لجريدة عمان:
2025-03-10@09:38:16 GMT

لبنان عروس شاخت سريعا

تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT

لبنان كانت يوما ما قبلة العرب والعروبة في التعددية والجمالية، كانت مضرب المثل في احتواء الجميع، لم تفرق بين أصولي وليبرالي، ولا بين مسيحي ومسلم، ولا بين سني وشيعي، ولا بين أشعري صوفي وسلفي، ولا بين إخواني وحبشي، ولا بين درزي وإمامي، ولا بين ماروني وكاثوليكي، ولا بين أرمن وسريان، ولا بين من يجعل من الاتجاهات المعاصرة له منهجا، ولا بين من لا زال يعيش ماضية وفق تصوره اللاهوتي، فأرض لبنان جمعتهم جميعا، وعاشوا تحت ظلالها، واستمتعوا بخيراتها.

«هنا بيروت» كانت قلب العالم العربي لمن أراد المعرفة والنقد والفلسفة وحرية الكلمة، يفد إليها المفكرون والفلاسفة والسياسيون والمعارضون والمهمشون جميعا، فيجدونها ملاذا وعالما يسعهم بأطيافهم المتباينة، وكانت مقاهي بيروت يلتقي فيها رموز الأدب والفكر والسياسة، وسايرت المقاهي صحافة لبنان لتسعهم جميعا، فيكتبون فيها ما يخشونه في بلدانهم، وكان الفنانون يجدون في لبنان عالما يعطيهم مساحة من الحرية لإبداع فنهم، ليصبح صوت فيروز صوتا للعالم أجمع، والتي لم تغنِ إلا للإنسان والجمال فقط، ليتجاوز اللغة والجغرافيا والأعراق.

«طبع في بيروت» «طبع في لبنان» لا يكاد كتاب عربي خلال أكثر من قرن يخلو من اسم بيروت أو لبنان، بل أكثر من ذلك، فمطبعة الشماس الماروني عبد الله الزاخر (ت: 1748م) في دير مار يوحنا الصابغ والتي تعود إلى عام 1731م، فهي الثانية بعد مطبعة حلب، بيد أنها استمرت أكثر من قرنين، وطبعت بالحروف السريانية أولا، ثم العربية ثانيا، ولا زال الكتاب حتى اليوم يطبع في بيروت، ولا زالت لبنان قبلة الناشرين، ليطبع فيها أمهات الكتب، ولم يستطع قطر عربي آخر أن ينافسها في هذا الجانب.

«الصيف في بيروت» «الصيف في جبال لبنان وجنوبه والبقاع وطرابلس وصيدا» وغيرها من مناطق لبنان، كانت قبلة لمن أراد الاستجمام بعد عام من العمل والجهد، يعادله اليوم كالذي يريد الاستجمام في أوروبا، فكانت لبنان سويسرا العرب، جمعت بين جمال الطبيعة والتضاريس، وبين جمال الطقس والمناخ، فأجواء «الكريسماس» وأعياد الميلاد مؤذنة بشتاء ثلجي لمن يحب العيش في هذه الأجواء، وصيفها أخضر معتدل في الجبال والبقاع والجنوب والشمال، مع ساحل بحري وعيون وخضرة تجذب الناضرين إليها.

«آثار بعلبك» أو«مدينة الشمس» مسرح ومعابد وآثار رومانية قديمة، ماثلها جرش في الأردن، وقرطاج وسبيطلة في تونس وغيرها، بيد أن بعلبك أخذت حيزا فنيا وسياحيا مبكرا، فمهرجان بعلبك بدأ عام 1955م، ولا زال حتى اليوم قائما، فكانت قبلة الفنانين والموسيقيين لأكثر من سبعة عقود، وفيها غُنت ذهبيات الفن والإبداع العربي.

