الوجه الآخر لشبكة ستارلينك الفضائية:من سد الفجوة الرقمية إلى تعزيز الهيمنة العسكرية للعدو الأمريكي
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
انطلق مشروع ستارلينك عام 2015م كفكرة طموحة من إيلون ماسك، تهدف إلى توفير الإنترنت عالي السرعة لجميع سكان الأرض، باستخدام شبكة هائلة من الأقمار الصناعية في المدار المنخفض. وقد تم الترويج للمشروع باعتباره حلًا مبتكرًا يهدف إلى سد الفجوة الرقمية عالميًا، وشملت ميزات المشروع خفض التكاليف، وزيادة السرعة، وتقديم تغطية عالمية غير مسبوقة.
رغم الطابع المدني الذي طُرح به المشروع، إلا أن ستارلينك شهد تحولًا تدريجيًا نحو عسكرة أهدافه، بفعل الشراكة الوثيقة بين شركة سبيس إكس ووزارة الدفاع الأمريكية. وقد ظهر هذا التحول بوضوح خلال الصراع الروسي الأوكراني، حيث استخدمت القوات الأوكرانية نظام ستارلينك لتعزيز عملياتها العسكرية.
توفر مشاريع ماسك قدرات لا تستطيع أي حكومة أو شركة أخرى أن تضاهيها، فقد أصبحت متشابكة مع السياسة الخارجية والأمن العالمي، وتزداد خطورة ابتكارات ماسك ستارلينك تحديداً مع فوز ترامب الذي سيطلق العنان لنفوذ ماسك ومزاجه فيما يتناسب مع الأهداف الأمريكية ورؤيتها العسكرية.
إن عسكرة ستارلينك تتجاوز مجرد تقديم خدمات الإنترنت، لتصبح أداة استراتيجية تمكّن الولايات المتحدة وحلفائها من تعزيز هيمنتهم الرقمية والعسكرية. فما بدأ كمشروع مدني لتوسيع الاتصالات العالمية أصبح اليوم عنصرًا أساسيًا في سباق التسلح التكنولوجي. فما هي شبكة ستارلينك، وما هي الأخطار المترتبة على عسكرة هذه الشبكة؟
ما هي شركة ستار لينك؟
ستارلينك هي شبكة أقمار صناعية طورتها شركة سبيس إكس المملوكة لإيلون ماسك، بهدف تقديم خدمة إنترنت منخفضة التكلفة وعالية السرعة للمناطق النائية حول العالم. وقد أعلن عن المشروع لأول مرة في يناير 2015م، ومنذ ذلك الحين تطور ليصبح إحدى أكبر شبكات الأقمار الصناعية في العالم.
بحلول يوليو 2023م، أطلقت سبيس إكس 4519 قمراً صناعياً في المدار، منها 4487 قمراً قيد التشغيل، وفقاً لموقع «سبيس». تخطط الشركة في النهاية لإطلاق حوالي 42000 قمر صناعي، مما يعني أن برنامج ستارلينك قد يحتل أكثر من 80 % من سعة المدار الأرضي المنخفض، الذي يمكن أن يتسع لنحو 50 ألف قمر صناعي.
تعكس هذه الخطوة رغبة ماسك في السيطرة على المواقع والترددات المدارية، وهي استراتيجية تهدف إلى ترسيخ احتكار الشركة لسوق تطبيقات الفضاء، كما سنوضح لاحقاً في التقرير.
كيف تعمل ستارلينك؟
تُقدّم شبكة ستارلينك خدمات الإنترنت عبر مجموعة من الأجهزة المخصصة التي تتيح اتصالاً سريعاً وفعالاً بالأقمار الصناعية. تعتمد العملية على تقنيات مبتكرة تتضمن ما يلي:
مكونات الشبكة:
– طبق اتصال بالأقمار الصناعية.
– جهاز توجيه (Router) يدعم WiFi.
– مصدر طاقة وكابلات للتوصيل.
– قاعدة تثبيت مصممة لتسهيل وضع الطبق على أسطح مستوية.
آلية العمل:
– يتم تثبيت الطبق في مكان مفتوح للحصول على رؤية واضحة للسماء.
– صُمم الطبق ليكون ذاتي التوجيه، حيث يبحث تلقائيًا عن أفضل اتصال بالقمر الصناعي المتاح.
