ترمب ودفاعه الأجوف بدعوى حرية التعبير
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
في الرد على قرار الاتهام الفيدرالي الموجه إلى دونالد ترمب بدعوى التآمر لإسقاط انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2020 والبقاء في المنصب، يزعم محامو ترمب والمدافعون عنه أنه كان يمارس حقه في حرية التعبير عن رأيه بموجب التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة. لفهم هذه القضية إذن، يجب أن نفهم أين تنتهي حرية التعبير ويبدأ الـغِـش الجنائي.
صحيح أن أفعال ترمب في حالتنا هذه كانت تتألف من كلمات، لكن هذا لا يجعلها محمية دستوريا. بل على العكس من ذلك، نجد أن جرائم عديدة تقتضي ضمنا فرض قيود على الكلام. على سبيل المثال، من المخالف للقانون الكذب على مسؤولي إنفاذ القانون أو أمام هيئة محلفين، أو تحريف حقيقة مُـنتَـج ما على أنه آمن في حين أنه ليس آمنا. ولا يجوز لأي شخص التحريض عمدا على عنف، أو تشويه سمعة شخص ما عن قصد، أو تصوير قُـصَّـر على نحو صريح جنسيا. هذه وغيرها من القوانين التي تقيد المعلومات موجودة لسبب وجيه: فهي تحمي المجتمع من أضرار جسيمة. في ظل نظام ديمقراطي ليبرالي، قد يكون تقويض النظام الانتخابي عمدا أخطر أشكال الأذى على الإطلاق. هذا هو السبب وراء وجود قوانين تحمي شرعية ونزاهة الانتخابات من خلال نشر تصريحات كاذبة بوضوح عن دراية أو بإهمال. في عديد من الولايات، لا يجوز لأي شخص التدخل عمدا في حق الناخبين في التصويت من خلال الكذب حول كيفية الإدلاء بالصوت أو عن طريق إنشاء بطاقات اقتراع مزيفة. ولا يجوز لأي شخص الكذب بشأن الانتماء إلى حملة انتخابية أو الكذب في بيانات الحملة أو الإعلانات السياسية. في كل من هذه الحالات، قد يتبين أن تضليل الناخبين أو إرباكهم عمدا بشأن قضايا بعينها أو مرشحين ممارسة مخالِـفة للقانون. في حين لا ينبغي أبدا تثبيط الخطاب الـقَـيِّـم اجتماعيا من قِـبَل الحكومة، فإن أفعال الخطاب التي تشكل احتيالا أخلاقيا أو تجاريا ــ والتي تعمل في واقع الأمر على أنها "أفعال مناهضة لحرية التعبير" ــ يجب تثبيطها وربما يمكن حظرها من أجل منع أضرار اجتماعية وسياسية جسيمة. لا أحد قد يتصور أن الحرية الفردية تعاني لأن الكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالية أو التصريح عمدا بادعاءات كاذبة بشأن أرباح شركات أو منتجات ممارسة مخالفة للقانون. الحق أن القيمة التي تقدمها سبل الحماية هذه للمجتمع تفوق كثيرا التكاليف المترتبة عليها. وكما ذكرت في مكان آخر، يتبع تنظيم أفعال الخطاب على النحو المصمم لتعطيل العملية الديمقراطية منطقا مماثلا. في كثير من الأحيان، تفوق المخاوف بشأن المخاطر المترتبة على تثبيط الخطاب المحمي الاحتياج الـمُـلزِم بذات القدر، لكنه موضع تنافس في بعض الأحيان، إلى الحفاظ على الحد الأدنى من الشروط لضمان سوق نشطة قوية للآراء والأفكار. في بعض الأحيان تتسبب تصرفات الدولة التي تهدد حرية التعبير في إحداث ضرر غير مقبول؛ ولكن في أحيان أخرى، كما هي الحال مع القوانين التي تنظم أفعال الخطاب الذي يحض على العنف أو التي تشكل احتيالا على الناس، يتطلب منع الضرر غير المقبول تقييد القدرة على الوصول إلى المعلومات أو تقييد حرية التعبير. تشكل صيانة سلامة ونزاهة العملية الانتخابية ضرورة حتمية تتجاوز أي انتماء حزبي. ومن حق المجتمعات الديمقراطية الليبرالية أن تتخذ الخطوات المناسبة لحماية نزاهة الانتخابات. من حقها أيضا إظهار عدم التسامح تجاه عدم التسامح، لأن الديمقراطية، على حد تعبير قاضي المحكمة العليا روبرت جاكسون، ليست ميثاق انتحار. يجب أن يكون التوجيه الأساسي لأي دستور عامل ترسيخ وحماية الحد الأدنى من الظروف اللازمة لبقاء وازدهار النظام الدستوري. إن أولئك الذين يفرطون في سلطة تنظيم الممارسات غير الليبرالية التي تحبط الممارسة الحقيقية لحرية التعبير يرتكنون إلى مُـفارَقة لا نستطيع قبولها ولا يجوز لنا قبولها.
