بقلم : د. مظهر محمد صالح ..
غادرت لندن حافلة حمراء ذات طابقين وهي تعتلي ظهر عبارة قطعت بحر المانش لتحط على شواطئ البر الاوروبي وعلى متنها نفر من الرجال و النساء ممن عقدوا العزم بأن الحياة الغربية هي اقل قدرة على تحملها وان العقل لايسمح على هضمها ولابد من الافلات من قبضة احلامها الخانقة الغارقة في اللامعنى.
كان هو الاول من ربيع ستينيات القرن الماضي، يوم انطلقت الحافلة الحمراء وهي تتسلق الشرق براً صوب بلاد مغلقة سميت بسقف العالم انها افغانستان. فالحج الى تلك البلاد كما سماه ذلك النفر هو الهروب من المرارة واليأس والتنديد بالنفس والتشاؤم والخوف. كما ان العالم العقلاني القائم عندهم مازال تحت رحمة القوى اللاعقلانية وهي قوى دائمية غربية ظلماء لم تشرق عليها الالوان واختفت تبايناتها. وان العقلاني فيها هو مؤقت و يمكن العثور عليه في شرق الارض وربما يتلقى ضوءاً يتسرب بهدوء من مائدة تمتص جوع المخاوف، ولكنها ستكون مأدبة عارية هي ليست الا ضرورة من ضرورات الشر الذي تمزقه صيحة اليأس الهادي وهو مشبع باللامعنى. انفضّ ذلك النفر من النساء والرجال من مأزق انسانيتهم على تلك المائدة العارية ليواصلوا السير في عجز كئيب ومرارة اللامعقول في بلاد شرق العالم في هذه المرة. فعندما تدقق في وجوههم على مائدة قوامها الآفيون، ستكتشف ملامح وجوه غريبة. فالكل يجد نفسه وسط غرباء وهو يتبادل ابتسامات باهتة يتعذر الايمان بها. .فعلى مائدة
الغداء العاري تُلوح الدنيا غريبة من وراء سحاب الدخان الازرق، التي امتزج برائحة الافيون، ولايُعرف موقع الدنيا من الزمان. فهو موقع منقسم على نفسه في سفوح جبال شاهقة يبحث نفر فيه عن دفئه العاطفي وهو في مجهول اليأس الهادي وبناء المتاهة .حدثني دبلوماسي عراقي مخضرم عمل في يوم ما سفيراً لبلادنا في افغانستان، بانه كثيرا ماكان يلتقي، في مجلس البعثات الدبلوماسية، السفير البريطاني في كابل ، حيث يشكو الاخير همومه على السفراء وهو يفتش عن مصير اولئك الرجال والنساء في سهول افغانستان وجبالها ممن يبحثون عن الغداء العاري في سهوب تلك البلاد الجبلية الوعرة بما فيهم النفر الذي قاد تلك الحافلة الحمراء ذات الطابقين، التي غادرت لندن في يوم ما، ليتسلقوا قمم الشرق .حيث ابدى السفير البريطاني أسفه وحزنه على مصير اولئك الذين يطلقون على انفسهم مجازاً (حُجاجاً) صوب المأدبة العارية الافيونية في بلاد تعد سقف العالم بسب علو جبالها ووعورة اراضيها.اذ غالباً ما يتعرضون الى السلب والاغتصاب اوالموت جوعاً او قد تفترسهم الضباع بما فيها الضباع الادمية.انه ادب اللحظة الذي قدمه وليم بروز، الذي اجدُ فيه،وانا ابحث في سري وبين اوراقي ، بأن الروائي الاميركي الاباحي المنبوذ (وليم بروز) في روايته الصادرة في باريس في العام 1959 (الغداء العاري) جاء يحاكي ايضاً قصة اولئك (الحجاج) في الحافلة اللندنية الحمراء ذات الطابقين والتي تشرد راكبوها في جبال افغانستان، ليظهر لنا تلك اللحظة المتحجرة او الجامدة التي يمكن لكل فرد يجلس فيها على اطراف المائدة الافيونية بانه صار مشكوكاً على طرف كل شوكة او ملعقة من لوازم المائدة !. ويقصد وليم بروز، بذلك لحظات الوعي العالية التي يبلغها المدمن تحت وقع المخدر او الافيون، انها لحظات مرعبة تقود غالباً الى حالة (بارونويا) عميقة او مرض اليأس وفقدان الثقة بالاخرين انها نزهة كابوسية داخل عقول اولئك النفر المدمن على المخدرات في وليمة الافيون المجانية. يوجز وليم بروز في روايته الغداء العاري الى هلوسات لاتحصر احداثها او دواخلها وتقع في مكان غريب يحمل اسم (منطقة التداخل) التي يقطنها اطباء عديمو الذمة ومتغطرسون ضعفاء واشخاص منحرفون ومخلوقات غريبة مثيرة، وتتوالى داخلها حفلات ماجنة وتنعقد المكائد الصغيرة منها والكبيرة..انه عالم اللامعقول، تارة هزلي و تارة مأساوي وتارة فاسد، لاشيء يربط شخوصه بعضهم ببعض سوى تعاطي المخدرات والجنس والموت خارج أي سياق سردي عقلاني. انه مثال عيش آخر يُحول ذلك النفر الى منبوذين وذوي قيم متحجرة والى ضحايا للعيش كمجرمين (كما عبر عنها الكاتب انطون جوكي عند تناوله وليم بروز ). ختاما، جسد بروز في روايته (الغداء العاري) كيفية انحدار المجتمع الغربي الى جحيم الاغتراب في مرحلة الحرب الباردة والهروب الى العبث وبجدية لا تقود الا الى العدم. انها حقيقة الادب السوريالي الغربي في شقاء الذات والهروب الى المجهول اوالانتحار على حشائش (الافيون المجاني) فوق جبال الشرق الوعرة انها….. مأدبة الغداء العاري على سفوح تورو بورو !! .
د.مظهر محمد صالح
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية:
احتجاجات
الانتخابات البرلمانية
الجيش الروسي
الصدر
الكرملين
اوكرانيا
ايران
تشرين
تشكيل الحكومة
تظاهرات ايران
رئيس الوزراء المكلف
روسيا
غضب الشارع
مصطفى الكاظمي
مظاهرات
وقفات
إقرأ أيضاً:
ما المخاطر التي تحملها «مسكنات الألم الشائعة»؟
كشف موقع “Science Alert”، عن دراسة علمية جديدة تحذّر من “المخاطر المترتبة على تناول “أكثر مسكنات الألم شيوعا في العالم”.
وذكر البحث العلمي الذي نُشر في مجلة “Social Cognitive and Affective Neuroscience”، أن الـ”أسيتامينوفين” (المعروف باسم الباراسيتامول، والمُباع تحت أسماء تجارية مثل “تايلينول” و”بانادول”) قد يكون أكثر من مجرد مسكن للآلام، إذ تشير الدراسة إلى أنه قد يزيد من الميل إلى الـ”مخاطرة”.
وبحسب الموقع، “قال عالم الأعصاب بالدوين واي، من جامعة ولاية أوهايو الأمريكية، “إن الدواء يقلل من المشاعر السلبية مثل الخوف عند التفكير في أنشطة محفوفة بالمخاطر”.
وبحسب الموقع، “شارك في الدراسة أكثر من 500 طالب جامعي، تناولوا إما جرعة من الـ”أسيتامينوفين” أو دواء وهميا، ثم خضعوا لاختبارات تقيس سلوك المخاطرة، مثل نفخ بالونات لكسب أموال خيالية مع خطر انفجارها، وأظهرت النتائج أن متناولي الـ”أسيتامينوفين” كانوا أكثر ميلا للمخاطرة مقارنة بالمجموعة الضابطة”.
وبحسب الدراسة، “أظهرت النتائج انخفاضا في إدراك المخاطر لدى متناولي الـ”أسيتامينوفين”، ورغم أن التأثير كان طفيفا، إلا أن الباحثين أشاروا إلى أهمية استكشاف الآليات النفسية والبيولوجية وراء هذا السلوك في المستقبل”.
هذا و”تساعد المسكنات التي يتم تناولها دون وصف الطبيب في تخفيف الآلام الناتجة عن العدوى والالتهابات التي تصيب الجسم، ولكنها في نفس الوقت يمكن أن تسبب أضرار صحية في حالة الإفراط في تناولها، حيث يمكن أن يسبب “الأسبرين”، على سبيل المثال، مضارًا كثيرة كالإصابة بنزيف المعدة في حالة تناوله لفترة طويلة”.