«هذه لبنان» تعانقت فيها المساجد والكنائس ليرون الله رمز الجمال والمحبة، فالله محبة، والأديان تجسيد لهذه المحبة، وفيها اجتمعت محبة آل البيت بين التصوف والتشيع، كما اجتمعت فيها جميع التيارات والحركات والتوجهات لأن الأرض تسعهم جميعا، وقد توحدت كلمتهم جميعا ضد «فرمان» سفر برلك عام 1914م، كما توحدوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي، فعانقت روح شكيب أرسلان (ت: 1946م) وكمال جنبلاط (ت: 1977) من الدروز مع روح جبران خليل جبران (ت: 1931م) وجورج إبراهيم عبدالله من الموارنة، مع أرواح إخوانهم من السنة والشيعة والأرمن وغيرهم.

«لبنان عروس شاخت» منذ بدايات الحرب الأهلية عام 1975م بدأت لبنان تتراجع إلى الخلف، وبدأت هذه العروس الجميلة تشيخ شيئا فشيئا، فأدرك الفرنسيون والاستكبار الغربي والاحتلال الإسرائيلي عموما أن لبنان حاضنة للعرب عموما، علما وحرية وإبداعا، وللنضال الفلسطيني خصوصا، فاستغلوا التعددية الطائفية، فجعلوا الكفة السياسية والإدارية للمسيحيين الموارنة ليس حبا فيهم ولعروبتهم وسريانيتهم، ولكنها بداية الشرارة، ليتحول عناق الكنائس والمساجد إلى صراع وحروب وتنافر، فبدأت مع الفلسطينيين، ثم توسعت طائفيا بين المسلمين والمسيحيين.

ثم ظهر الصراع القومي الماركسي مع الأصوليات الدينية، ومع الصحوة الإسلامية ظهر صراع الطوائف الإسلامية ذاتها، بين التصوف والأحباش والأشاعرة من جهة، وبين السلفية من جهة ثانية، ثم بين التسنن والتشيع بشكل أوسع، ثم الأحزاب السياسية ذاتها، فتحولت كما يرى المفكر اللبناني وجيه قانصو إلى أيدولوجيات بذاتها، أو خادمة للأيدولوجيات وليس الوطن.

هنا لم يعد الوطن جامعا للبنانيين، ولم تعد تربته حاضنة لهم، وإن اختلفوا وتباينوا فهذا شيء طبيعي إذا ما كان الاختلاف والتباين لأجل الوطن، بيد أنهم عاشوا جسدا في لبنان، ولكن العديد منهم أصبحت أرواحهم معلقة بولاءات خارجية، حسب انتماءاته الفكرية والمذهبية والدينية، والوطن إذا لم يكن رمزا جامعا للولاء من أبنائه، فلن يدم طويلا، ويسهل اختراقه، وزرع الفتنة والفوضى فيه، وهذا ما حدث في لبنان، فالتعددية حالة طبيعية وصحية إذا ما كان الولاء والعمل للوطن، والناس سواسية فيه، ذاتهم واحدة لا تختلف بينهم، أيا كانت ألبستهم الدينية والمذهبية والفكرية.

وزاده ألما هذا الدمار وهذه الإبادة من قبل كيان لا يعرف الرحمة، ولا يهمه أكان الضحية صغيرا أم كبيرا، ذكرا أم أنثى، محاربا أم مدنيا، يدمر كل شيء، من بيوت بما فيها، ومن مدارس ومستشفيات وطرق، حتى أصبحت بعض مدن لبنان وقراها أشبه بمدينة الأشباح، والعالم يتفرج وكأنها دماء جرذان لا دماء إنسان، وقد قدمت لبنان لعروبتها الكثير، وآوت الكثير، فحق أن يرد جميلها، وأن تقف العروبة معها، لعلها تعود كما كانت عروسا حسناء لا تشيخ، وما ذلك ببعيد إذا أدرك اللبنانيون أولا أن ولاءهم لوطنهم هو الذي يجعل لهم ثقلا في العالم، وإذا ما أدرك العرب أن استقرار لبنان وما حولها وجميع ديار العرب هو استقرار لهم جميعا، وإلا سيكون مصير الجميع «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی لبنان ولا بین

