المؤتمر دفعة كبيرة لجهود تنفيذ تعهدات والتزامات مواجهة التغيرات المناخية تحقيق أوسع مشاركة في المؤتمر والتعاون مع الدول والأطراف المعنية قيادي «COP28» يؤدي دوراً فاعلاً لدعم جدول أعمال شامل ومتكامل للحدث «الطريق إلى COP28» محطة مهمة للشباب زيادة الوعي وحشد الجهود للمؤتمر «رئاسة COP28» أطلقت مبادرات والبرامج الهادفة لوضع أجندة طموحة للمؤتمر «برنامج مندوبي الشباب الدولي للمناخ» يستهدف تمكين الشباب للمشاركة بفاعلية «استدامة وطنية» تتزامن مع الاستعدادات للمؤتمر للتوعية بالمبادرات والمشاريع تخصيص يوم «الإغاثة والتعافي والسلام» وعقد مؤتمر وزاري للصحة والمناخ «COP28» سيشهد أول حصيلة لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ أهداف اتفاق باريس

 يتطلع العالم بالكثير من الأمل والتفاؤل إلى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28» الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، وذلك لإحراز تقدم ملموس بشأن العمل المناخي العالمي، وإعطاء دفعة كبيرة للجهود الدولية الساعية إلى تنفيذ التعهدات والالتزامات الخاصة بمواجهة التغيرات المناخية.


