ختام الندوة العلمية «قراءات في فكر الشاعر ولد وزير»
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
اختتمت بولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية يوم أمس فعاليات الندوة العلمية بعنوان "قراءات في فكر الشاعر سعيد بن عبدالله ولد وزير الفارسي" التي نظمتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب ممثلة بالمنتدى الأدبي على مدى يومين بقاعة المشارق بولاية صور، حيث شهد اليوم الختامي الجلسة الثانية للندوة التي أدارها الشاعر عبدالله بن محمد العريمي، حيث قدمت خلالها الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية ورقة عمل بعنوان "الميدان في شعر ولد وزير" تطرقت من خلالها على التعريف بفن الميدان وهيكل البناء الشعري للميدان والوزن الشعري للميدان، وإيقاعه الموسيقي، موضحة أنّ الميدان سيّد الفنون الشعبية، وابن البلاغة العربية، ولماذا يحرص الشعراء على انتمائهم للميدان، وإن ود وزير شاعر الميدان المحظوظ، وله مساجلات في الميدان مع غيره من الشعراء، مع حافظ المسكري، وراشد بن سلوم (سويري)، ويوسف ود عبيد الفارسي، وصديقه حمد بن علي الغافري، ومع سبيت ود حمدان العريمي وعبدالله الصايغ الفارسي، كما تطرقت إلى أنواع الميدان وتعريفاته عند ود وزير والمربوع والمثمون، والقصائد الطويلة خاصة الإخوانية، وكيفية بناء كل من الأنواع السابقة لدى الشاعر ود وزير، مقدمة بعض النماذج من أشعار ود وزير في الميدان.
فيما قدم الدكتور سالم بن سعيد العريمي ورقة عمل بعنوان "حضور البحر وتجلياته في شعر ولد وزیر" وقال إن البحر في أدب سعيد ود وزير يمثل موضوعاً أثيراً وثيمة أساسية في شعره، ولأنّ البحر كان ولا يزال عالماً متسعاً ومنطلقاً فسيحاً للترحال والسفر واكتشاف المجهول، فقد كان الشاعر مشاركاً هو وأقرانه في ركوب البحر مكتشفاً لعوالمه عابراً لآفاقه الفسيحة مجرباً كل قضية يمر بها من يسكن قرب البحر ويحتم عليه الواقع الحياتي أن يقضي معظم حياته عرض المحيط فيواجه أهواله ورياحه ويسبر أغواره البعيدة ويتنقل بين موانئه القصية، فإن ذلك العالم حتما سيتسرب إلى فكره ووعيه ويختلط بعواطفه ومشاعره وأحاسيسه ويمتزج بأدبه وشعره، مؤكدا الدكتور في ورقته بأنّ البحر يمثل مادة خصبة في ثقافة الشاعر وموضوعاته الشعرية المختلفة، وتتشظى في لغته مفردات البحر وثيماته المختلفة ودلالاتها الموحية، وإن الشاعر حين يكون بحاراً وقبطاناً في الوقت ذاته يأخذ منه البحر حياته وراحته وعاطفته، ولكنه يمنحه في المقابل نفساً شعرياً مؤثراً ومادة أدبية متسعة ولغة ثرية تمتزج بشعريته، حيث يرى القارئ بجلاء تلك العلاقة الوشيجة بين الشاعر والبحر وتمثلات ذلك على أدبه وفنه الشعري.