– بمجرد إعداد الأجهزة، يمكن للمستخدم الاتصال بخدمة الإنترنت وإدارة الشبكة باستخدام تطبيق ستارلينك.
شبكة الأقمار الصناعية:
تعتمد الخدمة على آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة التي تدور في مدار أرضي منخفض على ارتفاع يبلغ حوالي 342 ميلاً (550 كيلومترًا) من الأرض. فعلى عكس الأقمار الصناعية التقليدية الكبيرة، تتيح هذه الأقمار الصغيرة تحسينًا كبيرًا في سرعة الإنترنت وتقليل فترة الانتظار.
ما مدى سرعة ستارلينك؟
وفقاً لموقع الشركة، فإن سرعات الإنترنت الفضائي مع “ستارلينك” تتراوح بين 50 ميغابيت و250 ميغابيت في الثانية الواحدة، على مستوى الاستخدام المنزلي، بينما السرعات تصل إلى 350 ميغابيت في الثانية بالنسبة للشركات المشتركة في خدمة Starlink Business.
أين تتوفر ستارلينك؟
تُغطي شبكة ستارلينك حاليًا قارات العالم السبع خلال 40 دولة، بما في ذلك القارة القطبية الجنوبية، لتصبح واحدة من أكثر خدمات الإنترنت انتشارًا عالميًا.
ولدى الولايات المتحدة حق الوصول إلى ستارلينك، وتتوفر خدمة الإنترنت هذه أيضًا في كندا واستراليا ونيوزيلندا، وكذلك في العديد من البلدان في أوروبا، وهذا يشمل فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا.
وبالإضافة إلى تفعيل الخدمة في أوكرانيا لمساعدتهم خلال الحرب مع روسيا، تمت إضافة أيضا العديد من البلدان الأخرى، وتشمل هولندا، والنمسا، وبلجيكا، وأيرلندا، والدنمارك، وسويسرا، والبرتغال، وبولندا، وإيطاليا، والسويد، وجميع دول البلطيق، وعدة دول في أمريكا الجنوبية، وقد تم استخدامها في غزة، فقد أعلن إيلون ماسك أن خدمة إنترنت “ستار لينك” قد وفرت في مستشفى ميداني تديره الإمارات بغزة، وقد دفع هذا وزير الاتصالات الإسرائيلي حينها شلومو كرحي إلى التصريح بأن “إسرائيل ستستخدم كل الوسائل المتاحة لها لمحاربة هذا”.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الأقمار الصناعیة شبکة ستارلینک
إقرأ أيضاً:
صراع حضارات أم صراع من أجل الهيمنة؟
يشهد عالمنا الراهن صراعات عنيفة بين الدول والتكتلات السياسية، سواء كانت في العلن أو الخفاء. تبلغ هذه الصراعات ذروتها لتعبر عن نفسها بشكل علني في الحروب التي نشاهد ويلاتها كل يوم على شاشات التلفاز وتلاحقنا أخبارها في الصحف وفي كل المواقع الإخبارية. لم يكد العالم يهنأ بحالة من الهدوء النسبي بعد الحرب العالمية الثانية حتى اندلعت الصراعات والحروب مجددًا في كل مكان، على نحو يهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة. وكأن البشر لا يستطيعون العيش من دون صراع؛ لأن الصراع والعدوان متأصل في طبيعة البشر ولكنه يتخذ في كل عصر أشكالًا جديدة. هذا القول صحيح في مجمله كما يشهد بذلك التاريخ وكما شهد بذلك كثير من كبار الفلاسفة؛ ولكن هذا يستدعي السؤال عن طبيعة الصراع في عالمنا الراهن وتفسير مبرراته ودوافعه، ولنتساءل أولًا: صراع مَن ضد مَن؟
ربما أمكن رصد ميدانين رئيسين للصراع يعد الغرب طرفًا أصيلًا في كل منهما، وهما: الصراع بين الغرب والكتلة الشرقية ممثلة في روسيا والصين بوجه خاص، والصراع بين الغرب والعالم الإسلامي والعربي بوجه خاص (وميدانه الرئيس هو منطقة الشرق الأوسط). ولقد سعى هنتنجتون إلى تفسير الصراع العالمي الراهن باعتباره «صراع حضارات»، وهو مفهوم أصبح رائجًا منذ ظهور كتابه الشهير بعنوان «صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي» الصادر سنة 1996؛ ولقد حاول البرهنة في هذا الكتاب على أن الصراع العالمي الآن يعد صراعَ حضارات، أي صراعًا ثقافيًا بين الأصولية الغربية والأصولية الإسلامية. ولذلك فإنه يصور لنا مفهومه الخاص في «صراع الحضارات» على أنه صراع بين الغرب (وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها مركز ثقل هذه الحضارة وقوتها) وسائر الحضارات الأخرى: كالحضارة الإسلامية وحضارة جنوب شرق آسيا (وخاصة الصين). ولقد بينت في مقال سابق بهذه الجريدة الرصينة مدى تهافت نظرية هنتنجتون التي لا تسعى إلى السلام بقدر ما تسعى إلى تبرير الصراع والعدوان؛ فالحضارات تتلاقح ولا تتصارع إلا في مرحلة أفولها وإفلاسها، وهذا ما تشهد به نشأة الحضارات وتدهورها عبر التاريخ.
