؛ بسبب نقص المعلومات الاستخباراتية”.
ووفقاً لذلك فإن إدارة ترامب لا زالت محشورة في نفس مربع العجز الذي فشلت إدارة بايدن بالخروج منه، واستخدام القاذفات الشبحية، والتمادي في استهداف المدنيين لا يشكل فرقاً حقيقيًّا، بل يعبر عن تخبط واضح في إيجاد استراتيجيات مؤثرة للتعامل مع اليمن.
ويرى تقرير “ماريتايم إكسكيوتيف” أن التهديد الذي يشكله اليمن بالنسبة للولايات المتحدة “قد خرج عن السيطرة” بالفعل عندما بدأت العمليات البحرية المساندة لغزة، لافتاً إلى أن المشكلة تتجاوز مسألة نقص المعلومات وصعوبة التضاريس، وتكمن بشكل أساسي في “طبيعة الخصم” المتمثل في الشعب اليمني المتعود على الصراعات والمتمرس في التعامل مع الأسلحة.
وفي هذا السياق نقل التقرير عن مايكل نايتس -الباحث البارز في معهد واشنطن الأمريكي لسياسات الشرق الأدنى، قوله: إن “البيئة اليمنية خلقت أمّة من المحاربين الذين يستطيعون تحمل الألم بشكل كبير، وهم أصعب من أن يتم إكراههم علناً”.
وبما أن ترامب لا يستطيع ادّعاء القدرة على تغيير طبيعة اليمنيين أو إعادة تشكيل تضاريس اليمن من جديد، وبالإضافة إلى المشاكل المعترف بها والمستمرة بشأن نقص المعلومات وصعوبة إيجاد الأهداف؛ فإن النتيجة البديهية التي خلص إليها التقرير الأمريكي هي أنه “من غير المرجح أن تنجح أية محاولة لتدمير قدرات اليمن من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز”، مضيفاً أن “حماية المخزون العسكري وتوزيعه، مع عمق الخبرة التقنية لدى اليمنيين، تشير إلى أن القدرات ستبقى”.
وخلص تقرير “المجلس الأطلسي” إلى نفس النتيجة، حيثُ أكّد أنه في ظل المشاكل العملياتية التي يواجهها الجيش الأمريكي فإن عنوان “الحسم” الذي يرفعه بايدن يمثل “تقليلًا من شأن قدرة اليمنيين على الصمود، وقدرتهم على التكيف الاستراتيجي” مشيرًا إلى أن التحديات تتطلب “أن تعترف إدارة ترامب بأن النهج العسكري البحت لن يحقق هدف واشنطن”.
وقد أشار “المجلس الأطلسي” إلى أن إدارة ترامب تواجه مشكلة أخرى، تتمثل في مواجهة الحقائق الإعلامية؛ بسبب “الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية والإصابات المدنية الناجمة عن الغارات الجوية” وهو ما يعني أنه حتى حملة التضليل الدعائي المكثف التي تمارسها إدارة ترامب كمتنفس لتعويض الفشل الميداني، ليست ناجحة.
هذه التناولات تشير بوضوح إلى أن المأزق الأمريكي في اليمن أكبر من أن يتم الخروج منه بتصعيد وتيرة العنف الانتقامي ضد المدنيين، وتكثيف الدعايات المضللة، وهذا ما تؤكده حتى الاقتراحات التي تقدمها التقارير الأمريكية، حيثُ يرى تقرير “ماريتايم إكسكيوتيف” أن الولايات المتحدة بحاجة إلى “عدم تنفير السكان” و”تفكيك السلطة” والحفاظ على وجود مستمر وطويل الأمد للقوات الأمريكية في المنطقة، وهي مهمة يرى أنه “يصعب إنجازها” وأنها تحتاج إلى “مساعدة من الحلفاء”.
ويذهب “المجلس الأطلسي” إلى أبعد من ذلك، حيثُ يقترح على الولايات المتحدة الاصطدام مع روسيا والصين والضغط عليهما، وعلى الرغم من غرابة هذا الاقتراح؛ فإنه يعكس بوضوح حجم انسداد أفق نجاح العدوان الأمريكي على اليمن، وهو أيضاً ما يؤكده اقتراح الاعتماد على حكومة المرتزِقة والذي تم تجريبه لعشر سنوات كاملة، ولم ينجح.
المسيرة نت / ضرار الطيب