إيران وابنها البكر.. موجة تحولات جذرية بانتظار حزب الله
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
كشفت استراتيجية إيران الإقليمية عن طموحات توسعية تهدف إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وذلك من خلال مشروع أُطلق عليه لاحقا "الهلال الشيعي". ويهدف هذا المشروع إلى ربط إيران ببعض الدول العربية التي تشهد وجوداً شيعياً، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، لتشكيل محور نفوذ إيراني يمتد من طهران إلى بيروت.
ولتطبيق هذا المشروع، عملت إيران على إنشاء شبكة من الحلفاء والميليشيات في المنطقة، أبرزها حزب الله في لبنان، الذي يعتبر الذراع العسكري لإيران في لبنان.
ومنذ تأسيسه في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، لعب حزب الله دوراً محورياً في تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، إذ بفضل الدعم المستمر بالسلاح والتدريب والتمويل، استطاعت إيران أن تحول الحزب من مجرد جماعة مسلحة محلية إلى قوة عسكرية تمتلك ترسانة من الأسلحة والصواريخ، ليصبح رأس الحربة في مشروعاتها التوسعية، ما أكسبه دوراً مركزياً في صراعات المنطقة، من سوريا واليمن إلى العراق ولبنان.
وعقب هجوم حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 واندلاع الحرب في غزة، أعلن حزب الله فتح جبهة جنوب لبنان بهدف "دعم وإسناد" القطاع.
أدوار عسكرية متعددة
"يمثل حزب الله أهمية استراتيجية بالغة للنظام الإيراني على المستويات العسكرية، السياسية، والعقائدية"، كما يؤكد الخبير في الشؤون الإيرانية، حسن راضي، ويوضح أن "الحزب لعب دوراً محورياً في تحقيق أهداف إيران الإقليمية عبر بناء قوة ضاربة في المنطقة، من خلال تدريب الميليشيات في سوريا، اليمن، والعراق، وتطوير أسلحة متقدمة لهذه الميليشيات، مثل الصواريخ والطائرات المسيّرة".
من جانبه، يصف الكاتب والباحث السياسي جورج العاقوري حزب الله بأنه "الابن البكر لتصدير الثورة الإيرانية". ويؤكد أن قوة الحزب لا تقتصر على الجانب العسكري، بل "تمتد لتشمل الأبعاد الأمنية والاستخباراتية والاقتصادية والمالية، مما جعله أداة رئيسية في تحقيق الأهداف الإقليمية لإيران"، كما يشير إلى أن الحزب يمثل "نافذة لإيران على البحر المتوسط والجبهة مع إسرائيل".
وأمس، الاثنين، كشف الجيش الإسرائيلي، أن النظام الإيراني يعمل منذ عقود على تمويل وتزويد جميع وكلائه في الشرق الأوسط بالأسلحة، وعلى رأسهم حزب الله. وأوضح الجيش أن إيران، بالتعاون الوثيق مع حزب الله، أنشأت محاور سرية عبر الأراضي السورية إلى لبنان، حيث نقلت من خلالها آلاف الشاحنات والمئات من الطائرات المحملة بالصواريخ ومكونات أخرى للوسائل القتالية على مدار سنوات طويلة.
وأضاف الجيش في بيان أن "وحدة 4400"، وهي المسؤولة عن تسليح حزب الله، تدير هذا الجهد. وتأسست هذه الوحدة عام 2000 لتتولى تهريب الأسلحة إلى داخل الأراضي اللبنانية من إيران ووكلائها، بهدف تعزيز مخزون الأسلحة لدى حزب الله إلى أقصى حد. كما أشار البيان إلى أن الوحدة أنشأت منذ تأسيسها العديد من المحاور الاستراتيجية على الحدود السورية اللبنانية لتسهيل عمليات التهريب.
ودعم حزب الله استراتيجية إيران الإقليمية لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية باستخدام أدوات عدة أبرزها، كما يقول العاقوري، "سيطرته على القرار السياسي والأمني في لبنان بفضل قوته العسكرية والدعم المالي الإيراني، ما مكّن إيران من التأثير في الشؤون الداخلية اللبنانية واستخدام لبنان كقاعدة أمامية لتحقيق مصالحها الإقليمية".
ويضيف العاقوري أن حزب الله شارك في الصراعات الإقليمية نيابة عن إيران، مستشهداً بدوره في الحرب السورية لدعم نظام بشار الأسد.
ويقول "شكّل حزب الله، بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني والفصائل الحليفة، قوة عسكرية أساسية حالت دون سقوط نظام الأسد، الذي كان على وشك الانهيار بعد سيطرة المعارضة على نحو 70-80% من الأراضي السورية في بدايات الثورة. هذا التدخل ساهم في تعزيز النفوذ الإيراني في سوريا وضمان استمرارية طريق الإمداد البري من طهران إلى بيروت بعدما أضحت إيران على تماس من خلال جبهة الجنوب مع إسرائيل وحاضرة على البحر المتوسط".
