لجريدة عمان:
2025-04-23@21:27:50 GMT

يروت.. ذاكرة لا تنطفئ رغم جحيم الحرب

تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT

يروت.. ذاكرة لا تنطفئ رغم جحيم الحرب

لا تخرج بيروت المدينة الحالمة من الوجع إلا لتعود إليه، تعود له من بوابة الحرب، أو من بوابة أزمات المصارف أو من بوابة انفجار المرفأ، كما لو أن أوجاع المدينة جزء أصيل من جغرافيتها ومن تاريخها. لكن هذه المدينة التي يسكنها التاريخ قادرة دوما على ترميم ذاكرتها مهما كانت مثخنة بالندوب، ومهما كانت ملطخة بالدماء فهي مدينة تستطيع الصبر على الوجع لكنها لا تقوى أن تكون في دائرة النسيان.

لكن بيروت لم تكن يوما مجرد مدينة في إطار جغرافي إنها قصيدةٌ شُيِّدت من الحلم والحطام. شوارعها، التي اعتادت أن تحتضن الحبّ وتروي حكايات العشاق، كانت تألف أيضا، جميع أنواع الدمار الذي لا تلبث أن تنفث فيه روح الحياة. ومقاهيها التي يحاصرها الحرب والنار ما زالت رغم كل ما يحدث قادرة على توليد الحكايات وفتح النقاشات حول السياسة والثقافة والفكر.. إنها تستمد روحها من عمق بيروت نفسها التي ترفض الخضوع، بل تلملم جراحها لتكتب قصيدتها الخاصة، قصيدة لا تخلو من الألم لكنها لا تُفتقد الأمل.

كيف يمكن لمدينةٍ أن تحمل هذا الكمّ من التناقضات؟ أن تكون ضحية الحرب ومهد الإبداع في الوقت ذاته؟ في أحلك لحظاتها، كانت بيروت تُمسك بالقلم بدلًا من السلاح، تُنشئ المطبعة بدلًا من المدفع. كل حجر في بيروت، كل زاويةٍ من زواياها، يحمل في طياته ذاكرة وطن. وكأن الأدب والشعر هما صرختها الأخيرة في وجه العدم، محاولتها العنيدة للقول: «أنا هنا. أنا موجودة. لن أختفي».

وبيروت، بقدر ما تبدو منهكة، تُدهشنا دومًا بإصرارها على أن تكون «مدينة الذاكرة»، التي لا تستسلم للنسيان. تُصرُّ على أن تحفظ في دفاترها السوداء حكايات كل من عبروا فيها وتركوا بصماتهم على جدرانها، كي لا تصبح الحكايات مجرّد رماد. بيروت تقاوم النسيان؛ لأنها تعلم أن فقدان الذاكرة يعني فقدان الهُوية، وفقدان الهوية تعني الموت.

في كل زاويةٍ من زواياها، يتردد صدى كلمات درويش وقصائد أدونيس وأغنيات فيروز. كأنّ بيروت، المقهورة تحت ركامها، تُذكّرنا بأن الإبداع هو السلاح الأجمل في وجه الحرب، وأن القصائد التي كُتبت على جدرانها ستبقى شاهدة على حقيقتها، لا على أكاذيب العدو.

اليوم، بيروت وكل لبنان تحتاج إلينا بقدر ما نحتاج إليها. تحتاج لمن يعيد قراءة قصائدها، من يُرمّم ذاكرة شوارعها بحروف جديدة، من يمنحها حقَّ أن تبقى مدينة الحلم، لا مدينة الكوابيس. علينا أن نؤمن بأن بيروت ليست مجرد مدينة، بل رمز للصمود كما هي غزة التي علمتنا معنى الكرامة والصمود ومعنى التضحية من أجل الوطن.

بيروت، ستبقى كما كانت دائمًا، مدينة لا تُهزم حتى تحت قصف الطائرات ودوي المدافع وخذلان العالم مرة أخرى.

وفي هذا العدد من ملحق جريدة «عمان» الثقافي نفتح مساحة واسعة لنقرأ بيروت من الداخل، بأقلام من يعيشون الآن تحت وقع الموت وقصفه لنسمع منهم حكايتهم عن بيروت وعن تفاصيلها الأثيرة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وثائق بنما.. حين تحولت الملاذات الضريبية الآمنة إلى جحيم

في ربيع عام 2016، أخذ الناس حول العالم في ليلة وضحاها يبحثون عن أسمائهم بين ملايين من الوثائق التي نشرتها صحيفة "تسود دويتشه تسايتونغ" الألمانية في تسريب هو الأكبر في العالم حول قضايا فساد يشتبه بالضلوع فيها مئات الأفراد في نحو 200 دولة، بما في ذلك رؤساء دول ومسؤولون ورجال أعمال ومشاهير.

