حركة "حباد" -وتعرف أيضا بـ"حباد لوبافيتش"- هي حركة يهودية أرثوذكسية حسيدية، يقع مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة الأميركية، أسسها الحاخام شنيور زلمان في القرن الـ18 في روسيا البيضاء (بيلاروسيا)، ومع بداية الألفية الثالثة صار لها أتباع بالآلاف، وحتى عام 2021 أرسلت الحركة 4900 عائلة يهودية في بعثات إلى 100 دولة وإقليم بهدف إدارة بيوت تعليم اليهودية الحسيدية.

النشأة والتأسيس

من قرية لياودي الصغيرة في روسيا البيضاء نشأت حركة حباد عام 1775 على يد الحاخام شنيور زلمان (يعرف بالرِّبّي ألتر) الذي تتلمذ على يد قادة في الحركة الحسيدية الناشئة حينئذ.

وقد وضع زلمان الأسس الأولى للحركة، وركّز على دراسة نصوص القبّالة (التصوف اليهودي)، ونشر التعاليم الحسيدية، وألّف كتاب "هتانيا"، الذي يحوي الأفكار الرئيسية لفلسفة الحركة، واختار اسم "حباد" لحركته، وهو اختصار لـ3 كلمات عبرية هي الحكمة والفهم والمعرفة، تلخص الفلسفة الدينية الأساسية للطائفة.

الفكر والأيديولوجيا

تسعى حركة "حباد" إلى إحياء المفاهيم اليهودية في نفوس أتباعها، وزرع شعور التفاني والمحبة تجاه الآخرين، وتهدف إلى تقريب اليهود غير المتدينين من عقيدتهم.

وتتوافق ممارسات حباد مع الممارسات الأرثوذكسية اليهودية العامة والمجموعات الحسيدية، لكن لها بعض العادات الفريدة في اللباس وفي طرق الاحتفال بالأعياد.

ومن الآراء التي تروج لها حركته رفض فكرة "الأرض مقابل السلام"، كما تدعو إلى ترحيل وقتل العرب، وحسبما ذكر في كتاب "هَتانيا" (الكتاب الأصولي الأشهر للحركة)، فإن "غير اليهود كلهم مخلوقات شيطانية ليس بداخلها أي شيء جيد على الإطلاق"، كما أن الكتاب ينص على أن "على اليهود الخروج من بلاد الأغيار المدنّسة، والاستيطان في أرض فلسطين المقدّسة".

وتميّزت الحركة عن غيرها من الحركات الحسيدية المنعزلة بمحاولتها الاستفادة من الأدوات الحديثة للوصول إلى كل المجتمعات اليهودية المشتتة حول العالم، فاكتسبت بذلك حضورا وشهرة عالميين.

وتعتمد الحركة في توسيع نفوذها عالميا على مبعوثيها المعروفين باسم "شلوشيم"، وغالبا ما ترسل أسرة كاملة لإدارة "بيت حباد" في دولة ما.

يهود أرثوذكس حسيديون في مقر حركة "حباد لوبافيتش" ببروكلين في نيويورك عام 1986 (غيتي) الأعلام والرموز شنيور زلمان

وُلد زلمان في 18 سبتمبر/أيلول 1745، في بلدة ليوزنا في روسيا البيضاء، وبدأ في تلقي العلوم الدينية في سن مبكرة، إذ انضم إلى عضوية "جمعية القداسة" في المدينة وعمره آنذاك لم يتجاوز الخامسة، وحصل على لقب حاخام في سن الثامنة.

وبعدما بلغ الـ18 سافر إلى بلدة ميزريتش وانضم إلى الحركة الحسيدية، وكان يديرها حينئذ الحاخام دوف بير، وسرعان ما أصبح زلمان أحد أبرز تلاميذه.

بعد وفاة الحاخام بير عام 1773، عُين زلمان مسؤولا عن تنظيم أعمال الحسيدية وتوسيع نشاطاتها، وأسس بعد عامين "حركة حباد" لنشر تعاليم الحسيدية.

في تلك الفترة برزت "حركة التنوير اليهودية" (هسكلاه)، وكانت تدعو إلى تبني قيم عصر التنوير والعلمانية، وإلى اندماج اليهود في المجتمع الأوروبي، إذ كانوا معروفين بانعزالهم، فوقفت أمام حركات يهودية عدة خالفتها في توجهها، منها حركة "حباد" التي صارت هدفا رئيسيا لها.

