لجريدة عمان:
2025-02-23@21:45:54 GMT

كابوس بيروت قد يصبح مستقبل إسرائيل

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

في الثاني عشر من سبتمبر سوف تنظر محكمة إسرائيل العليا في ما إذا كان استيلاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على السلطة القضائية قانونيا. وقد رفض نتانياهو مرارا الالتزام بالتقيد بقرار معاكس، ففي حال اتخاذ المحكمة قرارا ضد ائتلافه الحاكم، سوف تواجه إسرائيل أزمة قضائية كاملة.

سيكون على رؤساء الجيش والموساد وشين بيت والشرطة أن يقرروا لمن ولاؤهم، أهو لائتلاف سياسي متورط في انقلاب قضائي أم لمحكمة عليا تحافظ على استقلالها.

لكن حتى في حال حكم المحكمة على نفسها بالعجز عن الحفاظ على سلطاتها، فستواجه إسرائيل أيضا أزمة كاملة. لأن نتانياهو وائتلافه اليميني المتطرف من المؤمنين بالتفوق اليهودي ومن اليهود الأرثوذكس المتطرفين قد انتهكوا بالفعل العقد الاجتماعي الجوهري الذي أبقى على تماسك إسرائيل على مدار السنوات الخمس والسبعين الماضية وهو "عش ودع غيرك يعش".

وإنني أعرف الكثير عن ذلك المبدأ. فقد عشت في بلدين في الشرق الأوسط منذ أواخر السبعينيات وحتى أواخر الثمانينيات، هما لبنان و"إسرائيل"، وكلاهما حافظ على استقراره لسنين من خلال احترام ذلك المبدأ، إلى أن توقفا عن احترامه.

يشترك لبنان وإسرائيل في سمتين كبريين: فالبلدان صغيران حقا في الجغرافيا ومتنوعان بصورة لا تصدق في السكان، متنوعان دينيا، ومتنوعان عرقيا، ومتنوعان سياسيا، ومتنوعان لغويا، ومتنوعان تعليميا.

وحينما يكون بلد ديمقراطي صغيرا فعلا وقولا، ومتنوعا فعلا وقولا، لا يبقى من سبيل للحفاظ على الاستقرار إلا وجوب أن يحترم جميع الفاعلين المتنوعين مبدأ "عش ودع غيرك يعش". أو "لا غالب ولا مغلوب"، مثلما وصف اللبنانيون الوضع كلما انتهك فصيل هذا المبدأ فغاص البلد في حرب أهلية ثم تعيَّن عليه أن يعيد بناء التوازن بين الطوائف. على الجميع أن يلتزموا بحدود معينة لا يتجاوزونها.

غير أنه على مدار العقدين المنصرمين، عمد حزب الله المدعوم من إيران إلى إهمال هذا المبدأ. واستعمل تفوقه في العتاد والمقاتلين ودعم إيران له في فرض سلطانه على غيره من الأحزاب والطوائف اللبنانية. وبدلا من "لا غالب ولا مغلوب"، فرض حزب الله مبدأ كثيرا "حان أن نكون الآكلون"، بمعنى دهس الديمقراطية، ونيل أكثر من نصيبنا المستحق من موارد الدولة والعمل بلا حساب من سلطة مستقلة (من قبيل سلطة النظام القضائي).

وبرغم جميع الاختلافات الكثيرة بين لبنان وإسرائيل، فإن ائتلاف نتانياهو هو مثل "حزب الله"، وقد قرر أنه حان الوقت لأن يكون أعضاؤه هم الآكلين ـ برغم أنه فاز في انتخابات نوفمبر بفارق لا يعدو ثلاثين ألف صوت من 4.7 مليون صوت. فانتهك مبدأ "عش ودع غيرك يعش" وبدأ على الفور في تحويل مقادير غير مسبوقة من النقود الجديدة إلى مدارس دينية أرثوذكسية متطرفة ـ دونما إلزام لها بتدريس الرياضيات أو العلوم أو اللغة الإنجليزية أو آداب الديمقراطية ـ وتعيين وزراء لهم صحف جنائية ذات سوابق إجرامية وتوجيه الموارد الحكومية إلى توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة بهدف هلهلة عملية السلام القائمة على اتفاقات أوسلو. وقد تم هذا كله في أثناء محاولة تحييد قدرة المحكمة العليا على إيقاف أي منه.

