ما إن سمعت بخبر تدشين مشروع الرحلة الاستكشافـية « سلطنة عمان جوهرة العرب» حتى قفز إلى ذهني مباشرة أول كتاب قرأته عن عبور صحراء الربع الخالي، وكان بعنوان البلاد السعيدة لمؤلفه برترام توماس والذي يعيد هذا المشروع إحياء رحلته التاريخية التي قام بها للربع الخالي عام 1928. رجعت إلى مكتبتي التي كساها الغبار لأجد الكتاب بنسخته القديمة حين قامت وزارة التراث القومي والثقافة آنذاك بطباعة الكتاب فـي 1982 بترجمة شيخ المترجمين محمد أمين عبدالله.
شجعتني الذكرى لأعيد قراءة الكتاب من جديد وكأنني أقرأه لأول مرة فعنوانه يدفع أي قارئ لمعرفة ما هي البلاد السعيدة ولم هي سعيدة؟ ولماذا اختار المؤلف هذا العنوان الذي هو فـي الأصل الاسم الذي أطلقه الرومان القدماء على البلاد العربية التي تقع فـي جنوب الجزيرة العربية وتحديدا ظفار واليمن ومنه استقى المؤلف عنوان كتابه استذكارا للتاريخ واحتفاء بتراث وعراقة وحضارة تلك البلاد وأهلها التي كما قال المؤلف عنها بأنها «تدل على حضارات سبئية أو معينية قد اندثرت قبل ظهور الإسلام» وبهذا التساؤل يبدأ المؤلف كتابه فـي البحث عن أصل العرب العاربة والمستعربة وهذا التساؤل دفعه إلى الحصول على بعض الجماجم البشرية القديمة والقيام بفحص وقياس الجماجم البشرية لبعض رفقائه ومساعديه بغية الحصول على إجابة لتساؤلاته تلك وإرسال بعض منها إلى لندن مسقط رأسه للدراسة.
لم أنته من قراءة الكتاب فهو يقع فـي 400 صفحة ويحتوي على 20 فصلا تحدثت عن الموقع الجغرافـي والتاريخي لظفار والعادات والتقاليد التي كانت سائدة فـي ذلك الزمان فـي بدايات ثلاثينيات القرن الماضي ووصف بديع لتضاريس المنطقة والناس والقبائل التي تسكن ظفار وجبال القرا وبدايات رحلته فـي عبور الرمال ابتداء من مدينة صلالة على سواحل بحر العرب إلى مدينة الدوحة القطرية على سواحل الخليج العربي مرورا بصحراء الربع الخالي والصعاب التي تعرض لها فـي سبيل إتمامه لتلك الرحلة باعتباره أول مستكشف يقوم بتلك الرحلة المجهولة فـي الأراضي التي لم تطأها قدما مستكشف قبله باستثناء القبائل البدوية التي كانت تقطن أو ترحل فـي تلك الصحراء الشاسعة.
للكتاب والرحلة قيمة حضارية ومعرفـية ليس فقط لسكان الجزيرة العربية أو العرب بوجه عام وإنما للعالم أجمع، فالصحراء الشاسعة والتي كانت مجهولة للعالم أجمع وتعتبر من أكثر الأماكن غموضا وخطورة فـي العالم لا يجرؤ أي مغامر على عبورها واستكشافها ورسم خرائط تفصيلية عنها، إلى أن جاء برترام توماس وقرر الدخول فـي مغامرة فشل فـيها من سبقه من الرحالة والمستكشفـين من أمثال ريتشارد بيرتون الذي لم يكتب لرحلته النجاح، غير أنه أي توماس فتح الباب على مصراعيه لباقي المستكشفـين والرحالة الأوروبيين لاستكشاف الربع الخالي من أمثال جون فـيلبي المعروف باسم عبدالله فـيلبي الذي استطاع عبور الربع الخالي تلاه بعد ذلك بسنوات قليلة الفريد ثيسجر الملقب بـ «مبارك بن لندن» الذي اقتفى أثر برترام توماس وعبدالله فـيلبي فـي عبور الرمال العربية وكتب كتابا مهما عن عبوره للرمال.
قد يكون هذا الكتاب من أجمل الكتب التي كتبت فـي أدب الرحلات خصوصا عن البدو والصحراء ولا يماثل هذا الكتاب فـي روعته كما قلت إلا كتاب آخر لرحالة انجليزي أيضا هو الفريد ثيسجر فـي كتابه الممتع «الرمال العربية» الذي أصدره فـي 1959 أي بعد مضي ما يقارب الثلاثين عاما من الرحلة التي قام بها برترام توماس ويتحدث فـيه عن رحلاته التي قام بها فـي عبور الربع الخالي مع رفاقه من البدو من القبائل بأسلوب وصفـي أدبي شاعري يختلف عن الأسلوب المستخدم فـي كتاب البلاد السعيدة الذي يميل إلى الأكاديمية والتحليل العلمي.
مما قاله برترام توماس فـي كتابه عن البلاد السعيدة «الربع الخالي ليس مجرد بحر من الرمال بل هو شهادة حية على قدرة الإنسان على الصمود والتكيف فـي أصعب الظروف» وفـي وصف البدو الذين رافقهم خلال رحلته وصفهم توماس فـي كتابه بأنهم « سادة الصحراء الحقيقيون يعيشون بارتباط لا ينفصل مع الطبيعة ويجدون فـي بساطتها مصدر قوتهم».
قد تكون هذه الرحلة الاستكشافـية لجوهرة الجزيرة العربية بمثابة تسليط الضوء على سلطنة عمان كوجهة عالمية تجمع بين التراث الثقافـي والطبيعي والسياحي ولتذكر العالم بالدور الحضاري الذي كانت تلعبه سلطنة عمان ليس فقط فـي المجالات السياسية والعسكرية وإنما أيضا فـي مجالات الاستكشاف والسياحة والجمال الطبيعي الخلاب، وكما أن الأماني قد تتحقق بإتمام هذه الرحلة بإصدار كتاب توثيقي عنها فإنني أطمع هنا بأن يتم إعادة طباعة كتاب البلاد السعيدة مرة أخرى باللغتين العربية والانجليزية ليكون مرجعا للعالم فـي التعرف على سلطنة عمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الربع الخالی سلطنة عمان فـی کتاب
إقرأ أيضاً:
مؤيد بارز لنظرية الأرض المسطحة يواجه الحقيقة الصادمة في القطب الجنوبي
#سواليف
اعترف جيران كامبانيلا، أحد أشهر مؤيدي نظرية ” #الأرض_المسطحة ” على الإنترنت، أخيرا بالحقيقة بعد رحلة مثيرة إلى #القارة_القطبية_الجنوبية.
وسابقا، زعم كامبانيلا، الذي يدير برنامج Jeransim المروّج للأرض المسطحة على “يوتيوب”، أن الشمس تشرق وتغرب في مكان واحد، ولكن بعد مشاهدته لظاهرة “شمس منتصف الليل” في القارة القطبية الجنوبية، تراجع عن بعض معتقداته.
وكانت رحلة كامبانيلا إلى القارة القطبية الجنوبية “جزءا من ما أطلق عليه “التجربة النهائية” التي جمع فيها مجموعة من مؤيدي نظرية الأرض المسطحة لمواجهة الحقائق العلمية”. وخلال هذه الرحلة، شهد كامبانيلا بنفسه أن الشمس لا تغرب أبدا خلال الصيف في نصف الكرة الجنوبي، حيث تتحرك في دائرة حول السماء، وهو ما يتعارض مع الاعتقاد السائد بين مؤيدي نظرية الأرض المسطحة بأن القارة القطبية الجنوبية هي عبارة عن جدار جليدي يحصر المحيطات ويُحتجز فيه الشمس التي تشرق وتغرب يوميا (جدار جليدي ضخم يحيط بحافة الأرض المسطحة).
مقالات ذات صلة جيمس ويب يحل لغزا عمره 20 عاما أثاره تلسكوب هابل 2024/12/27وقال كامبانيلا في مقطع فيديو بعد عودته: “أحيانا تكون مخطئا في الحياة، وكنت أعتقد أنه لا توجد #شمس على مدار 24 ساعة. في الواقع كنت متأكدا من ذلك، لكنني الآن أؤمن بالعكس”. ورغم اعترافه بخطأه، إلا أنه تجنب التصريح بشكل قاطع بأن الأرض كروية، وترك هذا الأمر مفتوحا للجمهور.
وكانت الرحلة، التي بلغت تكلفتها 35 ألف دولار، مدعومة من منظمة رحلات خاصة، وشكر كامبانيلا منظم الرحلة رغم تراجعه عن بعض مفاهيمه السابقة.
ورغم اعتراف كامبانيلا بالحقيقة، لا يزال بعض مؤيدي نظرية الأرض المسطحة متمسكين بآرائهم. وأكد أوستن ويتسيت، أحد أبرز هؤلاء المؤيدين، أن ظاهرة “شمس منتصف الليل” لا تثبت كروية الأرض، قائلا: “أعتقد أن هذه مجرد نقطة بيانات واحدة، ولا يثبت ذلك أن الأرض كروية”.
أما بالنسبة لبعض مناصري النظرية الذين تابعوا الرحلة عبر الإنترنت، فقد استمروا في التشكيك في صحتها.
جدير بالذكر أن فكرة كروية الأرض لم تكن جديدة على العلماء والفلاسفة منذ العصور القديمة. ففيثاغورس، الفيلسوف اليوناني، كان أول من اقترح هذه الفكرة حوالي عام 500 قبل الميلاد، بينما أيدها أرسطو في حوالي 350 قبل الميلاد بناء على ملاحظاته الفلكية.