طهران- بعد ترقّب وانتظار طويلين وبلوغ العمليات العسكرية على بيروت وتل أبيب ذروتها قبيل الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي ولبنان، ترى الأوساط الإيرانية في دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ "هزيمة للجانب الإسرائيلي الذي فشل في إعادة المستوطنين إلى البلدات الواقعة شمال الأراضي المحتلة".

فعلاوة على رغبة الرئيس الأميركي جو بايدن وخلفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب في وضع حد للعمليات القتالية في جبهة جنوب لبنان، يرى مراقبون في إيران أن مساعي الدبلوماسية والميدان كانا قد وضعا تطورات جبهة جنوب لبنان على سكة خفض التصعيد تمهيدا لتطبيق النموذج لاحقا في قطاع غزة.

"إيلام العدو"

في غضون ذلك، يعلّق الباحث السياسي الإيراني مهدي عزيزي، على وقف إطلاق النار في لبنان بأنه تحقق بفضل معادلة الردع "حيفا مقابل الضاحية الجنوبية، وتل أبيب مقابل بيروت" التي تبناها حزب الله. موضحا أن بلاده سبق أن ربطت حدة عمليات "الوعد الصادق 3″ -التي تحضر لتنفيذها ردا على الهجوم الإسرائيلي الشهر الماضي- بقبول الجانب الإسرائيلي وقف إطلاق النار.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير عزيزي إلى أن تصعيد فصائل المقاومة جاء متناسبا وتقديراتها بشأن الجبهة الداخلية الإسرائيلية وضغطها على قادة الاحتلال الإسرائيلي، وكشف عن إرسال بلاده تصورا مكونا من عدة خطوات "بشأن إيلام العدو الإسرائيلي" انطلاقا من جنوب لبنان وإرغامه على القبول بالهدنة من دون السماح بتحقيقه أيا من أهدافه في الجبهة الشمالية.

ووفقا للمتحدث، فإن غرفة عمليات فصائل المقاومة كانت أقرت خطة محكمة وأبلغتها مؤخرا للجهات المعنية في جنوب لبنان للتصعيد الممنهج لشل كبرى المدن الإسرائيلية من جهة وزيادة أعداد النازحين من جهة أخرى ليكونوا عبئا مضافا على الحكومة الإسرائيلية.

وعما إذا كان قبول حزب الله بوقف إطلاق النار في لبنان من دون غزة تراجعا من المقاومة اللبنانية أمام الضربات الإسرائيلية، يقول الباحث الإيراني إن فتح جبهة جنوب لبنان جاء إسنادا لغزة و"حزب الله ضحى بأغلى ما يملكه من أجل هذا الهدف النبيل، والهدنة ليست سوى خطوة تكتيكية لإعادة تموضعه وتأهيل قوته البشرية والتسليحية".

إسرائيليون يستلقون أرضا بعد سماع صافرات الإنذار وأثناء دفن قتيل قضى خلال هجوم صاروخي من لبنان الأسبوع الماضي (أسوشيتد برس) القوة الضامنة

وتابع عزيزي، أن ما قبِل به حزب الله مؤخرا ليس جديدا بل عودة إلى القرار الأممي (1701) المتفق عليه إثر حرب تموز عام 2006، مستدركا أن "الكيان الإسرائيلي هو الذي خرق هذا القرار"، متوقعا تكرار خروقاته خلال الفترة المقبلة ما سيحتم على حزب الله اتخاذ "خطوات رادعة"، واستدرك أن الأخير لديه أوراق قوة قد "تَجرّع مرارتها" الجانب الإسرائيلي، وأنها ستكون ضامنا لصمود الهدنة هذه المرة.

وأضاف الباحث السياسي، أن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي قد حمّل كبير مستشاريه علي لاريجاني رسالة إلى الجهات المعنية في بيروت تؤكد وقوف الجمهورية الإسلامية إلى جانب المقاومة اللبنانية على شتى الصعد، وأن حق الموافقة على وقف إطلاق النار أو رفضها بيد قادة حزب الله فقط.

ورأى أن قدرات المقاومة اللبنانية ستختلف عما هي عليه في اليوم التالي من وقف إطلاق النار؛ ذلك أن أحد المسوغات للقبول بالهدنة إعادة تنظيم وتأهيل وتطوير قدرات الحزب، مؤكدا أن وتيرة التنظيم والتسليح والتدريب ستبدأ وفقا لمتطلبات المرحلة.

وبعد مرور نحو شهرين على إلغاء رحلاتها إلى بيروت، أعلنت الخطوط الجوية الإيرانية -قبيل دخول اتفاق وقت إطلاق النار حيز التنفيذ- استعدادها لاستئناف الرحلات الجوية إلى لبنان.

