لجريدة عمان:
2024-12-28@19:20:45 GMT

يروت.. ذاكرة لا تنطفئ رغم جحيم الحرب

تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT

يروت.. ذاكرة لا تنطفئ رغم جحيم الحرب

لا تخرج بيروت المدينة الحالمة من الوجع إلا لتعود إليه، تعود له من بوابة الحرب، أو من بوابة أزمات المصارف أو من بوابة انفجار المرفأ، كما لو أن أوجاع المدينة جزء أصيل من جغرافيتها ومن تاريخها. لكن هذه المدينة التي يسكنها التاريخ قادرة دوما على ترميم ذاكرتها مهما كانت مثخنة بالندوب، ومهما كانت ملطخة بالدماء فهي مدينة تستطيع الصبر على الوجع لكنها لا تقوى أن تكون في دائرة النسيان.

لكن بيروت لم تكن يوما مجرد مدينة في إطار جغرافي إنها قصيدةٌ شُيِّدت من الحلم والحطام. شوارعها، التي اعتادت أن تحتضن الحبّ وتروي حكايات العشاق، كانت تألف أيضا، جميع أنواع الدمار الذي لا تلبث أن تنفث فيه روح الحياة. ومقاهيها التي يحاصرها الحرب والنار ما زالت رغم كل ما يحدث قادرة على توليد الحكايات وفتح النقاشات حول السياسة والثقافة والفكر.. إنها تستمد روحها من عمق بيروت نفسها التي ترفض الخضوع، بل تلملم جراحها لتكتب قصيدتها الخاصة، قصيدة لا تخلو من الألم لكنها لا تُفتقد الأمل.

كيف يمكن لمدينةٍ أن تحمل هذا الكمّ من التناقضات؟ أن تكون ضحية الحرب ومهد الإبداع في الوقت ذاته؟ في أحلك لحظاتها، كانت بيروت تُمسك بالقلم بدلًا من السلاح، تُنشئ المطبعة بدلًا من المدفع. كل حجر في بيروت، كل زاويةٍ من زواياها، يحمل في طياته ذاكرة وطن. وكأن الأدب والشعر هما صرختها الأخيرة في وجه العدم، محاولتها العنيدة للقول: «أنا هنا. أنا موجودة. لن أختفي».

وبيروت، بقدر ما تبدو منهكة، تُدهشنا دومًا بإصرارها على أن تكون «مدينة الذاكرة»، التي لا تستسلم للنسيان. تُصرُّ على أن تحفظ في دفاترها السوداء حكايات كل من عبروا فيها وتركوا بصماتهم على جدرانها، كي لا تصبح الحكايات مجرّد رماد. بيروت تقاوم النسيان؛ لأنها تعلم أن فقدان الذاكرة يعني فقدان الهُوية، وفقدان الهوية تعني الموت.

في كل زاويةٍ من زواياها، يتردد صدى كلمات درويش وقصائد أدونيس وأغنيات فيروز. كأنّ بيروت، المقهورة تحت ركامها، تُذكّرنا بأن الإبداع هو السلاح الأجمل في وجه الحرب، وأن القصائد التي كُتبت على جدرانها ستبقى شاهدة على حقيقتها، لا على أكاذيب العدو.

اليوم، بيروت وكل لبنان تحتاج إلينا بقدر ما نحتاج إليها. تحتاج لمن يعيد قراءة قصائدها، من يُرمّم ذاكرة شوارعها بحروف جديدة، من يمنحها حقَّ أن تبقى مدينة الحلم، لا مدينة الكوابيس. علينا أن نؤمن بأن بيروت ليست مجرد مدينة، بل رمز للصمود كما هي غزة التي علمتنا معنى الكرامة والصمود ومعنى التضحية من أجل الوطن.

بيروت، ستبقى كما كانت دائمًا، مدينة لا تُهزم حتى تحت قصف الطائرات ودوي المدافع وخذلان العالم مرة أخرى.

