أبواق التيار العسكركيزاني والمعنى الباطني للسيادة الوطنية

رشا عوض

تبرر أبواق معسكر الحرب معارضتها لأي قرار دولي يهدف لحماية وإغاثة المدنيين بأسطوانة السيادة الوطنية وأن القرار سيأتي بجنود أجانب إلى السودان.

هذه مجرد “سواقة بالخلا” للأسباب التالية:

أولاً: السودان الآن يوجد فيه آلاف الجنود الأجانب في مهمة لحفظ السلام في أبيي وافقت سلطة الأمر الواقع في بورسودان أثناء هذه الحرب على تجديد فترة بقائهم.

وفي عهد الكيزان المأفون كان يوجد في السودان ثلاثين ألف جندي أممي تحت الفصل السابع لحفظ السلام في دارفور. فالحروب الأهلية بطبيعتها تفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الأجنبية.

ثانياً: عندما يدعي معسكر الحرب المعارض للسلام والناشط في الاستنفار وخطاب الكراهية أنه حريص على السيادة الوطنية فهذا استحمار واستغفال للشعب السوداني! هناك علاقة عكسية بين اتساع الحرب الأهلية في الدولة وسيادتها الوطنية! الحرب تخصم من سيادة الدولة على مدار الساعة! والحريص على السيادة يجب أن يحرص على إيقاف الحرب وفق مشروع سياسي وطني يكفل للسودانيين العيش المشترك بكرامة ويزيل أسباب الاحتراب! أما إدعاء أبواق الحرب تمثيل السيادة فهو هراء لا قيمة له على الإطلاق!

إذ لا سيادة وشعبك جائع يطعمه الأجانب!

ولا سيادة وشعبك مشرد وحكومتك عاجزة عن إيوائه فيضطر للجوء إلى دول أخرى ليجد المأوى لدى الأجانب!

ولا سيادة وموارد البلاد في باطن الأرض وظاهرها مرهونة للأجانب مقابل الحصول على سلاح لا يقتل سوى السودانيين!

ولا سيادة وقرار إيقاف الحرب أو استمراها رهين لمآلات صراع العواصم الإقليمية حول مصالحها في السودان الذي حولته هذه الحرب إلى غنيمة يسيل لها لعاب الطامعين في محيطه الإقليمي!

التحدي الذي يواجه السودان في أرض الواقع هو استرداد سيادته المفقودة! وليس الحفاظ على سيادة موجودة بالفعل!

ثالثاً: مشكلتنا مع خطاب الكيزان والعسكر هي أنهم يستخدمون مصطلحات سياسية وحقوقية لها دلالات ومعانٍ متعارف عليها بين البشر في عالمنا المعاصر مثل السيادة الوطنية وإدانة الإنتهاكات وحرب الكرامة، ولكنهم عندما يسرفون في استخدام هذه العبارات لا يقصدون معانيها المعروفة! بل أن لهذه العبارات معانٍ “باطنية” تخص التيار العسكركيزاني وحده!

فالسيادة الوطنية التي يقصدونها فعلاً تعني استعباد العصابة العسكركيزانية للوطن أرضاً وشعباً وموارد، ولو استعصت عليهم السيادة على كامل السودان تتم التضحية بالجزء المستعصي مثلما حدث مع جنوب السودان ومثلما هو مخطط له في هذه الحرب من التضحية بدارفور وكردفان، حدود السيادة حسب المعنى الباطني هي حدود قدرة هذه العصابة على السيطرة وفرض السلطة الاستبدادية الفاسدة.

أما إدانة الإنتهاكات فهي لا تعني لدى هذه العصابة ما يفهمه البشر الطبيعيون وهو الانحياز للضحايا بل هي “عدة شغل سياسي” يجب الحرص على استمرارها بل يجب المساهة في زيادتها كماً ونوعاً لاستغلالها سياسياً!