 

"هزيمة لإسرائيل"

ونقلت وكالة أنباء تسنيم المقرّبة من الحرس الثوري عن حسام قربان المتحدث الرسمي باسم شركة الطيران الوطنية (هما) قوله إنه في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، فإن أسطولنا الجوي مستعد لاستئناف رحلاته إلى بيروت والقيام بواجبه الوطني وفقا للقوانين الدولية وتنفيذا لتوجيهات الحكومة الإيرانية.

من جانبه، يقرأ الباحث السياسي جلال جراغي، قبول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي كان يتحدث عن تغيير خارطة الشرق الأوسط- بوقف إطلاق النار "من دون أن يتمكن من إعادة سكان شمالي الأراضي المحتلة إلى منازلهم" في سياق اعترافه الضمني بالهزيمة، وأن تهديداته ضد إيران ليست سوى هروب إلى الأمام.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح جراغي أنه لا يمكن إبعاد عناصر حزب الله إلى وراء نهر الليطاني ذلك "لأن سكان المناطق الجنوبية للنهر حتى حدود فلسطين المحتلة يشكلون حاضنة كبيرة جدا للمقاومة اللبنانية".

ورأى، أن الهدنة تفوّت على نتنياهو تسجيل إنجاز في عدوانه على لبنان، وتُفشل "محاولته الرامية إلى افتعال مؤامرة داخلية في هذا البلد متعدد الطوائف"، واعتبرها نجاحا للمقاومة؛ "إذ سدّت الطريق على تل أبيب في استدراج الحلقات الأخرى إلى حرب واسعة".

خبراء إيرانيون يتحدثون عن استعداد بلادهم لدعم إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في لبنان (الجزيرة) دعم المتضررين

ويرجّح الباحث الإيراني أن يكون قبول حزب الله بوقف إطلاق النار في لبنان من دون غزة نابعا عن تلقيه وعودا من الوسطاء الغربيين بالعمل على وقف القتال في القطاع في الخطوة المقبلة.

وتابع، أن سكان شمال إسرائيل "حتی وإن عادوا في اليوم التالي للهدنة إلى منازلهم فإنهم سيعيشون كابوس الهجوم المباغت على غرار عملية طوفان الأقصى، ناهيك عن أن أعدادا كبيرة منهم لن يعودوا إلى منازلهم".

ورأى جراغي أن بلاده تعمل على المستويين الرسمي والشعبي لإعادة إعمار المناطق المتضررة جراء العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان، موضحا أنه لا تغيير في الدعم الإيراني للمقاومة وأن تجربة إعمار جنوب لبنان ما بعد حرب يوليو/تموز 2006 ستتكرر بعد اليوم.

ولدى إشارته إلى أن طهران تعتبر حزب الله جزءا من أمنها القومي، خلص إلى أن الدعم الإيراني للمقاومة اللبنانية سيتناسب وعقيدة الجمهورية الإسلامية للأمن القومي، مؤكدا أن طهران "لم ولن تتخلى عن حلفائها".

"مجرم حرب"

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، فقد كتب مدير "المركز العربي للدراسات الإيرانية" محمد صالح صدقيان، على منصة إكس، أن "نتنياهو وافق على وقف إطلاق النار في لبنان في إطار تنفيذ القرار 1701 من دون أن يحقق أهدافه الإستراتيجية التي وعد بها".

وتابع، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قال إنه يريد التفرغ لمواجهة التهديدات الإيرانية "وهو يعلم جيدا أن الرد الإيراني لا يزال على الطاولة وينتظر الزمان المناسب، وأن أية حماقة منه تعني استعجال الرد، خصوصا أنه الآن مجرم حرب مطارد من قبل المجتمع الدولي".

أما أستاذ العلاقات الدولية مصطفى نجفي، فلا يستبعد استئناف الحرب في جبهة جنوب لبنان خلال الفترة المقبلة انطلاقا من إمكانية خرق وقف إطلاق النار، وتوقع أن يؤدي ذلك إلى تسريع تنفيذ إيران ردّها العسكري على إسرائيل، معتبرا أن مفاوضات الهدنة شكلت سببا رئيسا لتأجيل بلاده هذا الرد.

وفي سلسلة تغريدات على منصة إكس، خلص نجفي إلى أن وقف إطلاق النار في لبنان لا يعني بالضرورة خفض التوتر في المنطقة، وإنما قد يرفع التصعيد المباشر بين إيران وإسرائيل.

ورأى، أنه مع الهدنة في لبنان سيركز الجيش الإسرائيلي على جبهة غزة، كما أن وقف إطلاق النار في جبهة الشمال قد يعرّض نتنياهو إلى أزمة سياسية داخلية، لأن أطيافا مختلفة في إسرائيل تعتبرها "هزيمة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات وقف إطلاق النار فی لبنان جبهة جنوب لبنان حزب الله على وقف إلى أن من دون

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يكشف تفاصيل عن عملية تفجير أجهزة النداء البيجر في لبنان (شاهد)

كشف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن تفاصيل جديدة تتعلق بعملية تفجير أجهزة النداء "البيجر" وأجهزة الاتصال اللاسلكي "ووكي-توكي" التي استهدفت عناصر من "حزب الله" اللبناني في أيلول/سبتمبر الماضي.

