أسباب استعجال إسرائيل للحل في لبنان والتباطؤ في غزة
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
يبدو أن إسرائيل، قرّرت توزيع ملفَي الحرب والسلام في لبنان وغزة، على الإدارتَين الأميركيتَين: المنصرفة، والقادمة، لبنان يحتل أولوية متقدمة على جدول أعمالها، وجداول أعمال واشنطن وباريس وعواصم المجتمع الدولي، فيما حرب الإبادة والتطهير المفروضة على غزة منذ أربعة عشر شهرًا، متروكة لإدارة ترامب وفريقه.
فقد أقرت الحكومة الإسرائيلية مشروع "وقف الأعمال العدائية والحربية" الذي تبنته حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتعاون مع فرنسا.
لماذا "لبنان أولًا"؟
ثمّة ما يشبه الإجماع بين أحزاب الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو، على قبول الاتفاق، حتى إن أكثرهم تطرفًا، بن غفير، لم يهدد – جريًا على عادته في كلّ ما يخص مفاوضات التهدئة على جبهة غزة – بالانسحاب من الحكومة.
مردّ ذلك اختلاف أهداف الحرب على لبنان، عن أهداف الحرب على غزة. في الحالة الأولى، تستطيع إسرائيل أن تتعايش مع سقف أكثر انخفاضًا لتوقعاتها وأهدافها، كأن تقبل بسحب حزب الله أسلحته وقواته إلى شمال الليطاني، وتشديد الرقابة على هذه العملية، فضلًا عن إحكام أطواق الرقابة والحصار على مصادر تسلح الحزب، وتحديدًا من سوريا وعبرها.
أما في الحالة الثانية، غزة، فالأمر أكثر تشابكًا وتعقيدًا، ويتصل بمستقبل إسرائيل وفلسطين على حد سواء.
صحيح أن إسرائيل مدفوعةً بالنجاحات الكبرى التي سجلتها في بداية الحرب على حزب الله، قد رفعت سقف توقعاتها وأهدافها، وصولًا إلى حد تدمير الحزب، وتجريده من السلاح، وإعادة تشكيل النظام السياسي اللبناني، توطئة لإعادة صياغة الشرق الأوسط برمته، والاحتفاظ بـ"يد طليقة" على الأرض وفي السماء اللبنانيتين.
لكن الصحيح كذلك، أن هذه الأهداف سرعان ما انكمشت بعد نجاح الحزب في ترميم منظومته القيادية، واستيعاب الصدمات الشديدة التي تعرض لها، واستئنافه إطلاق الصواريخ متعددة المديات والأحجام، وصولًا لضرب تل أبيب وجنوبها، فضلًا عن معارك المواجهة الشرسة في بلدات وقرى الحافة الحدودية، فصار المطلوب العودة إلى القرار 1701، ولكن بقدر أعلى من الرقابة والتشديد هذه المرّة.
ثم، إن لبنان، بخلاف غزة، دولة مستقلة، وتحظى بشبكة علاقات مع حكومات الغرب والعرب، وأن بقاءه كيانًا قائمًا بذاته، يجسد مصلحة عليا لكثير من هذه الدول والعواصم، في حين تبدو مصائر غزة، أرضًا وشعبًا وقضية، مطروحة على مائدة النقاش. ومآلات الحرب عليها، ترتبط إلى حد كبير، بحسم مختلف ملفات وقضايا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
بمقدور إسرائيل أن تكتفي بما أُنجز على الجبهة اللبنانية، أقله لتفادي الكلف المتوقعة، في ظل عودة الحيوية لأداء المقاومة، في حين تطالب إسرائيل بأثمان في غزة، تتعدى حدود القطاع إلى الضفة والقدس ومستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية.
أدركت إدارة بايدن المرتحلة، تعقيدات الموقف الإسرائيلي من الحرب على الجبهة الجنوبية، فآثرت ترك هذا الملف الثقيل، لإدارة ترامب التي ستخلفها، وألقت بكل ثقلها خلف الجبهة الشمالية، علّها تستطيع انتزاع "إنجازٍ ما"، في ربع الساعة الأخير لولايتها، وهذا بالضبط، ما عناه بايدن شخصيًا، حين قال قبل أيام، إن إدارته تولي لبنان، أولوية أولى.
ويبدو أن هذا الموقف، لقي هوى لدى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، حتى وهو في غمرة الانغماس بتشكيل إدارته، فبادر لإعطاء موفد بايدن، آموس هوكشتاين، ضوءًا أخضر، للمضي في مهمته، والتحدث باسم الإدارتين معًا: المنتهية والقادمة، ما عزز مكانة ونفوذ الموفد، الذي تردد على المنطقة مرات ومرات، من دون جدوى.
في المقابل، يعيش لبنان تحت ضغوط عدوان بربري، كلفته الإنسانية باهظة للغاية، بالذات على بيئة حزب الله، ومستوى الدمار الذي حلّ بقرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، يفوق بأضعاف مضاعفة، ما حلّ بهذه المناطق من أضرار في حرب يوليو/ تموز 2006.
وكذلك فإن الحزب الذي فقط معظم قادة الصفين: الأول والثاني، يبدو بأمسّ الحاجة لالتقاط أنفاسه، والتعامل مع مقتضيات ما بعد هذه الحرب البربرية، ولعل هذا ما يفسر قبول الحزب بما لم يكن يقبل به من قبل، وفي مقدمة التنازلات التي أفصح الحزب عن استعداده لتقديمها: فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، والتزام مندرجات القرار 1701، بصورة أكثر جدية مما كان عليه الحال خلال الفترة الممتدة من 2006 وحتى اليوم.
وثمة إجماع لبناني نادر على الحاجة لوقف العدوان المدمر على البلاد، ولقد تولى "حليف حزب الله"، أحد ركني "الثنائي الشيعي"، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، مسؤولية إدارة المفاوضات نيابة عن الحزب والمقاومة، بخلاف حماس والمقاومة في غزة، اللتين لم تجدا (نبيه بري فلسطيني)، يتولى التنسيق عن المقاومة، والنطق باسمها، والدفاع عنها.
مثل هذا الاختلاف، فرض على حماس، الاعتماد كلية على "ثلاثي الوساطة"، من دون أن تجد في المؤسسة الرسمية (الشرعية)، من هو على استعداد للنطق باسمها، أو الدفاع عن مواقفها ومصالح شعبها.
وثمة ما يوحي بأن أطرافًا دولية قد دخلت على جهود الوساطة و"المساعي الحميدة" مع الجانبين: الأميركي والإسرائيلي، لتذليل "عُقد نتنياهو" التي حالت دون ترجمة المبادرة الأميركية – الفرنسية، في سبتمبر/ أيلول الماضي.
هنا تجدر الإشارة إلى أنباء شبه مؤكدة، مفادها أن موسكو أبلغت رون دريمر، الذي زارها "سرًا"، استعدادها للتعاون على دمشق، في مجال كبح مسارات تهريب الأسلحة الإيرانية للحزب، سواء تلك التي تأتي من طهران مباشرة، أو تلك التي تُصنّع في سوريا، ويخصص قسم منها للحزب والفصائل المقربة من إيران.
ولعل الكشف مؤخرًا، عن رفض مطار حميميم – اللاذقية، الخاضع لسيطرة القوات الروسية، استقبال طائرة إيرانية، يُعتقد أنها محمّلة بالأسلحة، هو أول غيث تفاهمات مستجدة بين موسكو وتل أبيب.
دريمر، كما تقول المصادر المطلعة، كان عرض على روسيا، استعداد إسرائيل لتوظيف نفوذها وعلاقاتها مع ترامب وأركان إدارته، ومؤسسات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، لترطيب أجواء العلاقات بين الدولتين التي بلغت حضيضًا غير مسبوق منذ انتهاء الحرب الباردة، والدفع باتجاه حل للأزمة الأوكرانية يكون مقبولًا لسيّد الكرملين.
وعلى الرغم من أن هذه التفاهمات الأولية، لم تتبلور في صيغة "اتفاق" بين الجانبَين، فإن نذر هذه التوافقات، أخذت تطل برأسها، وعلينا أن نتذكر هنا، أن تفاهمات بوتين – نتنياهو بشأن سوريا، كان لها مفعول "الاتفاقات الرسمية الموقعة"، برغم طابعها الشفهي، وقد صمدت في مواجهة مختلف الأنواء، بدلالة أن صاروخًا روسيًا واحدًا لم يطلق على طائرة إسرائيلية مغيرة، حتى وهي تضرب أهدافًا، لا تبعد سوى كيلومتر واحد، عن أهم قواعد الجيش الروسي المنتشرة في سوريا.
أما عقدة الرفض الإسرائيلي لأي دور فرنسي في الوساطة أو الإشراف على الاتفاق بشأن لبنان، فقد جرى تذليلها باتصالات مكثفة بين باريس وواشنطن، انتهت بتراجع باريس خطوة إلى الوراء، وإعادة إدراج موقفها من قرارات "الجنائية الدولية" بالقبض على نتنياهو وغالانت في إطار قانوني بحت، بعيدًا عن أي محتوى سياسي، وهو الأمر الذي عدّته تل أبيب، بمثابة عودة عن مواقف "معادية لها"، وسمح لنتنياهو القبول بدور فرنسي، في إطار "خماسية" الإشراف على تنفيذ القرار 1701.
إذن، فقد توفرت للبنان من عوامل الدفع باتجاه إنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار والأعمال العدائية، ما لم يتوفر لغزة وشعبها ومقاومتها، والأرجح أن الحرب على الأخيرة، ستتوالى فصولًا، وستترحل جهود الوساطة ومبادرات التسوية، إلى مرحلة استلام ترامب مقاليد البيت الأبيض، وبلورة خطة أميركية جديدة، لا تلحظ الوضع في القطاع المحاصر والمدمر فحسب، بل ربما مستقبل القضية الفلسطينية بشمولها.
فها هي الشائعات تتوالى عن استعدادات لـ"صفقة قرن 2″، بمواصفات اليمين الإسرائيلي، الذي بات أكثر نهمًا اليوم، لابتلاع الضفة الغربية، كلها أو المنطقة (ج) منها. والأسابيع والأشهر القليلة القادمة، ستكون كاشفة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحرب على حزب الله
إقرأ أيضاً:
الإستراتيجية الإيرانية في لبنان بعد فقدان سوريا
شكل وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل نقطة تحول محورية في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، فقد أعاد تعريف السياسات الإستراتيجية لإيران في لبنان من الدعم إلى إعادة التسليح، وهو تحول يربط تعافي حزب الله مباشرة مع الهدف الأوسع لإيران المتمثل في موازنة النفوذ الأميركي والإسرائيلي في بلاد الشام.
ويعتمد نفوذ طهران في لبنان على ركيزتين أساسيتين: الأولى هي قدرة إيران الاقتصادية وإمكانية بنائها طرق إمداد لوجستية جديدة لإعادة ترميم القدرة العسكرية والاجتماعية والاقتصادية لحزب الله بعد خسارة سوريا لصالح المعارضة، والثانية هي قدرتها على الصمود في "مواجهة" الأجندة الدولية التي تقودها إسرائيل وحلفاؤها الذين يسعون لتحويل حزب الله إلى كيان سياسي منزوع السلاح.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أستير.. مشروع اليمين الأميركي لإسكات أنصار القضية الفلسطينيةlist 2 of 2الردع الهش والمخاطر المحتملة لوقف النار بين لبنان وإسرائيلend of listوعن هذه القضية، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية للباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية محمود البازي، حملت عنوان "الدور الإيراني في لبنان: الحفاظ على حزب الله وإعادة رسم النفوذ"، بحث فيها دور إيران في المنطقة من خلال البعد اللبناني، والعلاقة التاريخية بين حزب الله وطهران، وركز على مكانة ودور الحزب في إستراتيجية الأمن القومي الإيرانية بعد طوفان الأقصى، والعوامل والضغوط المحتملة التي تؤثر على نفوذ إيران في لبنان، خاصة بعد فقدان سوريا وتراجع نفوذ طهران إقليميا بعد ذلك.
إعلان حزب الله والامتداد الإيرانييقول مستشار المرشد الإيراني العميد يحيى رحيم صفوي عن تشكيل حزب الله والوجود الإيراني في لبنان: "إنها المرة الثالثة منذ عهد الإمبراطورية الأخمينية التي نصل فيها إلى شواطئ البحر المتوسط"، ويشرح عقيدة طهران في الردع المتقدم والعمق الإستراتيجي بالقول إن "علينا توسعة العمق الإستراتيجي لإيران لمدى خمسة آلاف كيلومتر، حتى إذا هاجمتنا الولايات المتحدة من جانب، استطعنا ملاحقتها من الجانب الآخر".
وعلى ضوء هذا التصريح، يُفهم أن الدور الذي لعبته إيران في إنشاء حزب الله وتطويره كان عملية متعددة الأوجه تاريخيا وأيديولوجيا وجيوسياسيا، وقد ساعد التقارب بين ديناميكيات لبنان الداخلية وتطلعات إيران الثورية في ظهور حزب الله بوصفه كيانا سياسيا وعسكريا مهما.
فمنذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تأثرت المجتمعات الشيعية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط -ومنها لبنان- بنجاح الثورة التي أصبحت مصدر إلهام لرجال الدين والناشطين الشيعة اللبنانيين لبناء نموذج إقليمي للحكم الإسلامي، وكان من أبرزهم مؤسس حركة "أمل" موسى الصدر الذي تلقى دعما من القيادي الإيراني مصطفى شمران.
لاحقا، ساهم الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 في تحفيز تشكيل حزب الله، حين أرسلت إيران ما يقرب من 1500 عضو من الحرس الثوري الإيراني إلى البقاع، بهدف تنظيم وتدريب "الجماعات الشيعية" المحلية التي توحدت لاحقا تحت مظلة "حزب الله"، وتزايد معها الدعم الإيراني إلى ما هو أبعد من التدريب العسكري.
بحلول عام 2006، بنى الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله حزبا أكثر ارتباطا بالبيئة المحلية اللبنانية، وأوثق صلة بإيران وأيديولوجيتها وأهدافها في الإقليم. وبعد السمعة التي حظي بها الحزب في حرب يوليو/تموز 2006، أصبح "حليف" طهران في عدة مهام إقليمية، منها الحفاظ على حكومة الأسد بعد ثورة 2011 في سوريا، وتدريب جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، وإسناد المقاومة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى.
اغتيال حسن نصر الله كان له وقع كبير على حزب الله (رويترز) إسناد غزة أم المحور؟تفاجأت إيران كغيرها من الدول بعملية طوفان الأقصى التي شنتها حماس على إسرائيل في السابع أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنها أبدت رضاها وتفاؤلها بنتائج العملية رغم اختلاف أسلوب حماس في ضرب إسرائيل عن الأسلوب الإيراني.
إعلانلم يستفد محور المقاومة عسكريا من عنصر المفاجأة الذي خلقه "طوفان الأقصى"، وقرر دعم حماس عبر "جبهات إسناد"، دون اللجوء إلى معادلة "التصعيد لخفض التصعيد"، وذلك رغبة من إيران في الحفاظ على مقدرات الحزب في لبنان، واعتمادها على الإيحاءات الإسرائيلية بالانخراط الجدي في المفاوضات مع حماس وقرب وقف إطلاق النار.
عملت إسرائيل بالمقابل على تنفيذ هجوم تصاعدي على إيران وحزب الله، بدءا باغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) صالح العاروري، وانتهاء بفتح جبهة عالية التصعيد في جنوب لبنان، بعد استكشاف قدرات الحزب وما تملكه إيران من أوراق.
ما يحكم توجهات السياسة الخارجية الإيرانية في الحرب الإسرائيلية على حماس وحزب الله هو نظريتها في البقاء، فالنظام الإيراني يفضل براغماتية البقاء بمنسوب مقبول من المبادئ الثورية، كما أنه قادر على خلق معادلة ردع إقليمية تمنع الآخرين من الوصول إلى حدود إيران، وهو ما يتفوق على أيديولوجيا تحرير القدس أو مواجهة إسرائيل.
لم تكن عمليات الوعد الصادق 1 و2 التي أطلقتها إيران ضد إسرائيل دفاعا عن حزب الله أو حماس إذن، بل إعادة رسم لخطوط الردع مرة أخرى، وذلك بعد الضربات الإسرائيلية المتعددة على القوات الإيرانية في سوريا، و"عمليات تخريب" المفاعلات النووية واغتيال علماء نوويين، واجهتها إيران كلها بالامتناع عن الرد من الأراضي الإيرانية مباشرة على مدى سنوات.
ولم تكن قيادة الحزب الجديدة ممثلة بنعيم قاسم قادرة على اتخاذ قرار بخصوص جبهة الجنوب والقبول بوقف إطلاق النار، تنفيذا لوعود نصر الله بإسناد غزة ما دامت الحرب عليها مستمرة. لكن لإيران قراءة أخرى، تجسدت بإرسال المرشد الإيراني كبير مستشاريه علي لاريجاني إلى كل من سوريا ولبنان، أولا لإبلاغ قيادة الحزب بتأييدها موقف الحكومة اللبنانية لخلق وضع مشابه لظروف ما بعد حرب 2006، وإعادة مقدرات الحزب، وثانيا للحصول على ضوء أخضر من الأسد للإبقاء على خطوط الإمداد مفتوحة.
إعلانهذا ما يفسر حرص إيران على إبقاء الأسد في محورها بوصفه جسر إمداد إلى لبنان، رغم أنه ليس جزءا من إستراتيجية "وحدة الساحات" بعد طوفان الأقصى، وهو ما لم يعد ممكنا بعد انتصار المعارضة السورية المسلحة على نظام الأسد.
رأت إيران في وقف إطلاق النار انتصارا للمقاومة وحزب الله، فقد جاء نتيجة للضربات الإسرائيلية من الحزب بعد اغتيال نصر الله، وفشل إسرائيل في تفكيك بنيته العسكرية وتحقيق النصر الحاسم.
كسر العظم لا يعني الموت
توالت التصريحات الصادرة عن القيادة الإيرانية بأن الحرب على حزب الله وإسقاط نظام بشار الأسد كان مؤامرة أميركية إسرائيلية، تهدف إلى إضعاف العمق الإستراتيجي لإيران.
ولا يبدو أن طهران ستنحرف عن إستراتيجيتها على ضوء هذه التطورات لفرض "الردع المتقدم" وتقديم دعم ثابت لحليفها في المنطقة، وهي تقوم بذلك عبر دعامتين: المحافظة على الشيعية السياسية في لبنان، والالتزام بترميم قوة حزب الله.
وقد أثبتت التجارب أن لدى إيران القدرة على التكيف مع التغيرات الإقليمية، فهي تقدم مساعدات اقتصادية وتنفذ مناورات سياسية وإستراتيجية لصالح حزب الله في مواجهة الحملة الدولية المنسقة لتقويضه مجتمعيا وعملياتيا، محاولة في الآن ذاته التغلب على انهيار نظام بشار الأسد، والبحث عن طرق بديلة لإعادة تسليح الحزب رغم التحديات القائمة.
ما كاد وقف إطلاق النار في لبنان يبدأ، حتى سقط نظام الأسد في سوريا، وهي تطورات سعى المسؤولون الإيرانيون لاحتوائها عبر إلقاء اللوم على فشل القوات النظامية السورية، ووضع مجرد بقاء حزب الله ضمن إطار النصر الإستراتيجي، وهو ما يعكس إستراتيجيتها الأوسع في الحفاظ على نفوذها وشبكة الردع التي تديرها خلال الحرب غير المتكافئة، كما أنه يرسل رسالة مفادها أن طهران لم تتخل عن طموحاتها ولا عن إطارها العملياتي المتصل بحزب الله.
إعلان
[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة من هذا الرابط]