تتوالى دعوات مصرية من أصحاب توجهات سياسية مختلفة لعقد مصالحة مجتمعية بين رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، ومعارضيه، من تيار الإسلام السياسي، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين وباقي التيارات السياسية الأخرى.

وعقب إعلان النيابة العامة المصرية الأحد الماضي، رفع أسماء 716 مصري من قوائم الإرهاب بينهم أسماء لافتة من جماعة الإخوان المسلمين، ومعارضي السيسي بالخارج، ومن المعتقلين السابقين والحاليين، تزايدت الآمال في عقد مصالحة بعد أكثر من 11 عاما من الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي، على الرئيس الراحل محمد مرسي، وتسبب في قتل واعتقال ومطاردة وفرار وتهجير آلاف المصريين في الداخل وإلى الخارج.



وكشفت حيثيات قرار محكمة جنايات القاهرة رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرهاب بناء على طلب النيابة العامة، عن إجراء الأمن الوطني تحريات تكميلية بشأن 808 أشخاص آخرين، ما فتح الآمال في أن يتبع القرار الأول قرارات أخرى، بل يتعداه إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين.

"خروج عباس وجناح التهدئة"
ويرى البعض في القرار وبينهم السياسي المصري والبرلماني السابق الدكتور ثروت نافع، أن رفع أسماء 716 مصري من قوائم الإرهاب خطوة تشير إلى انتصار جبهة داخل النظام تؤمن بالتهدئة مع المعارضة وترفض استمرار التعامل الأمني.



ويشير مراقبون إلى أنه منذ إطاحة السيسي، برئيس مخابراته اللواء عباس كامل في 16 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهناك مؤشرات على احتمال حدوث تغييرات في المشهد المصري، وبينها القرار السابق ذكره الذي يأتي للمرة الأولى منذ العام 2013، والذي حرصت وسائل إعلام الدولة التأكيد على أنه بتوجيه من السيسي.

وهو ما سبقه إعلان المحامي الحقوقي خالد المصري، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سماح السلطات الأمنية لكثير من المعتقلين السياسيين من أصحاب الأحكام سواء خفيفة أو مشددة بالتوقيع على "استمارة إفراج شرطي".

وتلك الاستمارة تتيح الإفراج عن المحكوم عليه بعد قضاء نصف مدة عقوبته، فيما ضمت تلك التوقيعات السياسيين إلى جانب الجنائيين للمرة الأولى في عهد السيسي، وذلك وفي تطور لافت قرأه حقوقيون بأنه خطوة قد يتبعها انفراجة بالملف المعقد.

"آمال ومخاوف"
وعبر مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبالفضائيات المصرية المعارضة من الخارج عن آمالهم في عقد مصالحة تنهي ملف المعتقلين.

وراح البعض في طرح العديد من المؤشرات التي تقول بإمكانية تغيير وجهة النظام من القبضة الأمنية إلى المصالحة المجتمعية، مشيرين إلى أن أزمات البلاد الداخلية والخارجية والإقليمية وحاجته إلى استعادة الحاضنة الشعبية التي فقدها بسبب الغلاء والبطش الأمني، قد تجبر جميعها السيسي على هذا التوجه.

لكن هناك من أعرب عن مخاوفه من ألا يسمح داعمو السيسي في الخليج والغرب والكيان المحتل بمصالحة مجتمعية وإنهاء الخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين، بل ذهب آخرون إلى الدعوة لعدم الثقة في السيسي، ذاته.

"تجربة مبارك والإسلاميين"
وشهدت مصر مطلع عام 1992 وحتى عام 1997، وقوع أحداث دموية في مصر بين الجماعة الإسلامية وقوات الأمن المصرية، إثر تفجيرات واعتداءات على منشآت ومرافق حكومية وسياحية، ثم محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في إثيوبيا عام 1994.

وهي الأزمة التي انتهت مع مبادرة الجماعة لنبذ العنف في تموز/ يوليو 1997، وتسليم جناحها العسكري لأسلحته وحل نفسه، فيما قام عقلاء وقيادات المجتمع المدني ومن علماء مصريين في العام 2002، بدعوة النظام لعمل "مراجعات فكرية" لقيادات الجماعة في السجون وعقد مصالحة معها، والتي انتهت بخروج كثيرين من السجون، وانتصار نظام مبارك، ومد أجله في الحكم حتى 2011، وفق مراقبين.



