خمسةٌ وثلاثونَ عامًا من الهَدْر
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
خمسةٌ وثلاثونَ عامًا من الهَدْر
د. النور حمد
في الأيام القليلة الماضية أرسل لي أحد الأصدقاء الأعزاء بضع تقاريرَ صحفيةٍ، تحدثت وأوردت فيلمًا قصيرًا يصور معالم النهضة المتوثبة في دولتيْ إثيوبيا وغانا. وقد حرَّكت هذه التقارير في ذهني ما ظللت حائرًا فيه منذ بداية مقاومة الكيزان الشرسة لثورة ديسمبر المجيدة.
أظهرت تلك التقارير العمل الجاري ليل نهار في إعادة بناء كل الشوارع في مدينة أديس أبابا على أحدث الطرز، ومن عمل للأرصفة، على أحدث المواصفات وأكثرها جودة. وأيضًا، ما صاحب ذلك من تشجيرٍ وتزهيرٍ للطرقات ومن إضاءة، لتصبح أديس أبابا عاصمةً تتناسب مع وجود مقر الاتحاد الإفريقي فيها، ولتصبح نموذجًا للعواصم الإفريقية الحديثة الدالة على نهضة إفريقيا الجديدة. وقد أظهر الفيديو القصير العمارات السوامق ذات المظهر الحديث التي أخذت تنبت بسرعة البرق مكان بيوت الصفيح، التي كانت تشكِّل غالبية أحياء أديس أبابا الشعبية، التي تحتل مساحاتٍ معتبرةً من وسط المدينة. ما جرى عرضه في الفيديو القصير يجعلك تحس وكأنك ترى مشاهد من مدن الصين الجديدة. وفي تقرير صحفي آخر، ظهر أنموذج لمطار أديس أبابا الجديد، قيد الإنشاء، الذي تبلغ كلفته 5 بلايين دولار، ليتناسب مع أعداد المسافرين المتزايدة. فالمتوقع أن يبلغ عدد المسافرين الذين سيمؤون من خلاله كل سنة، حوالي 25 مليون راكبا. ولا غرابة، فقد تعدَّت أعداد طائرات أسطول الخطوط الجوية الأثيوبية 150 طائرة. كما أن هذه الخطوط مؤسسةٌ مملوكةٌ كليًّا للحكومة الإثيوبية، تحمل طائراتها إسم إثيوبيا على جنباتها، وتصل به إلى مئات المدن في كل قارات العالم الست.
بقيت عصابة الكيزان في السلطة لثلاثين عامًا، أضاف إليها البرهان، وهو أسوأ ما أنتجه هذا التنظيم الشيطاني من شخصيات، خمس سنوات أخرى. في هذه السنوات الخمس والثلاثين اختفى إسم سودانير ولم تعد تملك غير طائرة أو طائرتين. وحلَّت محل سودانير أمساخٌ كيزانيةٌ سُمِّيت شركات طيران. وهي شركات تستخدم بضع طائرات بوينغ 337، مستعملة مستهلكة دخلت في عداد الأناتيك، إذ أن تاريخ صنعها يعود لعقود القرن الماضي. هذا، في حين ضم أسطول الإثيوبية الذي تعدى 150 طائرة، ولأول مرة وسط شركات الطيران في إفريقيا، طائراتٍ من أحدث ما أنتجته شركة أيربص الأوروبية، وهي طائرات: A350-900 وA350-1000 .
أما مطار الخرطوم الجديد المزعوم، فقد اقترضت عصابة الكيزان باسمه ثلاثةَ قروضٍ، لم يتعد مبلغ أكبر قرضٍ منها مليار دولار. وقد اختفت هذه القروض الثلاثة، جميعها، ولم ير الشعب منها سوى شارع أسفلت دائري هزيل، أحادي المسار طوله بضع كيلومترات. إضافة إلى لافتةٍ بائسةٍ منصوبةٍ في العراء جنوب حي الصالحة، تقول: هذا هو موقع المطار الجديد. وهذا، بطبيعة الحال، نموذجٌ واحد للتدمير الشامل الذي قام به الكيزان، الذي لم يترك مرفقًا من المرافق لم يطله، وأيضًا، للسرقات الوقحة التي لا عدَّ لها. أما التقرير الثاني وما صحبه من فيلم قصير، فقد تحدث عن غانا وعن ما يجري في مدنها من تحديث لافت. وكذلك، ما يجري في جامعاتها من تطوير، خاصة في المرافق الطبية الجامعية التي أصبحت تضاهي ما يجري في الدول الصناعية الكبرى.
هذان نموذجان لجهود التنمية والتحديث المتسارعة التي تجري في الأقطار الأفريقية. ومثل ذلك يجري، على قدمٍ وساقٍ أيضًا، في كينيا وفي يوغنده وفي تنزانيا، من مجموعة دول شرق إفريقيا. أما القعود والعجز والتراجع والتخريب المطرد فحالةٌ يجسدها بجدارة سودان عصابة الكيزان. فقد جلست هذه العصابة على دست الحكم لخمسة وثلاثين عامًا لم تصنع فيها غير الخراب والدمار. ولكي تخفي هذه العصابة الشيطانية عجزها الفاضح عن أي إنجاز يستحق الذكر، ولكي تتستَّر على لصوصيتها، وإجرامها، وتمحو كل سجلٍّ يشير إلى اولئك، عمدت إلى إشعال هذه الحرب اللعينة، لينطمس كل شيء، وليصبح أعلى ما يطمح السودانيون ويأملون فيه، هو مجرد أن تقف الحرب، لا أكثر! المدهش، أن هذه االعصابة الكيزانية الإجرامية الشيطانية قد شرعت في التفكير في الاستثمار في هذا الخراب الخرافي. فقد ظهر في الأخبار مؤخرً حديثٌ لبعض المسؤولين عن خطط للإعمار، وكأن الحرب قد انتهت. والأدهى أن الشركات المصرية هي المرشحة لتقوم بالدور الأعظم في جهود الإعمار المزعومة هذه. وهذا توجهٌ لفتح بابٍ جديدٍ لفسادٍ كبيرٍ سيفوق كل ما جرى في الخمسة وثلاثين عامًا الماضية، ولكن هيهات!!
elnourh@gmail.com
* نشر بمجلة “أفق جديد”
الوسومأديس أبابا إثيوبيا الاتحاد الأفريقي البرهان السودان الكيزان ثورة ديسمبر د. النور حمد غاناالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أديس أبابا إثيوبيا الاتحاد الأفريقي البرهان السودان الكيزان ثورة ديسمبر د النور حمد غانا أدیس أبابا
إقرأ أيضاً:
استشهاد 5 صحفيين في قصف إسرائيلي وسط غزة
استشهد، فجر اليوم الخميس، خمسة صحفيين، في قصف إسرائيلي، وسط قطاع غزة.
وقال شهود عيان إن قوات الاحتلال قصفت عربة بث تلفزيوني أمام مستشفى العودة بمخيم النصيرات، ما أدى إلى استشهاد خمسة صحفيين كانوا داخلها.
وأفادت نقابة الصحافيين الفلسطينيين بأن من بين الصحفيين الشهداء، الصحفي أيمن الحدي الذي وصل إلى المستشفى برفقة زوجته التي كانت على وشك ولادة طفلهما الأول، إلا أنه استغل ساعات الانتظار للاطمئنان على زملائه الذين كانوا عند باب المستشفى في عربة للبث التلفزيوني.
ومنذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 190 صحفيا.
وكانت مصادر طبية، أعلنت، ارتفاع حصيلة الشهداء في القطاع إلى 45 ألفا و361، أغلبهم من الأطفال والنساء، والمصابين إلى 107 آلاف و803 جرحى، في حين لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.وام