شهدت الرياضة المصرية فى الشهور الأخيرة سلسلة من الحوادث المأساوية التى أودت بحياة رياضيين فى عمر الزهور، ما يثير التساؤلات حول واقع المنظومة الرياضية ومستقبلها. فقد توفى اللاعب أحمد رفعت، نجم نادى «مودرن سبورت»، بعد سقوطه مغشيًا عليه فى الملعب خلال مباراة رسمية. وبعد أشهر فقط، تكررت المأساة بوفاة اللاعب محمد شوقى فى حادث مشابه.
وفاة أحمد رفعت:
فى السادس من يوليو الماضي، توفى اللاعب أحمد رفعت عن عمر يناهز 31 عامًا، بعدما سقط مغشيًا عليه قبل نهاية مباراة فريقه «مودرن سبورت» أمام الاتحاد السكندرى. الحادث وقع فى مارس الماضي، وأثارت الوفاة جدلًا واسعًا حول الأسباب الحقيقية للوفاة والإجراءات الطبية المتبعة داخل الأندية الرياضية. رغم صدور توجيهات رئاسية عاجلة بالتحقيق فى ملابسات الواقعة، فإن الغموض ما زال يحيط بها.
وفاة محمد شوقي:
لم يمض وقت طويل حتى لقى اللاعب محمد شوقى مصرعه بالطريقة نفسها. خلال مباراة ودية، سقط شوقى بشكل مفاجئ على أرض الملعب، ليتبين لاحقًا أنه فارق الحياة إثر سكتة قلبية. الحادثة أثارت صدمة جديدة، خاصة وأنها جاءت فى ظل غياب التدابير الطبية الوقائية التى كان من الممكن أن تنقذ حياته.
وفاة السباحة شذى نجم:
فى يوليو الماضى أيضًا، شهد الوسط الرياضى وفاة شذى نجم، السباحة الشابة، إثر أزمة قلبية مفاجئة أثناء تدريبها. رحيلها كشف عن غياب الرقابة الطبية على الرياضيين حتى فى الألعاب الفردية، ما يضاعف من المسئولية الملقاة على عاتق وزارة الشباب والرياضة.
تساؤلات مشروعة
الوفيات المتكررة فى الوسط الرياضى أثارت تساؤلات ملحة حول دور وزارة الشباب والرياضة والاتحادات الرياضية المختلفة. على الرغم من الوعود المتكررة بتحسين الخدمات الطبية داخل الأندية والاهتمام بصحة الرياضيين، فإن الواقع يقول عكس ذلك. فخلال مؤتمر صحى عقد مؤخرًا، تعهدت الوزارة باتخاذ خطوات جادة لحماية اللاعبين، بما فى ذلك توفير الأجهزة الطبية فى الملاعب وإجراء الفحوصات الدورية للرياضيين. ولكن هذه الوعود لم ترَ النور بعد.
الوزارة تبدو وكأنها غائبة عن المشهد تمامًا، تاركة المنظومة الرياضية تعانى من إهمال شديد، سواء فى تأهيل المدربين أو تطوير البنية التحتية. هذا الإهمال لا يؤثر فقط على سلامة الرياضيين، بل يمتد ليشمل مستقبل الرياضة المصرية ككل، حيث يقتل المواهب ويغتال الأحلام.
وعود كاذبة
رغم الإعلان المعلن من قبل وزارة الصحة ووزارة الشباب والرياضة عن إطلاق برنامج «حماية القلب للرياضيين»، وتشكيل لجنة عليا لمناقشة أحدث البروتوكولات العلاجية للحد من الأزمات القلبية المفاجئة بين الرياضيين، فلم يتم تنفيذ أى من هذه التصريحات أو البرامج المعلنة.
وفى المؤتمر السنوى الثالث لمعهد القلب القومي، تم الإعلان عن التعاون بين الوزارتين والهيئات المعنية فى الكشف المبكر عن أمراض القلب للرياضيين، إضافة إلى تدريبهم على إنعاش القلب، وإنشاء مركز طب رياضى متكامل داخل المعهد القومي، وغيرها من المبادرات الهامة.
ورغم تلك التصريحات الكبيرة، لم يحدث أى تقدم ملموس أو تنفيذ فعلى لتلك الوعود التى تم الإعلان عنها فى وقت سابق. لم يتم إنشاء المركز المنتظر، كما أن برنامج الكشف المبكر وتدريب الفرق الطبية على إنعاش القلب لم يظهر على أرض الواقع. ورغم التأكيدات المستمرة على الاهتمام بصحة الرياضيين، لا يزال هذا الملف عالقًا دون تقدم فعلي، ما يثير تساؤلات حول مصير تلك الوعود وكيفية التعامل مع صحة اللاعبين فى المستقبل.
الإهمال الطبي
أحد أبرز أوجه القصور فى المنظومة الرياضية هو غياب الرعاية الطبية المناسبة. الملاعب المصرية تفتقر إلى الأجهزة الطبية اللازمة مثل أجهزة الصدمات الكهربائية، كما أن الأندية غالبًا ما تهمل الفحوصات الدورية التى يمكن أن تكشف عن مشكلات صحية مبكرة لدى اللاعبين.
ضعف التشريعات والرقابة
رغم وجود قوانين تنظم الرياضة فى مصر، فإن ضعف الرقابة على تنفيذها يجعل هذه القوانين عديمة الفائدة. الاتحادات الرياضية تتعامل مع القوانين بمرونة مفرطة، ما يفتح الباب أمام المخالفات والإهمال.
غياب التخطيط العلمي
المنظومة الرياضية تفتقر إلى التخطيط العلمي، سواء فيما يخص اختيار المدربين أو تأهيل اللاعبين. الرياضة أصبحت مجالًا للعشوائية والمحسوبية، بدلًا من أن تكون ساحة للمنافسة الشريفة والكفاءة.
أزمة غياب التأهيل العلمي
فى كثير من الأحيان، نرى مدربين يعملون فى الأندية والاتحادات الرياضية دون أن يكونوا مؤهلين علميًا. بدلاً من أن يكون المدرب خريج كلية التربية الرياضية، نجد أن بعض الاتحادات تمنح شهادات تدريب لمن لا يملك أى خلفية علمية أو أكاديمية. هذا الوضع يهدد سلامة اللاعبين، إذ إن المدرب غير المؤهل قد يكون سببًا مباشرًا فى الإصابات أو تدهور الحالة الصحية للرياضيين.
ضرورة تغيير المنظومة
لا بد من وضع تشريعات صارمة تلزم الأندية والاتحادات بالتعاقد مع مدربين مؤهلين فقط. منح الدورات التدريبية لأى شخص غير دارس للتربية الرياضية هو كارثة تهدد مستقبل الرياضة فى مصر. يجب أن يكون المدرب على دراية كاملة بأساسيات التدريب الرياضى والعلوم الصحية والنفسية، لضمان سلامة اللاعبين.
حقوق اللاعبين الراحلين
الوفيات المأساوية فى الملاعب المصرية يجب ألا تمر مرور الكرام. أحمد رفعت، محمد شوقي، وشذى نجم كانوا شبابًا واعدين، يملكون أحلامًا كبيرة، إلا أن إهمال المنظومة حطم أحلامهم واغتال حياتهم. المسئولية هنا تقع على عاتق وزارة الشباب والرياضة، الاتحادات، والأندية التى تجاهلت توفير الحد الأدنى من وسائل الحماية.
المطالبة بالعدالة
يجب فتح تحقيق شامل فى كل حالة وفاة داخل الملاعب المصرية، كما يجب محاسبة المسئولين عن الإهمال الطبي، ووضع خطة واضحة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث.
إصلاحات مطلوبة
لكى نحقق تحسين الرعاية الطبية يجب توفير أجهزة إنعاش القلب وأدوات الإسعافات الأولية فى جميع الملاعب، وإلزام الأندية بإجراء فحوصات طبية شاملة لجميع اللاعبين بشكل دورى.
كما يجب تأهيل المدربين، وفرض شرط الحصول على شهادة من كلية التربية الرياضية لمزاولة مهنة التدريب، إضافة إلى وضع برامج تدريبية إلزامية لتطوير مهارات المدربين الحاليين.
أيضًا يجب إعادة النظر فى الرقابة والتشريعات، وتفعيل قوانين صارمة لمحاسبة الأندية والاتحادات فى حال الإهمال، وكذلك إنشاء هيئة رقابية مستقلة لمتابعة تنفيذ الإجراءات الصحية، إلى جانب التوعية والتثقيف، من خلال نشر الوعى بأهمية الفحص الطبى الدورى بين اللاعبين، وكذلك إقامة ورش عمل لتثقيف اللاعبين والمدربين حول الإسعافات الأولية وكيفية التعامل مع الأزمات الصحية.
الرياضة المصرية.. إلى أين؟
الوفيات المتكررة داخل الملاعب المصرية تكشف عن منظومة رياضية تعانى من أوجه قصور عديدة. الإهمال الطبي، غياب الكفاءة، وضعف الرقابة عوامل أساسية تقتل أحلام الرياضيين وتعرض حياتهم للخطر. إذا أرادت مصر النهوض برياضتها وحماية لاعبيها، فإن الإصلاح الشامل للمنظومة بات ضرورة ملحة. حقوق اللاعبين الراحلين لن تعود، لكن مستقبل الرياضة فى مصر يمكن إنقاذه إذا تحملت الجهات المسئولة مسئولياتها ووضعت حداً للإهمال المتكرر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإهمال الطبي المنظومة الرياضية وزارة الشباب والریاضة المنظومة الریاضیة الملاعب المصریة أحمد رفعت
إقرأ أيضاً:
ترميم مدرسة شمال العراق يكشف عن مقبرة جماعية تضم رفات العشرات
أعلنت السلطات العراقية العثور على مقبرة جماعية تضم 37 جثة، أثناء ترميم مدرسة في منطقة تلعفر بالموصل شمال العراق.
وقال محافظ تلعفر خليل محسن، إن القائمين على عملية ترميم المدرسة، أبلغوا دائرة الصحة ومؤسسة ذوي الشهداء العراقية بما عثروا عليه، وبعد حضور فرق البحث تبين وجود 37 جثة في المقبرة.
ولفت إلى أن الجثث تعود لأشخاص أعدمهم تنظيم الدولة، وقال إن الاعتقاد يسود بأنهم من التركمان من سكان الموصل بعد الاستيلاء عليها.
ولفت المحافظ إلى اعتقادهم بوجود العديد من المقابر الجماعية حول الموصل وتلعفر تعود إلى تلك الفترة.
واستولى تنظيم الدولة، على كامل محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار في العراق، وجزء من محافظتي ديالى وكركوك في عام 2014 .
وكان السلطات العراقية، أشرفت على فتح مقبرة جماعية تعود لضحايا نظام حزب البعث السابق، بحضور عدد من الجهات الرسمية والمحلية.
وقالت عقيلة رئيس الجمهورية، شاناز إبراهيم، خلال مؤتمر صحفي مشترك، إن عملية فتح المقبرة، تمثل خطوة إضافية نحو تحقيق العدالة، وإحياء ذكرى الضحايا الذين عانوا جرائم الإبادة الجماعية خلال حقبة النظام البائد.
وأضافت أن هذه المقبرة، التي اكتشفت عام 2019 تضم رفات أطفال ونساء ورجال دفنوا، قبل أكثر من أربعة عقود.
من جهته، قال محافظ المثنى مهند العتابي، إن الجهود مستمرة بالتنسيق بين الحكومة المحلية والجهات المختصة للتنقيب عن المقابر الجماعية وتوثيقها، وعددها في بادية السماوة 23 مقبرة.
وكانت السلطات العراقية، عثر في محافظة النجف في جنوب العراق على مقبرة جماعية تعود إلى تسعينات القرن العشرين، أخرج منها 15 جثمانا من أصل 100 يعتقد أنها دفنت فيها، على ما أفاد مسؤول السبت.
بدوره، أكد مدير عام دائرة المقابر الجماعية، ضياء كريم، أن عملية فتح المقبرة استمرت ثمانية أيام متواصلة.
وقال إن المقبرة تضم عشرات الرفات من مختلف الأعمار جميعهم يرتدون الزي الكردي.