موقع النيلين:
2025-03-04@10:36:48 GMT

شَرَّكْ مَقَسَّمْ فوق الدَّقَشَمْ

تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT

(الحربُ فی نهاياتِها) هكذا قال البرهان فی كلمته أمام الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر الأول لمواجهة التحديات الإقتصادية لما بعد الحرب، والذی نظمته وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي ببورتسودان، وقال الفريق أول عبد الفتاح البرهان:

(هناك الكثيرُ من التحديات والقليلُ من الفُرَص) وللحقيقة فإن السيِّد رئيس مجلس السيادة، القاٸد العام، لم يتطرق إلیٰ التَّحَدِّی الكبير الذی سيجد الشعب السودانی نفسَه فی مواجهته، وهو كيفية إعادة تلك الروح السودانية الفريدة فی تجاوز الخلافات، والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع.

حكیٰ الدكتور مصطفی الفقي رجل السياسة والدبلوماسية المصري فی أحد البرامج التلفزيونية، إنه إندهش عندما شاهد سفير السودان بمصر ومعه الملحق الإعلامي، فی ضيافة المشير جعفر نميری، عندما كان لاجٸاً فی مصر بعد الإنتفاضة، وكان مطلوباً لدیٰ الحكومة السودانية فی ذلك الوقت، وأنَّ الفقي حكیٰ للرٸيس مبارك عن تلك الواقعة، وأضاف إنَّ حكومة نميري كانت العدو الأول للحزب الشيوعي السوداني لكنَّ ذلك لم يمنع النميری من السماح لزميله فی مدرسة حنتوب الثانوية محمد إبراهيم نُقُد الأمين العام للحزب الشيوعي -المُطارَد أمنيَّاً- من المشاركة فی اليوبيل الذهبی لمدرسة حنتوب، والذي كان أكبر مَن شارك فيه (نميری ونُقُد) وقبل ختام الحفل همس أحد رجال الأمن فی أذن نُقُد بأن نميري سيغادر مكان الحفل بعد ربع ساعةوقال له:-(يَلَّا إتَّكِل علی الله.) وغادر نقد موقع الحفل بسلام، وعاد إلیٰ مخبٸه.

ويُردف د. الفقي بالقول (شوف كيف الشعب السوداني ده، في قِمَّة الرُقِي)

وعلی ذِكر المغفور له بإذن الله الأستاذ محمد إبراهيم نُقُد، نُثبت له إنَّه عندما عاد المغفور له بإذن الله الدكتور حسن عبد الله الترابي من كندا بعد حادثة الإعتداء عليه هناك، جاء نُقُد لزيارته متخفياً فقد كان مطلوباً من قِبَل الأمن، ووقف أمام منزل الترابي داخل عربة حتَّیٰ شاهد اللواء الركن طبيب الطيِّب إبراهيم محمد خير فقال له: (يا السيد الوزير، بَلِّغ دكتور حسن الترابي تحياتي وسلامي وقول ليهو نُقُد بيقول ليك، شَرَّكْ مَقَسَّم فوق الدَّقَشَم.) وعاد إلیٰ مخبٸه، قبل أن يُسَجِّل الفريق أمن صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات زيارة مفاجٸة له فی المنزل الذی كان يختبٸ فيه بعد حادثة الترابي تِلك بسنوات، ولم يأمُر بإعتقاله!!

ولن ننسى عناق فاطمة أحمد إبراهيم للمشير عمر البشير أمام حفل جماهيری بالقطينة، ولا واجب العزاء علی روح نُقُد الذی قدمه البشير عند وفاته رحِمه الله. كما لا يفوتنا نقل جثمان المرحوم الشريف حسين الهندی لكی يُقبر في قبة والده ببری، علی عهد نميری حيث كان الشريف حسين، من أخطر وأكبر وأشرس معارضی ثورة مايو، وكذلك السماح بنقل جثمان المرحومة فاطمة أحمد إبراهيم من لندن إلیٰ الخرطوم حيث وُورِیَ جثمانها ثریٰ أم درمان، فی عهد ثورة الإنقاذ ، رحم الله الجميع وغَفَر لهم، كل هذه الشواهد يبدو إعادة تطبيقها الآن ضرباً من الخيال، بل هی من المستحيلات تماماً، بعد كل الفظاٸع التی إرتكبتها المليشيا، التی دَمَّرت منظومة القيم والأخلاق، قبل أن تدمر المباني والمصانع، وقبل أن تحتل المنازل والمستشفيات، وقبل أن تنهب الأموال والسيارات، وقبل أن تغتصب الحراٸر ، وتُذِل الكبار من الشيوخ ، وتذبح الشباب ذبح الشياه، وتسمم المياه، وترسل المسيرات لقتل الآمنين، وتستخدم سلاح الجوع لتشريد المواطنين، وتفرض الأتاوات علی العابرين!!

