كثيرون هم الأطباء في الوطن العربي الذين استهواهم الأدب فجمعوا بينه وبين الطب، واشتهروا من خلاله، وغادر بعضهم عيادته وتفرغ للأدب والثقافة.
ومن هؤلاء الدكتور يوسف إدريس الذي أبدع في عالم القصة والمسرحية والرواية.

والدكتور إبراهيم ناجي الشاعر العذب وصاحب قصيدة “الأطلال” التي غنتها أم كلثوم، والمكانة السامية شاعراً- وطبيباً – والذي نال شعره ما يتستحقه من اهتمام في حياته وبعد فاته، وعندنا برز العديد من الأدباء الأطباء الذين نجحوا في مجال عملهم ومن بينهم الدكتور عصام خوقير الذي قال عنه الأستاذ عبد المقصود خوجه في يوم تكريمة في الاثنينيه بتاريخ 5/5/1418هـ، «.

.إن ضيفنا الذي تخصص في طب الأسنان وجد في الأدب ضالته التي أفرغ فيها مكنون نفسه التواقة إلى جماليات اللغة، شأنه في ذلك شأن كثير من الأطباء الذين اتجهوا إلى الأدب والفكر بجانب تخصصهم المهني، أمثال الدكاترة: عبدالله مناع، ومحمد علي البار، ومصطفى محمود، ويوسف إدريس، وغيرهم، وليس في ذلك غرابة لأن بذرة الابداع عندما تنمو لا يعنيها إن كان حاملها أدبياً مطبوعاً، أم متمرداً على الإطار الذي أوجدته فيه ظروف الحياة والتخصصات المهنية».

وقال عنه: «..وقد اتجه ضيفنا إلى كتابة الرواية والمسـرحية، والمقالات الأدبية في الصحف اليومية ولعلكم لاحظتم الخيط الرفيع الذي يربط معظم أعماله الأدبية، متمثلاً في تمسكه بالتراث الحجازي الاصيل في لهجة الخطاب».
ولد الدكتور عصام خوقير عام 1346هـ بمكة المكرمة ودرس الابتدائية بالمدرسة الرحمانية، ثم التحق بمدرسة تحضير البعثات للدراسة الثانوية بمكة قبل أن يسافر للدراسة بمصر والتحق بكلية الطب بالقصـر العيني، وحصل منها على درجة البكالوريوس في طب وجراحة الأسنان عام 1953م، وواصل دراسته العليا في بريطانيا حيث تخرج من جامعة لندن معهد ايستمان لجراحة الأسنان عام 1957م.

وحين عاد الى المملكة، عُين مديراً للصحة المدرسية، وطبيب أسنان بمنطقة مكة المكرمة لمدة أربع سنوات، ومنها انتقل إلى المدينة المنورة مديراً للمستشفى المركزي، ومديراً للشؤون الصحية، حتى عام 1385 حيث انتقل للعمل بجدة مديراً للصحة المدرسية حتى عام 1392 هجرية، تفرغ بعدها لمزاولة عمله طبيباً للأسنان بعيادته الخاصة ألتي غادرها عام 1426هـ .
بدأت مشاركاته الصحفية والإعلامية المتنوعة منذ عام 1376هـ ، حيث كان يبعث بمقالاته التي يعالج من خلالها قضايا أدبية واجتماعية إلى جريدة البلاد السعودية ثم صحيفة المدينة وصحيفة عكاظ وصحيفة الندوة وأحياناً في صحيفتي الرياض واليوم بالدمام. وكانت كتاباته تتميز بالعبارة الساخرة، والصور الكاريكاتورية.

يقول عنه الباحث والمؤرخ الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي “قرأت أول ما قرأت للدكتور عصام محمد علي خوقير قبل نحو ستين عاماً، بعد عودته للمملكة وبداية عمله بالصحة المدرسية بمكة المكرمة، وبداية كتابته الصحفية الساخرة ونقده الممتع. ومع بداية الستينيات الميلادية الثمانينيات الهجرية وتطور جريدة المدينة وبداية الكتابة بالألوان بعد انتقالها من المدينة لتصدر من جدة حيث المطابع الحديثة (الأصفهاني)، بدأ خوقير بمقال أسبوعي في الصفحة الأخيرة مع كتاب آخرين أذكر منهم الدكتور عبدالله مناع والأساتذة محمد حسن عواد وعبدالله جفري ومحمد حسين زيدان وغيرهم، وكانت العناوين باللون الأحمر المثير واللافت، وعندما بدأ يكتب القصص والروايات، ويصدرها، ازدادت معرفتي به من خلال ما أقرأ له “. بدأ الدكتور عصام خوقير -رحمه الله- مشواره الأدبي مبكراً، وكتب أول نص مسرحي روائي  بعنوان (في الليل لما خلي) عام 1970/ 1390.

حُظي باهتمام لافت، ونجاح كبير، لتتجلّى موهبته فى إصداراته المتتالية التي بلغت نحو 12 عملًا منها: رواية «الدوامة»، رواية «السعد وعد»، «زغروطة بعد منتصف الليل»، مجموعة قصص قصيرة، «زوجتي وأنا» رواية فكاهية لمواقف مختلفة،عيلة أنس «مسرحية فكاهية» «غداً تشرق الشمس» رواية في الخيال العلمي، شرخ في الحائط الزجاجي، رواية «السنيورة»، رواية «السكر المر. وتحولت روايته «السعد وعد»، إلى مسلسل تلفزيوني من بطولة الفنان القدير محمد الطويان بدور (حظيظ)، و”بكر الشدي” و”صالح الزاير”.
وقد نالت أعماله احترام وتقدير الكثيرين ، وكُرِّم من مهرجان الفرق المسرحية السادس بسلطنة عمان. وتوفى -رحمه الله- يوم الثلاثاء نوفمبر 2018 م.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: عبدالعزيز التميمي

إقرأ أيضاً:

المرحوم الدكتور زكي مصطفي: العالم واللغو

(أدين للدكتور زكي مصطفي، شقيق الدفعة كامل مصطفى، بالاجتهادات التي أخاطر بها في موضوع الماركسية والإسلام. وأدين في هذا لكتابه "القانون العام في السودان: في سيرة مادة العدل والقسط والوجدان السليم" (1971).The Common Law in the Sudan: An Account of the 'justice, Equity, and Good Conscience' Provision
وكتبت أنعيه لمأثرته رحمه الله
توفي في ديسمبر 2003 الدكتور زكي مصطفي عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم والنائب العام الأسبق. ولم يكن زكي قانونياً فحسب، بل كان مفكراً قانونياً من الطراز الأول. ولم أجد له مثيلاً في غلبة الفكر عنده على محض الممارسة سوي المرحوم الدكتور نتالي أولاكوين والدكتور أكولدا ماتير وعبد الرحمن الخليفة (في طوره الباكر). وقد قطع عليه انقلاب مايو في طوره اليساري الباكر حبل تفكيره نتيجة تطهيره من الجامعة ضمن آخرين بغير جريرة سوي الظن برجعيتهم. وهذه الخرق العظيم لحقوق الإنسان ظل عالقاً برقبة الشيوعيين. وقد نفوا مراراً وطويلاً أنهم كانوا من ورائه. وربما كان إنكارهم هذا حقاً. فقد كانت مايو سراديب تنضح بما فيها. فأنا أشهد بالله أن الشيوعيين لم يصنعوا التقرير الختامي المنشور للجنة إصلاح جامعة الخرطوم (1970) على انهم كانوا عصبة لجان ذلك الإصلاح. فقد أملى المرحوم محي الدين صابر التقرير النهائي من رأسه وكراسه معاً. وهذه عادة فيه. وما زلت احتفظ بأوراق اعتراضاتنا الشيوعية على ذلك التقرير لمفارقته لتوصيات اللجان. وتحمل الشيوعيون وزر التقرير وبالذات ما ورد عن تحويل الكليات الي مدارس. وعليه ربما لم يأمر الشيوعيون بتطهير زيد أو عبيد غير انهم لم يدافعوا صراحة عن حق العمل. بل أداروا له ظهرهم مطالبين بحق الشورى قبل أن تقدم مايو علي خطوة في خطر التطهير في مجال عملهم. وفهم الناس أنهم لا يمانعون في فصل الناس متي شاوروهم في الأمر.
حين قطعنا حبل تفكير المرحوم زكي في 1969 كان مشغولاً بأمرين. كان عميداً للقانون في قيادة مشروع قوانين السودان (1961) الذي هدف لتجميع السوابق بتمويل من مؤسسة فورد. وقد تم علي يد المشروع توثيق كل القضايا التي نظرتها المحاكم قبل 1956. أما الأمر الثاني الذي لم يكتب لزكي أن ينشغل به حقاً بسبب التطهير فهو تطوير فكرته المركزية التي درسها في رسالة الدكتوراة ونشرها في كتاب في 1971. فقد تساءل زكي في كتابه لماذا لم يأذن الاستعمار الإنجليزي للشريعة أن تكون مصدراً من مصادر القانون السوداني. وأستغرب زكي ذلك لأن الإنجليز لم يجعلوا قانونهم قانوناً للسودان، بل وجهوا القضاة للاستعانة بما يرونه من القوانين طالما لم تصادم العدالة والسوية وإملاءات الوجدان السليم. وقال زكي لو ان الإنجليز أحسنوا النية بالشريعة لوجدوها أهلاً للمعاني العدلية المذكورة. وقد صدر زكي في فكرته هذه من خلفية إخوانية. ولكنه شكمها بلجام العلم فساغت. وستنفلت قضية الشريعة والقانون في السودان من أعنة زكي الأكاديمية الشديدة لتصبح محض حلقمة سياسية دارجة ما تزال ضوضاؤها معنا.
ولعله من سخرية القدر أن يسترد زكي بعد 15 عاماً القانون الموروث عن الإنجليز الذي خرج لمراجعته وتغييره في دعوته التي أجملناها أعلاه. فقد أصبح في 1973 نائباً عاماً مكلفاً بإعادة ترتيب البيت القانوني على هدي من القانون الموروث عن الاستعمار. فقد اضطرب القانون كما هو معروف علي عهد نميري. وأشفق زكي كمهني مطبوع على فكرة القانون نفسها من جراء هذا الاضطراب. وكان أكثر القوانين استفزازاً هو القانون المدني لعام 1971 الذي نجح القوميون العرب في فرضه على البلد بليل. وقد وجد فيه زكي إساءة بالغة للمهنية السودانية. فتحول من فكرته الإسلامية التي أراد بها هز ساكن القانون الموروث عن الاستعمار الي الدفاع عن إرث ذلك القانون. ففي مقالة بليغة في مجلة القانون الأفريقي لعام 1973 جرّد زكي علي القانون المدني حملة فكرية عارمة. فقد ساء زكي أن لجنة وضع القانون المدني تكونت من 12 قانونياً مصرياً و3 قضاة سودانيين لنقل القانون المصري بضبانته قانوناً للسودان. وعدد أوجه قصور القانون الموضوعية بغير شفقة. واستغرب كيف نسمي استيراد القوانين العربية تحرراً من الاستعمار بينما هي في أصلها بنت الاستعمار الفرنسي. وأحتج زكي أن القانون المدني أراد ان يلقي في عرض البحر بخبرة سودانية عمرها سبعين عاماً واستحداث قانون لم يتهيأ له المهنيون وكليات القانون ولا المتقاضون.
لم اقصد في هذه السيرة القول أن زكي لم يثبت على شيء. فعدم ثباته على شيء هو نفسه ميزة. فقد أملت عليه مهنيته العالية أن "خليك مع الزمن" بما يشبه الإسعاف حتى لا تسود الفوضى في حقل حرج كالقانون بفضل النَقَلة ضعاف الرأي. رحم الله زكي مصطفي فهو من عباد ربه العلماء.

ibrahima@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • ماكرون في مصر| ما الذي تقدمه هذه الزيارة؟.. محمد أبو شامة يوضح
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: غزة وحقوق الإنسان
  • تعيين الدكتور محمد العقاد رئيسًا لـ«المجالس الطبية المتخصصة»
  • رئيس جامعة طنطا يستقبل الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر
  • «صور».. عصام عمر أبرز الحضور في حفل زفاف مؤلف فيلم سيكو سيكو
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • للمرة 17 على التوالي.. المنيا تشهد حفلًا ضخمًا لتكريم 1500 متسابق من حفظة القرآن الكريم
  • «لا تدفع ثمن رصاص العدو».. عصام عمر يطالب بمقاطعة المنتجات الداعمة لـ إسرائيل
  • المرحوم الدكتور زكي مصطفي: العالم واللغو
  • بعد موسم رمضان.. رانيا يوسف توجه رسالة لزملائها