 وتحت شعار «نتحد، ونعمل، وننجز»، تتطلع دولة الإمارات عبر «COP28» إلى التعاون مع جميع دول العالم وكافة الأطراف المعنية لتحقيق نتائج ومخرجات متوازنة وطموحة وشاملة للجميع لتكون إرثاً يمنح الأمل للأجيال القادمة، وبهدف التوصل إلى حلول تحقق هدف الدولة في جعل المؤتمر قمة للتنفيذ، وليس للتعهدات فحسب.
كما تسعى رئاسة دولة الإمارات للمؤتمر إلى استعادة الزخم اللازم لتحقيق التقدم في العمل المناخي، والوصول إلى إجماع عالمي، وتقديم خريطة طريق لتحقيق تحول جذري في نهج العمل المناخي في المستقبل والوصول إلى مخرجات حاسمة عبر ركائز خطة عمل المؤتمر وهي: تسريع تحقيق انتقال منظم وعادل ومسؤول في قطاع الطاقة، وتطوير آليات التمويل المناخي، والتركيز على جهود التكيف لتحسين الحياة وسُبل العيش، واحتواء الجميع بشكل تام في منظومة عمل المؤتمر.
 ولعل أبرز دلائل أهمية قمة المناخ القادمة، هو ما أكده أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، أن العالم لا يملك رفاهية الوقت لحماية المناخ، وضرورة العمل على تحقيق العدالة المناخية، مشدداً على أن القمة التي ستعقد في دولة الإمارات هي «قمة للطموح المناخي»، داعياً الدول وكافة الأطراف الفاعلة لتضافر الجهود من أجل حماية المناخ وتحسين ظروف حياة الدول والمجتمعات النامية والأكثر تأثراً.
لجنة وطنية عليا
وكثفت دولة الإمارات جهودها لضمان نجاح استضافة الدولة لـ «COP28»، حيث تعمل دولة الإمارات على تحقيق أوسع مشاركة في فعاليات القمة عبر الدعوات الموجهة من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله إلى قادة الدول، والتطلع إلى مشاركات نوعية في إثراء أجندة هذا الحدث العالمي البارز. كما تم تشكيل لجنة وطنية عليا برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، للإشراف على أعمال التحضير لمؤتمر الأطراف، من خلال منهجية شاملة ومتكاملة تتماشى مع تركيز دولة الإمارات على التنمية المستدامة ومدّ جسور التواصل والتعاون مع المجتمع الدولي وتسهيل التوصل إلى حلول عمليّة تعود بالفوائد الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد على المنطقة والعالم كله. ويأتي تشكيل اللجنة العليا تأكيداً على أهمية مؤتمر الأطراف في دفع وتوجيه مسار المفاوضات المناخية بين دول العالم، وتهيئة الفرص المتكافئة لمشاركة جميع الأطراف في إيجاد حلول مناخية فعّالة، والاستفادة من المؤتمر كمنصة متميزة تسهم في تعزيز النهج الاستباقي الذي اعتمدته دولة الإمارات في مسيرة العمل المناخي لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
 فريق لرئاسة «COP28»
 وفي سبيل تحقيق المستهدفات العالمية خلال «COP28»؛ أعلنت دولة الإمارات عن تكليف فريق رئاسة مؤتمر الأطراف، ونال ذلك إشادة دولية وترحيباً واسعاً من عدد كبير من قادة الحكومات والهيئات والمؤسسات الدولية ورواد قطاعات الطاقة والعمل المناخي وأبرز وسائل الإعلام العالمية، حيث تم تكليف الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، رئيساً معيَّناً للدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، كما جرى تكليف كل من شما بنت سهيل بن فارس المزروعي وزيرة تنمية المجتمع بصفتها رائدة المناخ للشباب في المؤتمر، ورزان المبارك رئيسة الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة بصفتها رائدة المناخ في المؤتمر.
ويتيح تكليف سلطان الجابر برئاسة المؤتمر، الاستفادة من خبرته الطويلة في مجال الإدارة والاقتصاد وقطاع الطاقة التقليدية والمتجددة، حيث قام  بدور محوري في تنمية محفظة أصول الطاقة المتجددة لدولة الإمارات وتطويرها وتوسعتها داخلياً وخارجياً، كما قام الجابر بدور حيوي في أكثر من 9 من مؤتمرات الأطراف السابقة للمناخ، بما في ذلك مؤتمر COP21 الذي عقد في باريس عام 2015، والذي يمثل محطة مهمة في مسار مؤتمرات الأطراف.
تقريب وجهات النظر
وبصفته الرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف COP28، يقوم بدور مهم لتقريب وجهات النظر وتوفيق الآراء للوصول إلى إجماع عالمي لرفع سقف الطموح المناخي، وذلك بالتعاون مع مجموعة واسعة ومتنوعة من الشركاء وأصحاب المصلحة بما في ذلك قطاع الأعمال والمجتمع المدني، كما يقوم بجولات عالمية بهدف الاستماع إلى الأطراف المعنية كافة والتواصل معها، بجانب استعراض أولويات جدول أعمال رئاسة دولة الإمارات للمؤتمر، وأحدث المستجدات بشأن التحضيرات التي تركز على احتواء الجميع.