هل بإمكان،خالد سِلِك،أو ياسر عرمان أن يُقَدِّما واجب العزاء فی من لقي ربه علی أيدی المليشيا المجرمة، في موطنهما الجزيرة (مثلاً)؟

هل بإمكان الشعب السوداني الكريم أن يقبل العفو أو الدِّية فی مَن قُتِل مظلوماً علی يد مليشيا آل دقلو؟، ولو كانت (الدٍّية بوزن الضحية ذَهَباً !!) أو بمليارات الدولارات !! لا أعتقد.

عودة الناس إلی ديارها ورتق ما انفتق من النسيج الإجتماعي، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، هو المطلوب والممكن، وسيكون ذلك ضمن توصيات المٶتمر الإقتصادی، وليس ذلك بمستحيل، فقد عادت ألمانيا واليابان إلیٰ الازدهار بعد الحرب، وعادت المدن الأندونيسية لسابق عهدها بعد التسونامی، وعادت دولة رواندا كأسرع الدول الأفريقية نُمواً بعد الحرب الأهلية الطاحنة، والأمثلة تجلّ عن الحصر، لكن ما حدث فی السودان مخالف لكل تلك النماذج !!

نسأل الله أن يشملنا بعفوه وعنايته وأن يُسبغ علينا نِعَمه ظاهرةً وباطنة.

وأن يُلْهِمنا الصواب، وأن يُعيننا حتّیٰ لا يُفلِتَ مجرمٌ من العقاب، وأن يُنعِم علينا بأن يُجنبنا شهوة الإنتقام، وأن يُعيد لنا الأمن والأمان والسلام،حَتَّیٰ نُعيد بناء الثقة والوئام بين مكونات هذا المجتمع النبيل، ولن نركن إلیٰ التَمَنِّی، لكن سنعمد إلیٰ الإقدام.

وما نيل المطالب بالتمنِّی، ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا.

وما استعصیٰ علی قومٍ منالٌ،إذا الإقدام كان لهم رِكابا.

النصرُ لجيشنا الباسل.

العِزة والمِنعة لشعبنا المقاتل.

الخِزی والعار لأعداٸنا، وللعملاء.

وما النصر إلَّا من عند الله.

والله أكبر ولا نامت أعين الجبناء.

محجوب فضل بدری

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ا براهیم الا من الله ا

إقرأ أيضاً:

دبلوماسية الردع عن بُعد

السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية تعتمد على أسلوب الردع المحتمل عن بُعد. الرئيس ترامب، بهذه الدبلوماسية الغامضة يريد أن تمارس إدارته سياسة خارجية، بأقل التكاليف الممكنة، مع أجزل عائد ممكن. نهج رأسمالي لإدارة سياسة خارجية للدولة الأعظم في العالم.

الرئيس ترامب يظن أنه لا يحتاج في تطبيق نهج مثل هذا على السياسة الخارجية لبلده، لا إلى القوة الصلبة، بكل إمكاناتها الردعية الهائلة، ولا أيضاً قوتها الناعمة متعددة الإمكانات اللينة.

