حكم الحلف بالنبي وهل الحنث فيه يستوجب الكفارة؟ سؤال أجاب عنه الدكتور مجدي عاشور المستشار السابق لمفتي الجمهورية، وذلك ردا على سؤال: ما حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهل يجب بالحنث فيه كفارة ؟

حكم الحلف بالنبي وهل الحنث فيه يستوجب الكفارة؟ 

وقال عاشور في بيانه حكم الحلف بالنبي، إن الحلف يقصد به الأيمان المؤكدة للخبر سواء في ثبوت الأشياء المحلوف عليها أو نفيها، مشيراً إلى اتفاق الفقهاء على أن الحلف بالله تعالى يعتبر يمينًا شرعية ، يجب بالحنث فيها كفارة، واختلفوا في حكم الحلف بنبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فهو مكروه عند الحنفية تخريجا على كلامهم في الحلف بغير الله تعالى، وحكى ابن عابدين عن الْقُهُسْتَاني القول بالحرمة .

وأكد أن المعتمد عند المالكية والشافعية أن هذا الحلف ليس بمحرم ، بل مكروه . وهو عند الثلاثة من لغو اليمين فلا يجب بالحنث فيه كفارة .

قال العلامة ابن عابدين في "حاشيته": [مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَهَلْ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ.. وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ.. وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهَا , وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لا تُكْرَهُ لأَنَّهَا يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا , وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ وَأَبِيك وَلَعَمْرِي ا هـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ . وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِهِ تَعَالَى تَارَةً يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ : أَيْ اتِّثَاقُ الْخَصْمِ بِصِدْقِ الْحَالِفِ كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلاقِ وَالْعَتَاقِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ , وَتَارَةً لا يَحْصُلُ مِثْلُ وَأَبِيك وَلَعَمْرِي فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ فِيهِ شَيْءٌ فَلا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثِيقَةُ , بِخِلافِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " { مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى } " إلَخْ مَحْمُولٌ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ عَلَى غَيْرِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَارَكَةِ الْمُقْسَمِ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْظِيمِ]

وقال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير 1/ 330": [وَلا بِنَحْوِ النَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ ) مِنْ كُلِّ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لا يَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينٌ , وَفِي حُرْمَةِ الْحَلِفِ بِذَلِكَ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلانِ]، قال العلامة الصاوي عليه: [قَوْلُهُ: "قَوْلانِ" الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا الْكَرَاهَةُ]

وقال ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج 10/ 4" :[فلا تنعقد بمخلوق: كنبي وملك للنهي الصحيح عن الحلف بالآباء.. وحملوه على ما إذا قصد تعظيمه كتعظيم الله تعالى، فإن لم يقصد ذلك أثم عند أكثر أصحابنا أي: تبعا لنص الشافعي الصريح فيه، كذا قاله شارح.

ما حكم الحلف بالطلاق للإصلاح بين المتخاصمين؟.. أمين الفتوى يجيب فتاوى تشغل الأذهان| خطأ شائع في كفارة اليمين يقع فيه البعض.. وهل يجوز جمع عقائق أبنائي في واحدة؟

والذي في شرح مسلم عن أكثر الأصحاب الكراهة وهو المعتمد وإن كان الدليل ظاهرا في الإثم... وقال ابن الصلاح: يكره بماله حرمة شرعا كالنبي ويحرم بما لا حرمة له كالطلاق]

وذهب الإمام أحمد إلى أنه ينعقد به يمين شرعية موجبة للكفارة ، وعليه المذهب ، وقال به أكثر علماء الحنابلة ، وقد استدلَّ لذلك بأنه أحد ركني الشهادة كاسم الله تعالى ، فهو من باب تعظيمه بتعظيم الله له ، كما حمل محققو المذهب قول الإمام أحمد على استحباب الكفارة لا وجوبها .

قال الإمام ابن قُدَامة في "المغني 9/ 514-515": [قال أصحابنا: الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم يمين موجبة للكفارة. وروي عن أحمد أنه قال: إذا حلف بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنث، فعليه الكفارة. قال أصحابنا: لأنه أحد شرطي الشهادة، فالحلف به موجب للكفارة، كالحلف باسم الله تعالى... وكلام أحمد في هذا يحمل على الاستحباب دون الإيجاب]

قال العلامة المرداوي في "الإنصاف 11/ 14-15": [وأما الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم : فقدم المصنف هنا: عدم وجوب الكفارة . وهو اختياره . واختاره أيضا الشارح، وابن منجا في شرحه، والشيخ تقي الدين رحمه الله. وجزم به في الوجيز . وقال أصحابنا: تجب الكفارة بالحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. وهو المذهب. وعليه جماهير الأصحاب. قال في الفروع: اختاره الأكثر، وقدمه. وروي عن الإمام أحمد رحمه الله مثله. وهو من مفردات المذهب. وحمل المصنف ما روي عن الإمام أحمد رحمه الله على الاستحباب].

وشدد مجدي عاشور : حمل المحققون النهي عن الحلف بغير الله تعالى على ما قُصد به حقيقة الحلف، أما إذا كان على سبيل العادة أو الترجي أو تأكيد الكلام فجائز ولا حرج فيه، وذلك لوروده في الأدلة الشرعيَّة والتي منها حديث الرجل النجدي الذي سأل عن الإسلام.. وفي آخره: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» أَوْ «دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» (صحيح مسلم/ 11).

وأكد أن الحلف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقصد حقيقة اليمين أمر يدور الحكم فيه بين الحرمة عند بعض الأحناف والكراهة عند بعضهم ولم ينصوا أهي كراهة تنزيه أم تحريم على مصطلحهم ، وهو مكروه عند المالكية والشافعية في المعتمد لديهما وفي قول لأحمد .. والجواز هو المعتمد عند الحنابلة .

ومع ذلك فالخروج من الخلاف مستحب، ويتم ذلك بتعليم الناس وليس بتبديعهم أو تكفيرهم بسبب ظاهر الحديث .. ولا نؤثمهم لأن القول بالحرمة هو قول من الأقوال . والقاعدة أنه : " لا يُنْكَرُ المختَلَف فيه " .

أما إذا كان على سبيل جريان العادة التي يقصد بها الترجي أو تأكيد الكلام لا حقيقة الحلف، فهو أمر جائز ولا حرج فيه باتفاق ؛ إذ قد ورد في نصوص السنة الشريفة وكلام السلف الصالح .

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الكفارة مفتى الجمهورية الحلف بغير الله ه صلى الله علیه وسلم الإمام أحمد الله تعالى ال ح ل ف ت ع ال ى

إقرأ أيضاً:

حكم صيام بعض أيام النصف الثاني من شعبان.. الأزهر للفتوى يجيب

أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية الحكم الشرعي لصيام الأيام في النصف الثاني من شهر شعبان، وذلك ردًا على تساؤلات عديدة حول جواز الصيام في هذه الفترة من الشهر المبارك.

واستشهد المركز في بيانه بقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، موضحًا أن النبي ﷺ كان يُكثر من الصيام في شعبان، حيث قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت رسول الله ﷺ أكثر صيامًا منه في شعبان" [متفق عليه]، مما يدل على أن الصيام في هذا الشهر مشروع بإطلاق.

أما فيما يتعلق ببدء الصيام بعد انتصاف شهر شعبان، فقد أوضح المركز أن الفقهاء اختلفوا في الحكم الشرعي لهذا الأمر، حيث أجمعوا على جواز الصيام في النصف الأول، لكنهم تباينوا بشأن النصف الثاني نظرًا لتعدد الروايات الحديثية.

فقد وردت أحاديث تدل على أن النبي ﷺ كان يصوم معظم أيام شعبان دون تقييد، كما جاء في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.

 في المقابل، هناك أحاديث تجيز الصيام بعد النصف لمن اعتاد الصيام، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه".

وعلى الجانب الآخر، ورد حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" [أخرجه أبو داود والترمذي]، وهو الحديث الذي استند إليه بعض الفقهاء في القول بعدم جواز الصيام في النصف الثاني من شعبان.

وفي محاولة للجمع بين الأدلة، ذهب فقهاء الشافعية إلى تحريم صيام التطوع بعد النصف من شعبان إلا لمن كان معتادًا على الصيام أو وصله بصيام في النصف الأول، أو كان الصيام لقضاء أو نذر أو كفارة، فحينها لا يكون محرمًا.

اثنان لا يغفر الله لهما في ليلة النصف من شعبان .. احذر أن تكون منهماأدعية مستحبة ليلة النصف من شعبان.. رددها حتى تكون من الفائزينموعد ليلة النصف من شعبان 2025.. فضلها والأعمال المستحبة فيها.. ودعاؤها المستجابدعاء ليلة النصف من شعبان.. كلمات أوصى بها النبي السيدة عائشة

أما جمهور الفقهاء، فقد أباحوا صيام التطوع في النصف الثاني من شعبان، سواء لمن اعتاد الصيام أو لم يعتده، مستثنين فقط صيام يوم الشك، واستدلوا بأن الحديث الذي يحرم الصيام بعد النصف ضعيف، حيث قال الإمام أحمد وابن معين إنه حديث منكر، كما أشار الخطابي إلى أن هذا الحديث كان يُنكر من رواية العلاء بن عبد الرحمن.

في المقابل، ردّ القائلون بالتحريم بأن الحديث المذكور قد صححه عدد من العلماء مثل ابن حبان، وابن حزم، وابن عبد البر، كما أن العلاء بن عبد الرحمن قد وثقه الأئمة، واحتج به مسلم وابن حبان وغيرهما، وبالتالي فالحديث صحيح ولا يمكن إهماله.

وفي التوفيق بين الروايات، قال الإمام ابن حجر الهيتمي إن حديث النهي عن الصيام بعد منتصف شعبان يُحمل على من لم يكن له عادة سابقة في الصيام، أما من كان يصوم قبل النصف واستمر، أو صام للنذر أو القضاء أو غير ذلك من الأسباب المشروعة، فلا يشمله النهي.

وبذلك، يتضح أن صيام النصف الثاني من شعبان جائز لمن اعتاد الصيام أو كان لديه سبب شرعي، أما من لم تكن له عادة في الصيام وأراد البدء بعد النصف، فالأفضل له أن يتركه حتى لا يقع في خلاف فقهي.

مقالات مشابهة

  • مجدي عبد الغني يرد على هجوم كهربا: “بأشفق عليه”
  • حكم صيام الكفارة والنذر مع صيام رمضان
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • حكم صيام بعض أيام النصف الثاني من شعبان.. الأزهر للفتوى يجيب
  • كيف توزان بين العبادات ومطالب الحياة؟ عالم أزهري يجيب
  • حقيقة العرض الإماراتي لضم مجدي أفشة
  • مواجهة الشائعات في الإسلام.. كيف تعامل النبي مع الفتن؟.. المفتي يجيب
  • كيف كان النبي يتعامل في الأسواق مع الناس؟.. الشيخ أحمد الطلحي يُوضح
  • الأزهر يجيب على شبهة حديث "النساء ناقصات عقل ودين"
  • هل يجوز الحلف بالمصحف كذبًا للضرورة ؟ .. اعرف الرد الشرعي