ويأتي تكليف شما بنت سهيل المزروعي بمهمة رائدة المناخ للشباب، ورزان المبارك بمهمة رائدة المناخ بهدف الإسهام في حشد جهود شركات القطاع الخاص والمستثمرين والمدن والمناطق وجميع فئات المجتمع المدني، بما في ذلك الشباب، قبل انعقاد المؤتمر، حيث تتولى شما المزروعي مهمة رائدة المناخ للشباب في مؤتمر الأطراف COP28، بهدف إيصال أصوات الشباب خلال المؤتمر وإعطاء الأولوية للاستفادة من مهاراتهم وقدراتهم، كما تعمل مع المعنيين داخل الدولة وخارجها لدعم الشباب وخلق مزيد من الفرص لهم، إضافة إلى إنشاء آليات لتمويل ابتكارات الشباب في مجال العمل المناخي. فيما تتولى رزان المبارك عبر مهمتها رائدة للمناخ لمؤتمر الأطراف COP28 مسؤولية تعزيز المشاركة وحشد الجهود من الجهات الفاعلة غير الحكومية، بما في ذلك القطاع الخاص والمدن، والحكومات المحلية، والشعوب الأصلية والمجتمع المدني.
 78 مبادرة بيئية
 كما اعتمد مجلس الوزراء تكليف وزارة التغير المناخي والبيئة للتنسيق مع الجهات الاتحادية والمحلية في الدولة لإعداد خطة استعداد الإمارات لمؤتمر «COP28»، بهدف ضمان مشاركة الجهات الحكومية الاتحادية في تنظيم هذا الحدث العالمي. وضمن استعدادات الدولة لاستضافة «COP28»؛ اعتمد مجلس الوزراء مبادرات لمكافحة تغيّر المناخ وحماية البيئة، متضمنة أكثر من 78 مبادرة، من أهمها: الاستراتيجية الوطنية للتنمية منخفضة الكربون وطويلة الأمد، والنظام الإماراتي لتنظيم منتجات الطاقة الشمسية، ونظام العلامة البيئية الإماراتي، وأنظمة قياس البصمة الكربونية لقطاع الصحة، ومبادرة تنظيم إصدار السندات والأوراق المالية الخضراء والصكوك، واستراتيجية إدارة النفايات المتكاملة على مستوى الدولة، ومبادرة شرطة بلا كربون، وتقرير المساهمات المحددة وطنياً.
 الطريق إلى «COP28»
ومثلت أولى فعاليات «الطريق إلى COP28» التي نظمتها رئاسة المؤتمر في «مدينة إكسبو دبي» في مارس الماضي محطة مهمة للشباب والمجتمع في مسيرة زيادة الوعي وحشد الجهود نحو مؤتمر الأطراف COP28، حيث يتماشى «الطريق إلى COP28» مع سعي المؤتمر لتعزيز وتسريع العمل المناخي العالمي، من خلال تعاون جميع المعنيين وفئات المجتمع بهدف تحقيق التعهدات التي قطعها العالم على نفسه من أجل الأجيال المقبلة. وأطلقت رئاسة الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) العديد من المبادرات والبرامج الهادفة لوضع أجندة طموحة خلال المؤتمر، حيث أطلقت رئاسة المؤتمر برنامجاً دولياً بعنوان «برنامج مندوبي الشباب الدولي للمناخ» بهدف تمكين الشباب للمشاركة بفاعلية في عمليات المؤتمر.
ويستهدف البرنامج إعلاء أصوات شباب العالم، وعرض وجهات نظرهم وأولوياتهم المتنوعة في المؤتمر، حيث يعمل البرنامج على إتاحة الفرصة لـ 100 شاب معظمهم من البلدان الأقل نمواً والدول الجُزرية الصغيرة النامية، للمشاركة في مفاوضات المناخ ومبادرات الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص ذات الصلة، كما يستهدف البرنامج الشعوب الأصلية ومجموعات الأقليات، ويقدم الدعم المالي وتدريبات بناء القدرات للمندوبين الشباب المختارين للالتحاق بالبرنامج. كما أطلق «مركز الشباب العربي» شبكة العمل المناخي الشبابي الهادفة لإشراك الشباب العربي من مختلف التخصصات في أنشطة وبرامج مواجهة التغيّر المناخي وتحقيق الاستدامة بالتزامن مع استعداد دولة الإمارات لاستضافة «COP28» العام الجاري.
 حملة استدامة وطنية