بعبارة أخرى: لا يريد الرئيس ترامب في إدارة السياسة الخارجية لبلده لا أن يستخدم لا العصا ولا الجزرة. هو لا يريد أن يبعث بجنوده إلى الخارج، حتى ولو تلويحاً بالعصا، لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لبلده في الساحة الدولية، كما لا يرغب في إنفاق ولا حتى سنت واحد لدفع تكلفة تحقيق أهداف سياسته الخارجية، حتى ولو كان الأمر متعلقاً بفرض الهيمنة الكونية الحصرية لواشنطن، على النظام الدولي.
يبدو أن الرئيس ترامب عنده مفهوم مختلف لحالة الهيمنة الكونية، التي حكمت من خلالها واشنطن النظام الدولي، عقب الحرب الكونية الثانية، وحتى بداية فترة ولايته الثانية، منذ العشرين من يناير الماضي. من أهم شروط الهيمنة الكونية لأي قوة عالمية تنافس على هذه المكانة الرفيعة (دفع تكلفة التزاماتها، بقدر ما هو الأمر في توقع جني عوائدها). لا هيمنة كونية لأي قوة عظمى دون دفع تكلفتها.. ولا توقع التمتع بعوائد امتيازاتها، دون الالتزام بالقيام بمسؤولياتها الأممية.
كل الدول العظمى، التي نافست على مكانة الهيمنة الكونية، في عصور الأنظمة الدولية الحديثة المتتالية، منذ نهاية القرن الخامس عشر، الذي شهد موجة الاكتشافات الجغرافية غرب الأطلسي، من الإسبان والبرتغاليين والفرنسيين، وحتى البريطانيين، وصولاً إلى نظام الأمم المتحدة الحالي، كان تبوؤ هذه المكانة الدولية الرفيعة والحفاظ عليها، يعتمد أكثر على «الكرم»، لا «البخل»، في دفع تكلفتها.
الولايات المتحدة، رغم الدعوات الصاخبة للعودة للعزلة، بعد الحرب العالمية الثانية، وعت حقيقة خطأها الجسيم في عدم دفع تكلفة مكانة الهيمنة الكونية، التي وجدت نفسها فيها بعد الحرب العظمى (1914-1919)، الذي تَمَثل في عدم انضمامها لعصبة الأمم (1919-1939)، رغم أنها من وضع ميثاقها، في ما عرف بمبادئ ويلسون الأربعة عشر. وكانت أن نشبت الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، بعد عقدين فقط من عمر نظام عصبة الأمم، غير المستقر.
خطأ لم ترد واشنطن أن تكرره، بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بقيادتها، عندما تكفلت بإعمار أوروبا.. وكتبت ميثاق نظام الأمم المتحدة الحديث، ووضعت أسس ومؤسسات نظامه الاقتصادي، بموجب اتفاقية برتون وود (يوليو 1944)، التي اتخذت من الدولار عملة التبادل التجاري الوحيدة المقبولة في العالم، بعد أن كان الجنيه الإسترليني، الذي كان يعتمد على نظام الذهب، وحكم اقتصاد العالم لمائة عام (1815-1914)، بل وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، في ما عرف بالعهد البريطاني (Pax Brittanica).
نفس الخطأ (الاستراتيجي)، الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، بعد الحرب العظمى، يتكرر اليوم بعد ما يقرب من ثمانين سنة، من عهد نظام الأمم المتحدة الحالي. الولايات المتحدة، تريد اليوم أن تتحلل من التزاماتها تجاه حلفائها التقليديين في أوروبا، بل وتطالبهم بتكلفة حمايتهم تحت المظلة النووية الأمريكية، وبأثر رجعي، بما في ذلك المطالبة بتكاليف إعادة إعمار أوروبا، بعد الحرب، وبأثر رجعي أيضاً! بل حتى أنها تعمل على الانسحاب من عضوية الأمم المتحدة!
ليس هذا، فحسب؛ بل إن واشنطن تزمع التوسع شمالاً وشرقاً، على حساب حلفائها التقليديين، في أوروبا وجيرانها القاريين، في كندا والمكسيك وحِمَى حديقتها الخلفية، كما هو التهديد باستعادة قناة بنما... بل وتتطلع إلى ثروات حلفائها، في أوروبا، مثل ما هي عينها على ثروات أوكرانيا المعدنية، كثمن لوقف حرب روسيا عليها، دون أية التزامات أمنية لكييف.. بالإضافة: لدفع ثمن المساعدات العسكرية، التي قدمتها واشنطن لكييف، منذ نشوب الحرب، ولما لم تتضع الحرب أوزارها، بعد.
باختصار: واشنطن في ولاية الرئيس ترامب الحالية (الثانية)، تتبع سياسة خارجية تعتمد على عائدات استثماراتها الأمنية الممتدة، بحسابها (نقداً).. وإمكاناتها التكنولوجية المتقدمة، مع غناها الاقتصادي المتعدد، في فرض هيمنتها الكونية على العالم، بأدوات ردع تراها فعّالة، لا تعتمد بالضرورة على احتمال استخدام قوتها الصلبة ولا الناعمة، لفرض هيمنة كونية (منفردة) على العالم، دون تكلفة تذكر، لا دفاعية ولا اقتصادية، ولا حتى تكنولوجية. ردع يبدو لواشنطن فعّالاً، دون ما حاجة لأن تكون له مخالب وأنياب صلبة، ولا حتى قفازات مخملية ناعمة.
في عدم وجود قوة كونية حقيقية وفاعلة، على الساحة الدولية، تدخل مضمار المنافسة على مكانة الهيمنة الكونية الرفيعة، فإن الرئيس ترامب يبدو أنه سيواصل استراتيجية جديدة لمؤسسات النظام الدولي، كما هو منهجه في تغيير استراتيجية مؤسسات نظام بلاده الديمقراطي، وفي مقدمتها الدستور، بحجة تطهيرها من الفساد.

مقالات مشابهة

  • "سموتريتش" يشدد على ضرورة الدعم الأمريكي لمواصلة الحرب
  • دبلوماسية الردع عن بُعد
  • شاهد | غزة بين استكمال المرحلة الثانية أو العودة إلى الحرب
  • سياسي أنصار الله: إغلاق العدو الإسرائيلي معابر غزة تصعيد خطير
  • يا برهان ارجوك مشاهدة الحلقة الأولى من مسلسل دلالة المواسير لهذا العام
  • امراة في زمن الحرب تحسب كل “طلقة” عليها: تعليق على مقال عبد الله علي ابراهيم
  • الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (2)
  • بريطانيا وفرنسا تتجهان لإعداد خطة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية
  • خبير علاقات دولية: انقسام داخل التحالف الغربي حول دعم أوكرانيا
  • تشييع أكثر من 90 شخصا في بلدة حدودية لبنانية قضوا خلال الحرب بين حزب الله واسرائيل