الواقع أن تنظيم الأفعال المناهضة لحرية التعبير لا يدور حول مراقبة الأفكار غير الشعبية، أو قمع الآراء المستهجنة، بل يتعلق بتأمين البنية الأساسية للديمقراطية حتى يتسنى تداول مجموعة متنوعة من الآراء والأفكار بحرية. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تتقدم من خلالها المداولات المستنيرة (الجماعية والفردية). يجب أن تكون الأولوية الأولى في أي ديمقراطية ضمان نظام بيئي للتواصل يتمكن كل المواطنين من المشاركة فيه دون أن تعوقهم أو ترهقهم جهود متعمدة (خارجية أو محلية) لتجريد التواصل السياسي من مغزاه. إذا عجزت أي ديمقراطية عن صيانة الثقة في عملية المداولة ذاتها، فإن أيامها تصبح معدودة.
إن أولئك الذين يسعون إلى الحصول على ميزة غير عادلة في الانتخابات من خلال تخريب الخطاب الديمقراطي عمدا يبددون سبل الحماية المستحقة للخطاب الديمقراطي. لا يحمي الحق الدستوري في حرية التعبير الخطاب الاحتيالي. والحفاظ على سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها والـمُـثُـل الديمقراطية التي يقوم عليها الخطاب التداولي، والذي لا يقل أهمية عن الحفاظ على السوق الاقتصادية، يتطلب فرض هذا القيد. لا شك أن وعد الحرية في غياب إطار قانوني وسياسي لائق لتأمينها مجرد وعد أجوف. يجب أن تستند الضمانات الأساسية التي تحافظ على كرامة الفرد واستقلاله وحقه في حرية التعبير إلى تقييم حكيم للظروف التي تعمل على توليد مستويات غير مقبولة من الضرر الاجتماعي والسياسي. في هذا الضوء، تخدم الاتهامات الجنائية الفيدرالية الموجهة إلى ترمب بدعوى التآمر لإسقاط الانتخابات الرئاسية مصالح وطنية حيوية، بما في ذلك سلامة التعديل الأول ذاته.
• ريتشارد ك. شيروين أستاذ فخري في القانون بكلية نيويورك للقانون، وهو مؤلف كتاب "عندما يذهب القانون إلى البوب: الخط المتلاشي بين القانون والثقافة الشعبية".
** خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حریة التعبیر لا یجوز یجب أن
إقرأ أيضاً:
درة: أفلام مي المصري كانت تلمسني.. وأنا ضد الخطاب المباشر في السينما
أقام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الـ45، على المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية، محاضرة حول "السرد كأداة للصمود: قصص الهوية والبقاء"، ضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما يديرها الناقد الصحفي محمد نبيل .
وقالت درة: أنا ضد تصدير الصورة النمطية بشكل عام ، وتقديم القضية الفلسطينية الى الشاشة بشكل خاص، فالسينما لابد ان تقدم الموضوع بشكل أذكي، وألا يكون الخطاب المباشر الذي يجلب التعاطف تجاه القضية الفلسطينية ، وأكبر دليل على ذلك اعمال المخرجة مي المصري والتي كانت تلمسني انسانيا بشكل كبير.
وتحدث خلال الندوة الفنانة والمخرجة درة زروق، والمخرجة ميريام الحاج، والمنتجة مي عودة والمخرجة نجوى نجار ويدير النقاش الناقد محمد نبيل.
تستكشف الندوة قوة السرد في تحفيز قدرات الأفراد على المقاومة والتحمل في أصعب اللحظات والمواقف، ويحكي الحضور عبر خبراتهم ووعيهم الثقافي الفريد عن تجاربهم في تشكيل السرد السينمائي وروايات الهوية الشخصية والجماعية، ومحاولات البقاء والخلافات والنبرات الانهزامية.
يناقش الضيوف تحديات صنع الأفلام في مناطق الصراع والنزوح وتلك المحاصرة بالقيود السياسية، وعن خبرة كل منهم في استخدام الإبداع للدفاع عن رؤيتهم والنجاة من الأسى والمآسي.
تسلط الحلقة النقاشية الضوء على التقنيات السردية التي يمكنها تحوّل قصص الصراع الشخصي إلى سرديات مهمة إعجازية تلهم الجماهير وتحفّز المجتمعات على الاستمرار والمقاومة.
فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما (CID)، والتي تقام في الفترة من 15 إلى 20 نوفمبر 2024، تمثل منصة حيوية تهدف إلى دعم وتعزيز مشروعات السينما، وتقديم فرص نادرة للتفاعل بين صناع الأفلام من جميع أنحاء العالم، وتشهد هذه الفعالية مشاركة متميزة من مخرجين، منتجين، وخبراء في مختلف جوانب الصناعة السينمائية، يجتمعون لاستكشاف أحدث الاتجاهات وتبادل الأفكار والتجارب.
تتضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما ورش عمل وجلسات حوارية ونقاشات تتناول تحديات واحتياجات السوق، ما يعزز من فرصة المساهمة في نمو وتطوير مشاريع سينمائية جديدة ويُعيد تأكيد مكانة مصر كمركز إقليمي للإبداع السينمائي.