وتمثل حملة «استدامة وطنية»، التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، منصة مثالية للتوعية بمبادرات ومشاريع الاستدامة في الدولة. وتهدف الحملة إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، ودعم الاستراتيجيات الوطنية ذات الصلة بالعمل المناخي، بما يحقق التأثير الإيجابي على سلوك الأفراد ومسؤولياتهم، وصولاً إلى مجتمع واعٍ بيئياً. وتغطي الحملة الإعلامية محاور عدة، أبرزها «إرث الوالد المؤسس» الذي يسلط الضوء على نهج وإرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في مجال الاستدامة، ومحور «أبطال العمل المناخي» الذي يهدف لإبراز المشاركات الفردية في مبادرات مبتكرة في مجال العمل المناخي لبناء مجتمع أكثر استدامة، ومحور «الطريق نحو تحقيق الحياد المناخي» الذي يستعرض جهود دولة الإمارات في مواجهة التغير المناخي من أجل تحقيق أهداف الحياد المناخي.
 أجندة طموحة
وفي إطار مبادرات دولة الإمارات لوضع أجندة طموحة خلال «COP28»؛ أعلنت الدولة في يونيو الماضي أنها تخطط - بصفتها مستضيفة لمؤتمر الأطراف «COP28» - لتخصيص يوم «الصحة، والإغاثة، والتعافي، والسلام»، ضمن أجندة المؤتمر العالمي، حيث يعد هذا اليوم الأول من نوعه في تاريخ مؤتمرات الأطراف، ويهدف إلى تسليط الضوء على ترابط قضايا تغير المناخ والسلام والأمن، من أجل اقتراح حلول عملية لمكافحة تغير المناخ، والحد من تأثيره على الاستقرار؛ وسيتضمن هذا اليوم عقد مؤتمر وزاري للصحة والمناخ لأول مرة في تاريخ المؤتمر، انطلاقاً من منظور الدولة الإنساني لمختلف التحديات، وحرصاً على تكاملية عناصر التنمية المستدامة.
 ويمثل اختيار دولة الإمارات «مدينة إكسبو دبي» لاستضافة (COP28) رفعاً لسقف التوقعات بنجاح هذا الحدث العالمي المرتقب، بناء على النجاح الكبير الذي حققته الدولة عندما جمعت العالم كله في «إكسبو 2020 دبي»، حيث يشترك الحدثان في تحقيق الاستدامة وتعزيز العمل الدولي لما له من أهمية في مواجهة التحديات العالمية.
 اتفاق باريس للمناخ
ويكتسب «COP28» أهمية خاصة، حيث سيشهد المؤتمر أول حصيلة عالمية لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ أهداف اتفاق باريس للمناخ 2015، ما يتيح محطة مهمة وحاسمة لتوحيد الرؤى والاستجابة للتقارير العلمية، التي تشير إلى ضرورة خفض الانبعاثات بنسبة 43% بحلول عام 2030، للحفاظ على إمكانية تحقيق هدف تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية، وسيسهم إنجاز الحصيلة العالمية في تحقيق الزخم اللازم لمفاوضات هذا المؤتمر ومؤتمرات الأطراف المستقبلية. كما سيشكل «COP28» نقطة فارقة في مسيرة الجهود العالمية لمواجهة تحديات التغيّر المناخي، وزيادة التمويل، ورفع سقف الطموحات والالتزامات للبلدان تجاه تحويل تحديات المناخ إلى فرص اقتصادية وتنموية مستدامة، تعزّز الإجراءات العالمية بتخفيف تداعيات التغيّرات المناخية.
 الإمارات رائدة في حماية المناخ
وتأتي أهمية انعقاد «COP28» في دولة الإمارات لدورها الرائد والمتميز على صعيد العمل المناخي الدولي، حيث تقدم الدولة إحدى أفضل النتائج العالمية في إطار الالتزام بحماية المناخ، وتتصدر العمل على تحقيق الالتزامات الدولية المعنية بتضافر الجهود لحماية الدول والمجتمعات الإنسانية من آثار وتبعات انعدام العدالة المناخية، وبالتزامها كأول دولة في المنطقة تصادق على اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، ووضع استراتيجية وطنية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، واستثمار ما يزيد على 100 مليار دولار في مشروعات للطاقة النظيفة في 70 دولة، إلى جانب استضافتها للأحداث العالمية المعنية بحماية المناخ، بالإضافة إلى التزامها بمكافحة تغير المناخ ضمن منظومة متكاملة من الاستراتيجيات والتشريعات والمبادرات والمشاريع الخاصة بحماية المناخ والبيئة ومكافحة التغير المناخي. يذكر أن المسيرة الدولية لمفاوضات مكافحة التغيّر المناخي بدأت خلال قمة الأرض، التي عقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992، وتشكلت عقب هذه القمة الهيئة الرسمية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، بهدف السماح للنظام البيئي بتحقيق التنمية المستدامة، وتثبيت غازات الاحتباس الحراري في إطار زمني، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ عام 1994، وصادقت عليها 199 جهة مشاركة من الدول والمنظمات، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وانطلقت الدورة الأولى لقمة المناخ «COP1» في مدينة برلين الألمانية عام 1995، وعقب ذلك تقرر عقدها سنوياً.
(وام)

