«فقدان الإشارة» على شاشة «البلاك بيري»
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
في عام 2015م صدر كتاب «فقدان الإشارة: القصة غير المروية وراء الصعود الاستثنائي، والسقوط المذهل لبلاك بيري»، وهو من تأليف الصحفيين جاكي ماكنيش، وشون سيلكوف، تضمن الكتاب تحليلًا استراتيجيًا لرحلة الابتكار لشركة البلاك بيري (BlackBerry) والتي انتهت بتراجعها أمام المنافسة الشديدة من شركات التكنولوجيا الأسرع نموًا، ووفقًا للتحليل في هذا الكتاب، فإن الرؤساء التنفيذيين للشركة فقدوا القدرة على استشعار المخاطر الحقيقية التي كانت تواجه منتجاتهم بعد أن طرحت شركة آبل جهاز الآيفون في عام 2007م، وهو أول هاتف بشاشة تعمل باللمس، وكانت تلك هي اللحظة المِفْصَلية التي فقدت فيها شركة البلاك بيري بوصلة القيادة في عالم التكنولوجيا الرقمية، وتخلفت عن ركب التطوير التكنولوجي، وتحولت الشركة التي تربعت يومًا على عرش النجاح والشهرة وإليها ينسب الفضل في ابتكار أول هاتف ذكي في تاريخ البشرية إلى مزود لخدمات الأمن السيبراني، وإنترنت الأشياء، ولكن السؤال الأهم هو: كيف فقدت شركة البلاك بيري قيادة الابتكار التكنولوجي لقطاع الهواتف الذكية؟
في البدء لا بد من الإشارة إلى أنه في عام 2023م، تم إنتاج فيلم بعنوان «بلاك بيري» وعرض في دور السينما الكندية، وهو عبارة عن إعادة سرد لرحلة صعود وسقوط الشركة بالعودة إلى حيثيات كتاب «فقدان الإشارة»، ولكن الضجيج الذي رافق فترة الإعلان الترويجي للفيلم لم يأخذه لأبعد من ذلك؛ حيث إن الفيلم واجه انتقادات بسبب الطابع الساخر الذي طغى على الأحداث مما أفقده الإقبال المتوقع، إذ تعد قصة شركة البلاك بيري للهواتف الذكية من أبرز الأمثلة المعاصرة للمخاطر الكبيرة المرتبطة بابتكارات قطاع التكنولوجيا عالية الديناميكية، وهذا ما يعزز من أهمية دراسة قصص الابتكار الفاشلة بكثير من الجدية والتركيز والتعمق، والابتعاد عن وضع الافتراضات الضحلة؛ لأن الدروس المستفادة من مثل هذه الحالات تكون أكثر نفعًا في توسيع فهم وإدراك المبتكرين وشركات التكنولوجيا بالمخاطر التي تواجه ريادة الأعمال العلمية، وأهمية اتخاذ القرارات المناسبة في التوقيت الملائم لها.
وعلى الرغم من أن الاستنتاجات السائدة عن قصة شركة البلاك بيري تدور حول محاور التراجع أمام المنافسين، إلا أن فقدان الإشارة لرحلة شركة البلاك بيري لم يحدث بسبب إطلاق هواتف آيفون، وهواتف أندرويد بشاشات تعمل باللمس، وبتطبيقات ذكية متعددة المصادر، ولكن التحدي الحقيقي كان في غياب الرؤية الاستشرافية لمستقبل استخدامات الهواتف المحمولة بعكس المنافسين الآخرين، وهذا يعيدنا إلى البدايات، إذ كان أول منتج يحمل اسم بلاك بيري هو جهاز استدعاء تم إصداره في عام 1999م، واكتسب الشهرة من اسمه الذي كان جذابًا وغير مألوف في ذلك الحين، فهو جهاز يحمل اسم فاكهة، وجاءت هذه التسمية لأن لوحة المفاتيح تم تصميمها ليتمكن المستخدم من تشغيلها عن طريق الضغط بإصبع الإبهام على الأزرار ذات الشكل الكروي الذي يشبه ثمار التوت الأسود، وبعد ثلاث سنوات، أطلقت الشركة أول هاتف ذكي لها في عام 2002م، ولكن تعود الجهود الابتكارية والتطويرية لهذا الهاتف إلى عام 1984م، أي قبل (18) عامًا من إطلاق الهاتف رسميًا، وكان هذا المنتج يستهدف رجال الأعمال بسبب ميزة إتاحة تصفح البريد الإلكتروني على الهاتف المحمول، ونظرًا لقدراته