العرب.. بين التبعية والتغريب..!
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
د. شعفل علي عمير
صحيحٌ أن هناك فارقاً بين التبعية والتغريب، الفارق في المفهوم السطحي، ولكن في حقيقة الأمر كلا المفهومَينِ مرتبطان ببعضهما، وكُلٌّ منهما نتيجةٌ للآخر؛ فَالتغريب من نتائج التبعية، وَالتبعية من ثمار التغريب.
ويشار في كثير من الأحيان إلى أن التبعية تُعنَى بالجانب الاقتصادي؛ فنقول تبعية اقتصادية، في حين أن التبعية قد تكون اقتصادية وثقافية وسياسية و…!
بينما يعني التغريب أن يصبح الإنسان الشرقي تابعًا للغربي في ثقافته وأساليب معيشته وحتى طرق تفكيره؛ بمعنى أصح أن التغريب هو مسخٌ للهُوية الثقافية والدينية وفرضُ قيود على حرية التفكير، والخطير في هذا الجانب أن كُـلًّا من التبعية والتغريب تأتي بجلباب (التحضُّر) الذي ينخدِعُ تحت هذا الشعار الكثيرُ من أبناء الأُمَّــة.
تفرِضُ طبيعةُ المجتمعات المستهَدفة طبيعةَ وآلياتِ الاختراق؛ فقد تكون التبعية في بعض المجتمعات هي العملية التي تسبق التغريب وتهيِّئُ الأرضيةَ المناسبةَ لها، وتأتي هذه الطريقة عندما يكون الحكام والحكومات تابعةً للغرب وصنيعة غربية، في مثل هذا النموذج يترك مسألة التغريب على المؤسّسات الرسمية في هذه الدولة كما هو حاصلٌ في السعوديّة والإمارات وغيرهما من الدول العربية والإسلامية.
وقد تلجأُ دولُ الاستكبار العالمي لطُرُقِ الغزو الفكري والثقافي حين يسبِقُ التغريبُ التبعيةَ ويمهِّدُ لها، وهذا الأُسلُـوب يأتي عندما يكونُ الحكامُ والحكوماتُ بعيدين عن السيطرة الغربية، وهنا يأتي دورُ المنظمات التي تتعمَّدُ إدخَالَ جوانبَ لا أخلاقية بعيدة عن تقاليد هذا المجتمع أَو ذاك، وتكثيف برامج الغزو الفكري والثقافي في كُـلّ وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، ناهيك عن الاستقطاب المباشر عن طريق المِنَحِ المجانية مستهِدفةِ بذلك المجتمع في ثقافته ونمط معيشته وتفكيره؛ فينشأ في هذه المجتمعات جيلٌ يعتبر كُـلّ ما هو تراثٌ تخلُّفاً وكلّ ما هو من العادات والتقاليد قيودًا للتحضُّر، تتغير بنيتُه الثقافية والفكرية فنسمعُ مصطلحات لم نعتَدْ سماعَها إلَّا من موظفي المنظمات الدولية؛ فتبدأ تتكوَّنُ في ذهنية الشباب نظرةُ احتقار لوطنه وتراثه وتقاليده في مقابل نظرةِ انبهار للغرب؛ فينسلخُ الجيل من انتمائه لوطنه ابتداءً، ثم ما يلبث أن يعزوَ كُـلَّ ما يعتبره تخلُّفاً في وطنه للدين وهذه المرحلة الأخطر.
تحتاجُ هذه الطريقة إلى فترةٍ زمنيةٍ أطولَ؛ لتحقيق جانبِ التغريب في أي مجتمع حتى يختلَّ من الداخل؛ فتتغير ملامحُ هذا الجيل، يتغيَّرُ في أُسلُـوب ونمط حياته وفي طريقة تعامُله وكلامه، وتتغيَّرُ اهتماماته؛ فتراه بعيدًا عن كُـلّ ما يهم الأُمَّةَ؛ فتحدث نتيجة ذلك فجوةٌ فكريةٌ وثقافيةٌ بين الحاكم والمحكومين؛ فتتهيَّأُ البيئةُ لخلق فوضى وصراعات؛ فتبدأ قوى الشر في تغذيتها؛ أملاً في تغيير الحاكم بآخر يكون ولاؤه للغرب أكثَرَ من ولائِه لوطنه وأمته ودينه، بحَيثُ تكونُ تبعيتُه الاقتصاديةُ والثقافيةُ والسياسيةُ للغرب، ومن ثَــمَّ يسهُلُ عليه تغريبُ شعبِه؛ ليتقمَّصَ حَالَةَ الغرب في كُـلّ مناحي حياته.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
عندما يكون المجرمُ قاضيًا والشيطان قدِّيسًا
د. شعفل علي عمير
لنبدأ بالحليفَينِ اللذَينِ ربما لم يخدمهما التاريخُ ضد قضاياهما: الولايات المتحدة و”إسرائيل”. تشتهر الولايات المتحدة بقوتها العسكرية والاقتصادية، لكنها أَيْـضًا تتبنى أفكارَ الهيمنة والسيطرة بحُجّـة نشر “الديمقراطية” و”الحرية”.
بيد أن “الإجرام” الأمريكي لم يكن يومًا مستترًا؛ إذ يكمنُ في سياساتها الخارجية العدوانية تجاه الدول بحجّـة حماية الأمن القومي أَو محاربة “الإرهاب”.
لكن الحقيقة المُرة تتجلى في كونها تسعى خلفَ مصالح اقتصادية ونفوذ سياسي دونَ اعتبار لحياة الشعوب وحقوقها، عندما يتجسد الإجرام الأمريكي بشكل واعظ، وَيظهرُ الشيطان الإسرائيلي قديسًا، تغيب العدالة ويسود التوحش.
وعلى الجانب الآخر، تأتي “إسرائيل” بقناع القديس، تتبنى خطاب الحق التاريخي وتصف نفسها بِواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط رغم أنها تستمر في ممارسة سياسة التمييز العنصري والاحتلال العسكري في تصرفاتها تجاه الفلسطينيين، وهذا يعد انتهاكا صارخًا للقوانين الدولية.
يُغلَّفُ هذا الشيطان بثوب ضحية الهولوكوست ليكسب تعاطفًا عالميًّا، في حين يغفل العالم عن مشاهد القمع والاعتداء اليومي على أصحاب الأرض، نحن نعيش في زمن تتلبّد فيه غيوم الظلم والتوحش، وحينما تتحطَّمُ أحلام البسطاء تحت أقدام الغطرسة والطغيان يأتي تصنيفُ الجهات المتحرّكة المناهضة لظلم الطامعين.
وبين الحين والآخر، تبرز جدلية تصنيف “الإرهابي” عندما تتعلق الأمور بجماعات تعارضُ سياسة الأطماع الأمريكية أَو تتحدى هيمنتها، كاليمن تلك القوة التي تحظى بتأييد شعبي منقطع النظير ظهرت كقوة فرضت معادلةَ صراع جديدة مع الكيان الصهيوني في وقوفها بقوة مع مظلومية الشعب الفلسطيني ويستند الدعم والتأييد الشعبي لقرارات القيادة في اليمن إلى اعتبارات دينية وإنسانية، لكن وقوفها وتحديها للغطرسة الأمريكية والإسرائيلية تعتبر من وجهة نظر أمريكا تصادمًا مع مصالح الرياض وواشنطن. كما أن تصنيف حركات المقاومة في فلسطين، من قبل أمريكا وبعض الأنظمة العربية يُلقي الضوء على ازدواجية وسلوكيات متناقضة مع الواقع ومتناغمة مع المطامع، فعلى مدى عقود، دعمت الولاياتُ المتحدة “إسرائيل” دعمًا مطلقًا وكأنها جزيرة ديمقراطية وسط محيط من الديكتاتوريات الظلامية. بينما تُصنّف حركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي ضمن قوائم الإرهاب، تجمع تلك الحركات بين المطالب الشعبيّة بالاستقلال والتحرّر وبين النموذج العسكري لمقاومة الاحتلال.
في الساحة الفلسطينية، يبرز النفاق الأمريكي بشكل أوضح. تدعم الولايات المتحدة “إسرائيل” دون تردّد، في حين تُلقي بلائمة الإرهاب على الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلاَل الوحشي.
أمريكا غير مهتمة بمعاناة الفلسطينيين اليوميّة تحت نير ونار الاحتلال، بل وتمد الكيان الصهيوني بكل أنواع الدعم العسكري والاقتصادي.
وأية محاولة لمقاومة هذا الاحتلال مساندةً للشعب الفلسطيني من قبل إخوانه في الدين والعروبة تُقابَل باتّهامات باطلة ووصمها بالإرهاب كحال اليمن، في حين تُعتبر جرائم الحرب والإرهاب والإبادة التي ترتكبها بعض الدول الحليفة لأمريكا مثل الكيان الصهيوني آمنة ومأمونة من النقد أَو العقاب.
يجب أن يتذكر العالم دومًا أن العدالة قد تتأخر، لكنها لا تموت أبدًا، وأن فجرًا جديدًا لا بد أن يبزُغَ في يومٍ من الأيّام، حاملًا في طياته الأملَ لإنهاء التوحُّش واستعادة القِيَم الإنسانية.