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات العالم المناخ كوب 28 الاستدامة مؤتمر الأطراف COP28 لمؤتمر الأطراف دولة الإمارات العمل المناخی رائدة المناخ اتفاق باریس فی المؤتمر الطریق إلى بما فی ذلک ر المناخی ر المناخ فی مجال التغی ر من أجل

إقرأ أيضاً:

ثلاثية بناء الدولة: التعليم، العمل، والثقافة

14 مارس، 2025

بغداد/المسلة:

 رياض الفرطوسي

في مسيرة بناء أي دولة، هناك ثلاث ركائز لا يمكن إغفالها: التعليم، العمل، والثقافة. هذه العناصر ليست مجرد قطاعات منفصلة، بل هي منظومة متكاملة تحدد مسار الأفراد وتؤثر في استقرار المجتمع وتقدّمه. فالدولة القوية ليست تلك التي تمتلك الموارد فقط، بل التي تنجح في استثمار العقول، وتوجيه الطاقات، وترسيخ الهوية الثقافية بما يتناسب مع تطورات العصر.

إن نجاح أي مشروع وطني لا يُقاس فقط بقدرته على توفير الخدمات الأساسية، بل بقدرته على تحقيق رؤية شاملة تستند إلى المعرفة والإنتاج والوعي. بدون هذه الركائز الثلاث، تصبح الدولة عرضة للتراجع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مما يؤثر على استقرارها ومستقبلها.

أولًا: التعليم – حجر الأساس في بناء الدولة

لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح دون نظام تعليمي حديث وفعّال، حيث يكون التعليم أكثر من مجرد نقل للمعرفة، بل أداة لصناعة العقول القادرة على التفكير النقدي، واتخاذ القرار، والمساهمة في تطوير المجتمع.

في جميع المجتمعات، هناك تحديات تواجه قطاع التعليم، منها:

1. قدرة النظام التعليمي على استيعاب جميع الفئات، وضمان عدم تهميش أي شريحة اجتماعية.

2. جودة المناهج التعليمية ومدى ارتباطها بسوق العمل والتطورات التكنولوجية.

3. توفير بيئة تعليمية تحفز الإبداع والتفكير المستقل، بدلاً من التعليم التلقيني.

عندما تُحرم شرائح من المجتمع من فرصة التعليم الجيد، فإنها تصبح أكثر عرضة لمخاطر اجتماعية مثل البطالة، والتطرف، والفقر، مما يهدد استقرار الدولة ككل. لهذا، فإن الاستثمار في التعليم ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لضمان بناء دولة قوية ومستقرة.

التعليم ليس مسؤولية الحكومة فقط، بل هو مشروع وطني مشترك، يساهم فيه المجتمع بأكمله. فمن غير المنطقي أن يكون التعليم مجرد مرحلة نمطية في حياة الأفراد، بل يجب أن يكون جسراً نحو الفرص والتنمية، بحيث يكون التعليم المستمر جزءاً من ثقافة المجتمع، وليس مجرد مرحلة تنتهي بالحصول على شهادة.

إلى جانب ذلك، يجب التركيز على دور المعلم، الذي لا ينبغي أن يكون مجرد ناقل للمعلومات، بل قائداً تربوياً يساهم في توجيه العقول وتنمية التفكير النقدي. ومن هنا تأتي أهمية تحسين أوضاع المعلمين، وتوفير التدريب المستمر لهم، حتى يكونوا قادرين على مواكبة التطورات العالمية في أساليب التعليم.

ثانياً: العمل – بناء اقتصاد منتج ومستدام.

العمل ليس مجرد وسيلة لكسب العيش، بل هو العنصر الأساسي في تحريك عجلة الاقتصاد وتعزيز الاستقرار الاجتماعي. غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في توفير فرص العمل، بل في خلق بيئة عمل تحفّز الإنتاجية، وتعزز الابتكار، وتوفر الأمان الوظيفي للعاملين.

في المجتمعات الحديثة، لم يعد النجاح الاقتصادي قائماً فقط على الموارد الطبيعية أو القوى العاملة التقليدية، بل أصبح مرتبطاً بقطاعات مثل الاقتصاد المعرفي، والتكنولوجيا، وريادة الأعمال. إن بناء دولة قوية يتطلب رؤية اقتصادية واضحة، حيث يتم توجيه الطاقات نحو القطاعات الأكثر إنتاجية، مع التركيز على تطوير المهارات والكفاءات بما يتناسب مع سوق العمل المتغيّر.

ومن القضايا التي يجب معالجتها لتحقيق بيئة عمل منتجة ومستدامة:

1. القضاء على البطالة المقنّعة: حيث يكون هناك عدد كبير من الموظفين في وظائف لا تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد.

2. تحقيق التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل: من خلال توجيه الشباب نحو التخصصات المطلوبة بدلاً من تخريج أعداد كبيرة في مجالات لا تحتاجها السوق.

3. تعزيز ثقافة ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة: بحيث لا يكون الاعتماد فقط على الوظائف الحكومية أو التقليدية.

كما أن العمل ليس مجرد نشاط فردي، بل هو مسؤولية جماعية تحتاج إلى تخطيط استراتيجي طويل المدى، يراعي التغيرات العالمية، ويوفر بيئة عمل مستقرة تساعد على الابتكار والإبداع. فالعامل الذي يشعر بأنه مجرد ترس في آلة إنتاج لا يرى معنى لعمله، سيعاني من الإحباط، مما يؤثر على إنتاجيته واستقراره النفسي والمجتمعي.