هذا اللون من الاستيلاء على الموارد والسلطة غير مسبوق في السياسة الإسرائيلية، وإنه ليزداد إزعاجا عند الأخذ في الاعتبار أنه يتم، جزئيا، على أيدي أحزاب أرثوذكسية متطرفة لا يدفع أعضاؤها إلا القدر الأدنى من الضرائب وهم الأقل خدمة في الجيش.

لقد علم الجميع حدودهم، حتى الآن، في ما عدا استثناءات قليلة، فعلم العلمانيون إلى أي مدى يمكن الضغط على الأورثوذكس لفتح المطاعم يوم السبت، وعلم الأرثوذكس إلى أي مدى يمكن الضغط على العلمانيين في حقوق المثليين. ومع أن مستوطني الضفة الغربية كرهوا اتفاقات أوسلو، لكنهم لم يحاولوا قط تفكيك السلطة الفلسطينية التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية. بل إن المحكمة العليا نفسها أصبحت في السنوات الأخيرة تتسم بالمزيد من التوازن الأيديولوجي بين المحافظين والليبراليين، برغم ما يضلل به نتانياهو البلد من تصريحات.

يحكي صديقي ديفيد ماكوفسكي ـ زميل معهد واشنطن المخضرم ـ قصة ابنه الذي ولد في القدس سنة 1998، وأراد ديفيد أن يكون بجوار زوجته فاردا عند ولادته، فأخبره طبيب التوليد الخاص بها أن لا بأس في ذلك ما دامت الممرضة الأرثوذكسية المتطرفة الوحيدة العاملة في غرفة الولادة والتي يمكن أن تعترض على حضوره لن تكون في العمل. ظل الطبيب يفحص الزوجة طوال شهور الحمل كما حكى ديفيد وتمكن من تحديد ميعاد الولادة بعد انتهاء يوم عمل تلك الممرضة المتدينة بالضبط.

حكى ديفيد أنه "عندما حان الوقت الذي قال فيه الطبيب لفاردا ’ادفعي’، كنت حاضرا في غرفة الولادة. بدت الغرفة مصغرا لإسرائيل، حيث يمكن أن يتشبث الناس بالمبادئ، ومع ذلك يجدون طرقا خلاقة للتعايش".

بانتهاك توازن "عش ودع غيرك يعش" بالقوة المحضة، بفضل ميزة برلمانية سياسية ضئيلة وعابرة، انتهك نتانياهو وائتلافه شيئا أهم كثيرا من القانون. فقد انتهكوا العرف غير المكتوب الذي يحافظ لإسرائيل على تماسكها. ومن الصعب أن نتبين كيف سيصبح البلد بعد هذا مثلما كان.

في حال إعلان المحكمة العليا أنها لا تملك سلطة إيقاف انقلاب نتانياهو القضائي، أو في حالة رفض نتانياهو الالتزام بحكم ضد استيلائه على السلطة، فإن النظام الإسرائيلي قد يخرج تماما عن السيطرة، مع ملاحظة أنه الآن متصدع بالفعل من جراء رفض العديد من جنود احتياط الجيش والقوات الجوية خدمة حكومة باتوا يعدونها دكتاتورية لا ديمقراطية.

إليكم وصفا للأمر قدمه يوهانان بليسنر رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية (وهو مركز أبحاث غير حزبي، وأنا أحد المتبرعين له) في مقال حديث على موقع المنظمة:

"لقد قامت حكومة منتخبة بإجراء تعديلات دستورية يحتمل أن تكون واسعة المدى بناء على خطوط حزبية ضيقة. ومهما يكن رأي المرء في التعديل المعني، فقد تم تجاوز خط أحمر... لأن تنفيذ هذا الاستيلاء على السلطة قد تم في مواجهة أضخم وأطول مظاهرات في تاريخ البلد، وضد إرادة أغلبية الشعب، ودونما اعتبار لتحذيرات قوية من خبراء في الأمن والقانون والاقتصاد، بما تسبب في تهديد لملايين الإسرائيليين".

