الأسئلة الاستراتيجية في الاتفاق اللبناني/ الإسرائيلي المحتمل
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
يُفترض بحسب المؤشرات الإسرائيلية واللبنانية أن يكون اليوم الثلاثاء، وفي حدّ أقصى حتى نهاية الأسبوع الجاري، الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله و"إسرائيل"، بنحو تجريبيّ يمتدّ حتّى 60 يوما؛ كما تقول التسريبات الإسرائيلية حتى اللحظة، وذلك لأنّ ما هو متداول حتّى الآن من بنود الاتفاق مصدره التسريبات الإسرائيلية فقط، وهي تسريبات في الوقت نفسه غير مكتملة، ولم تنشر النصّ الكامل للاتفاق المفترض.
ومن ثمّ ينبغي أن يُقيّم الاتفاق، في حال جرى إنفاذه من جميع الأطراف بناء على صيغته الكاملة، ومع ذلك فثمّة إمكانية لقراءة أوّلية للمشهد الاستراتيجي، بالنظر إلى المعطيات الخاصّة بالحالة اللبنانية، وما يميّزها عن قطاع غزّة، وكيف سيسوّق نتنياهو الاتفاق على جمهوره، وكيف ستسعى "إسرائيل" لاستثمار الاتفاق استراتيجيّا، في مقابل موقف الحزب والمحور الذي يندرج فيه، وهو محور المقاومة، وموقع فلسطين من ذلك كلّه.
الحدّ الأدنى الذي أعلنه الإسرائيليون مع عمليات البيجر والاغتيالات ثمّ نقل الجهد الحربي الأساسي من قطاع غزّة إلى لبنان، لأهدافهم من توسيع العدوان على لبنان، كان فكّ جبهة لبنان عن جبهة غزّة، وإبعاد حزب الله إلى شماليّ الليطاني، وإرجاع مستوطني الشمال إلى مساكنهم. وهي أهداف بالضرورة متحققة في حال إنفاذ الاتفاق، لكن ذلك لا يمنع من القول إنّ الإسرائيليين انفتحت شهيتهم للحديث عن "تغيير الترتيب في لبنان"، أي تغيير الوقائع السياسية في لبنان بما يخرج لبنان من معادلة الصراع ويُلحقه بالاتفاقيات الإبراهيمية ويفكّك حزب الله بوصفه حركة مقاومة، وذلك على طريق إعادة تشكيل الشرق الأوسط.
أهداف بالضرورة متحققة في حال إنفاذ الاتفاق، لكن ذلك لا يمنع من القول إنّ الإسرائيليين انفتحت شهيتهم للحديث عن "تغيير الترتيب في لبنان"، أي تغيير الوقائع السياسية في لبنان بما يخرج لبنان من معادلة الصراع ويُلحقه بالاتفاقيات الإبراهيمية ويفكّك حزب الله بوصفه حركة مقاومة، وذلك على طريق إعادة تشكيل الشرق الأوسط
وفي الجانب العسكري اقترح البعض احتلال الجنوب اللبناني حتى الليطاني، أو على الأقل بعمق 10 كيلومترات، وحينما بدا أن العملية البرية أكثر تعثّرا مما توقع الإسرائيليون، وأنّ الضربات العميقة التي تعرض لها الحزب لم تدفعه لرفع الراية البيضاء، كانت ثمّة محاولات لفرض وصاية إسرائيلية مقنّعة على لبنان من خلال التعديل على القرار 1701، بما يشمل تعديلات واسعة على قوات اليونيفيل، من حيث الدول المنضوية، واللجنة المشرفة، ومساحة النفوذ الجغرافي، والمهمات وأدوات التنفيذ والبيانات التي تتحرك وفقها، بالإضافة إلى شروط أخرى؛ فقط الإعلان عن الصيغة الكاملة للاتفاق هو الذي سيكشف الحقيقة بشأنها.
كان صمود المقاومة عاملا حاسما فيما آل إليه المسعى الإسرائيلي من محدودية الأهداف تاليا، بعدما كانت الرغبات في البداية أوسع من ذلك، ولا يمكن الغفلة والحالة هذه عن أزمة الاحتياط ونقص الكادر البشري في جيش الاحتلال وأزمة الذخائر، وهي أزمات ناجمة عن حرب مستمرة في غزّة ولبنان تدفع جيش الاحتلال لطلب فرصة لالتقاط الأنفاس، إلا أنّ الخصوصية الموضوعية للبنان تجعل من إمكان إنجاز الاتفاق معه أسهل بالقياس إلى حالة غزّة، وتدفع الإسرائيليين صوب الواقعية رغما عنهم.