وعندما تتقدم القوى المدنية الديمقراطية بمقترحات عملية لحماية المدنيين وإنقاذهم من وطأة الانتهاكات عبر تدابير وآليات دولية، تتصدى أبواق التيار العسكركيزاني تصدياً شرساً لذلك وتنسى مزايداتها الفاجرة حول الإنتهاكات وعدم إدانتها! وهنا نتساءل هل الذي ينفع المواطن المنكوب هو تدبيج بيانات الإدانة؟ أم أن المواطن بحاجة لتوفير مناطق آمنة تحميه ومساعدات إنسانية تعينه؟ هذا يفضح المعنى الباطني لقضية الانتهاكات عندما تتناولها أبواق التيار العسكركيزاني.

أما “حرب الكرامة” فهي أكبر خدعة، فهذه الحرب أصلاً صراع سلطة ولا شيء غير ذلك، وسوف تنتهي إما بصفقة لتقاسم السلطة بين الطرفين أو بصفقة لتقسيم الوطن نفسه، وفي الحالتين لا نصيب للمواطن سوى المذلة والقتل والتشريد وسلب الكرامة في حدودها الدنيا! فالكرامة المقصودة في المعنى الباطني ليست كرامة الشعب السوداني بل هي رد الاعتبار للكيزان وجبر خاطرهم الذي كسرته ثورة ديسمبر! الثورة التي ظنوا أن في مقدورهم الالتفاف عليها واستئناف مشروعهم الاستبدادي الفاسد بعد التخلص من البشير الذي تحول في أواخر عهده إلى عبء على الكيزان أنفسهم! ولكنهم نسوا أو تناسوا أن جموع الشعب السوداني التي خرجت إلى الشوارع وانفجرت ثائرة ضد أسوأ نظام في تاريخ السودان لا يمكن إعادتها إلى بيت الطاعة! وعندما يئسوا من العودة إلى السلطة عبر الانقلاب على الثورة بواسطة عسكرهم أشعلوا الحرب للانتقام من الثورة وتدمير الوطن الذي استعصى على حكمهم وتقزيمه بانقسام جديد!

الكيزان بدلاً من تكبير عقولهم ونفوسهم وأخلاقهم ليصبحوا مواطنين صالحين في وطن كبير وعزيز اختاروا تصغير الوطن إلى مقاسهم الصغير فكراً وخلقاً وسياسةً!.

الوسومأبيي الأجانب التيار العسكركيزاني الحرب السودان السيادة الوطنية القوات الدولية القوى المدنية الديمقراطية جنوب السودان دارفور رشا عوض كردفان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أبيي الأجانب الحرب السودان السيادة الوطنية القوات الدولية القوى المدنية الديمقراطية جنوب السودان دارفور رشا عوض كردفان السیادة الوطنیة هذه الحرب لا سیادة

إقرأ أيضاً:

تعليقاً على مقال:” عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد*

بسم الله الرحمن الرحيم

تعليقاً على مقال:" عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد*

عامان من الحرب كللت بالحفاظ على السودان ،ودحر المرتزقة، يا دكتور فيصل.

ا.د. أحمد محمد احمد الجلي

بداية لابد من القول، بان كاتب المقال يساوي بين "طرفي الحرب"،متجاهلا ان هناك طرف تمثله القوات المسلحة، التي لها قوانين ضابطة وقيم معينة ونظم ملزمة وملتزمة بها،ولم يعرف عنها طيلة تاريخها الذي يمتد الى ما يقارب قرناً من الزمان، اي خرق لتلك القيم اوتجاوز لتلك القوانين.وفي المقابل هناك مليشيا تمردت على القوات المسلحة وعلى الدولة السودانية ،وتاريخها القريب والبعيد مليء بالجرائم، وفي هذه الحرب الدائرة الان خططت للانقلاب على الدولة السودانية، وحاولت عن طريق السلاح والحرب القضاء عليها ، ومحو هوية الشعب السوداني،وارتكبت في سبيل ذلك، ما هو معلوم لدى كل السودانيين ، وليس بين السودانيين من نجا من السلوك الاجرامي لهذه المليشيا المتمردة.وفي مقاله قارن الكاتب بين ما قامت به المليشيا وما صدر عن القوات المسلحة ،ولم يميز بين الطرفين، وتجاهل ان المليشيا هي التي بدات الحرب وتعدت على مرافق الدولة وعلى بيوت المواطنين وممتلكاتهم،كما هو موثق لدى المنظمات الدولية العدلية، ومشاهد لكل ذي بصر وبصيرة.
وذكر الكاتب الخسائر البشرية والمادية،وان آلاف الشباب من أبناء السودان فقدوا أرواحهم في الحرب، ونزح الملايين من مدنهم وقراهم، ولجأ مئات الآلاف لدول الجوار. دُمّرت البنيات الأساسية؛ مصانع ومساكن، طرق وجسور، مطارات، ومحطات كهرباء ومياه، جامعات ومدارس ومستشفيات، ولكن لم يشر الى من فعل ذلك وارتكب تلك الجرائم،الا على استحياء وقرن تلك الجرائم بما قام به الجيش ،ولم ير وجاهة لتبرير ذلك بل قال: إن قصف سلاح الطيران القرى والأسواق في دارفور يتم التبرير لذلك بأن هذه حواضن اجتماعية لـ«الدعم السريع». وإن تمت تصفية مدنيين في المناطق التي استعادها الجيش، تأتي التبريرات بأن هؤلاء كانوا متعاونين مع «الدعم السريع» حين احتلت قراهم ومناطقهم، ومن بينهم بائعات الأطعمة والشاي.وعبر عن حسرته على من يدافع عن موقف الجيش ومن معه من المستفرين والمقاومة الشعبية ،ويقول:" الأقسى من كل ذلك أن يتورط صحافيون وسياسيون وكتّاب في الترويج لهذه الجرائم، ويسموا الطيارين الحربيين «صنّاع الكباب»، في إشارة للجثث المحترقة بعد القصف!!!
وبعد ذلك اشار الكاتب الى هجوم «قوات الدعم السريع» على معسكر «زمزم» للنازحين في ضواحي مدينة الفاشر. وكعادة «قوات الدعم السريع»، لم تفرق بين عسكري ومدني، ولا بين رجل وامرأة وطفل؛ كان الجميع هدفاً للرصاص المنهمر من كل ناحية، والحرائق التي أحالت المساكن المؤقتة إلى خراب، واورد ما يعتبر تبريرا لهجوم المليشيا على المعسكر بان القوات المشتركة تتواجد في بعض أجزائه،.ولم ينس حادثة استشهاد ايقونة المقاومة الدكتورة هنادي ،وانه بينما رأى فيها البعض رمزاً للمقاومة، رأى البعض الآخر فيها نموذجاً للشباب الغض الذي راح ضحية للحرب، وهناك من قدم الموقف السياسي قبل كل شيء، ورأى أنها مقاتلة كانت مع الصف الآخر، وبالتالي تستحق الموت!. ولم يدين بوضوح مقتل الشهيدة،ويبين رأيه في ذلك، واحسب انه وقف على الحياد في مثل هذا الموقف الانساني!!!.
كما حاول كاتب المقال، ان يبرر حصار المليشيا للفاشر بأن الحركات المسلحة لم تلتزم بالحياد ،ودخلت الحرب ،فيقول:كانت هناك فرصة أن تبقى المدينة بعيداً عن الحرب أضاعتها الحركات المسلحة التي أعلنت دخولها الحرب بعد فترة من الحياد، ومنذ ذلك الوقت لم ترَ المدينة يوماً واحداً هادئاً."
ولا ادرى ماذا كان يتوقع الكاتب ان تقف تلك الحركات متفرجة على ما يقوم به الجنجويد من مذابح ،وما يمارسونه من انتهاكات لاهل الفاشر الذين هم اهل تلك الحركات!! "