وأضاف بليسنر ـ في تحليل له أصداء حقيقية بالنسبة للديمقراطية الأمريكية أيضا ـ أنه اعتبارا من هذه اللحظة "سيكون لدى كل مواطن إسرائيل، في كل مرة يذهب فيها إلى صندوق الانتخاب، وعي مرعب بأن هزيمته قد تساوي طريقته كاملة في الحياة. سيدلي المتدين بصوته وهو يخشى أن حكومة ذات قيادة علمانية قد تقوض منفردة الشخصية اليهودية للدولة إن تراءى لها هذا. وسوف تدلي امرأة علمانية بصوتها وهي ترتعش خوفا من تداعيات فوز اليمين على حقوقها".

بل إن حقوق 1.6 مليون من المواطنين العرب في إسرائيل، الذين تمثل المحكمة العليا حاميا جوهريا لهم، قد تصبح كاملة تحت رحمة الأغلبية اليهودية في حال استمرار هذا القانون. وما كان لهذا أن يحدث مطلقا في بلد متنوع يقوم على مبدأ عش ودع غيرك يعش.

خلص بليسنر إلى أن "الانتخابات لا ينبغي أن تكون تنافسا يحصل فيه الفائز على كل شيء، ويستولي المنتصر على كل شيء، ويخاطر الخاسر بكل شيء. فما هذه بديمقراطية، إنما هي وصفة لحرب أهلية".

والحقيقة أنني سألت الكاتب الإسرائيلي آري شافيت عن أكثر ما يخشاه اليوم في بلده. فقال إنه لا يخشى أن تتحول إسرائيل إلى "دكتاتورية انتخابية ـ تشبه المجر أو بولندا أو روسيا. وذلك لأن الميراث السياسي اليهودي لا يمكن أن يقبل سلطة الحكم المطلق، ولأن اليمين المتطرف في إسرائيل لا يملك القوة الكافية لفرض إرادته على الليبراليين".

قال إن الخطر الحقيقي على إسرائيل هو أنها سوف تهوي إلى الفوضى والتفكك.

أضاف شافيت أن "الشبح القادم هو لبنان. جارنا الشمالي الذي عانى الكثير من التمزق حينما تهاوى نظامه الطائفي الرهيف". والآن، في إسرائيل، انهارت التسوية التاريخية التي أتاحت للمجتمعات شديدة التنوع أن تعيش معا في سلام ـ مع سيطرة اليمين على السلطة السياسة في أغلب السنوات العشرين الماضية، وسيطرة الوسط واليسار على المحاكم والإعلام والجامعات".

قال شافيت إنه كما في أيام المعبد الأول والمعبد الثاني "يمزقنا التعصب والتطرف ويهدد بتدمير الأمة التي أقمناها هنا. ولذلك فإن الكابوس الذي يوقظني في جنح الليل ليس بودابست أو وارسو، وإنما هو بيروت".

ولما كنت شخصيا قد عشت في كابوس بيروت في أواخر السبعينيات، يمكنني أن أجزم بأن الاحتمال قائم تماما بالنسبة لإسرائيل اليوم. فمن يكسر ما لديه، يخسره، ولا راد له.

• توماس فريدمان كاتب عمود رأي في السياسة الخارجية في صحيفة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب "من بيروت إلى القدس".

** "خدمة نيويورك تايمز"

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المحکمة العلیا على السلطة فی حال

إقرأ أيضاً:

حماس توضح ما جرى لجثة بيباس وتحمّل نتانياهو المسؤولية

قال المسؤول في حركة حماس إسماعيل الثوابتة، إن "جثة الأسيرة الإسرائيلية شيري بيباس تحولت إلى أشلاء بعد قصف إسرائيلي على موقع تواجدها واختلطت بأشلاء ضحايا آخرين على ما يبدو".

وقال الثوابتة في منشور عبر حسابه بمنصة "إكس"، إن جثة بيباس "تحولت إلى أشلاء بعد أن اختلطت على ما يبدو بجثامين أخرى تحت أنقاض مكان قصفته طائرات الاحتلال الحربية بشكل مقصود ومتعمد". 