فلبنان بلد مستقل بسيادة معترف بها دوليّا، لا يحكمه حزب الله وإن كان ممثلا في الحكومة والبرلمان، بخلاف قطاع غزة الخاضع لمجال الاحتلال الإسرائيلي، حيث الفرصة المتاحة لـ"إسرائيل" من الولايات المتحدة وقوى الإقليم كاملة وتكاد تكون مفتوحة وبلا سقوف، ليس فقط لأنّ حركة حماس تحكم القطاع ومنه خرجت عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وفيه أسرى إسرائيليون، ولكن أيضا، وبكل وضوح، لأنّ قطاع غزّة جزء من فلسطين، مجال الاحتلال والعدوان المباشر.
وإذن لا يمكن إلغاء العامل الدولي الذي من شأنه أن يفرض على "إسرائيل" اتفاقا مع لبنان بسقف أخفض ممّا كان يرجو الإسرائيليون (يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ الاتفاق حتى اللحظة تعارضه أوساط في الإتلاف الحاكم وفي المعارضة وجنرالات سابقون)، ليبيع نتنياهو الاتفاق مع لبنان للأمريكان وغيرهم من القوى الدولية؛ في إطار مقايضة تشمل ملفات أخرى فلسطينية وإقليمية، وهو حتما أمر يؤكّد المؤكّد من كونها حربا أمريكية بقدر ما هي إسرائيلية، وبقدر ما أنّ هذه الخصوصيات الموضوعية تجعل الإسرائيلي أكثر مرونة بشأن لبنان، فإنّها تجعل موقف الحزب أصعب من حيث الانقسامات والاستقطابات اللبنانية الداخلية، التي لم تر بعضُ أطرافها في الحرب الإسرائيلية عدوانا على لبنان بقدر ما رأت فيها حربا على خصم سياسيّ، تُسنّ له السكاكين علنا، ومن باب أولى ليس لفلسطين أو غزّة أو مقاومتها أدنى اعتبار عند هذه الأطراف.
في حدود هذه المعطيات يمكن لكلّ من طرفيّ المواجهة؛ أن يقدّم سردية إنجازات، فحزب الله وفيما يخصّ جمهوره المباشر وجمهور محور المقاومة وما يتصل بالخطاب المقاوم العامّ؛ يمكنه القول إنّه أكثر طرف غير فلسطيني دفع أثمانا هائلة من قياداته وكوادره ومقدّراته وبيئته الاجتماعية وبنحو غير مسبوق لإسناد المقاومة في غزّة، وفي ظرف فادح من اختلال موازين القوى إقليميّا ومحلّيّا، في حين أنّ المقاومة في غزّة بدونه، كادت أن تكون وحيدة.
وفيما يتعلق بسرديته للداخل اللبناني عموما، فالحزب لم يسقط بعد الضربات العميقة، ولم ينجح الإسرائيلي في الدفع بالحرب حتى نهايتها لتفكيك حزب الله، ويبقى أن "تغيير الترتيب في لبنان" لإعادة تشكيل الشرق الأوسط قد فشل مع خروج آخر جندي إسرائيلي من لبنان وفق هذا الاتفاق.
في المقابل يراكم الإسرائيلي منذ عمليات البيجر واغتيال القيادات السياسية والعسكرية التاريخية في الحزب سردية إنجازاته، ويمكنه في الحدّ الأدنى القول إنّ أهدافه الثلاثة المعلنة مع بداية توسيع عدوانه على لبنان تحققت (فك الجبهة، ودفع الحزب إلى شماليّ الليطاني، وإعادة مستوطني الشمال)، وهو يضيف إلى ذلك في دعايته مزاعمه عن تدميره القسط الأكبر من مخزون الحزب التسليحي وحرمانه من قدراته التصنيعية، وقطعه خطوط الإمداد عنه في سوريا، علاوة على ما يمكن قوله من مضامين الاتفاق غير المعروفة بالضبط تماما، وهل تضمنت ما يمكن أن يكون وصاية مقنّعة من خلال تعديلات جوهرية في اليونيفيل، ونصوصا يمكن التذرع بها لاستئناف العدوان على لبنان، أم لا؟
في حين أنّه سيبقى إسرائيليون يرون أنّ الاتفاق ضيّع فرصة أكبر لاستثمار الحرب لتحقيق إنجازات أعمق، فإنّ "إسرائيل" ستسعى لتعميق إنجازات استراتيجية أخرى من البوابة السياسية، أهمّها سعيها لنزع الشرعية عن محور المقاومة مفهوما وواقعا، ليس فقط بالكشف عن كون المحور تنسيقا وأداء وقدرة على التأثير كان أقلّ مما بشّرت به خطابات أركان المحور وقادته السابقة على السابع من أكتوبر، ولكن بدعايتها (أي دعاية "إسرائيل") التي سوف تتكثف، وهو أمر قد بدأ بالفعل، بالقول إنّ إيران تخلّت عن غزّة لصالح أصولها اللبنانية
وفي حين أنّه سيبقى إسرائيليون يرون أنّ الاتفاق ضيّع فرصة أكبر لاستثمار الحرب لتحقيق إنجازات أعمق، فإنّ "إسرائيل" ستسعى لتعميق إنجازات استراتيجية أخرى من البوابة السياسية، أهمّها سعيها لنزع الشرعية عن محور المقاومة مفهوما وواقعا، ليس فقط بالكشف عن كون المحور تنسيقا وأداء وقدرة على التأثير كان أقلّ مما بشّرت به خطابات أركان المحور وقادته السابقة على السابع من أكتوبر، ولكن بدعايتها (أي دعاية "إسرائيل") التي سوف تتكثف، وهو أمر قد بدأ بالفعل، بالقول إنّ إيران تخلّت عن غزّة لصالح أصولها اللبنانية، أي حزب الله. وكما أنّ إدارة جبهات الإسناد لغزة لم تكن بالعمق الكافي للتأثير دون أن ينعكس ذلك حماية للبنان من هجوم إسرائيلي أوسع، فإنّ إسناد بقية الجبهات وعموم المحور لحزب الله لم يكن بالنحو المؤثّر أيضا، وهو ما سوف يعود بالسؤال على المحور مفهوما وواقعا، وإمكان استثمار ذلك من المحور الآخر المتربص بفلسطين والمقاومة وداعميها.
وبالنسبة للبنان، يعوّل الإسرائيلي والأمريكي على تعزيز الاستقطاب اللبناني الداخلي حول سلاح حزب الله، وبالضرورة سيجري استثمار الحرب خطابا وأداء ونتائج لنزع شرعية سلاح حزب الله بوصفه سلاح مقاومة أقدر من الجيش على حماية لبنان من الأطماع الإسرائيلية، وهذا الاستقطاب حاصل أثناء الحرب، وبينما فشل الإسرائيلي في تفكيك الحزب، أو فرض نزع سلاحه في صيغة اتفاق واضحة ومباشرة، فإنّ الحزب، بحسب ما يؤمّل الإسرائيلي والأمريكي سيجد نفسه أمام امتحان عسير فيما يخصّ الداخل اللبناني، والكيفية التي سوف يبرّر بها انفراده بالسلاح إلى جانب مؤسسات الدولة من دون بقية القوى السياسية، وهل سوف يقود هذا الاستقطاب إلى فتنة داخلية يكون ثمنها الاشتباك الداخلي أو تخلّي الحزب عن سلاحه.
يبقى، أنّ هذه الأسئلة، مرهونة بتنفيذ الاتفاق، فاحتمالات انهيار الاتفاق أو حتى عدم الوصول إلى لحظة إنفاذه قائمة، وبقدر ما يعوّل الإسرائيلي على تلك القواعد السياسية لتفكيك مقولة المحور وحالة المقاومة التي يمثّلها الحزب، فإنّ الطرف الآخر، أي المقاومة بأبعادها الإقليمية، تعلم جيدا معنى انتصار الإسرائيلي من هذا الجانب، وهو ما يفرض عليها مكاشفة صريحة ودقيقة مع النفس تنبني عليها استراتيجية عمل جديدة، وقد سبق وحذّر الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله من معنى انتصار "إسرائيل" في هذه الحرب.
x.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية المقاومة اللبنانية حزب الله غزة لبنان إسرائيل غزة حزب الله المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محور المقاومة على لبنان حزب الله القول إن فی لبنان لبنان من قطاع غز
إقرأ أيضاً:
اليونيفيل: الجيش اللبناني ينتشر في الخيام وسط قلق من التصعيد الإسرائيلي بالناقورة
أكد رئيس بعثة قوات حفظ السلام الدولية في لبنان "اليونيفيل" أن بلدة الخيام جنوب لبنان هي البلدة الوحيدة التي أخلتها إسرائيل بالكامل بعد تصعيد العمليات العسكرية الأخيرة، مما سمح للجيش اللبناني بالانتشار فيها، وأشار المسؤول الدولي إلى أن الوضع في المناطق الحدودية ما زال يشهد توترًا، مع استمرار إطلاق النار وعمليات الهدم التي تنفذها القوات الإسرائيلية حول منطقة الناقورة.