كما قدم طاهر بن خميس العميري ورقة عمل بعنوان "الإيقاع وجمالية الصورة الشعرية في شعر سعيد بن عبدالله ولد وزیر" مبيناً أن الصورة والإيقاع تشكلان موسيقى الشعر، وتتشكل دلالاتها وإيحاءاتها وتأخذ مداها الأبعد بما تحدثه من أثر جمالي من خلال جرس ألفاظها واستعاراتها ونهر مجازها الذي يشق طريقه محدثاً دهشة تنتج المعنى الذي يتوارى خلف أكماتها وأحراشها، وتشكل الصورة ثراء فنيا في القصيدة الشعرية وذلك بما تنتجه من معان دالة إلى جانب مهمتها الجمالية في العمل الإبداعي، وتذهب الصورة مع الخيال والعاطفة جنبا إلى جنب في قدرتها على إحداث الأثر النفسي وفي خلق الحالة الشعورية التي يتمثلها الشاعر لحظة الكتابة، كما تتبع العميري في ورقته جمالية الصورة الشعرية بمبانيها الأساسية: المجاز والاستعارة، والتشبيه، وجمالية الإيقاع المتمثل في الموسيقى المتولدة عن الوزن والقافية والموسيقى الخارجية، إلى جانب الموسيقى الداخلية الخفية التي يحدثها جرس الألفاظ في قدرتها على نقل الحالة الشعورية إلى جانب المحسنات البديعية التي تشترك في إثراء الموسيقى الداخلية للنص الشعري.
وقدم الشاعر عوض بن درويش العلوي، المهتم بالتراث والشعر الشعبي في ورقة العمل قراءة تحليلية في نصوص فن الرزحة في شعر سعيد ولد وزير بيّن من خلالها إبداعات الشاعر سعيد بن عبد الله ولد وزير الفارسي في شعر الرزحة خلال الفترة ما بين 1938 - 1990م، وأشهر محاوراته مع شعراء عصره وقصائد النصح والوعظ والإرشاد ونصوص المناسبات ومراسلاته ومحاوراته الفكاهية أو الدرامية التي رسمت الصورة الذهنية للشاعر ولغة الحوار التي تميز بها الشاعر، كما تناولت القراءة السمات والمظاهر الشعرية المتمثلة في التكرار في شعره وحسن الاستهلال والحداثة في القوافي والأوزان والطرافة والفكاهة والأسلوب القصصي ودقة الصورة وأثر البيئة.
وقدمت الباحثة هدى بنت خلفان الحراصية ورقة عمل تحت عنوان "الشخصيات المؤثرة في تاريخ الموسيقى التقليدية في سلطنة عمان" أشارت فيها إلى أن هناك شخصيات لها بصمة (تحليل) عام للشخصية من خلال المفردة الشعرية للشاعر ( ولد وزير ) والبعض من الشعراء والخصائص النفسية التي لمسها الباحث من التوظيف الشعري من خلال المساجلات بين الشعراء بحثاً في اللكنات وتفكراً في أبعاد تلك المحاورات، كالثقافة الدينية واتساع الاطلاع الثقافي عند شعرائها، ويُعد التراث الموسيقي العماني سجلاً زاخراً من الروايات والأحداث الاجتماعية اليومية، وذلك من خلال ما تضمنته أنماطه الموسيقية من قصص سردتها القصائد المغناة، أو من خلال العمق الفضائي لتلك الفنون في الأداء الحركي ومعاصرة تلك الأحداث والتفاعل معها، موصيةً في ورقتها إلى وجوبية جمع الأسماء التي أسهمت في حفظ الموروثات الشعبية في معجم واحد ليكون في متناول أيادي المهتمين والباحثين.
وقدم الباحث محمد بن خلفان بن محمد المشرفي ورقة عمل حول دور مركز عمان للموسيقى التقليدية في توثيق تجربة الشاعر ولد وزير، أشار فيها إلى أن مركز عُمان للموسيقى التقليدية يعد من أبرز المراكز المتخصصة في توثيق وحفظ التراث الموسيقي العماني المتنوع والغني، حيث يكرس جهوده للحفاظ على هذا التراث ومتابعته ميدانياً في مختلف أرجاء السلطنة، وقد تأسس المركز بمسماه الحالي عام 1984م، بعد عام من تنفيذ مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العمانية تحت مسمى"مركز الفنون الشعبية العمانية"، والذي أطلقته وزارة الإعلام بتوجيه من المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد - رحمه الله .. ومنذ ذلك الحين، يقوم المركز بمهمته المتمثلة في أرشفة وتوثيق الأنماط الموسيقية التقليدية المختلفة، ويضم أرشيف المركز اليوم مئات الوثائق السمعية والبصرية والصور الفوتوغرافية التي جمعت ميدانياً، وتشمل نماذج من الغناء التقليدي العُماني، كالأشعار والألحان والإيقاعات، وأسماء الممارسين والرواد، ومناسبات الأداء في مختلف ولايات السلطنة، ويتم تنفيذ هذا العمل عبر منهجيات علمية دقيقة تشمل التوثيق الصوتي والبصري، وإجراء المقابلات مع أصحاب الخبرات في الموسيقى التقليدية، ومن بين أبرز الرموز التي قام المركز بتوثيق تجربتها، يأتي سعيد بن عبد الله الفارسي المعروف بـ" ولد وزير ." حيث تم التعرف على تجربته الموسيقية والشعرية من خلال مقابلة تلفزيونية قدمها الأستاذ الدكتور يوسف شوقي مصطفى، أحد أبرز علماء الموسيقى العربية في القرن العشرين، وقد تضمنت المقابلة تفاصيل حول بداية "ولد وزير" في الفنون التقليدية العُمانية، وأبرز رواد عصره، إلى جانب دور مركز عُمان للموسيقى التقليدية في توثيق تجربة الشاعر "ولد وزير".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ورقة عمل ولد وزیر إلى جانب سعید بن من خلال فی شعر
إقرأ أيضاً:
"حد يخبر سهيل"
علي بن سالم كفيتان
في زاويتي الأسبوعية سأقتبس كلمات نشرها الشاعر الكبير سالم بن عويدة الدارودي (المسافر) على حسابه في منصة "إكس" مؤخرًا. الكلمات فيها من الدارجة الظفارية وتحمل الكثير من الصور الشعرية المُعبِّرة؛ فرغم أبياتها الثمانية إلّا أنها تحمل في طياتها معاني مُعلَّقة، حسب تقديري، وأنا لست بشاعر؛ بل مُتذوِّق للشعر، وخاصةً النبطي.
شاعرنا غني عن التعريف من حيث تاريخه الشعري بكل صنوفه واقتران كلماته المُغناة بأشهر الفنانين على المستوى المحلي والخليجي، ولا شك أنَّ بن عويدة له بصمته التي لا يُخطئها كل من تابع ذلك الهاجس الغامض والروح الحزينة والغموض السهل والرمزية القوية للكلمات، بحيث يجعل المتلقي سابحًا في عوالمه المختلفة؛ فكلٌ سيجد ضالته في فكر هذا الأديب والشاعر الكبير. لم ألتقِ بالرجل إلّا إذا كان بمحض الصدفة في مُناسبة عامة، لكننا نتابع بعضنا في العالم الافتراضي منذ سنوات. تأسرني أفكاره الغائرة، وتأخذني كلماته الملتصقة بالتراب، فكل ما يطرح بن عويدة هو من أديم الأرض التي يُحبها، وأحسُ أنها تُعبِّر عني واعتقد أن كثيرًا من مُتابعيه ينتابهم نفس الشعور.
تابعتُ بشغفٍ مقابلة يتيمة أجراها (المسافر)- كما يكني نفسه- مؤخرًا مع إحدى محطات التلفزة المحلية، تحسستُ من خلالها بعضًا من شخصيته الجميلة وروحه الطاهرة وسموه وترفعه في كل ما يكتب عن الزلل. فسألت نفسي: هل لا زلنا نمتلك هكذا قامات رفيعة؟ ولماذا باتت بعيدة عن الساحة؟ لم أجد إجابات مُقنعة لهذا التساؤل من خلال تلك المقابلة، ولا من خلال متابعتي للرجل، وربطت لا شعوريًا هذا الإبداع الشعري بشاعر كبير آخر هو علي بن عبد الله بن يوسف بن صواخرون أو كما يعرف في الوسط العام (علي الصومالي) عليه رحمة الله، وحقيقةً لا أعلم صلة القرابة بينهما، لكن كليهما أبدعا في سماء الأغنية العُمانية منذ البدايات وأنتجا نصوصًا لا يُمكن نسيانها؛ حيث شدت بها نخبة من الفنانين العُمانيين البارزين، منهم من رحل عن عالمنا أمثال سالم بن علي، ومنهم من لا يزال يحاول مجابهة تيار حداثة الأغنية، ومنهم من انزوى بعيدًا عن الساحة الفنية وانضم للمشاهدين.
عنوان المقال هو عنوان لتغريدة للشاعر بن عويدة على منصة "إكس"، وتحتها ثمانية أبيات من نسج بن عويدة، وجدتُ فيها روح الماضي بأصالة الكلمات التي أتت من الماضي، وكثيرًا من الحاضر الذي نعيشه اليوم. ويظل كما يقولون المعنى في جوف الشاعر؛ فسُهيل هو بطل القصيدة شبهه الشاعر بمن يسقي (يسني) المزرعة (الذبر) فخاطبه قائلًا:
ما دمت تسني هذا الذبر يا سهيل
لا تأمل الضامي وتخليه عطشان
خلي مجاري السيل ....... للسيل
ما حد يريد يبات خايف وهمران
نخشى الطواريش كلما خيم الليل
والغارف اللي حارسه دوم نعسان
يا فلان بُنَّك مُر.. يحتاج إلى هيل
ما ينشرب من قهوتك نص فنجان
وكانت سقاية المزارع في ظفار توكل في الماضي لرجل مقابل أجر، وغالبًا ما يُشرف على جر الماء إلى السطح من العمق، عبر إبل مربوطة تسير بحركة دؤوبة، لتجُر القرب من أعماق البئر، مُحمَّلة بالمياه، ليتم سكبها في الساقية التي تُغذي الذبر (البستان). وفي هذه القصيد يبدو أن سهيل مكلف بهذه المُهمة الصعبة والحساسة، وعليه أن يكون محافظًا على صحة الركاب التي تعمل مكان الآلة، وفي ذات الوقت يُشرف على ارتواء كل أطراف البستان، ولا يأمل الضامي- وهو الزرع وربما رمزية لشيء آخر- ويخليه عطشان. ومعلوم أن مجرى السيل لا أحد يبني فيه، ولا يبات، خوفًا من مُداهمة الطوفان. وبعدها يتوجس الشاعر من الطواريش كلما جَنَّ الليل، خاصة إذا كان حارس الغارف (المزرعة) "دوم نعسان"، كما تقول القصيدة. فقد ينهبون المحصول وهو نائم وتضيع الغلة التي ينتظرها أهل الغارف. وختم الشاعر قصيدته بعتبه على (فلان) كرمزية لمن ضيَّع المحصول مخاطبًا بقوله: "يا فلان بُنَّك مُر.. يحتاج إلى هيل.. ما ينشرب من قهوتك نص فنجان".
يظل هذا الأدب الراقي الخفي الظاهر إحدى أدوات التعبير عمَّا يدور في خلجات النفس، وغالبًا الشاعر يُعبِّر عن حالة جماعية. لهذا يبقى الشعر بأصالته؛ سواءً كان بالفصحى أو النبطي أو الحُر، مثارًا لاهتمام الناس، وفي كثير من الأحيان يُسقطونه على واقعهم المُعاش، حتى ولو كان الشاعر يرمي إلى شيء يدور في خلجات نفسه؛ بعيدًا عنهم، وعن حياتهم وهمومهم.
رابط مختصر