أضواء حمراء تضيئها فوانيس مئات السيارات التي تصطف على طول الطرق المزدحمة المؤدية إلى قرى شرق لبنان وجنوبه، مشهد يعيد نفسه مرة أخرى، بعد ما يقرب من شهرين على تهجير سكان الجنوب اللبناني والشريط الحدودي المحتل من قبل إسرائيل، التي شنت هجمات بالطيران الحربي وقصف بالقذائف المدفعية مستهدفة المدنيين، في إعادة للسيناريو المتبع في قطاع غزة.

عودة النازحين إلى قرى الجنوب

ولكن في هذه المرة وتحديداً صباح السابع والعشرين من نوفمبر، تشرين الثاني، 2024، لم يتذمر قائدي المركبات أو من يجلسون داخلها من الازدحام، فهذا يوم العودة إلى الديار في الجنوب، فسكان مدينة صور وقرى النبطية والخيام وكفر شوبا ومرجعيون ومارون الراس وغيرها من الأراضي اللبنانية، التي طالتها صواريخ القصف الإسرائيلي، وعاث فيها الجنود المدججون بالسلاح والمحملين بأطنان من الحقد ودوافع القتل فساداً ودماراً وتخريباً، تعلو أصواتهم بالزغاريد بينما تنهمر دموع الفرحة على وجوههم، فالأمنية أصبحت واقعاً والحلم أصبح حقيقة، والخبر الذي تمنوه طويلاً قد تمت إذاعته «بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين المقاومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي»، وكأن صوت جارة القمر السيدة فيروز يصدح في أجواء لبنان وجنوبه الجريح وهي تدندن «أجراس العودة فلتقرع».

سيراً على الأقدام نحو الديار

ماجد مرتضى، 35 عامًا، أحد السكان الذي دمرت طائرات الاحتلال منزله في قرية «النبطية الفوقا» جنوب لبنان، ونزح مع زوجته وطفلتيه إلى العاصمة بيروت، منتصف أكتوبر الماضي، بعد أن أنقذته فرق الدفاع المدني من تحت الأنقاض وكتبت له حياة جديدة، ليقرر العودة إلى ركام منزله سيراً على الأقدام، غير مهتم بالتحذيرات التي أطلقها الاحتلال من عودة المدنيين إلى الجنوب، ويحكي: «ما استنيت أدبر سيارة تاخدني لداري، ومن شوقي لأرضي ما تحملت أتعطل في زحمة السيارات عشان أرتمي على حجارة منزلي اللي اشتقت أشم غباره وأعمره من جديد».

إصرار على المقاومة 

الطريق إلى الجنوب كان مليئاً باللافتات التي رفعها المواطنون من نوافذ منازلهم وسياراتهم وتحمل شعار المقاومة اللبنانية، وأعلامها الشهيرة باللونين الأصفر والأخضر، وصور الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصر الله، بينما وقف عدد من سكان العاصمة يودعون ضيوفهم من النازحين بالورود وتوزيع المياه والطعام، لتكون لهم زادًا حتى الوصول إلى ديارهم.

ورغم الفرحة العارمة التي عجز اللبنانيون عن التعبير عنها بوقف الحرب، إلاّ أنها تظل فرحة منقوصة وفق شهاب الناجي، 40 عامًا، والذي اضطرته الحرب إلى النزوح من قرية كفر شوبا إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، إذ يحكي لـ«الوطن»: «أي قرار بوقف الحرب دون ما يشمل أخواتنا في غزة هو قرار منقوص، صحيح فرحانين إننا هنرجع على دورنا حتى لو كان خطر الاحتلال لا يزال قائم، ولكن فرحتنا وعيدنا الأكبر هو في اللحظة التي سيتوقف فيها شلال دماء الأبرياء في القطاع، احنا جربنا جزء من اللي بيتعرض له أشقائنا هناك على مدار أكثر من سنة وكانت الأوضاع صعبة وقاتلة، وما يحدث لا يتحمله بشر، وستظل قلوبنا معلقة مع غزة حتى النصر والتحرير، والعقبى لهم قريبا بإذن الله».