وصرح المسؤول، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، بأن البعثة تشعر بقلق بالغ إزاء استمرار التصعيد العسكري في المناطق الحدودية، خاصة مع استمرار القصف والاشتباكات التي تهدد حياة المدنيين وتزيد من تعقيد الوضع الإنساني في جنوب لبنان.
وأفاد رئيس بعثة اليونيفيل بأن التنسيق مع السلطات اللبنانية مستمر لضمان استقرار المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية، مع التركيز على دعم الجيش اللبناني لتعزيز وجوده في المناطق المحررة، وأضاف أن البلدة الوحيدة التي شهدت انسحابًا إسرائيليًا وانتشارًا للجيش اللبناني هي بلدة الخيام، ما يمثل خطوة إيجابية لكنها غير كافية لتحقيق تهدئة شاملة.
في المقابل، تتزايد المخاوف من استمرار القصف الإسرائيلي في محيط الناقورة، حيث وثقت فرق اليونيفيل عمليات هدم طالت منشآت مدنية ومناطق مأهولة بالسكان، وأكد المسؤول أن البعثة تبذل جهودًا متواصلة للحد من التصعيد وضمان حماية المدنيين وفقًا للقرارات الدولية.
ودعا رئيس البعثة إلى وقف فوري لإطلاق النار في المناطق الحدودية والعودة إلى الالتزام باتفاقيات الهدنة، محذرًا من أن استمرار التوتر قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الاستقرار الإقليمي، وشدد على أهمية دعم الجهود الدبلوماسية الدولية لتجنب مزيد من التصعيد وحماية الأرواح والبنى التحتية في جنوب لبنان.
الخارجية الروسية: هناك إمكانية لاستئناف الحوار مع واشنطن بعد تنصيب ترامب
أكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أن روسيا تنظر في سيناريوهات مختلفة لما بعد تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مقاليد السلطة في بلاده.
وأشار ريابكوف خلال مقابلة مع صحيفة "كوميرسانت" الروسية، إلى أن روسيا لا تستبعد، من ضمن السيناريوهات المحتملة، إمكانية استئناف الحوار حول الاستقرار الاستراتيجي، بحيث تتخلى واشنطن عن مسارها الهادف إلى تقويض أمن روسيا.
وأضاف نائب وزير الخارجية الروسي، أنهم (الخارجية الروسية) لا يقومون حاليا في صياغة توقعات لما قد يحدث بعد تغيير الإدارة في البيت الأبيض، إلا أن هناك، بالطبع، عمل تحليلي وتنبؤات معينة، مبنية على فترة رئاسة ترامب الأولى، مشيرا إلى أنه بالنظر إلى ذلك "لدينا الكثير من الشكوك" مردفا: "دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها"، كما عاد وشدد على أننا "مستعدون لتطور الأحداث في مختلف الاتجاهات".
كما لفت ريابكوف إلى أن موسكو تحدثت مرارا، عن الشروط التي يجب توافرها لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه أولا وقبل كل شيء، هو ترك واشنطن لمسار تقويض الأمن الروسي ومحاولة إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، بالإضافة إلى استعداد الولايات المتحدة للعمل بشكل شامل لتقويض احتمالات الصراع، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل الهامة للاستقرار الاستراتيجي والتركيز على القضاء على الأسباب الجذرية التي خلقها الغرب بنفسه للتناقضات الأساسية في مجال الأمن، حسب قوله.
واختتم نائب وزير الخارجية الروسي قائلا: هذه التوقعات والافتراضات ممكنة، إلا في حال استبعد الجانب الأمريكي الحوار في المجال الاستراتيجي فلن يكون لها معنى، ولكن يجب أن نرى أولا التغيير في مسارهم لنحدد آلية العمل لحوار استراتيجي، أما الآن فكل هذه الأحاديث تبقى تخمينا وتنظيرا".