⚫ لا وزن لغضب مجرم الحرب "نتنياهو" بشأن جثة الأم بيباس، التي تحولت إلى أشلاء بعد أن اختلطت يبدو بجثامين أخرى تحت أنقاض مكان قصفته طائرات الاحتلال الحربية بشكل مقصود ومتعمد. نتنياهو نفسه هو من أصدر أوامر القصف المباشر وبلا رحمة، وهو من يتحمل المسؤولية الكاملة عن قتلها مع أطفالها…

— د. إسماعيل الثوابتة #غزة (@ismailalthwabta) February 21, 2025

وأضاف، "نتانياهو نفسه هو من أصدر أوامر القصف المباشر وبلا رحمة، وهو من يتحمل المسؤولية الكاملة عن قتلها مع أطفالها بوحشية مروعة".

وتابع، "على مدار 470 يوماً من الإبادة الجماعية، ارتكب هذا المجرم وجيشه الجرائم تلو الأخرى، فقتلوا أكثر من 30 ألف طفل وامرأة في قطاع غزة، دون أن يثير ذلك غضب هذا العالم المنافق، الذي لا يرى إلا بعين واحدة".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قال، إن الجثة التي أعادتها حركة حماس أثناء تسليم رفات الرهائن الإسرائيليين، هي لامرأة من غزة وليست جثة شيري بيباس، وهي أم لصبيين أعادت الحركة جثتيهما أمس الخميس. 

نتانياهو يتوعد حماس: ستدفع ثمن عدم إعادة جثة شيري بيباس - موقع 24قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو اليوم الجمعة إن إسرائيل ستجعل حركة حماس تدفع ثمن عدم تسليم جثمان الرهينة شيري بيباس كما هو متفق عليه.

وانتقد نتانياهو في بيان اليوم الجمعة تسليم الرفات الخطأ، ووصفه بأنه "انتهاك صارخ وخبيث" لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أوقف القتال في قطاع غزة، وتوعد حماس بـ"دفع الثمن كاملاً" جراء هذا.


كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن  أنه بعد فحص الطب الشرعي، تم التأكد من أن اثنين من الجثث التي أعادتها الحركة الفلسطينية المسلحة تعودان إلى أريئيل وكفير بيباس، اللذين كانا من بين أكثر من 250 شخصاً تم اقتيادهم من إسرائيل إلى قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ومع ذلك، لم تكن الجثة الثالثة هي جثة والدتهما، شيري بيباس. وكانت حماس قد قالت إن رفات المرأة ستكون من بين الذين تم إرجاعهم أمس الخميس.
وقال الجيش الإسرائيلي: "خلال عملية التعرف، تم تحديد أن الجثة الإضافية التي تم استلامها ليست جثة شيري بيباس، ولم يتم العثور على تطابق مع أي رهينة أخرى. هذه جثة مجهولة وغير محددة".
وأضاف: "هذا انتهاك بالغ الخطورة من قبل منظمة حماس، التي كانت ملزمة بموجب الاتفاقية بإرجاع جثث أربع رهائن متوفين. نطالب حماس بإرجاع شيري إلى وطنها مع جميع رهائننا".
وكان أريئيل بيباس في الرابعة من عمره وقت الهجوم، بينما كان شقيقه كفير يبلغ 9 أشهر.

وكان والدهما، ياردين، قد تم أخذه أيضاً في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). وتم إطلاق سراحه حياً في وقت سابق من هذا الشهر.

مقالات مشابهة

  • فيلم الرعب الكوميدي - The Monkey لعبة ملعونة تحول الحياة إلى كابوس!
  • نتانياهو يهدد سوريا وغزة
  • المؤسسة الفلسطينية لمكافحة المقاومة.. ما الذي جرى لأجهزة السلطة؟
  • إسرائيل تؤجل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين: ما السبب وهل يهدد ذلك مستقبل اتفاق الهدنة؟
  • كاتب أمريكي: ترامب يريد أن يصبح رئيسًا مدى الحياة
  • القمة 129.. إمام عاشور وبن شرقى "كابوس" الزمالك
  • كابوس جديد يطارد الرجاء قبل الانتقالات الصيفية
  • ماكرون يصبح أول زعيم أوروبي يزور البيت الأبيض في عهد ترامب يوم الأثنين
  • حماس توضح ما جرى لجثة بيباس وتحمّل نتانياهو المسؤولية
  • الملحم يفتح النار على إصابات لاعبي النصر: السمانة كابوس يطارد الفريق