التكنولوجية بجانب مظهره الأنيق أصبح هاتف البلاك بيري من المكملات الضرورية لقيادات الأعمال، والمصرفيين، والمستثمرين، وغيرهم من المهنيين، ومع توالي المنتجات حققت الشركة مبيعات عالية من ابتكاراتها التي غيرت معالم قطاع الاتصالات اللاسلكية، واستحوذت على القيمة السوقية محققة نموًا مذهلًا، ثم بدأت الشركات المنافسة في التطوير الابتكاري لأجيال حديثة من الهواتف الذكية في الوقت الذي كانت شركة البلاك بيري تجني عوائد ابتكاراتها بثقة كاملة بأنه أمام المنافسين درب طويل للحاق بها، وعزز من هذه الثقة العمياء ظهور صعوبات تقنية في الجيل الأول من هاتف آيفون، وبناء على ذلك اتخذت شركة البلاك بيري قرار عدم التحول إلى شاشات اللمس، خصوصًا وأن عملية التحول كانت مؤلمة للشركة بسبب الارتباط العاطفي مع الشاشة ذات الأزرار، ولكن البيئة الابتكارية آنذاك قد أسهمت في تسريع رحلة تطوير وتسويق الاختراعات الرقمية، وهذا ما زحزح شركة البلاك بيري من مكانتها.
وبذلك فإن ضعف صناعة القرار في شركة البلاك بيري كان سببه غياب الإلمام بجميع المعلومات التي لها قيمة استراتيجية، وقصور عملية تقييم البيئة المحيطة وتحليل المنافسين عن استقراء الأبعاد المستقبلية لابتكارات شاشات اللمس، إذ إن التعقيد والديناميكية في منظومات البحث العلمي، والتطوير التكنولوجي، والابتكار وريادة الأعمال يضع عبئًا إضافيًا على شركات الابتكار من أجل تحديد الاتجاهات والتحولات بشكل استباقي، واكتشاف التهديدات ومنعها، وتحديد الفرص واغتنامها، ففي عالم الابتكار لا يأتي التهديد من الشركات المنافسة وحسب، إذ أنه من البديهي أن هذه الشركات لا توظف لديها جميع المهندسين والمبتكرين الأكفاء، كما أن الإنتاج العلمي والمعرفة التقنية تتوزع على طيف واسع من المخرجات، مثل النشر العلمي، وبراءات الاختراع، ومختلف أشكال الملكية الفكرية والتي يمكنها أن تعزز الابتكار المفتوح بأشكاله المتعددة، مما يعني بأن قوة عمليات الابتكار المنافسة ليست داخل وحدات البحث والتطوير في الشركات لوحدها، ولكنها قد نشأ في أي نقطة من المنظومة الكلية للابتكار، ولذلك تولي شركات التكنولوجيا أهمية كبيرة بالذكاء التنافسي بعد أن تم إدراجه من قبل المفكرين في المرتبة الرابعة ضمن ركائز بقاء المؤسسات الناشئة والقائمة على الابتكار، وذلك بعد رأس المال، والتكنولوجيا، والكفاءات العلمية والمواهب.
إن إدارة الابتكارات الناجحة أصعب بكثير من إنتاج الابتكارات التحويلية الخارقة، وبذلك فإن الذكاء التنافسي ليس مدخلًا لصناعة القرار وحسب، ولكنه حجر الأساس في صون الابتكار من التقادم والزوال، وتعزيز الاستجابة المرنة للتحديات والفرص الجديدة في البيئة التنافسية، مما يستوجب الالتفات وبشكل استراتيجي إلى أهمية تأسيس ثقافة وممارسات الذكاء التنافسي الذي يدعم الكشف المبكر عن التغييرات، ومعالجتها وتحويلها إلى معرفة وأصل غير ملموس لتمكين اكتساب واستدامة الميزة التنافسية، واتخاذ القرارات الاستراتيجية والتشغيلية والتكتيكية على المدى المستقبلي القريب والبعيد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی عام
إقرأ أيضاً:
هل يمكن إنقاص الوزن عن طريق التنويم المغناطيسي؟
مع ارتفاع معدلات السمنة والتحديات التي يواجهها البعض في تحقيق أهداف إنقاص الوزن، لجأ العديد حول العالم إلى أساليب غير تقليدية تهدف إلى التخلص من الوزن الزائد بشكل فعال.
من بين هذه الأساليب الحديثة يبرز "التنويم المغناطيسي"، الذي يعتمد على تدريب العقل الباطن لتبني نمط حياة صحي والمساعدة في فقدان الوزن.
المعالِجة بالتنويم المغناطيسي، رينا غرينبرغ، تحدثت عن تجربتها الشخصية مع هذه الطريقة، مشيرة إلى أنها كانت العامل الأساسي في مساعدتها على التغلب على إدمان السكر والحلويات. وصرحت لموقع "فيرست فور ومين" قائلة: "لم أكن لأتمكن من إجراء التغييرات المطلوبة باستخدام عقلي الواعي فقط. للحصول على تغيير دائم، كان عليّ أن أتعلم كيفية استغلال القوة الكامنة في عقلي الباطن لتحقيق صحة جسدية ونفسية مثالية".
ما التنويم المغناطيسي؟هو وسيلة لدخول الشخص في حالة من الاسترخاء الذهني العميق، حيث ينفصل عن المحيط الذي هو فيه، وينغمس في تجارب داخلية من المشاعر والإدراك والتخيل، وفي هذه الحالة يكون الشخص أكثر تقبلا واستجابة للاقتراحات الإيجابية التي يمليها عليه المعالج والتي تستهدف تعديل سلوكه وتغيير مفاهيم عقله الباطن.
ووفق هيئة الخدمات الصحية الأميركية، يعمل العلاج بالتنويم المغناطيسي على كسر العادات (مثل التدخين أو الإفراط في تناول الطعام) عن طريق وضع العملاء في حالة من الاسترخاء العميق وتحدي سلوكهم غير الصحي.
التنويم المغناطيسي آمن لمعظم الحالات إذا تمت ممارسته تحت إشراف معالج متخصص (شترستوك)وتوضح معالجة التنويم المغناطيسي ومدربة الحياة، جيسيكا بوسطن، لموقع (ومينز هيلث)، دور المعالج في استخدام تقنيات وأساليب مختلفة بمجرد استجابة المريض للتنويم لإعادة برمجة أنماط تفكيره المتعلقة بالعادات الصحية والغذائية الخطأ، وغرس عادات سلوكية جديدة مفيدة لإنقاص الوزن الزائد غير المرغوب فيه.
إعلانوأضافت خبيرة إنقاص الوزن ومعالجة المشاهير بالتنويم المغناطيسي، سوزان هيبورن، لموقع "ذا صن"، أنها لا تصف نظاما غذائيا لعملائها، ولكنها تلعب على تغيير طريقة تفكيرهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، حتى يتمكنوا من كبح شهيتهم، ويتعلموا استهلاك كل شيء باعتدال، كما تطلب منهم أن يتخيلوا صورة أجسادهم المثالية على أساس يومي لجعل الأمر يبدو أكثر قابلية للتحقيق.
العلاج بالتنويم المغناطيسي يعمل على كسر العادات، مثل التدخين أو الإفراط في تناول الطعام (غيتي إيميجز)وتابعت، "أدخل إلى دماغ العميل وأكتشف دوافعه الحقيقية لتناول الطعام، وأقوم بإعادة برمجة دماغه وحذف الملفات التي تعزز زيادة وزنه أو تعزز سلوكه غير الصحي وأستبدلها بملفات جديدة تتعلق بإيجاد بدائل صحية لطعامه وتقليل كميته وممارسة الرياضة".
وتؤكد سوزان التي تتقاضى ما يقرب من 300 جنيه إسترليني في الجلسة الواحدة، أن هذه الوسيلة تساعد على خسارة ما بين 6 إلى 8 كيلوغرامات خلال الجلسات الثلاث الأولى، ويستمر الوزن في الانخفاض.
ما مدى فعالية التنويم المغناطيسي في إنقاص الوزن؟تشير بعض الأدلة إلى أن هذه الطريقة قد تكون وسيلة فعالة لعلاج السمنة، منها دراسة نشرت في دورية "الطب البديل والتكميلي" عام 2022، أشارت إلى أن التنويم المغناطيسي قد يؤدي إلى فقدان الوزن وكذلك تغييرات كبيرة في مستويات هرمون اللبتين لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة (اللبتين هو هرمون يساعد على التحكم في تناول الطعام).
وفي تجربة عشوائية نشرتها مجلة "أوبيسيتي" عام 2018، قلل مستخدمو التنويم المغناطيسي الذاتي من تناولهم للسعرات الحرارية بشكل كبير، وفقدوا وزنا أكبر من أولئك الذين لم يستخدموا هذه التقنية، وخسر المشاركون في مجموعة التنويم المغناطيسي ما متوسطه 9.6 كيلوغرامات على مدار عام مقارنة بـ5.6 كيلوغرامات بين أفراد المجموعة الضابطة، كذلك كشفت الدراسة عن أن الأفراد الذين تعلموا كيفية استخدام التنويم المغناطيسي ولكنهم لم يمارسوه بانتظام فقدوا ما متوسطه 6.5 كيلوغرامات.
دراسة: قلل مستخدمو التنويم المغناطيسي الذاتي من تناولهم للسعرات الحرارية بشكل كبير، وفقدوا وزنا أكبر (بيكسلز) تعزيز التغيير الدائمفي حين أن معظم خطط إنقاص الوزن لا تعمل على المدى الطويل، فإن أدلة محدودة تشير إلى أن الإستراتيجيات القائمة على الدماغ مثل التنويم المغناطيسي تجعل فقدان الوزن أسهل بمرور الوقت وتستهدف تغييرا طويل الأمد في نمط الحياة . ودراسة نشرتها مجلة "علم النفس السريري" عام 1985، خضع فيها 109 أشخاص للعلاج السلوكي لفقدان الوزن، إما بإضافة التنويم المغناطيسي أو بدونه، وفي نهاية البرنامج الذي استمر لمدة 9 أسابيع، نتج عن كلا التدخلين انخفاض كبير في الوزن، وكشفت المتابعة بعد عامين و8 أشهر عن استمرار مجموعة العلاج بالتنويم المغناطيسي في فقدان الوزن، بينما أظهرت المجموعة الضابطة تغيرات أقل.
إعلان علاج تكميليلا توجد أدلة علمية مؤكدة حول دور التنويم المغناطيسي كعلاج مستقل، وإنما يكون أكثر فعالية عندما يقترن بخطة سلوكية ونظام غذائي صحي، ويمكن اعتباره بمثابة دافع قوي لبدء السير على الطريق الصحيح في رحلة التخلص من الكيلوغرامات الزائدة.
هذا ما خلصت إليه دراسة نشرتها "المكتبة الأميركية للطب" عام 2009، وأظهرت أن التنويم المغناطيسي كان من بين العلاجات التكميلية الثلاثة الوحيدة القائمة على الأدلة لعلاج السمنة، ولا ينبغي استخدامه بمفرده كعلاج سحري، وإنما جنبا إلى جنب مع تقييد السعرات الحرارية وممارسة التمارين الرياضية.
الإستراتيجيات القائمة على الدماغ مثل التنويم المغناطيسي تجعل فقدان الوزن أسهل بمرور الوقت (بيكسلز) هل التنويم المغناطيسي آمن؟ينقل موقع "هيلث لاين" أن السيطرة على العقل أو القيام بشيء ضد إرادتك هما أكبر المفاهيم الخطأ حول التنويم المغناطيسي، وعلى عكس الأساطير، فإن العلاج بالتنويم المغناطيسي لا يعني فقدان السيطرة، بل يتعلق باستعادة السيطرة من الداخل، وأن المعالج لا يستطيع التحكم في الشخص إلى درجة قيامه بشيء ضد إرادته.
ويعتبر التنويم المغناطيسي آمنا لمعظم الحالات إذا تمت ممارسته تحت إشراف معالج متخصص، مع الأخذ في الاعتبار أن كل شخص يستجيب لمحاولات تنويمه مغناطيسيا بشكل مختلف حسب العمر أو الجنس أو الظروف المحيطة. وأظهرت الدراسات أن قابلية التأثر به تزداد بعد سن الأربعين، وأن النساء، بغض النظر عن العمر، أكثر استجابة له.
ومع ذلك ينبغي استشارة الطبيب قبل التفكير في هذا النوع من العلاج، إذ إنه غير مناسب لبعض الحالات، مثل الأشخاص الذين لديهم تاريخ مع الإصابة بالذهان أو الهلاوس أو أنواع معينة من اضطرابات الشخصية أو اضطرابات الأكل، وقد تقف الإصابة ببعض الأمراض الخطيرة مثل السرطان عائقا أمام تجربة هذا النوع من العلاج، وفق ما نشره موقع "ومينز هيلث".
إعلان