عانى زلمان من حركة التنوير اليهودية، وتعرّض بسببها للاعتقال، وقضى 53 يوما في السجن مهددا بالإعدام، قبل أن تبرئه الحركة وتطلق سراحه.

واصل الحاخام زلمان -الذي كان يؤمن بضرورة إقامة "دولة يهودية على أرض الميعاد من نهر النيل إلى نهر الفرات"- تطوير وتوسيع حركة "حباد" حتى وفاته في 24 ديسمبر/كانون الأول 1813.

مناحيم مندل شنيرسون

وُلد مناحيم مندل شنيرسون في 18 أبريل/نيسان 1902 بنيكولايف جنوب أوكرانيا، وهو الحفيد الخامس للحاخام الثالث لحركة "حباد لوبافيتش".

وبعد وفاة قائد الحركة السادس الحاخام يوسف إسحاق في يناير/كانون الثاني 1950، خَلفه شنيرسون في يناير/كانون الثاني 1951، وباتت مئات المعاهد التربوية تحت تحكّمه، وصار مرشدا ومكتبه مَقصَدا لليهود لاستشارته في حلول لمشاكلهم الشخصية، أو للقضايا العامة التي تواجه الجماعات اليهودية في العالم أو في إسرائيل.

وطوال 40 عاما من قيادة الحركة، استطاع شنيرسون تحويل "حباد" من طائفة صغيرة نسبيا، إلى "قوة يهودية مؤثرة عالميا"، إذ أرسل مبعوثين إلى جميع القارات، بهدف احتضان "جميع اليهود باختلاف أصولهم وأفكارهم"، ونشر التعاليم اليهودية في الجماعات اليهودية المتشتتة، فقد كان من دعاة رفض الانعزال الديني.

وتوفي الحاخام السابع لحركة "حباد" شنيرسون في يونيو/حزيران 1994، بعد أن تعرض لجلطة دماغية قبلها بعامين، أدت إلى شلل جانبه الأيمن، وفقده القدرة على الكلام. ولم يخلفه أحد في قيادة حركة "حباد"، ولا يزال كثير من أتباعه يؤمنون بأنه سيبعث من جديد لأنه "المسيح المنتظر".

أتباع شنيرسون يحملون نعشه من مقر الحركة في حي بروكلين بنيويورك لدفنه يوم 12 يونيو/حزيران 1994 (رويترز) أبرز المحطات

عقب وفاة الحاخام شنيور زلمان، انقسم اتباع الحركة إلى مجموعتين: الأولى قادها ابنه دوف بير شنئوري، والأخرى اتبعت تلميذه أهارون هاليفي.

ونقل الابن بير مقر الحركة إلى بلدة لوبافيتش الروسية القريبة من الحدود مع روسيا البيضاء. وظلّت الحركة متمركزة هناك قرابة قرن، ثم نقلها شالوم دوف بير شنيرسون إلى مدينة روستوف الروسية عام 1915.

وبعد وفاة الحاخام شنيرسون عام 1920، تولى ابنه الوحيد يوسف إسحاق قيادة الحركة، في فترة سياسية حرجة عانت منها روسيا بعد اندلاع الثورة البلشيفية، التي فرَضت الشيوعية إلحادا رسميا في روسيا.

واعتقل إسحاق وسجن بتهمة التخطيط لنشاط مضاد للثورة، وأجبر في نهاية المطاف على مغادرة روسيا، وعاش فترة في لاتفيا وبولندا قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة عام 1940.

وعقب وفاة إسحاق عام 1950، خلفه في زعامة الحركة الحاخام مناحيم مندل شنيرسيون (زوج ابنته)، الذي نشر فكر الحركة عالميا، وحرص على إرسال مبعوثين إلى جميع القارات، بهدف نشر التعاليم اليهودية في الجماعات اليهودية المتشتتة.

وطالبت الحركة، في فترة قيادة شنيرسون، الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بضم الأراضي الفلسطينية والجولان بعد حرب عام 1967، معتبرة ذلك أمرا مقدسا لا يقل أهمية عن انتظار ظهور المسيح.

وظل مناحيم ينشر أفكار الحركة حتى وفاته عام 1994، ولم يخلفه في زعامتها أحد، لكنها حافظت على اتساعها وانتشارها، وصارت الأكثر انفتاحا بين الجماعات "اليهودية والأرثوذكسية المتشددة" في العصر الحديث.

وفي أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات غلاف غزة، انتشرت صور لجنود إسرائيليين من أتباع الحركة، يعلنون فيها تحويل مبنى في بلدة بيت حانون في غزة إلى بيت "حباد".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات روسیا البیضاء الیهودیة فی یهودیة فی فی روسیا

إقرأ أيضاً:

الحركة الإسلامية والجيش السوداني: لعبة التصنيفات وإساءة التوصيف

كتب الدكتور عزيز سليمان استاذ السياسة و السياسات العامة

في خضم الصراعات السياسية التي عصفت بالسودان في العقود الأخيرة، برزت قوى الحرية والتغيير كتيار سياسي طامح لقيادة المشهد الوطني، لكنها وقعت في فخ التعميمات الخاطئة والاتهامات غير المسؤولة. لقد حاولت هذه القوى، بمساندة آلتها الإعلامية، ربط الجيش السوداني القومي، بكامله، بالحركة الإسلامية، في محاولة لتشويه صورته وتقويض دوره كمؤسسة وطنية. هذا التوصيف المتهافت لم يتوقف عند حد التعميم، بل تجاوزه إلى اختزال الجيش في شخصيات بعينها، كعلي كرتي وسناء حمد، في محاولة لتسطيح الواقع السياسي المعقد وتغذية الاستقطاب. هذا المقال يسعى لتفنيد هذه الرواية، وكشف زيف الادعاءات التي تحيط بهذه الشخصيات، مع إبراز الفشل الفكري للسياسيين غير الإسلاميين في مواجهة التيار الإسلامي.

- علي كرتي: أسطورة مختلقة أم ذكاء تنظيمي؟

علي كرتي، الذي يُشار إليه أحيانًا كـ”رأس الحركة الإسلامية”، ليس سوى رمز تضخم حضوره بفعل الدعاية المناهضة أكثر من حقيقة دوره السياسي. كرتي، الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد النظام البائد، لم يكن يومًا مفكرًا سياسيًا أو صاحب رؤية استراتيجية. خبرته السياسية، إن وجدت، كانت إدارية بحتة، تقتصر على تنفيذ سياسات النظام دون إبداع فكري يُذكر. لقد رفعته قوى الحرية والتغيير، عن غير قصد، إلى مرتبة “العقل المدبر”، في محاولة لإضفاء طابع شخصي على صراعهم مع الحركة الإسلامية.
علي ذات نسق رافعة "السيليكون الناطق" حميدتي و صمتهم المريب في تحركاته السياسية و قبولهم بوضعه نائبا لرئيس مجلس السيادة
لكن، وفي تناقض صارخ، يُنسب إلى كرتي وتنظيمه ذكاء تنظيمي استثنائي، حيث استطاعوا، كما يُزعم، حماية السودان من الانهيار الكامل عبر تأسيس كتائب خاصة ساندت الجيش في مواجهة التمرد. هذه الرواية، رغم مبالغتها، تُظهر كيف استغلت الحركة الإسلامية الفراغ السياسي والإعلامي لتعزيز صورتها كقوة وطنية. لكن الحقيقة أبسط: كرتي ليس عبقريًا سياسيًا، بل مجرد عنصر في نظام تنظيمي استفاد من ضعف خصومه. مساهماته الفكرية في السودان شبه معدومة، وتأثيره الحقيقي لم يتجاوز حدود الدعاية التي غذاها خصومه.

- سناء حمد: ظلال علي عثمان وغياب الشخصية السياسية

أما سناء حمد، فهي نموذج آخر للشخصيات التي تم تضخيم دورها بشكل غير مبرر. كواحدة من الأسماء المرتبطة بالحركة الإسلامية، حاولت قوى الحرية والتغيير تصويرها كرمز للنفوذ الإسلامي في الجيش. لكن تاريخ سناء حمد يكشف عن شخصية تفتقر إلى الاستقلالية السياسية، وتعمل كمجرد تابع لعلي عثمان محمد طه، أحد أبرز قادة النظام البائد. لم تُعرف سناء بأي إسهام فكري أو رؤية سياسية، بل كانت جزءًا من آلة تنفيذية تخدم أجندة النظام دون إبداع أو تميز.
إن محاولة ربط الجيش بسناء حمد ليست سوى محاولة يائسة لتشويه المؤسسة العسكرية. فسناء، ككرتي، لا تملك الخبرة أو الكفاءة لإدارة شؤون الدولة، ودورها لم يتجاوز التماهي مع خطاب النظام السابق. إن اختزال الجيش في مثل هذه الشخصيات هو إهانة لتاريخه القومي وتضحياته في الحفاظ على وحدة البلاد.
- فشل المعارضة الفكري وتضخيم الخصم
إن أبرز ما يميز السياسيين السودانيين غير الإسلاميين هو عجزهم عن مواجهة التيار الإسلامي على المستوى الفكري. لم يتمكنوا يومًا من تقديم بديل فكري متماسك يفضح محدودية الإسلاميين أو يكشف هشاشة رؤيتهم. بدلاً من ذلك، لجأوا إلى استراتيجية التشويه والتعميم، فنسبوا الجيش بكامله إلى الحركة الإسلامية، في محاولة لاستمالة الرأي العام و تنفيذ خطة كاتب الرواية . لكن هذه الاستراتيجية ارتدت عليهم، إذ استغلت الحركة الإسلامية هذا التوصيف لتعزيز صورتها كمدافعة عن الوطن.
في هذا السياق، برزت مسميات مثل “كتائب الـبراء” التي قاتلت إلى جانب الجيش، مما أكسبها احترامًا شعبيًا لم تكن لتحظى به لولا الأخطاء الإعلامية لخصومها. لقد حولت الحركة الإسلامية، بذكاء، الاتهامات الموجهة إليها إلى فرصة لتأكيد وجودها كقوة وطنية، في حين فشلت قوى الحرية والتغيير في تقديم رواية بديلة تحترم عقلية الشعب السوداني.
خاتمة: الوطن فوق المصلحة
إن السياسي الصادق هو من يميز بين مصلحة الوطن ومصالحه الضيقة. الجيش السوداني، كمؤسسة قومية، ليس ملكًا لفصيل أو شخصية، بل هو رمز للوحدة الوطنية. محاولات ربطه بالحركة الإسلامية أو اختزاله في أسماء مثل علي كرتي أو سناء حمد ليست سوى انعكاس لضعف الخطاب السياسي لدى خصومهم. في المقابل، استطاعت الحركة الإسلامية استغلال هذه الأخطاء لتعزيز صورتها، لكن ذلك لا يعني أنها تملك رؤية فكرية حقيقية تخدم السودان.
السودانيون، شعب لا يُهزم، أثبتوا عبر تاريخهم أنهم قادرون على مواجهة أي تسلط، مهما طال الزمن. إن عظمة هذا الشعب تكمن في تمسكه بالوطن، وإجلاله لمن يقاتل دفاعًا عنه، سواء كان جيشًا قوميًا أو كتائب شعبية. لكن التحدي الأكبر يبقى في بناء خطاب سياسي يتجاوز الاتهامات السطحية، ويؤسس لمستقبل يحترم عقلية هذا الشعب وتضحياته.

quincysjones@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • ترامب يواجه ثورة يهودية داخلية: لا تستغلنا لقمع الآخرين
  • الشيباني يعقد اجتماعات بنيويورك ويلتقي ممثلي الجالية السورية اليهودية
  • وزير الخارجية يلتقي وفداً من الجالية السورية اليهودية في نيويورك
  • الجالية اليهودية تشن حملة ضد عمدة شيكاغو والسبب الكوفية الفلسطينية
  • علامات قد تكون مؤشرا لإصابتك باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
  • ارتداء عمدة شيكاغو الكوفية يثير يغضب الجالية اليهودية
  • ارتداء عمدة شيكاغو الكوفية يغضب الجالية اليهودية
  • نشأت الديهي يكشف تفاصيل استقبال الرئيس السيسي للحاكم العام لأستراليا
  • قناة السويس لا علاقة لها بأمريكا.. نشأت الديهي يعلق على تصريحات ترامب
  • الحركة الإسلامية والجيش السوداني: لعبة التصنيفات وإساءة التوصيف