صعود دونالد ترمب كان إيذاناً بتاريخ سياسي جديد للدولة، حتى بعد أن خرج من البيت الأبيض عام 2021، لأن «الترمبية» بقيت راسخة في المجتمع الأميركي. لم تكن هزيمة ترمب السابقة حسماً لقضية، وإنما معالجة وقتية لقضايا مركبة يصعب تجاوزها. لم يعد النظام السياسي الأميركي قائماً على حزبين سياسيين يفترقان في مسائل اجتماعية واقتصادية، ولكنهما يجتمعان في توافق حول الهوية، والرسالة الأميركية في العالم وفي التاريخ.
العديد من منتقدي ترمب المحافظين بعد هزيمته، وفي أعقاب تمرد 6 يناير (كانون الثاني) 2021، كانوا يأملون في عودة الحزب إلى شكله السابق؛ وتكون رئاسة ترمب جملة عابرة. الحزب الجمهوري ينأى عن ترمب و«الترمبية»، ويصبح حزباً بينه وبين الديمقراطيين مساحات من التوافق غير قليلة. هذا الحلم سرعان ما انتهى؛ وكانت رئاسة ترمب أول فصل في دراما سياسية أطول وأكثر سواداً، وأصبح الحزب الجمهوري أكثر تطرفاً. استمرت شعبية ترمب بين الجمهوريين، وشنّ الموالون له هجمات شرسة ضد المشرعين الجمهوريين الذين صوّتوا لمحاكمته لدوره في التمرد.
أظهرت وسائل الإعلام اليمينية تعصباً متزايداً، وأظهرت استطلاعات الرأي العام أن ناخبي الحزب الجمهوري يتبّنون كذبة ترمب بأن الانتخابات سُرقت منه.لم تكن إقامة دونالد ترمب في البيت الأبيض لأربع سنوات ضائعة بالنسبة لحزمة من التيارات السياسية الأميركية، والتي كانت موجودة على هامش الحياة السياسية الأميركية ومعه أصبحت في قلبها. خارجياً، فإنه خلال سنواته الأربع كان حريصاً على تأكيد أن الولايات المتحدة عليها التراجع عن التورط في العالم، وأن تكون حريصة على نفسها من حلفائها الذين يستغلون «كرمها» ويطالبونها بحمايتهم بينما يبخلون في الإنفاق على الدفاع والقوة العسكرية. ترمب لم يكن حريصاً على فكرة «القيادة» الأميركية للعالم، خاصة من الناحية القيمية للديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان، التي رآها تعمي عيون أميركا عن أخطار الاختلاط بالعالم غير المتقدم، والمعادي بالضرورة للدولة الأميركية.
جاء ترمب في وقت تبلور فيه تيار «ضد العولمة» ورموزه من أول هجرة البشر إلى حركة التجارة إلى المؤسسات التي عبرت عنها. بشكل ما لم يعد ممكناً تلاقي الأفكار اليمينية المعروفة حول دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع مع أفكار العولمة. وعلى العكس فإن توجهات «اليمين» أصبحت تميل نحو الانعزال، والتقوقع داخل شرنقة الدولة القومية، مع درجة كبيرة من التوجس في الدول، بما فيها تلك التي اجتمعت داخل تحالفات عابرة للحدود الوطنية. لم يمضِ وقت حتى بدأت هذه الاتجاهات الجديدة تأخذ أشكالاً عملية، ظهرت في الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، فيما عرف بـ«البريكسيت» (Brexist)، وجاء انتخاب ترمب لكي يُشكل ما هو أكثر من انتخاب رئيس جديد تحت راية اليمين، وإنما ظاهرة متكاملة يمكن نعتها بـ«الأمريكسيت» (Amerexit).
الرئيس الخامس والأربعون دونالد ترمب، وخلال فترة رئاسته، وضع الأسس لما بات يُسمى بـ«الترمبية»، التي تقوم على آيديولوجية القوميين البيض المختلطة بأفكار الكنائس الإنجيلية، وكثيراً ما تستخدم شعاراتها ورموزها للتمييز ليس فقط بين البيض والسود، أو البيض والآسيويين واللاتينيين، وإنما أيضاً بين الطوائف المسيحية. وربما كان يوم السادس من يناير 2021 مفصحاً عن العناصر النقية لـ«الترمبية» بوصفها حركة سياسية، تشمل أكثر مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترمب حماسة وعنفاً، بما في ذلك مجموعات مثل «Proud Boys» و«Keepers QAnon» و«3 Percenters» و«America Firsters»، يغطون أنفسهم بلغة الكتاب المقدس. قال المراقبون إن الصلبان والأعلام وغيرهما من المعروضات كانت الأمثلة على كيفية استشهاد الإرهابيين البيض عبر التاريخ، بما في ذلك «الكو كلوكس كلان» (KKK)، والاستعانة بالمسيحية لتبرير حقهم الإلهي في السيطرة على الأجناس والمجموعات العرقية!خلال المرحلة التمهيدية لانتخابات 2024، نجد ظواهر، أولاها أن جميع المرشحين الجمهوريين عاجزون عن تخطي نسبة التأييد التي يحصل عليها ترمب بين الجمهوريين.