وهو الموقف التاريخي الذي دعا البعض للتساؤل: هل يقلد السيسي مبارك؟، مضيفين: وأين دور علماء الدين وقيادات المجتمع المدني وعقلاء مصر في إنهاء الأزمة بين النظام الحالي وتيار الإسلام السياسي في عقد مصالحة مجتمعية ووقف العنف وإنهاء أزمة المعتقلين؟

"مفاوضات سرية"
وكانت قد خرجت تصريحات تشير لوجود مفاوضات بين النظام وبين جماعة الإخوان المسلمين عقب تطبيع العلاقات المصرية التركية منذ العام الماضي، ما دفع البعض لإعادة التساؤل حول ما وصلت إليه تلك المفاوضات أو المبادرات.

وفي 13 أيلول/ سبتمبر الماضي، قال رئيس القسم السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر الدكتور حلمي الجزار، لـ"بي بي سي"، إنهم يبحثون عن تسوية سياسية للوضع في مصر لا تقتصر فقط على جماعة الإخوان المسلمين والنظام المصري بل تشمل كافة الأطراف بالداخل والخارج.

"نفذ رصيد التفاؤل"
المحامي المصري الشهير منتصر الزيات، وفي حديثه لـ"عربي21"، أعرب عن أمنيته بأن "تكون هناك سياسات مختلفة يكشف عنها قرار رفع أسماء 716 من قوائم الإرهاب".

وأضاف: "دائما بطبيعتي أتفاءل، وأدعم مثل هذا التوجه؛ إلا أني أتريث وأنتظر وأرقب ما يتبع هذا القرار من إجراءات تكشف عن كونه تغيير حقيقي أم إجراء وقتي".

ومضى يؤكد أنه "ما عاد عندي رصيد مناسب من التفاؤل المفرط؛ إنما ننتظر لنرى".

وعن دور العقلاء والمجتمع المدني والقيادات الدينية والمدنية في حل الأزمة كما جرى مع الجماعة الإسلامية في عهد مبارك، قال الزيات: "جف المداد؛ فلم تعد هناك نخبة صالحة أو قادرة على نصح أو توجيه أو قول رأيا حرا".

"لن يصالح إلا بهذه الحالة"
وفي قراءته، قطع السياسي المصري والبرلماني السابق ممدوح إسماعيل، في الأمر بقوله إن "السيسي لن يتصالح مع الإسلاميين لأن وجوده مرتبط بوجود الإسلاميين بالسجون، ونفيهم من خارطة السياسة المصرية، وهذا ما يريده الغرب الداعم للسيسي".

وفي حديثه يرى المحامي المصري، أن "قرار رفع أسماء من قوائم الإرهاب أمر شكلي ومسرحي؛ فالقوائم مجرد تدابير ولا يشمل ذلك المشكلة الكبيرة، وهي المحبوسين احتياطيا والمحكوم عليهم من محاكم سياسية".

وأكد أنه "توجد قوائم أمنية تشمل مئات الآلاف من المصريين ممنوعين من السفر أو لهم ترقب وصول أو ممنوع تجديد جواز سفرهم وليسوا بقوائم الإرهاب".



ويرى أنه "لا يوجد جبهة داخل النظام تريد المصالحة، وكل ذلك دجل يتم تسريبه ويردده البعض دون عقل، فنظام السيسي جبهة واحدة هي السيسي، وأي صوت يخرج عما يريد يتم طرده خارج المنظومة".

ومضى يقول: "لا يوجد ما يفرض على النظام المصالحة مطلقا، والغرب يدعمه في ذلك، والواقع الإقليمي يجعله يشدد قبضته الأمنية؛ وكل من يقول غير ذلك واهم".

وختم مؤكدا أن "نظام السيسي، لن يتغير إلا بتغيير السيسي ذاته، أو قوع حرب إقليمية تدخلها مصر رغم أنفها، يتداعى فيها النظام وينكسر، ويحاول أن يبحث عن مخرج، وعندها فقط سيضطر إلى محاولة تخفيف الاحتقان الداخلي رغم أنفه".

