بشير الديك هو أحد أعلام الكتابة السينمائية فى العالم العربى، الذى ترك بصمة لا تُمحى فى تاريخ السينما المصرية، وفى اتصال هاتفى مع «الوفد» طمأن محبيه على حالته الصحية بعد تعرضه خلال الأيام الماضية لأزمة صحية نُقل على أثرها إلى المستشفى ودخل الرعاية المركزة، وذلك بعد إصابته بالتهاب رئوى حاد، كما عبّر السيناريست فى حديثه عن تقديره العميق للمحبة والدعم الكبير الذى ناله من جمهوره وأصدقائه خلال محنته الصحية الأخيرة، وقال: «الحمد لله، حالتى الصحية تتحسن بشكل ملحوظ بعد الأزمة التى مررت بها، وقد عدت إلى منزلى الآن، أود أن أعرب عن شكرى وامتنانى لكل من وقف إلى جانبى فى تلك الفترة الصعبة، وكان لدعائهم ومساندتهم دور كبير فى تحسنى»، مؤكدًا أن الشعور بالحب والاهتمام الذى تلقاه من محبيه كان له أثر إيجابى على حالته الصحية، مضيفًا أن ذلك الدعم كان من العوامل المهمة التى ساعدته فى التعافى والخروج من العناية المركزة.

ويعد بشير الديك من أبرز المبدعين الذين استطاعوا أن يمزجوا بين الفن العميق والواقع الاجتماعى، ليقدموا أعمالًا تنبض بالإنسانية وتعكس التحديات التى يواجهها المجتمع، منذ بداياته فى السبعينات، أظهر الديك موهبة استثنائية فى الكتابة، حيث تمكن من تقديم قصص مؤثرة تحمل فى طياتها تساؤلات فلسفية عميقة حول الحياة والوجود، ليصبح من أهم كُتاب السيناريو الذين ساهموا فى تطوير السينما، كان لديه قدرة فائقة على بناء الشخصيات المعقدة وتقديم مواقف درامية تجمع بين التوتر النفسى والعمق الاجتماعى، مما جعل أفلامه تحتفظ بقدرتها على التأثير حتى اليوم.

أصبح اسم بشير الديك مرادفًا للإبداع والابتكار، ومصدر إلهام للأجيال القادمة التى تسعى للوصول إلى قمة التميز والابتكار.

وُلد بشير الديك فى قرية الخياطة التابعة لمدينة دمياط، فى مصر، وهو أحد الأسماء البارزة فى مجال الكتابة السينمائية والدرامية فى العالم العربى، كما حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة فى عام 1966، ثم بدأ مسيرته الأدبية بكتابة القصة القصيرة التى نشر العديد منها فى المجلات الثقافية المصرية والعربية، بعد ذلك، تحول إلى كتابة السيناريو للسينما، ليصبح واحدًا من أبرز كتّاب السيناريو فى تاريخ السينما المصرية.

كان أول أعماله فى السينما هو فيلم «مع سبق الإصرار» الذى عُرض عام 1979 من إخراج أشرف فهمى، وبطولة محمود ياسين ونور الشريف وميرفت أمين، وقد لاقى الفيلم نجاحًا كبيرًا، مما جعله يواصل مسيرته فى كتابة السيناريوهات لعدد من الأفلام المميزة، ثم تعاون الديك مع المخرج عاطف الطيب فى العديد من الأفلام التى تعد من أهم أعمال السينما المصرية، مثل «سواق الأتوبيس» و»ضربة معلم» و«ضد الحكومة» و»ناجى العلي»، إضافة إلى فيلم «ليلة ساخنة»، الذى نجح فى تحقيق شهرة واسعة.

كما تعاون بشير الديك مع المخرج محمد خان فى عدد من الأفلام البارزة، مثل «الرغبة»، «موعد على العشاء»، و«الحريف»، ما ساهم فى تعزيز مكانته فى صناعة السينما، إضافة إلى ذلك، أخرج فيلمين فقط خلال مسيرته، هما «الطوفان» الذى قام ببطولته محمود عبدالعزيز وفاروق الفيشاوى، و«سكة سفر» الذى شارك فى بطولته نور الشريف ونورا.

على الرغم من ابتعاده عن السينما لفترة طويلة خلال سنوات الألفية الجديدة، فإن بشير الديك عاد إلى الساحة السينمائية بفيلم «الكبار» عام 2010، من إخراج محمد جمال العدل، والذى لاقى قبولاً لدى النقاد والجماهير على حد سواء، ورغم قلة مشاركاته السينمائية، كانت له العديد من المساهمات فى مجال الدراما التلفزيونية، حيث قدم مجموعة من المسلسلات الناجحة التى رسخت فى ذاكرة الملايين، مثل «الأرض الطيبة» 1984، «بنات زينب» 1989، «حب تحت الحراسة» 1998، «الإمبراطور» 2002، «الناس فى كفر عسكر» 2003، «حرب الجواسيس» 2009، و«عابد كرمان» 2011.

كما قام بشير الديك بتطوير مجال الرسوم المتحركة فى السينما العربية، حيث كتب سيناريو فيلم «الفارس والأميرة»، الذى عُرض فى 2020، ليكون إضافة هامة لرصيد أعماله المتنوعة.

بشير الديك يعد من أبرز الأسماء التى أثرت فى السينما والتلفزيون المصرى، وظلت أعماله علامة فارقة فى تاريخ الفن السابع.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: على التعافى الحب والدعم بشیر الدیک

إقرأ أيضاً:

الحبّ الفلسفي

هل عاد الحب ليشكّل موضوعًا فلسفـيًا أساسيًا بعد أن أهملته الدراسات الفكرية لفترة طويلة؟ سؤال يُطرح، حين نجد هذا العدد من الفلاسفة الذين تصدّوا له فـي السنوات الماضية. فمن جان -لوك نانسي إلى جان -لوك ماريون، ومن آلان باديو وصولا إلى رون أوجين، (وغيرهم بالتأكيد)، نجد أن موضوعات الحب عادت لتحتل مكانة فـي تفكيرهم، لم تكن تعرفها فـي العقود الأخيرة. آخر الواصلين إلى هذا «السباق» الفرنسي فرانسيس وولف فـي كتابه «ما من حبّ مثالي» الصادر حديثا عن منشورات «فايار»، وهو كتاب صغير (72 صفحة)، مكثف، وخفـيف الظلّ يعلمنا عن الموضوع أكثر بكثير من الأعمال «الثقيلة والمعقدة». فانطلاقًا من فكرة أن الحب حاضرة اليوم فـي كل مكان - من أفلاطون إلى أفلام هوليوود، ومن فرويد إلى الأغاني الهابطة، ومن الروايات العظيمة إلى تلك الأكثر سوءا -يسأل الفـيلسوف الفرنسي «ما هو الحب»؟، ليحاول أن يقدم لنا جوابه ومساهمته.

يرى وولف أنه إذا كان كلّ تعريف عاما، فإنّ كل حبّ يكون خاصًا. من دون أن ينسى بالطبع أن الحب، كما هو الحال فـي الوجود عند أرسطو، يتمّ التعبير عنه بعدة معانٍ. فـي هذا الصدد، يميز -كما فعل الإغريق- بين «الفـيليا» (الصداقة القوية)، و«الإيروس» (الرغبة الجنسية)، و«الأغابي» (حب القريب)، و«الصَدَقة». لكن السؤال: هل تندرج هذه الأنواع المختلفة من الحب تحت المصطلح عينه؟ هل ثمة شيء مشترك بين حبّ الطفل أو الحبيب أو الجار؟ هل ترتبط أنواع الحب المختلفة بين العشاق من دون أن يتمّ اختزالها فـي قاسم مشترك فـي نهاية المطاف؟ وماذا عن شخص يحب الفاكهة مثلا؟ حتى شكسبير لم يشرح الكثير عندما أعلن عن لسان روميو أن «الحب دخان يتصاعد بدخان النظرات». ومن المؤكد أيضًا، أن سبينوزا يظهر نفسه أقل غموضًا عندما يطرح أن «الحب هو فرحة مصحوبة بفكرة سبب خارجي». ومع ذلك، لا يخشى وولف، الذي ينوي الاقتراب قدر الإمكان من موضوعه، الاقتراض من الفلسفة التحليلية فـي تعريفه الضمني (الحب يجعلنا نقوم بأفعال)، تمامًا كما هو الحال فـي تعريفه العاطفـي (الحب يجعلنا نختبر المشاعر) ...

فـي أي حال، لا يرغب المحب دائمًا الخير للحبيب. إذ كيف نفهم تصرف العاشقين فـي فـيلم «من يخاف فرجينيا وولف»؟ «،هاتان الكتلتان الغاضبتان» - اللتان جسدتهما كل من إليزابيث تايلور وريتشارد بورتون ببراعة- واللتان لا تتوقفان عن الشجار أبدا -طيلة الفـيلم-؟ فـي هذه المبارزات اللفظية، يزعزع عاشقا إدوارد ألبي، (اللذان يحملان اسمَيّ مارثا وجورج، وهما اسما الرئيس الأمريكي جورج واشنطن وزوجته)، كل الحلم الأمريكي. باختصار، وكما فـيتجنشتاين الذي يبحث عن «شبه عائلي» فـي الأفراد المجتمعين فـي صورة تجمع أجيالًا، يتساءل مؤلفنا عمّا إذا كانت المعاني المختلفة لمصطلح الحب مرتبطة ببعضها البعض، (إلى حدّ كبير أو صغير)، حتى لو لم يكن بينها، بالمعنى الدقيق للكلمة، أي شيء مشترك. وإذا نظرنا إلى كلّ شيء، فإن الأمر يتعلق بتوضيح المفاهيم، وتحديدها، وتصنيفها من دون إضفاء طابع جوهري عليها. ففـي هذا الصدد، تبدو اللعبة بعيدة كلّ البُعد عن البساطة؛ فحتى فـي الجريمة، نجد أن «عطيل» الغيور يقع فـي حب ديدمونة بجنون.

بعبارة أخرى، من دون علم الاجتماع (من دون تقليص كل شيء إلى قصص جوارب وطبقات اجتماعية)، من المناسب هنا أن نحاول فك شفرة كيمياء الحب، ومجموعاته، وقيمه، من دون إعطاء تعريف مجرد ثابت. فلتحقيق هذه الغاية، يقدم لنا الأدب هذه المتعة: تحديد تحليل الحب، من دون الهرمية (كل شيء يتحرك باستمرار)، حيث هناك ثلاثة أبعاد موجودة دائمًا بنسب متفاوتة: العاطفـي، والودود، والراغب. تشكل هذه النقاط الثلاث للمثلث خريطة للحنان. فمن دون أن تتكامل أو تحيد هذه التأثيرات بعضها عن بعض، فإنها تجذب هذا الاتجاه وذاك، وبالتالي تنظم سحر القصص. على الجانب الودي، يمكننا أن نجد الحب المطمئن والهادئ، مثل بول وفـيرجيني (قبل الدراما). عندما نقترب من العاطفـي، نواجه الحبّ السامي المحموم (كما فـي روميو وجولييت). أما على جانب الرغبوي، الجسدي، الذي غالبًا ما يكون غير اجتماعي ومتجاوزا، فلا بدّ أن نواجه تريستان وإيزولد اللذين يندمجان بشكل لا يمكن فصلهما عن بعضهما.

هذه هي الاتجاهات الهشّة، التي تتحد دائما بقدر ما تتحلل. يمكن أن يتحول الحديث الودود إلى تبادل لطيف: «إنه حبيبي السابق»، ويمكن أن يتأرجح الحديث العاطفـي بين «لا معك»، «ولا من دونك». يمكن للجسد (أي غير الروحي) أن يجف فـي بعض الأحيان (مثل قول بروست «لم تكن من النوع الذي أحبه»). كل الأشكال، كل المخاليط، ممكنة. علاوة على ذلك، من الصعب -وهنا حيث يصبح فك الشفرة مفـيدًا- أن نتخيّل حبًا من دون رغبة، من دون صداقة أو عاطفة. إن الإثارة العاطفـية الصرفة (إمبراطورية الحواس أو فايدروس) تلغي الآخر. ومع ذلك، فمن الصعب تصور الحب من دون أية رغبة. لكن كيف يمكننا أن نفكر فـي الحب فـي سجل الصداقة الخالصة، البعيد عن أي عاطفة؟ بالطبع، نحن نعرف عن الجنس الرائع («إنها صديقتي، ولا نعبث»)، ولكن ألا يقدم أصدقاء الجنس المعاصرون محاكاة للحب؟

فـي الأساس، يرى تصنيف وولف أن الأمثلة المضادة سوف تُعرض عليه دائمًا. من لم يواجه علاقات الحب (من دون شغف)، ما يسمى بالحب الأفلاطوني (من دون رغبة، ومن دون روابط جسدية)، الحب المرضي (من دون صداقة). فـي هذه الحالة، نواجه تعقيدات الحب؛ لأنه إذا كان متبادلًا فـي بعض الأحيان -ونادرًا ما يكون متماثلًا- فإن الحب لا وجود له من دون الرغبة فـي المعاملة بالمثل...

فـي الواقع، تريد الرغبة الآخر كآخر (إنها تستكشف الاختلاف). يحتاج الصديق إلى علاقة (أختار الصديق «لأنه هو، لأنه أنا»). أما العاطفـي فهو بطبيعة الحال مستعد للتنازل عن كلّ الحرية. تنشأ علاقات الحب من هذه التوترات، بينما الأزواج المستقرون لا يقدمون سوى القليل من مواد الرومانسية. لا يوجد شيء بعد «تزوجا وأنجبا العديد من الأطفال». فـي النهاية، الحب دائمًا يصبح غير مستقر. فـي الواقع، إذا كانت الصداقة علاقة، فإن الرغبة هي تصرف، والعاطفة هي حالة، واحتراق متحرك. حين يكون مؤثرا، لا يتوقف الحب أبدًا عن التصادم بين مكوناته المتناقضة دائمًا. يعرف الجميع -يقول لنا «الوجود والعدم»- إنني أبحث عن الحبيب كشخص حرّ وممتلك لي. وهنا يوضح سارتر بوضوح أن «حرية الآخر هي ما نريد الاستيلاء عليه... من يريد أن يكون محبوبًا فلا يرغب فـي استعباد المحبوب... إنه لا يريد امتلاك آلية... وبالتالي، فإن المحب لا يرغب فـي امتلاك المحبوب كما يمتلك المرء شيئًا... إنه يريد امتلاك الحرية باعتبارها حرية». ونحن نعلم أيضًا أن المرغوب فـيه قد لا يكون محبوبًا على الإطلاق، ولكننا نحبه على الرغم من ذلك. فالحب، أكان مجنونا أم لا، هو حب أعمى. وإذا كان الشغف الزائد يقتل الحب، فإن الافتقار إلى الشغف يعيدنا على الفور إلى فتور «الصديق الصدوق».

وبينما نسير عبر متاهات الحب، يسلط وولف، من دون أن يصبح معياريًا أو نفسيًا على الإطلاق، الضوء على الطرق الألف التي تتصادم بها ذرّات الحب باستمرار. وهنا نجد سؤالًا أنثروبولوجيًا: لخلق إنسان، نحتاج إلى مجتمع سياسي (المدينة)، ومجتمع أقصى (الإنسانية)، ولكن أيضًا إمكانية وجود المجتمع الأكثر بساطة وأولية، ألا وهو الصداقة.

فـي نهاية المطاف، يواجهنا الحب بثلاثية. تشير الرغبة إلى الحياة، والعاطفة إلى الفاعل، والصداقة إلى بداية الرابطة الاجتماعية. فـي هذه المرحلة، فإن الحب غير المستقر، غير المتجانس، المتضخم أو السخيف، يجعلنا نلمس إحدى القوى الدافعة فـي حياتنا. بكلّ رقة، تدعونا فئات الفـيلسوف الجميلة إلى الاستماع إلى موسيقى تجاربنا، ودمجها مع تجارب الآخرين. وكفـيلسوف، يتذكر فرانسيس وولف ديكارت، عندما كان طفلًا، والذي أحبّ فتاة تعاني من الحول («إلى درجة أنني بعد فترة طويلة، عندما رأيت أشخاصًا يعانون من الحول، شعرت بميل أكبر إلى حبهم من حبّ الآخرين»). فـي هذا السياق الديكارتي، يؤكد وولف أيضًا أن الحبّ يمنحنا دليلًا حيًا على الوحدة المطلقة للعقل والجسد. فـي الواقع، عندما أشعر بالألم أو عندما أحب، أعلم (كروح متجسدة) أنني لست محصورًا فـي جسدي مثل الربان فـي سفـينته. بخطوات تشبه خطوات الحمّام، من دون صيغ، ولكن من خلال صياغة الفئات، تجعلنا هذه المسيرة الممتعة نختبر، بفضل مائة مثال، حيل التجربة التي تجعلنا بشرًا.

إسكندر حبش كاتب وصحفـي من لبنان

مقالات مشابهة

  • رونالدو يقتحم عالم السينما
  • مدير دفاع مدني أبوظبي يستقبل فريق البحث والإنقاذ العائد من ميانمار
  • لقطات من أحدث أجزاء المهمة المستحيلة قبل عرضه بمهرجان كان السينمائي
  • مجلس الوزراء يعقد اجتماعه الإسبوعي ويبحث عددا من الموضوعات المهمة
  • الخميس ملعب مصراتة يستضيف مواجهة السويحلي و الأولمبي المهمة من أجل صدارة المجموعة الثالثة
  • "السينما الفرنكوفونية" يثمن زيارة ماكرون لمصر: رسائل مهمة وإعلاء لقيم الفن والثقافة
  • الحبّ الفلسفي
  • دعوة لنشر الجمال برعاية وزارتيْ السياحة والآثار والثقافة
  • يونامي تعلق على حادثة وفاة المهندس بشير خالد
  • الإسلاميون والدعم السريع تضاد التمكين