كما ساهم حزب الله في إنشاء وكلاء إقليميين لإيران عبر تدريب الميليشيات الشيعية المدعومة من طهران في العراق واليمن وسوريا، وفق العاقوري، حيث "قدم الدعم اللوجستي والعسكري لهذه المجموعات، مما عزز قدرة إيران على ممارسة نفوذها في مناطق الصراع".
ويضيف أن لدى حزب الله شبكات أمنية "ممتدة من أميركا اللاتينية إلى بعض الدول الخليجية وأفريقيا وأوروبا، فضلاً عن شبكات إعلامية ومؤسسات ثقافية، تستخدم لنشر أيديولوجية ولاية الفقيه وتعزيز صورة إيران بهدف تصدير الثورة الإسلامية".
ويلفت العاقوري إلى أن "سياسات الحزب العدائية تجاه دول الخليج العربي أضرّت بعلاقات لبنان الاقتصادية، ما أدى إلى تراجع كبير في الودائع الخليجية في المصارف اللبنانية وتبادلها التجاري مع لبنان، وقد انعكس ذلك بشكل دراماتيكي على النمو الاقتصادي".
"تأخرنا نصف ساعة".. وزير إيراني يقرّ بضربات إسرائيل الاستخباراتية أقرّ وزير الاستخبارات الإيراني السابق محمود علوي، بأن وزارته فشلت في التعرّف على منفذي اغتيال العلماء النوويين، ولم تستطع حتى اكتشاف الطريقة، التي نُفذت بها هذه الاغتيالات.ما قبل 8 أكتوبر ليس كما بعده؟
ما يميز حزب الله عن بقية الميليشيات التابعة لإيران كونه "ميليشيا إيرانية مباشرة"، كما يقول راضي، ويوضح قائلاً "حزب الله يعد بمثابة نسخة خارجية من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، فهو امتداد فعلي للحرس الثوري في لبنان وسوريا واليمن. بل إنه تفوق على فيلق القدس من حيث القوة، حيث يوازي قوة الحرس الثوري الإيراني عسكرياً وعقائدياً، بالإضافة إلى ولائه المطلق للمرشد الأعلى وتنفيذه الكامل لأوامره، واعتماده بشكل كامل على توجيهاته وتعاليمه".
ومع ذلك، يؤكد راضي أن حزب الله تعرض لضربات موجعة خلال الحرب الحالية مع إسرائيل أثرت بشكل كبير على قياداته العسكرية والسياسية، مما أضعف قدرته على تنفيذ أجندة إيران الإقليمية، ويقول "إيران لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها الإقليمية كما في السابق، نتيجة تراجع قوة حزب الله".
كذلك يرى العاقوري أن حزب الله يواجه تحولاً جذرياً نتيجة الحرب الحالية مع إسرائيل، مشيراً إلى أن "الحزب ما قبل 8 أكتوبر 2023 ليس كما بعده".
ويشرح أنه "على الصعيد اللبناني، فقد الحزب جزءاً كبيراً من قوته الداخلية والصورة التي رسمها عن نفسه. فالحرب الحالية ستؤدي إلى إضعاف دوره العسكري في لبنان، الذي أصبح محل نقاش جدي محلياً ويشكل شرطاً أساسياً لإنهاء الحرب"، متوقعاً أن يقتصر مستقبل الحزب على دوره السياسي ضمن الإطار اللبناني، أسوة بباقي الأحزاب المحلية.
"وحدة الساحات" وتفكيكها.. من فاز ومن خسر بعد 7 أكتوبر؟ قبل الحرب في غزة دائما ما كانت إيران ووكلائها في المنطقة يروجون للشعار المتعلق بـ"وحدة الساحات"، من منطلق القوة والتنسيق الفعّال، والأوراق التي يمسكون بها على الأرض، وذلك في حال اندلعت أي مواجهة فعلية ومباشرة على الأرض بمواجهة إسرائيل.أما على الصعيد الخارجي، "فقد أصبحت قدرة حزب الله على لعب دور إقليمي موضع شك كبير نتيجة الحرب الدائرة، خاصة بعد فقدانه عدداً من قادته وعناصره، بما في ذلك أمينه العام حسن نصر الله"، ويقول العاقوري "الحرب الحالية ستسفر عن تقليص كبير لدور حزب الله خارج لبنان، وربما القضاء عليه تماماً، إذ أن أحد الأهداف الرئيسية لهذه الحرب هو الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة".