"خطوة مثيرة تحتاج خطوات"
وفي قراءته لمؤشرات إمكانية تغيير وجهة النظام من القبضة الأمنية إلى المصالحة المجتمعية، قال الكاتب الصحفي والإعلامي قطب العربي، إن "الخطوة التي حدثت مثيرة بالفعل ولكن لا يمكن الركون إليها باعتبارها تمثل توجها جديدا للنظام، وتحتاج إلى أفعال أخرى تؤكدها".

وأضاف لـ"عربي21": "وحتى لا يظهر أنها حركة مؤقتة تستهدف رسالة للعالم قبل المراجعة الدورية لملف مصر الحقوقي بالأمم المتحدة، وربما رسالة لجهات أخرى، وحتى يتأكد هذا المسار يحتاج لخطوات وبالتالي نستطيع الحكم هل هذا مسار جديد أم مسألة شكلية".

وعن احتمالات وجود ما يجبر نظام السيسي على اتخاذ هذا التوجه من أزمات البلاد الداخلية والخارجية والإقليمية، أكد العربي، أن "النظام يمر بأزمات، ومصر نفسها تمر بأزمات مجتمعية واقتصادية وسياسية وانسداد سياسي؛ وكله يستدعي وجود وئام داخلي وسلم أهلي ومصالحة وطنية مجتمعية واسعة تعبر بالبلاد من النفق الضيق، والمصالحة الشاملة الحقيقية التي تعطي كل ذي حق حقه ستسهم في حلحلة الأمور والخروج من المآزق".

وبشأن سماح داعمو السيسي في الخليج والغرب بمصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، قال إن "هذا ما سنراه لاحقا، وواضح أن حذف 716 اسما من قوائم الإرهاب ربما رسالة أيضا لهؤلاء".

وحول احتمالات أن يستجيب السيسي للمصالحة لحاجته إلى استعادة الحاضنة الشعبية التي فقدها بسبب الغلاء والبطش الأمني، رد العربي: "لا ندري فهذا النظام لم يكن مهتما بقضية الحاضنة الشعبية ويكتفي بالحاضنة العسكرية وأجهزتها الأمنية، ولا يعبئ كثيرا بالحاضنة الشعبية ولا ندري هل غير وجهة نظره بعد 11 سنة حكمها".

"رسائل لا تعني مصالحة"
وفي تقديره، يرى القيادي بحزب "الحرية والعدالة" المصري الحاكم سابقا، محمد سودان، أن "رفع السيسي أسماء 716 مواطنا من قوائم الارهاب، رسالة سياسية يثبت منها أنه لا سيطرة للقانون ولا القضاء ولا النيابة، ووحده من بيده مقاليد الأمور والسيطرة على الحياة السياسية والأمنية، وربما رسالة أخرى للاتحاد الأوربي والغرب، يهرب بها من ضغوط انتهاك حقوق الإنسان".

وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت السياسي المصري، إلى أنه "من الأسماء التي رفعها الشيخ وجدي غنيم، والراحل الدكتور يوسف القرضاوي، وأبقي على لاعب الكرة المحبوب بشكل جنوني مصريا وعربيا، فهل في هذا منطق أو مفهوم سياسي وأمني؟، بالطبع لا".

وبشأن رضا داعمي السيسي، من دول الخليج أو عدم رضائهم عن مصالحة مع الإخوان، أكد أن "رفع الأسماء منهم من قضوا نحبهم، ومنهم في السجون وهاربون بالخارج، ولم يُسقط عنهم الاتهامات المفركة والقضايا الكيدية والأحكام القاهرة التي أمر القضاء المنبطح بأن يصدرها ضدهم، لن يضر أو يزعج داعميه لأن لهم مآرب أخرى".



وعن احتمالات تقليد السيسي مبارك وعقد مراجعات وإخلاء سبيل المعتقلين، يرى أن "سياسة مبارك ضد الجماعات التي أثارت شغبا ضد الأمن في مصر اعتراضا علي النظام إبان حكمه ثم تصالح مع بعضهم وبقي معظمهم بالسجون حتى بعد أن انتهت أحكامهم وبقوا في المعتقلات بلا سقف زمني لخروجهم؛ لولا أحداث 25 يناير 2011، ما خرج منهم أحد من السجون وهو حي".

ومضى يقول إن "سياسة السيسي تنم على خوفه الشديد من المعارضة بجميع أطيافها، لأنه جاء للسلطة على ظهر دبابة مدعوما من بعض دول الخليج، وأمريكا، والكيان المحتل، والدولة العميقة، ورجال أعمال فاسدين، والكنيسة، والمجلس العسكري، وبالتالي علا قدر قسوته وتعامله مع الشعب وسرقة ثروات البلاد واقتياد للهاوية".

وأكد أن "مخاوفه تزداد يوما بعد يوم من انفجار الشعب ضده من كثرة المظالم وضيق العيش وإذلال الناس وإجبارهم على ترك منازلهم وتهجيرهم قسريا لمصالح سياسية واقتصادية دون النظر لما يطال الشعب من أضرار".

وختم حديثه مؤكدا أن "مسألة التصريحات عن تطبيع علاقات النظام مع جماعة الإخوان المسلمين ما هي إلا شائعات يروجها إعلام نظام السيسي، لتهدئة منظمات حقوق الإنسان، وتقليل الضغط عليه؛ وهي عارية تماما عن الصحة وقد صدر من الجماعة عدة تصريحات رسمية بذلك".

"وطن ينتظر حكماء"
وقال الكاتب المصري سليم عزوز، في مقال بـ"عربي21"، إنه يمكن للسيسي استلهام تجربتي السادات ومبارك مع جماعة الإخوان المسلمين، و"يصل إلى اتفاق بعدم ممارسة السياسة تماما في عهده، والثمن هو الإفراج عن المعتقلين، وعدم مطاردتهم"، متوقعا أنهم "سيوافقون".

وألمح عزوز، إلى أنه "بالمصالحة يضمن السيسي حكما مستقرا من الناحية السياسية"، لكنه أكد أن هناك معوقات بينها أن "الإخوان بالذات ملف إماراتي"، فضلا عن وجود أصحاب مصالح يلتفون حول الحكم ويستفيدون من "التخويف من البعبع الإخواني".

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، كتب السياسي المصري والخبير في الصناعات البحرية الدكتور إبراهيم فهمي، تحت عنوان: "وطن ينتظر الحكماء"، إن "الوطن لن يبرأ من الأسقام ودموع عشرات الآلاف من الأسر مستمرة تشكو لربها ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، لذلك فمن الأخلاق أن تبادر جميع الأطراف سلطة ومولاة ومعارضة للوصول إلى حل يتبناه الحكماء حتى لا تمتد الجراح لسنوات أخرى قادمة".

وأضاف: "وبالتوازي مع ترسيخ أهمية التعجيل بحل يغلق ملف المظلومين ويعيدهم إلى أسرهم ووظائفهم ويعوضهم عما أخذ منهم، لابد من اعتراف السلطة بأن تدمير المسار الديمقراطي وتحطيم المؤسسية ودهس الحقوق والحريات أدى لتجفيف منابع السياسة".

ورأى أن "الحد المعقول من معالجة الأزمة يبدأ بخروج جميع المعتقلين، وعودة جميع الطيور المهاجرة، وتعويضهم وعودتهم لوظائفهم ورد اعتبارهم، وممارسة كافة حقوقهم القانونية والدستورية".

"رافضوا المصالحة"
وعلى الجانب الآخر، أكد متابعون وإعلاميون محسوبون على النظام المصري، رفضهم لأية مصالحة بين الدولة وجماعة الإخوان، وبينهم إبراهيم عيسى، وعمرو أديب، وأحمد موسى، ونشأت الديهي.

وقال إبراهيم عيسى، عبر فضائية "القاهرة والناس"، الثلاثاء: لا مصالحة مع الإخوان، فيما أعلن مؤسس حركة "تمرد" النائب الحالي بمجلس النواب محمود بدر، عبر موقع "إكس" رفضه أية مصالحة مع الجماعة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية مصرية السيسي الإخوان المعارضة المصالحة مصر السيسي الإخوان المعارضة المصالحة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع جماعة الإخوان المسلمین من قوائم الإرهاب السیاسی المصری نظام السیسی رفع أسماء 716 مصالحة مع فی مصر إلى أن أکد أن

إقرأ أيضاً:

ما سر استبعاد مئات الإخوان من قوائم الإرهابيين بمصر؟

هشام المياني
بي بي سي نيوز عربي، القاهرة

“أنا استبعد احتمال حدوث مصالحة بين السلطات في مصر وجماعة الإخوان المسلمين (المصنفة إرهابية)، لكن الأمر محمود ونثمنه في إطار فك درجة من درجات التعقيد بالمشهد الراهن”، هكذا وصف ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة المصرية للاستعلامات، القرار القضائي غير المسبوق باستبعاد مئات الأشخاص من قوائم الإرهابيين.

ومساء يوم الأحد، أصدرت النيابة العامة بمصر بيانا قالت فيه إن محكمة الجنايات، بناءً على طلب النيابة العامة، أصدرت قرارًا برفع أسماء 716 شخصًا من المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.

وأوضح البيان أن ذلك يأتي في إطار “توجه الدولة نحو مراجعة شاملة لموقف المدرجين على تلك القوائم، وأن الأمر حدث بعد ورود تحريات أمنية أسفرت عن توقف المذكورين عن القيام بأي أنشطة غير مشروعة ضد الدولة أو مؤسساتها، وأنها مستمرة في مراجعة موقف بقية المدرجين في القوائم لرفع أسماء من يثبت توقفه عن أنشطة ضد الدولة”.

جدل حول القرار

القضية التي شملها هذا القرار، معروفة باسم “تمويل جماعة الإخوان” وهي متداولة منذ ما يزيد على 10 سنوات ومدرج على قوائمها أكثر من 1500 شخص معظمهم من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان، وكانت السلطات لا تبدي أية تساهل فيها أو بوادر لحلها، ثم صدر قرار برفع نصف الأسماء تقريبا من قوائم الإرهابيين، بالإضافة إلى أن النيابة في بيانها أضافت أنها ستراجع موقف المتبقين في القوائم على ذمة تلك القضية.

اتفق كثيرون على أنها خطوة إيجابية، ولكن تباينت ردود الفعل حول القرار بين الترحيب والتشكيك في ظل تفسير البعض أنه قد يعني أن السلطات المصرية تمهد لمصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين.

وقد رحب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بـ”توجيهات الرئيس المصري، التي مهَّدت الطريق لاستبعاد مئات الأشخاص من قوائم الإرهاب، وإعطاء الفرصة لهم لبدء صفحة جديدة للعيش بصورة طبيعيَّة في وطنهم ولمِّ شمل أسرهم، وهي تمثل خطوة جيدة، ويجب على الجميع استثمارها، والبناء عليها”.

ضياء رشوان من جانبه قال لبي بي سي إن “القرار ليس سياسيا أو صادرا عن الرئيس أو رئيس الحكومة أو أي مسؤول في السلطة التنفيذية كي يتحدث البعض عن مصالحة بين السلطة وجماعة الإخوان، بل هو قرار قضائي”.

وبنبرة ساخرة تساءل ضياء: “أي جماعة تلك التي سيعترف أو يتصالح معها النظام؟ إذا كانت الجماعة نفسها لا تعترف بنفسها وتقسمت إلى عدة جماعات وكيانات؟”.

وشدد رشوان على أن هذا القرار يخص قضية قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابين أي أن استبعاد أي شخص من تلك القوائم يعني أنه بات غير محروم من حقوقه المتعلقة بحياته كشخص مصري كامل الأهلية للتعامل المالي والتعامل مع الجهات والمؤسسات وغيرها من الحقوق، ولكن هذا لا يعني إسقاط أية قضية جنائية أخرى أو جريمة يحاكم ذات الشخص عليها أمام القضاء إن وجدت.

توجه دولة أم إجراء طبيعي؟

وبحسب القوائم المتداولة ونشرها محامو بعض من تضمنهم قرار الاستبعاد من قوائم الإرهابيين، فإن من أبرز الأسماء التي شملها القرار، القيادي الإخواني الدولي يوسف ندا، والداعية المثير للجدل وجدي غنيم، والوزير الإخواني الأسبق يحيى حامد، بهاء الدين سعد الشاطر شقيق خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان، وجهاد عصام الحداد المتحدث باسم جماعة الإخوان.

أسماء المستبعدين تضمنت كذلك متوفين ومن أبرزهم الداعية يوسف القرضاوي، الذي كانت تتهمه السلطات المصرية بأنه الزعيم الروحي لجماعة الإخوان، والقياديين الإخوانيين السيد عسكر والسيد نزيلي ومسعود السبحي، وعبدالله نجل الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، ورجل الأعمال علي فهمي طلبة، مؤسس مجموعة راديو شاك التي تحفظت عليها السلطات بعد إدراجه على قوائم الإرهابيين.

ووفقا لقانون الكيانات الإرهابية الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2015، فإن كل من يتم إدراجه على قوائم الكيانات الإرهابية يتعرض لتجميد الأموال وحظر التصرف في الممتلكات الخاصة، والمنع من السفر وترقب الوصول، وحظر النشاط والتجميد بالنسبة للكيانات الاعتبارية وحظر التمويل داخليا وخارجيا.

كما يخضع الشخص المدرج على قوائم الكيانات الإرهابية لسحب جواز سفره أو إلغائه أو يُمْنَع من تجديده، سواء كان مقيما بالداخل أو الخارج، كما يفقد صفة “حسن السيرة والسلوك” اللازمة لتولي المناصب العامة والنيابية.

ويشمل هؤلاء الأشخاص من يتولون مناصب قيادية أو إدارية في الكيانات الإرهابية أو يساهمون في أنشطتها أو يقومون بتمويلها.

المحامي الحقوقي خالد علي، وكيل بعض من تضمنهم قرار الاستبعاد من قوائم الإرهاب، أوضح لبي بي سي أن “هذا القرار بالقطع له تأثير على أي قضايا جنائية يحاكم فيها الشخص الذي تم رفع اسمه من قوائم الإرهابيين”.

وشرح أن من تم رفع اسمه من قوائم الإرهابيين إذا كان يُحاكم على ذمة قضية جنائية فإنه يستطيع الاستناد لتحريات الأمن التي تحدثت عنها النيابة العامة والتي قالت إن نشاطه الإرهابي توقف، ويقدم هذا للمحكمة وهي التي تنظر إذا كان نشاطه الإرهابي توقف أم ترتب عليه جريمة لابد من محاكمته عليها، فالأمر في يد المحكمة بالكامل.

وأوضح خالد علي أنه بعيدا عن ما قالته النيابة العامة في بيانها فإن ما حدث أن تلك القضية المعروفة باسم تمويل جماعة الإخوان متداولة منذ عام 2014 حينما تم حصر أسماء 1529 شخص وتصنيفهم كإرهابيين وفي عام 2018 تم وضعهم على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين بقرار قضائي بناء على طلب النيابة العامة وذلك لمدة 5 سنوات انتهت في عام 2023 فقدمت النيابة العامة طلبا جديدا وافقت عليه المحكمة بإعادة إدراج نفس الأسماء، ولكننا تقدمنا بطعن أمام محكمة النقض والتي ألغت قرار الإدراج وأحالت القضية لدائرة محكمة جنايات جديدة للنظر فيها، وبناء على ما قدمناه من دلائل لعدم وجود نشاط إرهابي للموكلين جاءت تحريات الأمن مؤيدة لذلك وصدر القرار الأخير بالاستبعاد من قوائم الإرهابيين.

وشدد على أنه وفقا لكل ذلك فإن القرار يأتي في إطار التحرك الطبيعي للإجراءات الخاصة بالتقاضي، وكون هذا القرار القضائي يستند لتحريات أمنية أكدت توقف هؤلاء الأشخاص عن الأنشطة الإرهابية فإن من أجرى التحريات هو المسؤول عن ذلك وعما إذا كان ذلك تم بتوجيه من الدولة أم لا.

وقال المحامي الحقوقي: إن هذه مجرد خطوة إيجابية نتمنى أن تتبعها خطوات أخرى لإنهاء هذا الملف المنظور منذ 10 سنوات بغض النظر عن وجود مصالحة مع الإخوان من عدمه.

وعن الموقف القانوني للمستبعدين من قوائم الإرهابيين، قال خالد علي إنه بعد نشر القرار في الجريدة الرسمية فإن النائب العام سيخاطب الجهات المختلفة في مصر بمنطوق القرار والأسماء المتضمنة فيها للتعامل معهم كأشخاص يتمتعون بحقوقهم الطبيعية مثلما خاطبهم لحرمانهم من حقوقهم وقت صدور القرار.

وعن ملف التحفظ على الأموال قال خالد علي إن الموقف هنا مختلف حيث أن لجنة التحفظ على أموال الكيانات الإرهابية والإرهابيين لها مسار مختلف وقانون مختلف، وبالتالي فإن من شمله قرار الاستبعاد من قوائم الإرهابيين يمكنه التقدم بتظلم لتلك اللجنة لاسترداد أمواله واللجنة هي صاحبة القرار إما أن تنظر فيه وتحيله لمحكمة للبت فيه أو تتجاهل هذا التظلم تماما.

4 احتمالات

ومن واقع المتابعة فإن أغلب من شملهم قرار الاستبعاد من قوائم الإرهابيين لهم قضايا أخرى يحاكمون بموجبها وعلى رأسهم الداعية وجدي غنيم.

بالإضافة لذلك فإن قوائم الإرهابيين لا زالت تضم أسماء بارزة مثل لاعب منتخب مصر والنادي الأهلي السابق محمد أبو تريكة الذي يقيم في قطر منذ تصنيفه إرهابيا.

لكن وفق وسائل الإعلام المحلية فإن النيابة العامة كلفت الأمن الوطني بإجراء تحريات جديدة عن الأسماء التي لا تزال تضمها قائمة الكيانات الإرهابية والإرهابيين للنظر في أمرهم.

الدكتور عمار علي حسن، أستاذ العلوم السياسية، قال لبي بي سي إنه في ظل عدم وجود معلومات واضحة لا يمكن الحديث إلا عن تكهنات واحتمالات، فالاحتمال الأول أن تكون هناك مفاوضات سرية بين شق من تنظيم الإخوان والسلطة نضجت وأدت إلى هذا القرار.

وتابع أن الاحتمال الثاني أن تكون السلطات استجابة لنصائح دولية بضرورة تلطيف الأجواء بشأن الأوضاع السياسية وحقوق الإنسان، وقد حدث ذلك من آن لآخر مثل فتح حوار وطني أو لقاءات رئيس الوزراء بالكتاب والمفكرين أو الإفراج كل فترة عن سجناء سياسيين.

وعن الاحتمال الثالث قال عمار على حسن إن السلطة نفسها قد تكون ارتأت أنه من المهم إعطاء قدر من الحيوية للحياة السياسية في ظل التراجع الاقتصادي الكبير الحادث بالبلاد.

وأشار إلى أن هناك احتمال رابع لا يمكن تجاهله بأن يكون ذلك تم بناء على نصيحة من إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب والتي على وشك أن تتولى السلطة، وذلك كثمن لدور الإخوان في حشد المسلمين والعرب خلف ترامب بالانتخابات والتي رجحت كفته في ولايات حاسمة.

وختم بالقول إنها قد تكون خطوة حقيقية نحو شيء إيجابي وقد تكون لمجرد تمرير أزمة أو موقف، والأمر يتوقف على مدى تفاعل السلطة مع الأمر وما إذا كان سيتخذ خطوات أخرى أم لا، وكذلك يتوقف على تفاعل الإخوان أنفسهم، فإن اتخذوا القرار بإيجابية فقد يؤدي ذلك لقرارات أفضل، أما إذا تعاملوا باستخفاف على أنه مجرد قرار التفافي فلن يقود لشيء، فضلا عن أن وجود قضايا أخرى للكثير ممن شملهم القرار قد تفرغه من مضمونه .

الوسومالأخوان المسلمون عبد الفتاح السيسي مصر

مقالات مشابهة

  • ما سر استبعاد مئات الإخوان من قوائم الإرهابيين بمصر؟
  • الأزهر يرحِّب بتوجيهات الرئيس السيسي التي رفعت مئات الأشخاص من قوائم الإرهاب
  • أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي .. تفاصيل قرار السيسي بشأن الإخوان المسلمين
  • السيسي يزف بشرى سارة لـ”الإخوان المسلمين” بقرار مفاجئ
  • الأمن المصري يجري تحريات عن 808 متهمين بقضايا إرهابية من بينهم أبو تريكة
  • محمد رشوان: قرار رفع أكثر من 700 اسم من قوائم الإرهاب يمثل مصالحة مجتمعية كبرى
  • أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن الإخوان المسلمين
  • رفع 716 اسمًا من قوائم الإرهاب في مصر.. هل تصبح خطوة نحو مصالحة وطنية؟
  • المعارضة المصرية بين المبدئية والبراجماتية