وثانيها أنه لا يوجد أثر لتوجيه 87 اتهاماً للرئيس ترمب تتراوح ما بين الأخلاقي، والقانوني، والدستوري المتعلق بدوره في الضغط على الولايات من أجل تغيير نتيجة الانتخابات (ولاية جورجيا)، والإهمال الوظيفي باحتجاز الوثائق الرئاسية في «مارا لاجا» بولاية فلوريدا، وليس تسليمها للسلطات المختصة.
وثالثها أن تأكيد ترمب أن الانتخابات السابقة جرى تزييف نتائجها، ولم تتغير تبعية تكتل سكاني كبير وراء ذلك. ورابعها أن سلوكيات ترمب عند الخروج من السلطة، فضلاً عن مساندة حادث الاعتداء على الكونغرس، فإنه خرج تماماً على جميع التقاليد المعروفة في حالة انتقال السلطة الأميركية، من أول تسليم البيت الأبيض إلى حضور قسم الرئيس الجديد.
(الشرق الأوسط اللندنية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه امريكا ترامب انعزالية مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دونالد ترمب
إقرأ أيضاً:
سعر الغاز يهبط بسرعة في أوروبا مع ضغط أميركا لإنهاء حرب أوكرانيا
تواصل أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا تراجعها الحاد مسجلة أدنى مستوى منذ أواخر سبتمبر الماضي، وذلك وسط ضغوط أميركية للتوصل إلى وقف إطلاق نار سريع بالتزامن مع صفقة معادن أوكرانيا.
هبطت العقود الآجلة القياسية بنحو 4.8% يوم الجمعة، متجهة نحو رابع انخفاض أسبوعي على التوالي، وهو الأكبر منذ 2023.
تراجعت الأسعار بأكثر من 35% منذ ذروتها هذا العام في منتصف فبراير، بعدما قلص الرئيس دونالد ترمب دعم أميركا لأمن أوكرانيا، ودفع باتجاه إنهاء سريع للحرب. وأثار ذلك تكهنات حول احتمال عودة تدفقات الغاز الروسي إلى القارة التي تعاني من ارتفاع تكاليف الطاقة.
أفادت "بلومبرغ" يوم الخميس بأن المسؤولين الأوروبيين أُبلغوا بأن ترمب يريد ربط الصفقة المقترحة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بشأن المعادن بمطالب تدعو كييف إلى الالتزام بوقف إطلاق نار سريع مع روسيا.
ومن المحتمل حدوث تحرك سريع بشأن الصفقة الأسبوع المقبل، عندما يلتقي مسؤولون أوكرانيون وأميركيون في السعودية، رغم أن الموقف الأميركي قد يتغير؛ نظراً لأن ترمب كثيراً ما يبدل قراراته.
اعتماد أوروبا على الغاز الروسي
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان غاز الأنابيب الروسي سيعود إلى الأسواق الأوروبية، خاصة بعد أن بذل الاتحاد الأوروبي جهوداً حثيثة لتنويع مصادر إمداداته. مع ذلك، لا تزال أوروبا تستورد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال من روسيا، ويبدو أنها أقل ميلاً للتخلي عنه حالياً، حيث تركز على أولوياتها الدفاعية.
في غضون ذلك، تتجه توقعات الطقس في أوروبا إلى الاعتدال، مما يقلل الطلب على وقود التدفئة قبل ثلاثة أسابيع فقط من بدء موسم تخزين الصيف. كما أن الطلب في آسيا لا يزال ضعيفاً.
كما ساهم إغلاق المضاربين لمراكزهم الشرائية على الغاز الأوروبي في موجة البيع الأخيرة، في حين ارتفعت التقلبات. قال نيك كامبل، المدير الإداري في "إنسبايرد" (Inspired Plc): "المستويات المرتفعة من التداول المعتمد على الخوارزميات، والتحولات السياسية السريعة لا توفر بيئة مستقرة لسوق هادئة ومنظمة".
وتراجعت العقود المستقبلية المتداولة في هولندا لأقرب شهر، وهي المؤشر القياسي لسوق الغاز في أوروبا، بنسبة 2.2% إلى 37.4 يورو لكل ميغاواط في الساعة عند 9:22 صباحاً في أمستردام.