صحيح أنّ كلّ التوقعات والتقديرات كانت تشير إلى ساعات مفصلية وربما عصيبة، ستسبق دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيّز التنفيذ، عملاً بنهج دأبت عليه إسرائيل يقوم على "استغلال" الأيام الأخيرة من حروبها لتسجيل أكبر عدد من الضربات والخسائر في مرمى الخصم، بما يعزّز موقفها بشكل أو بآخر، وهي التي أصرّت في المقام الأول على فرض، بل تكريس مبدأ "التفاوض بالنار" حتى اللحظة الأخيرة.


 لكنّ الصحيح أيضًا أنّ أحدًا لم يتوقع أن يصل مستوى "الجنون" الإسرائيلي إلى ما وصل إليه في الساعات الأخيرة، بالتوازي مع الإعلان عن الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، بدءاً من الأحزمة النارية التي استهدف بها الضاحية الجنوبية لبيروت، وصولاً إلى استهداف "هستيري" وغير مسبوق لمناطق متفرّقة من العاصمة اللبنانية بيروت، المكتظّة بالسكان والنازحين الهاربين من هول العدوان الإسرائيلي، خصوصًا في الضاحية والجنوب.
 وإذا كان "الجنون الهستيري" تجلّى في ضربات عنيفة لبيروت وضاحيتها الجنوبية، فإنّ الواضح أنّ "بنك الأهداف" المُراد منه لم يكن دقيقًا، وإنما عشوائيًا بكلّ ما للكلمة من منه، وكأنّ الهدف منه لم يكن سوى إثارة الذعر بين المواطنين، واستعراض "القوة" قبل وقف إطلاق النار، بما قد يعزّز موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي عبّر عنه في الكلمة التي ألقاها، وحاول خلالها الترويج للنصر في مكانٍ ما، فكيف يُقرَأ كلّ ذلك في سياق الاتفاق؟!
 "بنك الأهداف"
 على رغم كثافة النيران التي سُجّلت على امتداد الساعات الأخيرة، التي ضربت رقمًا قياسيًا في الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مناطق مختلفة، كادت توازي بالمجمل مجموع الغارات التي كانت إسرائيل تشنّها في أيام، بل ربما طيلة الحرب على بعض المناطق، فإنّ الثابت وفق العارفين أنّها لم تخرج عن قاعدة الأيام الأخيرة، التي لم تكن فيها الغارات دقيقة بأيّ شكل، بدليل أن أيّ هدف عسكري فعلي أو حقيقي لم يتمّ تسجيله في هذا اليوم.
 ولعلّ تعمّد ضرب العاصمة بيروت، بشكل هستيري، كما لم يحصل طيلة الحرب، وإن شهدت على ثماني ضربات متفاوتة زمنيًا للعاصمة، ينطوي بحدّ ذاته على الكثير من الدلالات، وكأنّ إسرائيل تقصّدت توسيع حربها في ساعاتها الأخيرة، والقول إنّها قادرة على ارتكاب المزيد، ولكنها أرادت أيضًا أن تفتعل حالة من الإرباك والذعر بين الناس، الذين لم وجدوا أنفسهم أمام حيرة من أمرهم، مع انعدام الأماكن "الآمنة" بشكل عام.
 ويقول العارفون إنّ الهدف المخفيّ خلف "الجنون" الإسرائيلي هذا، لم يكن سوى محاولة تظهير "القوة" في اليوم الأخير من العدوان، للقول بأنّ إسرائيل أوقفت العدوان، وهي في "ذروة القوة"، إن صحّ التعبير، بمعنى أنّها لم تذهب إلى الاتفاق من منطلق ضعف، بل على العكس من ذلك، فهي واصلت ضرباتها حتى اللحظة الأخيرة، بل إنّها وسّعت هذه الضربات، وتجاوزت من خلالها كلّ ما كان يُعتقَد خطوطًا حمراء، في سياق الاستفادة من "اللحظة".
 الهدف "المبطن"
 بعيدًا عن الأهداف الإسرائيلية غير الدقيقة من ضربات بيروت وغيرها من المدن اللبنانية، ثمّة من يتحدّث عن هدف "مبطن" خلف الجنون الإسرائيلي الذي سُجّل في الساعات الأخيرة، يتعلّق بـ"الترويج للنصر" إن صحّ التعبير، وذلك ربطًا بالرغبة بإقناع الرأي العام بجدوى الاتفاق، خصوصًا في ضوء تكشّف معارضة إسرائيلية واسعة للاتفاق، الذي ذهب بعض المسؤولين الإسرائيليين لحدّ وصفه بـ"الاستسلامي"، كونه لم يحقّق عمليًا الأهداف المُعلَنة من الحرب.
 وفي السياق نفسه، تندرج الكلمة "العاطفية" التي ألقاها نتنياهو على هامش اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للتصديق على الاتفاق، والتي تعمّد من خلالها الحديث عن "حرية الحركة" التي ستحتفظ بها إسرائيل في لبنان، في استعادةٍ للبند الذي سُحِب أساسًا من الاتفاق، تفاديًا لنسفه من قبل الجانب اللبناني، باعتبار أنّ مثل هذا البند يتعارض مع السيادة اللبنانية، وإن ربطها بأيّ "خرق" للاتفاق من جانب لبنان أو "حزب الله".
 من هنا، فإنّ العارفين يضعون التطورات الدراماتيكية على خطّ الحرب في الساعات الأخيرة، معطوفة على كلام نتنياهو، في سياق "الحرب النفسية" التي يبدو أنّها ستستمرّ بين الجانبين، حتى بعد وقف إطلاق النار عسكريًا، بمعنى أنّ الإسرائيلي أراد أن يسجّل "تفوّقه" على خط وقف إطلاق النار، عبر الإيحاء بأنّه فرضه بشروطه، بدليل تركيز نتنياهو مثلاً على فكرة "فصل الجبهات"، بما يتعارض مع ما كان "حزب الله" يردّده منذ فتح "جبهة الإسناد".
 ستكون الساعات المقبلة مليئة بالتحليلات لوقف إطلاق النار، بحثًا عن "الغالب والمغلوب" على خطّه، والنقاط التي سجّلها كل فريق على الآخر في سبيل إبرامه. لكنّ الأكيد أنّ إسرائيل حاولت بتصعيد الساعات الأخيرة، أن تقول إنّها من "فرضت شروطها"، في رسالة قد يفهمها البعض موجّهة لـ "حزب الله"، لكنها قبل ذلك موجّهة للداخل الإسرائيلي المنتفض في وجه اتفاق، لم يحقّق الهدف الأول من الحرب، وهو إعادة المستوطنين إلى بيوتهم، وبالقوة!
  المصدر: خاص لبنان24

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الساعات الأخیرة وقف إطلاق النار

إقرأ أيضاً:

باحث: الاحتلال مستمر في خروقاته بلبنان ولم يتوقف منذ اتفاق وقف إطلاق النار

قال إسكندر خشاشو كاتب وباحث سياسي، إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي مستمر في خروقاته ولم يتوقف منذ الاتفاق عن هذه الخروقات، فقد نفذ غارات في منطقة البقاع، وتخترق مسيراته بيروت وهذا كله خارج الاتفاق.

خبير: جيش الاحتلال نفذ جرائم في غزة .. ولم يلتزم بخطوط الاشتباك«الجيل» يدين اقتحام الأقصى ويطالب المجتمع الدولي بوقف انتهاكات الاحتلال

وأضاف خشاشو خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أن دولة الاحتلال تريد أن تثبت أن هناك منتصرا في هذه الحرب وأنّ لها اليد العليا في هذا الاتفاق، وتؤكد للبنان والعالم أن ما سمي أثناء المناقشات بحُرية التحرك الجوي والبري لايزال موجودًا.

وتابع، أن الاحتلال يعمل على ممارسة هذه الحرية تحت ذرائع كثيرة، مثل عدم تفكيك البنية التحتية لحزب الله وعدم انتشار الجيش في الجنوب وغيرها.

وتابع، أنّ الجيش اللبناني لا يمكن أن ينتشر في أماكن انتشار جيش الاحتلال وهذا غير مقبول نهائيا، فبحسب الاتفاق كان علي الجيش الإسرائيلي الانسحاب وانتشار الجيش اللبناني في لبنان، ولكن الاحتلال يريد أن يدخل الجيش اللبناني إلى بعض الأماكن وهم موجودون فيها وكأن الأمور ثابتة ولا توجد دولة محتلة.

مقالات مشابهة

  • عادل حمودة: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في يد أمريكا
  • وتيرة الخروقات تتصاعد جنوب لبنان.. كيف يُفهَم التصعيد الإسرائيلي؟!
  • الجيش الإسرائيلي يحرق مستشفى كمال عدوان ويكثف قصفه على غزة وحماس تؤكد: إسرائيل ترقض وقف إطلاق النار
  • باحث سياسي: الاحتلال مستمر في خروقاته منذ اتفاق وقف إطلاق النار
  • باحث: الاحتلال مستمر في خروقاته بلبنان ولم يتوقف منذ اتفاق وقف إطلاق النار
  • ميقاتي: لبنان لم يُبلغ أي طرف بموقف إسرائيل بعد انقضاء الهدنة
  • ميقاتي: أبلغنا أمريكا وفرنسا بالضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي اللبنانية
  • الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل عن الأهداف التي قصفها للحوثيين باليمن
  • صحف عالمية: إسرائيل تحاول تغيير المنطقة لكن الأمر ليس سهلا
  • اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.. الاحتلال الإسرائيلي يواصل وضع العراقيل