وتحت زخات المطر وموجة البرد القارس التي تشهدها لبنان، حزمت مايا الشبل، 22 عامًا، أمتعتها عاقدة العزم على الرجوع إلى منزلها بقرية مارون الراس، التي تبعد اثنين كيلو متر من الحدود الفلسطينية المحتلة، حيث لا تعلم «مايا» ما إذا كان منزلها قد تعرض للقصف والدمار، أو اتخذته قوات الاحتلال الإسرائيلية نقطة تمركز وانطلاق للعمليات العدائية ضد البنانيون ومقاومتهم: «أيا ما كان الوضع هناك هرجع عشان أصلح اللي تدمر، ولو بدهم يقصفوه ألف مرة ما راح نوقف مقاومة»، وتحكي الشابة العشرينية عن أول شيء تنوي فعله عند العودة للديار: «كتير اشتقت لقريتي وجيراني وكوب الشاي في البلكونة اللي بطل منها على بلادي، صحيح نزحت بس كنت متأكدة من العودة وطول ما فينا نفس وروح هنضل نقاوم لحد خروج آخر جندي محتل».

قرار الهدنة ووقف إطلاق النار

وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مساء أمس الثلاثاء رسمياً، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، واصفاً ذلك بأنه «نبأ سار»، وقال «بايدن» في كلمة ألقاها في البيت الأبيض بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو موافقة الحكومة الأمنية على الاتفاق، إنَّ وقف إطلاق النار سيدخل حيّز التنفيذ فجر الأربعاء عند الساعة الرابعة بتوقيت بيروت، مشدداً على أن اتفاق الهدنة يبشر "ببداية جديدة" للبنان.

وتضمن بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية أمس النقاط التالية:

 - إسرائيل لن تقوم بأي عمل عسكري هجومي ضد أهداف في لبنان.

- إسرائيل ولبنان تعترفان بأهمية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.

- هذه الالتزامات لا تلغي حق إسرائيل أو لبنان في ممارسة حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس.

- القوات الأمنية والعسكرية الرسمية في لبنان ستكون الجماعات المسلحة الوحيدة المرخص لها بحمل الأسلحة أو تشغيل القوات في جنوب لبنان.

- أي بيع وتوريد وإنتاج أسلحة أو مواد متعلقة بالأسلحة إلى لبنان سيكون تحت إشراف ورقابة الحكومة اللبنانية.

- سيتمّ تفكيك جميع المنشآت غير المرخصة المشاركة في إنتاج الأسلحة والمواد المرتبطة بالأسلحة

- سيتمّ تفكيك كل البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة التي لا تفي بهذه الالتزامات.

- سيتمّ تشكيل لجنة تكون مقبولة لدى إسرائيل ولبنان، وتقوم بمراقبة ومساعدة ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.

- إسرائيل ولبنان سيبلغان اللجنة واليونيفيل عن أي انتهاك محتمل لالتزاماتهما.

- سينشر لبنان قواته الأمنية الرسمية وقواته العسكرية على كافة الحدود والمعابر والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية الموضح في خطة الانتشار.

- ستسحب إسرائيل قواتها بشكل تدريجي إلى جنوب الخط الأزرق خلال مدة تصل إلى 60 يومًا.

- ستعمل الولايات المتحدة على تعزيز المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان للوصول إلى حدود برية معترف بها.