لقد بدأ المشهد العالمي ينذر بأفول الحضارة الغربية وإفلاسها، وهذا ما يفسر لنا سياسات الحرب والعدوان والهيمنة التي تتبناها هذه الحضارة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي نجدها حاضرة في كل أشكال الصراع العالمي بهدف النفوذ والهيمنة على ثروات ومقدرات الدول بكافة السبل: السياسية والاقتصادية والعسكرية إذا لزم الأمر. ولذلك فمن الطبيعي أن نسأل عن مشروعية وصف هذه الحضارة الغربية الآن بصفة الحضارة؟ فأية حضارة تلك التي تقوم على العدوان، وعلى الهيمنة، وعلى العنصرية من خلال الاستعلاء على الآخر بما هو «آخر» (حتى إن هنتجتون قد وصف هذا «الآخر» باعتباره «البقية» في فصل من كتابه بعنوان «الغرب والبقية» The west and the rest)؟ ومن الواضح أن هذه العنصرية تتنامى الآن في الولايات المتحدة الأمريكية بعد وصول ترامب إلى الحكم؛ إذ يتبنى علنًا سياسة رفض واستبعاد كل الملونين من غير البيض من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم- بطبيعة الحال- العرب المسلمين!
وربما يفسر لنا هذا دعم الولايات المتحدة للمشروع الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، وهو يشمل دعم إسرائيل في حروبها وعدوانها في المنطقة بالمال وأحدث الأسلحة الفتاكة، بل بالضلوع في الدفاع العسكري عنها. ويشمل ذلك أيضًا الدفاع السياسي عنها بطريقة لا أخلاقية فجة من خلال استخدام حق الفيتو دائمًا في نقض القرارات الدولية بوقف الحرب والعدوان في فلسطين، رغم اتهام المنظمات الدولية باتهام إسرائيل بارتكاب حرب إبادة، ورغم قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتبار قادتها مجرمي حرب، ورغم موافقة معظم الدول الأوروبية على هذا القرار (وهو ما ينذر ببداية تصدع في موقف الغرب: الغرب الأوروبي والغرب الأمريكي). وفي ضوء هذا ينبغي أن نفهم وضعية إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط: فما إسرائيل سوى أداة لهيمنة الغرب الأمريكي على المنطقة، وتحقيق المشروع الصهيوني في تمديد حدود إسرائيل إلى ما يسمى بالحدود التوراتية. تبدأ هذه الهيمنة بالترويج لسياسات التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يهدف في النهاية إلى طمس الهوية العربية والتماهي مع سياسات وقيم الكيان التي هي امتداد لسياسات وقيم المشروع الغربي. وهذا يفسر لنا العنف الشديد في مواجهة حركات المقاومة في المنطقة باعتبارها حركات ينبغي سحقها.
هل من سبيل إلى إنهاء أو تخفيف الصراع العالمي وتحقيق السلام بين البشر؟ كان هذا حلم كانط الذي أودعه كتابه «مشروع للسلام الدائم». ولكن هذا غير ممكن إلا بتغيير النظام العالمي نفسه بحيث يكون أي مشروع للسلام العالمي ملزمًا من جانب المنظمات الدولية وفقًا لعقد عالمي جديد، بحيث يحق للدول الموقعة على هذا العقد استخدام القوة في عقاب الدول المارقة؛ فكما قال هوبز: إن العهود والمواثيق من دون سيف يحميها ليست سوى كلمات.