قالت دار الإفتاء المصرية إن الشرع أمر بحماية المال والمحافظة عليه، وقد حرَّمَ الشرع الشريف التعدي على أموال الغير واستحلالها دون وجه حقٍّ، فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 29].

وورد عن أبي بَكرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» متفق عليه.

وأوضحت الإفتاء أن كان الاعتداء على الأموال الخاصة المملوكة للأشخاص حرامًا، فإن الحرمة تَشْتَدُّ إذا كان الاعتداء على الأموال العامَّة المملوكة لعموم المجتمع، إذ خطره أعظم؛ لأنه مالٌ تتعلق به ذمة عموم الناس، ولأنه ليس له مطالب بعينه من جهة العباد كالمال الخاصّ، ولما فيه من تضييع حقوق عامة الناس.

المقصود بالأموال العامة وبيان أسباب التملك التام في الشرع

وكشفت دار الإفتاء عن المقصود بالأموالُ العامَّةُ وهى كلُّ ما كان مملوكًا للدولة أو للأشخاص الاعتباريَّة العامَّةِ سواءٌ كان عقارًا أو منقولًا أو نحو ذلك، مما يكون مخصَّصًا لمنفعةٍ عامَّةٍ بالفعل أو بمقتضى قانونٍ أو مرسومٍ"، كما أفادته المادة رقم 87 من القانون المدني المصري.

وهذه الأموال تسَمَّى في الشريعة بـ"مال الله"؛ لأنها غير متعيّنة لفردٍ بعينه، وإنما هي حقُّ عام، يتصرف فيها ولي الأمر بما يحقق المصلحة للمجتمع.

فإذا اقتضت المصلحة تخصيص بعض الموارد الماليَّة العامَّة في هيئة مساعداتٍ ماليةٍ أو عينيةٍ وصَرْفها من قِبَلِ الجهات المختصة المنوط بها رعاية المجتمع وتقديم الدعم للمحتاجين لبعض الأسر أو الأفراد الأَولى بالرعاية، فإن هذه المساعدات تتعين لمن خصصته الدولة لهذا الاستحقاق دون غيره، وينبغي على هؤلاء المستحقين أن يحصلوا على تلك المخصصات بسببٍ صحيح حتى ينتقل إليهم الملك فيها بصورة صحيحة من صور التملك التام المأذون فيه شرعًا.

وأسباب التملك التام في الشرع متعددة، منها: المعاوضات، والميراث، والهبات والتبرعات، والوصايا، والوقف وغيرها، وهذه الأسباب كلها تحتاج إلى الانتقال بصورة صحيحة حتى يتم الملك الشرعي فيها، وتلك المساعدات التي تمنحها الدولة تُعدُّ من قبيل التبرعات فيلزم فيها انتقالها بصورةٍ صحيحةٍ إلى مستحقيها، ولا يحلُّ أخذها إلا لمن توفرت فيه شروط الاستحقاق.

فما تمنحه الدولة من مالٍ على سبيل التبرع لشخص مقيدٍ بوصفٍ معينٍ، فإنه يستحق هذه المنحة أو المساعدة متى كان على هذا الوصف، فإذا لم يكن متصفًا بذلك الوصف أو اتصف به ثم زال عنه، زال معه سبب الاستحقاق لهذا المال، ولا يحلُّ له أخذه؛ إذ من المقرر شرعًا أن الحكم المعلق والمقيد بوصف يدور معه وجودًا وعدمًا، بمعنى أنه ينزلُ الوصف من الحكم منزلةَ العلَّةِ التي يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا، فإذا وُجد الوصف وُجدَ الحكم، وإذا انتفى انتفى الحكم. ينظر: "أصول الإمام السرخسي" (1/ 258، ط. دار المعرفة)، و"كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي" للإمام علاء الدين البخاري (2/ 288، ط. دار الكتاب الإسلامي).

أما الاحتيال لأخذ تلك المِنَحِ والمساعدات عن طريق الإدلاء ببيانات خاطئةٍ أو بأيِّ وسيلة أخرى، فإنه أمرٌ محرمٌ شرعًا ومجرَّم قانونًا؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل، بل هو أمرٌ تَعظم حرمته ويشتدُّ إثمه؛ لكونه اعتداءً على الأموال العامة التي تتعلق بها ذمة عموم المجتمع، كما سبق بيانه.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ» أخرجه الأئمة: ابن حِبَّان في "صحيحه"، والطبراني في "المعجم الكبير"، وأبو نُعَيْم الأَصْفَهَانِي في "حلية الأولياء".