وما عنوان مقاله "لم ينجح احد"، الا دلالة على تحيزه المبطن ضد القوات المسلحة ،ويفضح ذلك قوله: "فبعد عامين من الحرب لم يتغير الموقف والرؤية للحرب؛ فهي سباق في الخسارة والفقدان" ،والكاتب بذلك يتجاهل التضحيات التي قدمتها القوات المسلحة والفيئات التي تقاتل معها ، وما حققوه من انتصارات في الخرطوم والجزيرة وغيرها من ولايات السودان،ودحر للمليشيا واخراجها من العاصمة الخرطوم ،ومن بيوت المواطنين ومؤسسات الدولة ومقارها ،وبذلك يمكن القول بأنه قد نجح الوطنيون وانتصر المرابطون المجاهدون، من عسكريين ومدنيين، القابضون على الزناد والبندقية، ،وفشل أصحاب مشروع هدم السودان واحتلاله واستيطانه بدلا من مواطنية،كما فشل الذين ربطوا مستقبلهم السياسي بمليشيا ال دقلو،ومنتظرين ان يجيبوا لهم الديمقراطية والحكم المدني ،ويجلسوهم على كراسي الحكم مرة ثانية،وهيهات !!!، فقد خاب أملهم جميعا ،ونجح الوطنيون والمجاهدون ممن حملوا السلاح دفاعا عن ارضهم وعرضهم،نجحوا في الحفاظ على بلدهم وسينجحون باذن الله في بناء دولتهم واعمارها ،ولا نامت اعين الجبناء والعملاء الذين اعتمدوا على دويلة الشر والمليشيا الارهابية في عودتهم منتصرين لتكرارا تجاربهم الفاشلة!!!
فالصراع العسكري الداير الآن، ليس صراعا بين جنرالين (حميدتي والبرهان)، كما حاول المنهزمون تصويره ، بل صراع بين الجيش ومن ورائه الشعب السوداني ،وبين مرتزقة اجانب استجلبوا مِن تشاد والنيجر والكاميرون وأفريقيا الوسطي وجنوب ليبيا وبوركينا فاسو ونيجيريا وموريتانيا وحتي السنغال في أقصي غرب أفريقيا، بهدف توطينهم ،واقامة دولة بديلة للدولة السودانية،ومن ثم فإن الحرب هي حرب الأمة السودانية وجيشها، ضد مشروع يهدف الى القضاء على الدولة السودانية، وعلى الساسة السودانيين على اختلاف اتجاهاتهم وايديولوجياتهم ادراك هذه الحقيقة ،وأن يتركوا خلافاتهم التافهة جانبا،وان يؤجلوا مشاريعهم السياسية الفاشلة، وان يوحدوا صفوفهم ،ويعملوا يدا واحدة على منع الجنجويد من تحقيق أهدافهم ،لأن في تحقيق تلك الاهداف نهاية للدولة السودانية،ووجود السودانيين كشعب له هوية وثقافة وذاكرة تاريخية. وليس من سبيل الى افشال مشروع الجنجويد، ومن يدفع بهم ويقف وراءهم،الا بالاصطفاف مع القوات المسلحة،ومن يشاركها شرف الدفاع عن الوطن،وانها ومن معها، تمثل الجهة الوطنية التي تتصدى لذلك المشروع ،والعمل على هزيمته ودفعه،لانه اذا انتصر حميدتي ومليشيته ومن يدفع به، لا قدر الله ، فسيصبح مستقبل السودان في مهب الريح.ولن يجد الفرقاء المتشاكسون وطناً يختلفون حوله. "والله غالب على أمره، ولكن اكثر الناس لا يعلمون".
ا.د. أحمد محمد احمد الجلي
*تعليقا على مقال:" عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد:"دكتور/ فيصل محمد صالح،منشور على موقع سودانايل علي الرابط التالي:
https://sudanile.com/%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%85%d9%86-%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%85-%d9%8a%d9%86%d8%ac%d8%ad-%d8%a3%d8%ad%d8%af

ahmedm.algali@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • المفتي قبلان: لن تقوم قائمة للدولة إلا بعد تأكيد السيادة الوطنية
  • وزير الخارجية الفرنسي: ندعم سيادة العراق ولدينا علاقات وثيقة مع بغداد
  • فعاليات في أنحاء تركيا احتفالًا بعيد السيادة الوطنية والطفولة
  • ما هي أسباب الحرب في السودان إذن؟
  • “جانغ شيان هوا”.. رئيس مجلس السيادة يلتقي السفير الصيني
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: خلق آخر
  • حقيقة الحرب في السودان
  • تعليقاً على مقال:” عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد*
  • البابا فرنسيس.. الكاردينال الذي باع ثروته واشترى قلوب الفقراء
  • المجتمع الدولي وإدمان الفشل حول السودان