وبينما كان الناس يعيشون حياتهم، أصبحت بنما أشهر من نار على علم، وأصبحت الوثائق التي نسبت إليها محل حديث الجميع حول العالم، فمن لم يتورط فيها كان يبحث عن أسماء قد يعرفها من مسؤولي حكومته أو رجال الأعمال في بلده أو حتى مشاهيره المفضلين، وكشف الستار حينها عن حقيقة أن التورط في الفساد لا يعرف مهنة ولا مكانة ولا ثروة، وأن التقصي عنه ومكافحته مسؤولية عالمية.

شركة المحاماة "موساك فونسيكا" كانت تتخذ من بنما مقرا لها (الفرنسية) كيف بدأت القصة؟

في عام 2015، اتصل شخص مجهول أطلق على نفسه اسم "جون دو" بصحيفة "تسود دويتشه تسايتونغ" وعرض عليهم تسريب أكثر من 2 تيرابايت من الملفات الحساسة التي يعود تاريخها إلى عام 1977 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2015، من دون أي مقابل.

وحصلت الصحيفة الألمانية على نحو 11 مليون وثيقة استقصتها بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين من شركة المحاماة "موساك فونسيكا" التي كانت تتخذ من بنما مقرا لها، وأطلقت عليها اسم "وثائق بنما".

إعلان

وكشفت الوثائق عن شبكة تضم نحو 200 ألف ملاذ ضريبي في أكثر من 200 دولة حول العالم، وضمت معلومات مالية لعدد من قادة الدول آنذاك، ومئات المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال والمشاهير حول العالم.

وبعد عام من البحث والتقصي وترتيب المعلومات، نشرت الوثائق في الثالث من أبريل/نيسان 2016، وكانت أولى نتائجها أن أعلن رئيس الوزراء الآيسلندي سيغموندور ديفد جونلوغسون استقالته من منصبه بعد ورود اسمه فيها، ثم في التاسع من مايو/أيار من العام نفسه كشف الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين عناوين الشركات الـ200 ألف الواردة في الوثائق.

ومن بين من وردت أسماؤهم في القائمة كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأعضاء من مجلس الدوما الروسي ومقربين من الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، من بينهم ابن خاله رامي مخلوف، وعلاء مبارك نجل الرئيس المصري المخلوع، ورئيس مجلس الدولة السوداني السابق أحمد الميرغني، ورئيس الوزراء الأردني السابق علي أبو الراغب، ورئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي، والرئيس الأرجنتيني السابق ماوريسيو ماكري وعائلة الرئيس الأذري إلهام علييف، والعديد من الرؤساء والمسؤولين الحكوميين حول العالم.

وجاء في القائمة من المشاهير لاعب كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي، ورئيس الفيفا جياني إنفانتينو، ونادي ريال سوسيداد ورؤساؤه، وبطل الشطرنج العالمي بوبي فيشر، والممثل جاكي شان، والممثلة إيما واتسون، والمحكم البريطاني في برامج المواهب سيمون كويل وآخرون.

رؤساء دول ومسؤولون حكوميون ومشاهير حول العالم وردت أسماؤهم في "وثائق بنما" (الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين) ماذا يعني ذلك؟

ورود اسمك في إحدى وثائق بنما حينها يعني أنك تضع أموالا في شركة "أوفشور" الوهمية، وهي شركات تسجل في دولة ذات نظام ضريبي "متسامح" يُتيح هوامش ربح أوسع للمستثمر ويسمح له بإخفاء هويته الحقيقية للتهرب من دفع الضرائب.

إعلان

ولا تُصنف شركات "أوفشور" في العادة غير قانونية، ولا يعد التعامل معها جريمة، وهي في الواقع عبارة عن شركات مسجلة في دول مختلفة عن مكان إقامة مالكها.

وتكمن الفضيحة في أن تكون شركة "أوفشور" التي وضع المتورطون أموالهم فيها شركات وهمية تقع في ملاذ ضريبي (Tax Haven).

وتكمن الحيلة في أن بعض الدول أو الجزر تقدم إعفاءات ضريبية لشركات "أوفشور"، ما يدفع البعض إلى تأسيس واحدة هناك ووضع أموالهم فيها للتهرب من دفع ضرائب قد يضطرون لدفعها لو وضعوا أموالهم في أحد البنوك، وهي إلى جانب كونها تفتح الباب للتهرب الضريبي، فإنها تصنف أيضا في خانة الاحتيال والتهرب من العقوبات الدولية.

كيف انتهت القضية؟

بالرغم من ورود العديد من الأسماء في الوثائق، فإن عددا قليلا فقط تعرض للملاحقة والمساءلة، لكن تبعاتها -وفق الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين- كانت نجاح عدد من الدول في استعادة مئات الملايين من الدولارات، بينما مرر الكونغرس الأميركي قانونا يعيد ضوابط مكافحة غسيل الأموال ويطالب ملاك الشركات الأميركية بالكشف عن هوياتهم لوزارة الخزانة.

وتعد أبرز تبعات "وثائق بنما" اضطرار شركة "موساك فونسيكا" لبيع الشركات التي تتبعها بأسعار زهيدة بلغت ألف دولار فقط، قبل أن تغلق أبوابها في مارس/آذار 2018 رغم تأكيدها على اتباع الأنظمة والقوانين المعمول بها في مكافحة التهرب الضريبي وغسيل الأموال حول العالم، لكنها اعتبرت أن الضرر الذي لحق بسمعتها "لا يمكن إصلاحه".

وفي أبريل/نيسان 2024، اختتمت المحكمة مرافعات رئيسي الشركة يورغن موساك ورامون فونسيكا، مع مطالبة الادعاء بسجن كل منهما 12 عاما، وهي المدة القصوى في قضايا غسيل الأموال، وأصدرت المحكمة في يوليو/تموز من العام ذاته حكما ببراءة موساك وفونسيكا من التهم الموجهة إليهما بعد وفاة فونسيكا في مايو/أيار من العام ذاته.

إعلان

وقد أقر فونسيكا في وقت سابق بصحة المعلومات الواردة في وثائق بنما لكنه نفى تورط الشركة في أي نشاط غير قانوني، مشيرا إلى أن الهجوم يستهدف بنما، "لأن بعض الدول لا تروق لها مقدرتها التنافسية العالية على جذب الشركات".

وبالفعل تسببت وثائق بنما في تراجع عدد الشركات المسجلة في البلاد، في حين اعتبر رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن الوثائق تعد "أكبر صفعة للشركات العابرة للحدود".

وفي عام 2017، اغتيلت الصحفية المالطية دافني كاروانا غاليزي التي قادت تحقيقات الفساد في "وثائق بنما" بانفجار سيارتها في العاصمة فاليتا، وذلك بعد أسبوع من إبلاغها الشرطة المحلية بتلقيها تهديدات بالقتل.

مقالات مشابهة

  • مباني الخرطوم الأثرية.. ذاكرة تُسرق ومعالم تذوب تحت نار الحرب
  • إسطنبول: المدينة التي حملت أكثر من 135 اسمًا عبر التاريخ
  • التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات
  • مناظرة العيدروس للوليد مادبو التي ارجات احمد طه الى مقاعد المشاهدين
  • وزير الاقتصاد والصناعة يصدر قراراً بتشكيل ثلاث إدارات عامة ضمن الوزارة بدل الوزارات التي كانت قائمة قبل الدمج
  • إذاعة الجيش الإسرائيلي: مقتل قيادي بارز مرتبط بحماس والجماعة الإسلامية في الغارة التي استهدفت سيارة قرب الدامور جنوبي بيروت
  • وثائق بنما.. حين تحولت الملاذات الضريبية الآمنة إلى جحيم
  • عودة الحياة إلى الخرطوم: من المدينة الرياضية بدأت الحرب… ومنها تعود الحياة
  • يجب منح الجهاز صلاحيات جديدة تتناسب مع حالة الحرب وتتلاءم مع طبيعة المهددات الأمنية التي تهدد السودان
  • بالفيديو.. ملامح الغدر كانت واضحة.. شاهد ماذا كان يدور داخل منزل قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو بالخرطوم قبل يوم واحد من الحرب