لهذا، لا بد من تعزيز ثقافة العمل المنتج، بحيث لا يكون الهدف فقط هو “التوظيف” بل “التوظيف الفعّال”، الذي يساهم في رفع كفاءة الاقتصاد، وتحقيق النمو المستدام، وتحسين جودة الحياة.

ثالثًا: الثقافة – الوعي كأساس للدولة الحديثة

يقول المؤرخ كوردل هيل: “لكي تلغي شعباً، اجعله يتبنى ثقافة غير ثقافته، وابدأ بشل ذاكرته التاريخية.”

هذه المقولة تختصر الدور الحاسم للثقافة في بناء الدول، حيث لا يمكن تصور دولة قوية بدون هوية ثقافية واضحة، تعكس قيم المجتمع وتاريخه، وفي الوقت نفسه، تكون قادرة على التفاعل مع العصر الحديث.

الثقافة ليست مجرد فنون وآداب، بل هي الوعي الجماعي الذي يحدد كيفية تعامل المجتمع مع نفسه ومع العالم من حوله. وعندما تكون الثقافة مشوهة أو مفروضة من الخارج، يصبح من الصعب بناء دولة متماسكة.

التحدي الأكبر ليس في رفض الجديد أو الانغلاق على الماضي، بل في تحقيق توازن ذكي بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على التطور. ففي عالم اليوم، تلعب وسائل الإعلام والتكنولوجيا دوراً كبيرًا في تشكيل الوعي، مما يجعل الاستثمار في الثقافة والتعليم الإعلامي أمراً ضرورياً لحماية المجتمع من التلاعب وصناعة وعي زائف.

هناك ثلاث أولويات يجب التركيز عليها في مجال الثقافة:

1. تعزيز الهوية الوطنية، عبر برامج تعليمية وإعلامية تعرّف الأجيال بتاريخها الحقيقي.

2. دعم الإنتاج الثقافي المحلي، من خلال تشجيع الفنون والأدب والفكر المستقل.

3. التصدي لحملات التغريب والتشويه الثقافي، من خلال الوعي النقدي والانفتاح المدروس.

إن بناء وعي حقيقي يعني إعداد جيل قادر على التمييز بين الحقائق والدعايات المضللة، ومحصّن ضد محاولات تفكيك مجتمعه فكرياً وثقافياً.

نحو مشروع وطني متكامل

إذا كان الهدف هو بناء دولة قوية ومستقرة، فلا يمكن النظر إلى التعليم، والعمل، والثقافة على أنها قضايا منفصلة، بل يجب التعامل معها كأعمدة متكاملة في أي مشروع وطني.

فـالتعليم يصنع العقول.

والعمل يحول الطاقات إلى إنتاج.

والثقافة ترسّخ الهوية وتوجّه الوعي.

الدولة ليست مجرد مؤسسات، بل هي مشروع جماعي يحتاج إلى مشاركة الجميع، كلٌّ في مجاله، لإيجاد حلول عملية تضمن التنمية والاستقرار.

لا يمكن انتظار الحلول الجاهزة، بل يجب طرح الأسئلة الصحيحة، لأن من لا يسأل عن المستقبل، لن يكون جزءاً منه.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • التزام راسخ بتعزيز الأمن والاستقرار في العالم.. ولي العهد.. دبلوماسية فاعلة في حل الأزمات الدولية
  • الذكاء الاصطناعي يعزز الاستدامة ويسرع مكافحة التغير المناخي
  • عدالة الإمارات
  • كارثة غذائية تلوح في الأفق.. ثلث إنتاج العالم مهدد بالضياع!
  • البنك المركزي اليمني يؤكد تلقيه بلاغات من بنوك صنعاء للانتقال إلى عدن
  • ثلاثية بناء الدولة: التعليم، العمل، والثقافة
  • الإمارات: دعم الجهود الدبلوماسية لتخفيف حدة النزاع في السودان
  • حلول ابتكارية لعلاج تحديات المناخ والتنمية الحضرية
  • هيئة الدواء: تنفيذ الاستراتيجية الوطنية بتوطين التصنيع الدوائي في إفريقيا.. ونواب: مصر دولة ذات تاريخ كبير في هذه الصناعة لمدة 100 عام
  • مدبولي: التغيرات المناخية تمثل تهديدا عالميا وآثارها عميقة