ويشير إلى أن "الدور الإقليمي لحزب الله كان استثنائياً وغير تقليدي ضمن إطار عمل الأحزاب التقليدية"، معتبراً أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة انتقالية جديدة مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض"، ويضيف أن "الاستراتيجية الإيرانية لتصدير الثورة ستواجه انحساراً ملحوظاً، مما سيمهد الطريق لمرحلة تطبيع بين الدول العربية وإسرائيل. هذه المرحلة تتطلب تعزيز الاستقرار الإقليمي واحتواء أي تهديدات قد تعرقل هذا المسار".
وفيما يتعلق بإمكانية تعويض تراجع قوة حزب الله من خلال الاستناد على ميليشيات أخرى، يشير راضي إلى أن إيران "قد تعتمد على الميليشيات العراقية والحوثيين"، لكنه لفت إلى التحديات التي تواجه هذه الاستراتيجية، "فالميليشيات العراقية تعاني من قيود مفروضة بفعل الوجود الأميركي وسياسات الحكومة العراقية، بينما الحوثيون، بحكم كونهم جزءاً من دولة ذات مصالح سياسية، لا يمكنهم تنفيذ أجندة إيران بشكل كامل".
ويختم راضي حديثه بالقول "النظام الإيراني استثمر عقوداً في بناء حزب الله وتجهيزه، ولا يمكن تعويض ما خسره من قوته بسهولة حيث يحتاج الأمر لعقود"، ويشدد على أن "الضربات التي تلقاها الحزب، بالإضافة إلى الميليشيات الأخرى، أضعفت النفوذ الإقليمي لإيران بشكل كبير، ومن الصعب جداً أن تستطيع لعب دورها الإقليمي كما كان قبل 7 أكتوبر".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: إیران الإقلیمیة الحرب الحالیة فی المنطقة مع إسرائیل إیران على فی لبنان حزب الله من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما مصلحة إيران في عرقلة المفاوضات بين لبنان وإسرائيل؟
ذكر موقع "سكاي نيوز عربية" أنه في ظل التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل، كشف تقرير جديد عن تدخل إيران السري لعرقلة المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، التي كانت تهدف إلى وقف إطلاق النار.
فقد أكد الباحث السياسي مجد حرب، أن إيران تلعب دورًا محوريًا في دعم حزب الله وتوجيه سياساته، وهو ما يعكس تأكيد طهران على قدرتها على التأثير على مجريات الأحداث في لبنان.
وأضاف حرب: "إيران ترى أن أي اتفاق بين لبنان وإسرائيل قد يكون ضارًا بمصالحها، خصوصًا إذا كانت تؤدي إلى تقييد حركة حزب الله في الساحة اللبنانية."
وأوضح أن طهران لا ترغب في أن يشهد لبنان استقرارًا يمكن أن يؤدي إلى تقليص نفوذ حزب الله في المنطقة، وهو ما يبرر تصرفات إيران في تعطيل هذه المفاوضات. وأضاف أن إيران تعتبر سلاح حزب الله جزءًا من إستراتيجيتها الإقليمية، وأن أي محاولة لتقييد أو تحجيم هذا السلاح قد تعتبر تهديدًا لمصالح طهران.
وقال: "إيران مصرة على الحفاظ على قدرات حزب الله العسكرية في لبنان، وتعتبر أن هذا السلاح جزء أساسي من المقاومة ضد إسرائيل، وهو جزء من مشروعها الإقليمي في المنطقة".
وأكد حرب أن طهران تدافع عن القرار 1701، ولكنها ترى أن أي إضافة عليه قد يصب في مصلحة إسرائيل. في ما يتعلق بالدور الغربي في أزمة لبنان، أشار حرب إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يسعيان لتحقيق تسوية سلمية، لكن إيران تحول دون حدوث تقدم كبير.
وقال: "الدور الأميركي يتمثل في محاولة التوصل إلى حل دبلوماسي يمكن أن يوقف التصعيد، لكن إيران لا تريد أن يكون هذا الحل على حساب مصالحها في لبنان".
وأضاف أن المجتمع الدولي يسعى لضمان عودة المدنيين إلى منازلهم، لكن نجاح هذه الجهود يعتمد على موقف حزب الله وإيران. وأشار حرب إلى أن إيران وسوريا تعدان الحليفين الرئيسيين لحزب الله في المنطقة، ويقدمان الدعم العسكري والمالي للحزب.
وقال: "إيران تسعى إلى تكريس وجودها العسكري والسياسي في لبنان من خلال حزب الله، وهو ما يعزز موقفها في مواجهة إسرائيل والدول الغربية".
وأضاف أن أي تسوية سياسية قد تضر بمصالح إيران في المنطقة، مما يجعلها تستمر في دعم الحزب بأقصى ما تستطيع. (سكاي نيوز عربية)