ضحايا العدوان الإسرائيلي

وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية، ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان إلى 3768 شهيدا و15699 مصابا منذ بدء الحرب على البلاد.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: لبنان جنوب لبنان قرى جنوب لبنان وقف إطلاق النار حزب الله إسرائيل الاحتلال اللبنانيون وقف إطلاق النار إسرائیل ولبنان

إقرأ أيضاً:

جيش الاحتلال يتوغل في مناطق جنوب لبنان وعدد الخروقات يتجاوز الـ300

خرق جيش الاحتلال الإسرائيلي مجددا وقف إطلاق النار مع حزب الله اللباني، بعدما توغلت آليات تابعة له عبر وادي الحجير إلى بلدة القنطرة جنوب لبنان، وهو ما رفع عدد الخروقات لأكثر من 300 منذ بدء سريان الاتفاق قبل 30 يوما.

وقالت وكالة الأنباء الرسمية اللبنانية الخميس: "تقدمت آليات جيش العدو عبر وادي الحجير جنوب لبنان، وتقوم بعمليات تمشيط واسعة بالأسلحة الرشاشة الثقيلة خلال تقدمها".

وأكدت الوكالة أن الجيش اللبناني أغلق الطرق المؤدية إلى وداي الحجير بسبب توغل آليات جيش الاحتلال الإسرائيلي، مضيفة أن "آليات إسرائيلية تقدمت بشكل مفاجئ باتجاه بلدة القنطرة بقضاء مرجعيون جنوب البلاد ما أدى إلى نزوح الأهالي منها إلى بلدة الغندورية بقضاء بنت جبيل".

ومنذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يسود وقف هش لإطلاق النار أنهى قصفا متبادلا بين "إسرائيل" وحزب الله بدأ في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي.


والأربعاء، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء، أول غارة جوية على محافظة البقاع شرق لبنان، ضمن خروقاته اليومية لوقف إطلاق النار.

وذكرت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن الطيران الحربي الإسرائيلي شن غارة على المنطقة بين بلدتي طليا وحزين في البقاع، وذلك للمرة الأولى منذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار.

وجدد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، الثلاثاء، دعوته لجنة مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار إلى الضغط على الاحتلال لوقف خروقاتها للاتفاق والانسحاب من المناطق التي توغلت فيها.

وتم تشكيل هذه اللجنة بموجب الاتفاق، وتضم كلاً من لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة وفرنسا وقوة الأمم المتحدة في جنوب لبنان "اليونيفيل".

وبدعوى التصدي لـ"تهديدات" من حزب الله، ارتكبت "إسرائيل" 302 من خروقات وقف إطلاق النار في لبنان حتى نهاية الأربعاء، ما أدى إجمالا إلى سقوط 32 شهيدا و38 جريحا، بحسب بيانات وزارة الصحة اللبنانية.


ومن أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق النار انسحاب "إسرائيل" تدريجيا إلى جنوب الخط الأزرق الفاصل مع لبنان خلال 60 يوما، وانتشار قوات الجيش والأمن اللبنانية على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية.

وأسفر عدوان الاحتلال على لبنان عن 4 آلاف و63 شهيدا و16 ألفا و663 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص، وتم تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد تصعيد العدوان في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يخرق اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان
  • إسرائيل ترتكب 8 خروقات جديدة بوقف إطلاق النار مع لبنان
  • يونيفيل: بلدة الخيام الوحيدة التي أخلتها إسرائيل وانتشر فيها الجيش اللبناني
  • مسؤولون بجيش الاحتلال: بند الانسحاب بعد 60 يوما من لبنان ليس مقدسا
  • ميقاتي: لم نُبلغ بنية إسرائيل التراجع عن الانسحاب من جنوب لبنان  
  • الجيش اللبناني: إسرائيل تتمادى في خرق اتفاق وقف إطلاق النار
  • جيش الاحتلال يتوغل في مناطق جنوب لبنان وعدد الخروقات يتجاوز الـ300
  • جيش الاحتلال يتوغل في مناطق جنوب لبنان وعدد الخروقات يتجاوز 300
  • استمرارًا لجرائمه.. الاحتلال ينسف عددًا من المنازل في جنوب لبنان
  • إسرائيل قد تبقى في لبنان.. إقرأوا آخر خبر!