وفي هذا العدد من ملحق جريدة «عمان» الثقافي نفتح مساحة واسعة لنقرأ بيروت من الداخل، بأقلام من يعيشون الآن تحت وقع الموت وقصفه لنسمع منهم حكايتهم عن بيروت وعن تفاصيلها الأثيرة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بين جوعٍ وقصفٍ: نازحو زمزم يعيشون في جحيم لا يطاق

زمزم 27 ديسمبر 2024 - تغيّرت حياة السيدة فضة جابر 40 عاماً منذ زمن بعيد، مع اندلاع حرب دارفور الأولى في عام 2003 عندما نزحت للمرة الأولى إلى مخيم زمزم جنوب الفاشر لتفقد عقدين من عمرها وسط حياة بائسة، لكنها مع ذلك، لم تكن تظن أن النزوح والخوف والرعب سيعودون

منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة

اعداد وتحرير/ سودان تربيون

زمزم 27 ديسمبر 2024 - تغيّرت حياة السيدة فضة جابر 40 عاماً منذ زمن بعيد، مع اندلاع حرب دارفور الأولى في عام 2003 عندما نزحت للمرة الأولى إلى مخيم زمزم جنوب الفاشر لتفقد عقدين من عمرها وسط حياة بائسة.
لكنها مع ذلك، لم تكن تظن أن النزوح والخوف والرعب سيعودون ويطاردونها مرة أخرى، خاصة وأنها مثلها ومثل ملايين النازحين واللاجئين، كانوا قد اعتقدوا أن دورات الحروب قد ولت بلا رجعة حين تم توقيع اتفاق سلام بين الحكومة السودانية والفصائل المسلحة في أكتوبر 2020 في أعقاب سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
لكن سلام 2020 لم يدم طويلا.ً مع اندلاع حرب أبريل 2023 وحرب الفاشر بشكل خاص، وجدت فضة نفسها مرةً أخرى في مرمى النيران. تُجبرها هجمات الدعم السريع على مخيم زمزم إلى الفرار يومياً مع أطفالها ووالدها المسنّ إلى بلدة "شقرة" المجاورة، بحثاً عن الأمان الذي لا تجدُه في مخيمِها.
في مطلع ديسمبر الجاري، بدأت قوات الدعم السريع في مهاجمة معسكر زمزم الذي يبعد نحو 12 كيلو مترًا جنوب مدينة الفاشر، بأعداد كبيرة من القذائف المدفعية طويلة المدى التي سقطت على أكواخ النازحين مما أدى إلى مقتل نحو 57 نازح على الأقل بينهم نساء و15 طفلاً علاوة على كبار سن.
و رغم الإدانات الداخلية و الخارجية الواسعة لهجمات الدعم السريع على المعسكر، لم تكفّ قواتُها عن قصفِهِ يومياً، مُحوِّلةً حياةَ النازحين إلى جحيمٍ لا يُطاق، حيثُ تُلتهمُ النيرانُ منازلهم المبنية من القش و الحطب.


زاد القصفُ المدفعيُّ معاناةَ النازحين في زمزم، حيثُ ارتفعت معدلاتُ انعدام الغذاء بصورةٍ مُخيفة، مُفاقِمةً مأساةَ المجاعةِ التي أُعلِنَت في أغسطس الماضي. دفع هذا الهجومُ الآلافَ إلى الفرار بصورةٍ نهائيةٍ نحو مناطقَ أكثر أماناً في جبل مرة و شرق دارفور.
تقول فُضة جابر لـ"سودان تربيون" "نغادر، منزلنا يومياً في تمام الساعة الرابعة صباحاً مع أطفالي ووالدي نحو بلدة شقرة في رحلة مسير شاقة بالأرجل والدواب.. نقضي ساعات النهار هناك ونعود مع مغيب الشمس الى المنزل.. نفعل ذلك يوميًا خوفًا من المدافع التي يطلقها علينا الجنجويد "، في إشارة الى قوات الدعم السريع.
"الحياة في زمزم أصبحت اكثر صعوبة.. توقفنا عن العمل في السوق بعد قرار رجال الإدارة الأهلية بوقف العمل مؤقتًا حفاظًا على أرواح النازحين"، تضيف فضة.
وتشير فضة إلى أن الكثيرَ من النازحين باتوا يعتمدون في غذائهم اليومي على "البليلة"، وهي مجرد حبوب الذرة الرفيعة مغلية في الماء مع قليلٍ من الملح، و أحياناً السكر، تُقدَّمُ للأطفال و كبار السنّ كوجبةٍ رئيسيةٍ، علَّها تُسكتُ جوعَهم.

مخاوف من الإبادة

تُخيِّمُ على مخيم زمزم ظلالُ القلق و الخوف من مجزرةٍ جديدةٍ. يخشى النازحون أن تُكرِّرَ قواتُ الدعم السريع في زمزم ما ارتكبتهُ في الجنينة، حيثُ اتُّهِمَت بالتطهير العرقي و الإبادة الجماعية. و تُفاقمُ هذه المخاوفَ مزاعمُ الدعم السريع بأنَّ سكانَ المعسكر موالون للقوات المُقاتلة في الفاشر.
أكد عضوٌ في غرفة القيادة و السيطرة للقوة المشتركة لسودان تربيون وجودَ مخططٍ لدى قوات الدعم السريع لتفريغ معسكر زمزم من سكانه عبر القصف المدفعي، تمهيداً لاجتياحه و السيطرة عليه. و يأتي ذلك ضمن مساعي قوات الدعم السريع لإسقاط مدينة الفاشر، حيثُ يُمثِّلُ المعسكر المنفذَ الوحيدَ لإمدادات الغذاء القادمة من مناطق خزان جديد بولاية شرق دارفور و شرق جبل مرة، الخاضعة لسيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.
وكشف المصدرُ عن وجودِ حشودٍ ضخمةٍ لقوات الدعم السريع تتمركزُ حول قرى محلية دار السلام جنوب الفاشر، بالإضافة إلى بلدة أبو زريقة و شنقل طوباي، مما يُشيرُ إلى نيّتها التقدم نحو معسكر زمزم.
ونفى في الوقت نفسه، أي وجود عسكري للقوة المشتركة داخل أو حول معسكر زمزم، داعيًا المجتمع الدولي الى ضرورة التحرك الفوري لوقف الهجوم الوشيك على المخيم المكتظ بالنازحين خوفًا من ارتكاب قوات الدعم السريع ومليشيا القبائل العربية المتحالفة معها جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية للسكان لا سيما عرقية الزغاوة ذات الأغلبية السُكانية داخل المعسكر.

لا وجود لمظاهر عسكرية

وبرّرت قواتُ الدعم السريع استهدافَ معسكر زمزم بأنَّ القوة المشتركة انسحبت إلى داخله و اتخذت من النازحين دروعاً بشرية. لكن عضو اللجنة العليا للمعسكر، العمدة هارون نمر، نفى هذه المزاعم لسودان تربيون، قائلاً إنَّ "سكان زمزم هم نازحون عُزَّل لا ينتمون لأي تنظيمات عسكرية أو سياسية، و لا توجد في المعسكر أيُّ قيادات أو قوات عسكرية". و تساءل نمر: "لماذا يتم استهدافُنا؟".
و نوه نمر إلى أنَّ الهجوم الذي وقع في مطلع ديسمبر و استمر لثلاثة أيام أدى إلى فرار الآلاف من مراكز الإيواء. و قال: "يعيشون الآن في أوضاعٍ مأساوية، حيثُ يفتك بهم الجوع و المرض بسبب انعدام الغذاء و الدواء، و يموت الأطفال بصورةٍ يومية بعد أن عجز ذووهم عن توفير الغذاء لهم" .

تطهير عرقي

وصف المتحدث باسم نازحي معسكر زمزم، محمد خميس دودة، لسودان تربيون قصف الدعم السريع للمعسكر بـ "الفعل الجبان و الغادر"، حيثُ استهدف منطقةً مأهولةً بالسكان تضمُّ أكثر من مليون و نصف المليون نازح يُعانون من الجوع و المرض في ظلِّ غياب المساعدات الإنسانية و الحصار المُمتدّ لأشهر. و كشف دودة عن إطلاق قوات الدعم السريع نحو 37 قذيفةً مدفعيةً سقطت في الأسواق و مراكز الإيواء و المستشفيات.
ورأى بأن الهجوم على زمزم هو هجوم على أساس عرقي يرمي إلى إبادة مجتمعات سُكانية مُعينة كما جرى في أبوزريقة ومناطق أخرى واقعة شمال محلية كتم عندما هجّرت قوات الدعم السريع آلاف السكان بعد حرق قراهم ونهب ممتلكاتهم، في اشارة منه إلى هجمات تمت ضد القرى التي يسكنها الزغاوة.
ويضيف دودة في حديثه "زمزم يمثل كياننا الرسمي وأهلنا النازحين المغلوب على أمرهم.. لا للقصف العشوائي الذي يستهدف الاطفال وكبار السن والمعاقين الذين يعيشون في اكواخ غير قادرة علئ الصمود امام المدافع حيث تحطمت المنازل على رؤوس ساكنيها وهناك اطفال ماتوا حرقاً".
كما اتهم خميس أجساماً سياسيةً - لم يُسمِّها - بمنح قوات الدعم السريع الشرعية لاستهداف معسكر زمزم و التبرير لها بأنَّ هناك مظاهر عسكرية داخل المعسكر. و تابع قائلاً: "نحن لا نعرف فلول أو كيزان، بل نحن نازحون عُزَّل أتينا إلى هنا بسبب الحرب. قيادة الجيش هناك في الفاشر و ليس داخل معسكر زمزم".
وكشف عن توقف كامل الأسواق ومطاحن الغلال ومحطات المياه والمستشفيات بسبب التدوين الذي طالهم بصورة مُباشرة، وتحدث عن فرار الأطباء من المركز الصحي الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود بعد أن سقطت قذيفة بالقرب من المركز الصحي.
ولفت الى أنهم يكابدون من أجل توفير العلاج للجرحى والمرضى، مضيفًا "الجرحى يتم نقلهم لمدينة الفاشر وهي منطقة ساخنة للاسف بعضهم توفي لغياب الرعاية الصحية .. علينا أن نرفع صوتنا عالياً ونقول لا لإستباحة زمزم ولا لإرتكاب المجازر".

الجوع والبرد يفتكان بالنازحين

وفي مركز "بلولة" بمعسكر زمزم وهو مركز إيواء مؤقت يستضيف الفارين من مدينة الفاشر تزداد الحاجة لمواد الإيواء والغذاء حيث يشكو النازحين من الجوع الشديد لغياب المساعدات الإنسانية.
تقول النازحة سيدة لسودان تربيون، و بصوتٍ يخنقهُ الحزن: "نزحنا من مدينة الفاشر، و نقيم الآن في مركز بلولة. منذ أن وصلنا إلى هنا، و نحن نعيشُ في عذابٍ لا ينتهي. لا نملكُ قوتَ يومنا، و البردُ و الجوعُ ينهشان أجسادَنا. لدينا أطفالٌ معاقون و كبارُ سنٍّ يُعانون أشدَّ المعاناة. نحنُ في أمسِّ الحاجة إلى البطانيات و الطعام".
وتحدثت عن فرار أغلب سُكان المركز، بعد أن سقطت نحو أربع قذائق بالقرب منه، فيما تبقى عدد قليل من الأسر لعدم قدرتهم على النزوح مجدداً لإنعدام الأموال، وتناشد المتحدثة المجتمع الدولي بالإسراع لإنقاذ الجوعى بتوفير الغذاء والدواء لهم.



ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#SilenceKills #الصمت_يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع_في_السودان_لا_يحتمل_التأجيل #StandWithSudan #ساندوا_السودان #SudanMediaForum

   

مقالات مشابهة

  • عائلات الأسرى الصهاينة: “نتنياهو” ينسف صفقة التبادل من خلال الشروط التي يضعها
  • ذاكرة الكتابة | "مصر تحت الحكم الروماني".. جديد قصور الثقافة
  • فضل الله برمة لـ «التغيير»: الحكومة المدنية تسعى لوقف الحرب ولا شرعية لحكومة بورتسودان التي ترفع شعارات التقسيم وتقتل الناس على أساس الهوية
  • بين جوعٍ وقصفٍ: نازحو زمزم يعيشون في جحيم لا يطاق
  • أعمال هاني حوراني.. ملامح الإنسان التي تتقاطع مع ملامح المدينة
  • عاجل. جهاز الأمن الروسي: قضينا على خلية إرهابية لتنظيم "داعش" كانت تعد لمهاجمة مركز شرطة في موسكو
  • القناة 12 العبرية: القنبلة التي استهدفت هنية كانت في وسادته
  • رئيس مدينة سيوة يسدل الستار علي دوري المدارس بمركز شباب المدينة
  • ذاكرة الدهون... لماذا يصعب الحفاظ على الوزن بعد فقدانه؟
  • رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!