وفي كلمة ألقاها خلال مؤتمر نظمته وكالة الأنباء الأمريكية-اليهودية "Jewish News Syndicate" (JNS)، قال نتنياهو: "قصفنا جهازًا لفحص المتفجرات كان من المقرر نقله من إيران إلى لبنان لاختبار أجهزة البيجر". 

#JNS_TV | LIVE from the JNS International Policy Summit

About last night: A historic address by our honorary keynote speaker, @IsraeliPM Benjamin @Netanyahu.

???????? Watch full address ⇢ https://t.co/m4zWw8GZKX
???? And don’t miss today’s live coverage — streaming NOW!… pic.twitter.com/3vWy6kMfx0 — Jewish News Syndicate (@JNS_org) April 28, 2025
وأضاف موضحًا: "تبين لنا أنهم كانوا يرسلون هذه الأجهزة لاختبارها في إيران. سألت حينها: كم من الوقت سيستغرقهم لاكتشاف أنها مفخخة؟ فأجابوني: يوم واحد فقط.. وعليه أمرت بالتحرك الفوري".


وخلال حديثه، سخر نتنياهو من وزير الحرب السابق يوآف غالانت ورئيس الأركان السابق هرتسي هليفي، مشيرًا إلى أنهما شعرا بالارتياح عندما ألمح إلى نيته إبلاغ الأمريكيين قبيل تنفيذ عملية اغتيال أمين عام "حزب الله" السابق حسن نصر الله، رغم أنه لم يكن ينوي ذلك.

يُذكر أن لبنان شهد يومي 17 و18 أيلول/سبتمبر 2024 سلسلة تفجيرات متزامنة استهدفت أجهزة بيجر وأجهزة اتصال لاسلكي في مناطق متفرقة، ما أدى إلى سقوط تسعة قتلى وإصابة نحو 2750 آخرين بجراح، بينهم أطفال ونساء، وفق ما أفاد به وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، الذي أشار أيضًا إلى أن أكثر من 200 من الجرحى كانوا في حالة حرجة.

وتسببت التفجيرات بحالة من الذعر بين السكان، خاصة مع استهدافها لمناطق مكتظة مثل الشوارع السكنية والأسواق وأثناء جنازة في الضاحية الجنوبية لبيروت. 

وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الأجهزة المستهدفة، التي كان يستخدمها مقاتلو "حزب الله"، وصلت كذلك إلى أيدي مدنيين، بما في ذلك عاملون صحيون وأفراد من منظمات غير ربحية، مما ضاعف حصيلة الضحايا.

وقد اعترف نتنياهو في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بمسؤولية حكومته عن العملية، فيما أعلن "حزب الله" إصابة مئات من مقاتليه ومدنيين آخرين نتيجة انفجار أجهزة البيجر، متهماً الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف خلف التفجيرات.


وامتدت الانفجارات إلى عدة مناطق لبنانية، من بينها الضاحية الجنوبية لبيروت، ومدن البقاع والنبطية والحوش وبنت جبيل وصور وطرابلس وبعلبك.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن أجهزة النداء التي انفجرت كانت ضمن شحنة جديدة وصلت لـ"حزب الله"، في حين أشار أحد مسؤولي الحزب إلى احتمال وجود برامج خبيثة تسببت بتسخين الأجهزة وانفجارها لاحقًا، مضيفًا أن بعض الأفراد شعروا بارتفاع حرارة الأجهزة وتخلصوا منها قبل أن تنفجر.

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يكشف تفاصيل عن عملية تفجير أجهزة النداء البيجر في لبنان (شاهد)
  • جنوب لبنان.. قصف إسرائيلي على بلدة عيترون
  • الأمين العام لحزب الله: جيش الاحتلال خرق اتفاق وقف إطلاق النار
  • نعيم قاسم: القصف الإسرائيلي هدفه الضغط والدولة مسؤولة عن متابعة وقف إطلاق النار
  • رئيس المخابرات المصرية يلتقي اليوم طاقم التفاوض الإسرائيلي لبحث التهدئة ووقف إطلاق النار بقطاع غزة
  • القوات: سلاح حزب الله دفع بلبنان إلى الهاوية
  • أبرز خروقات إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان
  • إسرائيل تواصل العربدة وتقصف جنوب لبنان.. والوسطاء يتحدثون عن "بعض التقدم" في مفاوضات غزة
  • لبنان على صفيح ساخن.. قتلى بانتهاكات إسرائيلية والحكومة تدين
  • مقتل شخص في غارة للكيان الإسرائيلي على جنوب لبنان