ولهذا كله احتاط الشرع الشريف للمال العام احتياطًا أشدَّ من احتياطه للمال الخاص، حتى إنه جعل الاعتداء عليه غُلولًا -أي: خيانة- يحشر به صاحبه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 161].

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: إهدار المال العام المال حماية المال صلى الله علیه وآله وسلم ی ه د ی إ ل ى ال رضی الله عنه

إقرأ أيضاً:

سوريا .. الرفاعي مفتيا عاما للجمهورية

عين الرئيس السوري أحمد الشرع، الجمعة، الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاماً للبلاد “لضبطِ الخطاب الديني”.

وجاء تعيين الرفاعي ومجلس الإفتاء في ختام مؤتمر تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى.

وقال الرئيس الشرع بحسب صفحات تابعة للرئاسة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي " نسعى جميعاً لإعادة بناء سوريا بكوادرها وعلمائها وأبنائها".

وتابع "ولا يخفى على أحد مسؤوليةُ الفتوى وأمانتُها ودورُها في بناء الدولة الجديدة، وخاصةً بعدما تعرض جناب الفتوى للتعدي من غير أهله، وتصدى له من ليس بكفء".

ومضى قائلا :"وكان لزاماً علينا أن نعيد لسوريا ما هدمه النظامُ الساقط في كل المجالات، ومن أهمها إعادةُ منصبِالمفتي العام للجمهورية العربية السورية ويتولى هذا المنصبَ اليومَ رجلٌ من خيرةِ علماء الشامِ ألا وهو الشيخُ الفاضلُ أسامة بن عبد الكريم الرفاعي حفظه الله".

ودعا الشرع الى "أن تتحول الفتوى إلى مسؤوليةٍ جماعيةٍ من خلال تشكيلِ مجلسٍ أعلى للإفتاء، تَصدر الفتوى من خلاله، بعد بذل الوسعِ في البحث والتحري".

جمال سليمان لـ صدى البلد: رأيت سوريا من خلال المسرحمصطفى بكري يهاجم نتنياهو.. الشعب الفلسطيني يريد الحياة ويرفض الموت.. سوريا تواجه تحديات أمنية كبيرة| أهم أخبار التوك شوأحمد الشرع: سوريا تواجه تحديات أمنية كبيرة على حدودها الجنوبيةماكرون: رفع العقوبات أمر مُلح لتحقيق مزيد من التقدم السياسي داخل سورياوزير الخارجية الأمريكي: نرغب في التعاون مع تركيا بشأن سوريابتوجيهات سعودية.. سوريا ولبنان يوقعان اتفاقا بشأن الحدود المشتركةسوريا.. العنف الطائفي ضد العلويين يصل إلى دمشق قرب القصر الرئاسي

أوضح أن "الفتوى أمانةٌ عظيمة وتوقيعٌ عن اللهِ عز وجل، ويسعى مجلس الإفتاء إلى ضبطِ الخطاب الديني المعتدل، الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مع الحفاظ على الهوية ويحسم الخلاف المفضي إلى الفرقة، ويقطع باب الشر والاختلاف".

ويضم مجلس الإفتاء 14 شخصية تمثل جميع المحافظات السورية ومهمته هي إصدار الفتاوى في المستجدات والنوازل والمسائل العامة وتعيين لجان الإفتاء في المحافظات والاشراف عليها .

وكان الشيخ احمد حسون مفتي عام سوريا. وتم الغاء هذا المنصب بعد خلاف بين وزير الأوقاف والمفتي حسون الذي تم اعتقاله يوم الخميس، في مطار دمشق الدولي وتعتبره الإدارة الجديدة بأنه مفتي النظام السابق .

مقالات مشابهة

  • الهلال بين السياسة والدين!
  • ماذا أفعل إذا فاتتني صلاة العيد.. تعرف على الحكم والكيفية
  • مصر.. دار الإفتاء ترد على الجدل حول تحديد الاثنين أول أيام عيد الفطر
  • لا تعارض بين الشرع والعلم.. بيان جديد من دار الإفتاء بشأن موعد عيد الفطر
  • لا تعارض بين الشرع والعلم الحديث.. بيان جديد من دار الإفتاء بشأن موعد عيد الفطر
  • بعد الجدل المثار.. بيان جديد من دار الإفتاء بشأن موعد عيد الفطر 2025
  • دار الإفتاء: يوم غدٍ هو المتمم لشهر رمضان والاثنين الأول من شهر شوال
  • بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام
  • دعاء وداع شهر رمضان .. تعرفوا عليه
  • سوريا .. الرفاعي مفتيا عاما للجمهورية