إقرأ أيضاً:

«الحريرة».. عروس المائدة المغربية

أحمد عاطف (القاهرة)
تزخر المائدة الرمضانية المغربية بتشكيلة من الأطباق التقليدية التي تعكس تاريخاً طويلاً من التفاعل بين الثقافات العربية، الأفريقية، والأندلسية، ويظهر هذا التراث الغني جلياً في شهر رمضان الكريم، حيث تستحضر العائلات وصفات الأجداد.
اكتسب المطبخ المغربي شهرة واسعة بفضل تناغمه الفريد بين النكهات المالحة والحلوة، التي تتجسد في أطباق متميز. فإلى جانب «البطبوط»، وهو خبز محشو باللحم المفروم أو الدجاج، تأتي «الشباكية» الحلوى الأشهر التي تتكون من عجين مقلي، ويوضع في العسل ويُزين بالسمسم.

وعلى اختلاف الطبقات الاجتماعية، يبقى حساء «الحريرة» القاسم المشترك على جميع الموائد المغربية، ويُعرف بلقب «سلطانة المائدة» أو «عروس الطاولة المغربية» ويتكون هذا الحساء التقليدي من العدس، الحمص، الطماطم، الكزبرة، الشعيرية واللحم، ورغم الجدل حول أصوله، سواء أكانت أندلسية أم مغربية خالصة يظل الطبق أساسياً في جميع المناسبات السعيدة.
يرافق «الحريرة» غالباً «البريوات»، وهي رقائق عجين رقيقة تُحشى بمكونات متنوعة مثل اللحم، الدجاج، الخضراوات، أو الأسماك، وتُقلى لتُقدم إما مالحة أو بعد تغميسها في العسل لتجمع بين النكهتين.

أخبار ذات صلة 64 منتخباً في «مونديال 2030» مكة تستضيف اليوم اجتماعات خليجية مع مصر وسوريا والمغرب والأردن

فيما، يُعد «الكسكس» من الأطباق الحاضرة أيضاً بقوة خلال الشهر الفضيل، ويُقدم غالباً مع طاجين اللحم والبرقوق، ويتم تحضيره أحياناً كطبق حلوى مزيّن بالمخمار، البغرير، حلوى التمر، أو الكيك بالفلو.
ولا تخلو المائدة المغربية من المشروبات المنعشة حيث يتربع «الأتاي» أو الشاي المغربي بالنعناع على عرش المشروبات، إلى جانب عصائر مميزة، مثل حليب اللوز مع التمر، عصير البرتقال بالليمون أو الفراولة، وعصير البرتقال مع الخس والخيار، إضافة إلى المشروبات الرمضانية التقليدية، مثل الكركديه، التمر هندي، وقمر الدين.
تظل المائدة الرمضانية المغربية تجسيداً حياً لتراث غذائي عريق يعكس تنوع هذا المطبخ، ويُشكل جسراً يربط بين الأجيال، حيث تُحافظ العائلات على عاداتها في إعداد هذه الأطباق التي تجمع بين الأصالة والحداثة على مائدة رمضان.

مقالات مشابهة

  • بعد قرار ترامب.. الكهرباء العراقية تتحرك سريعاً لتفادي أزمة الصيف
  • هكذا أثرت أحداث سوريا على طريق بيروت - دمشق
  • «الحريرة».. عروس المائدة المغربية
  • نوال الزغبي تحتفل بعيد الفطر في بيروت.. “لبنان ما بيلبقلو إلا الفرح”
  • سفير أميركي جديد في بيروت والرياض تدعم مسيرة استنهاض الدولة
  • هنا والآن .. في بيروت: القلق!
  • هذا ما يشهدهُ وسط بيروت
  • من أصل لبناني.. ترامب يُعين مايكل عيسى سفيرا أميركيا جديدا في بيروت
  • لبنان.. استجواب ثلاثة مدعى عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت
  • لبنان: استجواب 3 مدعى عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت