في سابقة تُظهر حجم التحديات التي تواجه الدبلوماسية السودانية، شهدت زيارة وزير خارجية السودان إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا استقبالًا فاترًا يعكس برود العلاقات الثنائية، وواقعًا دبلوماسيًا مُقلقًا. اختُصر اللقاء بينه وبين نظيره الإثيوبي إلى أقل من عشرين دقيقة، في خطوة نادرة تُظهر أن هناك رسائل غير معلنة.

حتى داخل أروقة الاتحاد الأفريقي، بدت الحفاوة غائبة، وكأن الوجود السوداني بات على هامش اهتمامات القارة.

هل هو ضياع البوصلة أم أزمة تصريحات؟
يبدو أن الدبلوماسية السودانية تعيش حالة من التراجع والانفصال عن التقاليد التي صنعت مكانتها تاريخيًا. الحديث عن "ضياع البوصلة" ليس مبالغة؛ إذ باتت التصريحات العشوائية والخطاب المتناقض علامة فارقة للسياسة الخارجية السودانية. بعض التصريحات الأخيرة خرجت عن سياق العقلانية السياسية، ما أدى إلى عزل السودان عن محيطه الإقليمي والدولي. في عالم يعتمد على البراغماتية والتفاهمات، أصبحت هذه المواقف عبئًا على السودان، بدلًا من أن تكون أدوات للدفاع عن مصالحه.

مواقف السودان الدولية ورفضه الانصياع للضغوط الدولية
المجتمع الدولي وجه رسائل واضحة لجميع أطراف الصراع في السودان، مفادها أن استمرار الحرب ليس خيارًا مقبولًا. لكن بدلاً من التجاوب مع هذه الرسائل، يبدو أن السودان اختار مواجهة المجتمع الدولي بمواقف متصلبة وغير متزنة. عدم الانصياع لمطالب وقف الحرب ليس فقط خيارًا خطيرًا، بل هو موقف يضع السودان في عزلة دولية متزايدة، ويفقده حلفاء محتملين كان بإمكانهم تقديم الدعم في هذه المرحلة الحرجة.

الدبلوماسية السودانية: من الإرث إلى الأزمة
لطالما كانت الدبلوماسية السودانية محل تقدير، حيث امتازت بالقدرة على بناء التفاهمات الإقليمية والدولية. لكنها الآن تبدو وكأنها تفقد هذا الإرث. استقبال إثيوبيا الفاتر ليس مجرد حادثة بروتوكولية؛ بل هو مؤشر على تراجع الثقة الإقليمية بالسودان، الذي كان يُنظر إليه كجسر للتواصل بين أفريقيا والعالم العربي.

الطريق إلى إصلاح الدبلوماسية السودانية
لكي تستعيد الدبلوماسية السودانية مكانتها، يجب أن تُبنى سياساتها على أسس واضحة:

وقف الحرب كأولوية وطنية ودبلوماسية: السودان بحاجة إلى إرسال رسائل إيجابية إلى المجتمع الدولي والإقليمي، تؤكد التزامه بالسلام.
إعادة ضبط الخطاب الدبلوماسي: يجب أن يكون خطاب المسؤولين السودانيين عقلانيًا ومتوازنًا، بعيدًا عن التصريحات التي تفتقر إلى الدقة أو الواقعية.
إحياء الشراكات الإقليمية: تعزيز العلاقات مع دول الجوار والاتحاد الأفريقي من خلال مبادرات حقيقية تعكس اهتمام السودان بمحيطه الإقليمي.
العمل على توافق داخلي: لا يمكن أن تنجح الدبلوماسية السودانية دون أرضية سياسية داخلية مستقرة تدعم مساعيها الخارجية.
إن استقبال وزير الخارجية السوداني في إثيوبيا بهذه الطريقة يعكس أزمة أعمق من مجرد لقاء بروتوكولي مختصر. إنها أزمة هوية دبلوماسية بحاجة إلى إعادة بناء، وأزمة مواقف تحتاج إلى رؤية واضحة تعيد السودان إلى موقعه الطبيعي في الساحة الإقليمية والدولية.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدبلوماسیة السودانیة

إقرأ أيضاً:

العَمَه في شِراك “من أشعل الحرب؟”

@ شوية مفاهيم @
هل تعرف هذا الشاب "غافريليو برينسيب"؟ في الغالب لا يعرفه معظم سكان العالم اليوم، ومن عرفه يوماً ما سوف ينساه، ويبقى مجرد كلمات في كتب التاريخ الصفراء. ومع ذلك فهو أول من رفع السلاح في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918). غافريليو برينسيب (Gavrilo Princip)، الطالب آنذاك، هو الذي بدأ حركة القطعة الأولى في منظومة الدينامو لتلك الحرب، عندما قام باغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند (Archduke Franz Ferdinand) الوريث المفترض لعرش النمسا والمجر، وزوجته صوفي (ٍSophie) دوقة هوهنبيرج (Duchess of Hohenberg)، في يوم 28 يونيو 1914م. وبعبارة أخرى بحسب كثير من المؤرخين، فإن غافريليو هو الذي (أشعل الحرب) العالمية الأولى.

في السودان، وعلى الرغم من وضوح هذا التاريخ القريب، بأن قوات الدعم السريع (سابقاً، قبل حلها) هي التي كانت تتجمّع من الأطراف نحو المركز، وإلى مروي في الشمال، من قبل يوم 15 أبريل 2023م، وعلى الرغم من قيامها باعتقال المعاشيين من القوات النظامية منذ يوم 13 أبريل وفقاً لفيديوهات توثيقية قامت بها هذه القوات وهي تستجوب بعض هؤلاء وهم في المعتقل بغرض إثبات حسن معاملتهم للمعتقلين - على الرغم من كل هذا، فإن السؤال (من أشعل الحرب؟) سؤال تحويلي انصرافي خالٍ من أي أهمية تُذكر.

الحرب، ونستخدم هذه الكلمة مجازاً، بها من المضامين المؤلمة والمميتة والدموية والمخزية ما من شأنه أن يشغل أي عاقل عن شكليات بداياتها، بل وحتى مسببات قيامها. إلا أن البعض يستفيد من (تحويل) التفكير (وصرف الانتباه) عن المذابح التي أريقت فيها دماء المواطنين المدنيين العزل من السلاح في جميع بقاع السودان. يستفيدون من كبح جماع الثورة على الظلم الفاحش والسافر في مهاجمة المواطن في داره واستباحة ماله ودمه وعرضه في رائعة النهار.

وهي (حرب) مجازاً فقط لخروج مضامينها الفاحشة من مصطلح (الحرب) في القانون الدولي (Bellum)، من حيث مبررات قيامها، وشروط إدارتها، بعيداً عن دائرة الجريمة. أما ما نراه في السودان فإن أكثر من 90% منه يقع تحت طائلة (جرائم الحرب) وليس أفعالاً حربية يقاتل فيها الجندي المسلح جندياً مسلحاً مثله. إنها حرابة إجرامية موجهة نحو أهداف (غير) عسكرية، بها مواطنون عزل، أبرياء حتى من مجرد الانتماء السياسي دعك من القتال المسلح. اختارت المليشيا هذه الأهداف عنوة وعمداً، بل قامت بالتوثيق لها بالصورة والصوت اعتزازاً بالإثم وإثباتاً لشناعة الفعل وفحش القول. فعلوا ذلك وهم يقتلون ويسحلون ويمثلون بجثمان الشهيد خميس أبكر والي غرب دارفور في الجنينة، وفعلوا ذلك في العاصمة المثلثة، وفعلوا ذلك وهم يستبيحون وسط الجزيرة وشرقها والجنوب، بأعلى درجات العمد والقصد القانوني، مع سبق الإصرار والترصد. ويأتيك بعد كل ذلك هؤلاء يتنادى الواحد منهم سادراً: من أشعل الحرب؟! وهم في غيهم يعمهون!

أحمد كمال الدين
البحرين – الأربعاء 27 نوفمبر 2024م

kingobeidah@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • قراءة أمريكية لـالسيناريو الأسوأ.. تحذير من جر العراق إلى العاصفة الإقليمية
  • العَمَه في شِراك “من أشعل الحرب؟”
  • بشأن المدارس السودانية .. سفارة السودان بالقاهرة تصدر تنبيهًا جديدًا
  • أكد أهمية الحل الدائم للأزمة السودانية.. وزير الخارجية: ضرورة تجسيد الدولة الفلسطينية واحترام سيادة لبنان
  • السفير المصري في جوبا يبحث تطورات الأزمة السودانية مع رئيس مكتب "الدول العربية"
  • خمسةٌ وثلاثونَ عامًا من الهَدْر
  • سفارة السودان في القاهرة تعلن عن إعادة فتح مدرسة الصداقة السودانية
  • سحب الترخيص والإغلاق النهائي .. سفارة السودان بالقاهرة تحذر المدارس السودانية
  • خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة