لجريدة عمان:
2025-02-05@10:13:52 GMT

المنظومات التاريخية .. تقاطعات التاريخ والأدب

تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT

المنظومات التاريخية .. تقاطعات التاريخ والأدب

بعد صمت متقطع منذ كتابه الأول «الإمامة والصراع على السلطة في عُمان أواخر دولة اليعاربة» الصادر عام 2014م، يعود المشتغل بحقل التاريخ العُماني، الباحث سيف بن عدي المسكري، في كتابه الجديد الصادر عن مجلة نزوى في عددها رقم 120، للبحث في حقل المنظومات التاريخية، مشتغلا بالتحليل والنقد على منظومتين تاريخيتين شهيرتين في السياق العُماني.

حيث يرى الباحث المسكري في مقدمته لهذا العمل بأننا من الممكن أن ننظر للأدب بوصفه مصدرا للتاريخ، بالرغم من الاختزال الذي يمارسه الأديب، وبشكل خاص في الجانب النظمي على سردية الأحداث، وتأثير ذلك على السردية التاريخية والوضوح اللغوي. وهذا لا يعني بأن بقية المصادر التاريخية التقليدية كالوثيقة، والأركيولوجيا، هي المتحدثة الرسمية الحصرية عن التاريخ فقط، بل من الممكن اعتبار الأدب بمفهومه الواسع، كالشعر، والنظم، والفن، والرواية مؤخرا، أشكالا تعبيرية مختلفة عن التاريخ، حيث تستوعب هذه الأنواع الكثير من الأساليب المختلفة للقول والتعبير. وهذا نلمسه بشكل كبير ـ كما يذهب لذلك المسكري ـ في الحضارات القديمة التي تناقلت تاريخها عبر صور تعبيرية شتى، كما هو الحال لدى الإغريق، وبلاد الرافدين بحقبها المختلفة، كالسومريين، وغيرهم. والحال ينطبق أيضا على الحضارة الإسلامية التي أسهمت في هذا الشأن بنصيب وافر وعريض من التعبير الأدبي عن أحداث تاريخية مختلفة، ناهيك عن الأدب الشعبي الذي يُعد خزانة كبيرة في هذا الجانب، تتناقل من خلالها الأجيال الأحداث التاريخية بطرق شفهية، يحفظها الجميع عن ظهر قلب، ويتداولونها فيما بينهم في المناسبات والأحداث المفصلية في تاريخهم.

ومن هنا يُشكّل الأدب بشكل عام، والنظم بشكل خاص، حقلًا خصبًا للقول وسبك الروايات التاريخية، ووضعها ضمن قالب يكتنفه الكثير من الغموض والتعقيد مقارنة بالسرد التاريخي المتعارف عليه، الذي يتسم بالسلاسة في السرد، غير أن النظم يُعد عاملًا مساعدًا في تناقل الأحداث من خلال الذاكرة الشعرية العربية التي تتقاطع مع المخزون الشعري العربي، ويُذكي الذاكرة الحافظة المفتونة بالاستعارات والجماليات والخيال الواقعي.

في هذا السياق، لا يختلف التاريخ العُماني الثري بالأحداث التاريخية المختلفة، والغني بالطرق التعبيرية المتنوعة، عن بقية أصقاع العالم، حيث تعود المنظومات التاريخية – موضوع هذا العمل – في الجانب العُماني إلى القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، والتي تناولت موضوعات دينية وتوحيدية بشكل خاص، وذلك على يد الفقيه العُماني أبي المؤثر الصلت بن خميس الخروصي، ثم توالت المنظومات في المناخ العُماني حتى بلغت ذروتها في القرن 14 هـ/20م، ثم القرن 11هـ/17م. وبالرغم من الفترات الزمنية المتفاوتة في تاريخ المنظومات إلا أن سيطرة الموضوعات الدينية، والفقهية، واللغوية كان هو السائد، في حين أن المنظومات التاريخية جاءت في مراتب أقل من سابقاتها. الأمر الذي جعل الاهتمام بالمنظومات التاريخية وتحليلها، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنهما منظومتان معاصرتان زمنيا على الأقل، في حين أنهما تنتميان من حيث الأسلوب والشكل إلى حقب زمنية وتاريخية سابقة، يكتسب أهميته، ويجعلنا نطرح عددًا من الأسئلة المبدئية حولهما، مثل: هل قالت المنظومات كل شيء؟ وهل اختزلت التاريخ من أجل الضرورة النظمية لكيلا نقول الشعرية؟ أهناك تاريخ جديد، أم أننا أمام نظم تاريخي شارح ومكرر؟

من السرد التاريخي إلى المنظومات التاريخية:

يأخذنا المؤلف في هذا العمل، في منظومتين تاريخيتين معُاصرتين، كدراسة حالة ويقارن بينهما من موضوعات مختلفة. ففي المنظومة الأولى وهي للشيخ خلفان بن جميل السيابي (1891-1972م)، المعنونة بسلك الدرر الحاوي غرر الأثر، الذي عاش وولد في فترة زمنية قلقة، على المستويين الداخلي والخارجي، وعاش في ضنك من العيش، الأمر الذي انعكس على مساره الشخصي الذي أفناه في طلب العلم، وتأثير ذلك على الآراء التاريخية والسياسية التي سطرها في هذه المنظومة التاريخية. وتُعد هذه المنظومة نظمًا لكتاب «النيل وشفاء العليل» للإمام عبدالعزيز الثميني، الذي شرحه الشيخ محمد بن يوسف أطفيش. من هنا تأتي هذه المنظومة تداخلًا بين هذه الشخصيات وهذه الأعمال، لتقوم بعملية توثيق تاريخي نظمي بدءا من العصر النبوي مرورا بالخلفاء والدول الإسلامية اللاحقة، ليتطرق بعد ذلك إلى عُمان في العصور الإسلامية الأولى، ليصل إلى العصور الحديثة مع الإمام ناصر بن مرشد اليعربي (1624-1649م)، ساردا في ذلك الأوضاع السياسية في تلك الفترة، والأحداث الكبيرة التي كان لها تأثير كبير على التاريخ العُماني اللاحق.

بينما تأتي المنظومة الثانية للعلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي (1912-2000م)، في كتابه سلاسل الذهب في الأصول والفروع والأدب، والتي تقع في 124 ألف بيت، والتي تتقاطع مع المنظومة السابقة للسيابي من حيث عودتها إلى كتاب النيل وشفاء العليل كما يُصرح بذلك البطاشي. تبدأ هذه المنظومة مثل المنظومة السابقة في بداياتها على الجوانب الفقهية الإسلامية المعروفة، كالصوم والزكاة والحج وغيرها، ليحتل الجزء العاشر منها التاريخ العُماني، مُبينا أهمية التاريخ وفوائده وضرورة العودة إليه، ومزايا وضعه في صورة نظمية ليسهل على القارئ حفظه وتناقله بين الأجيال والأفراد على حدٍ سواء.

وبالرغم من جوانب التشابه بين المنظومتين في التسلسل التاريخي والخطوط العريضة للبدايات، إلا أن الفارق الجوهري بينهما يكمن في الآراء الشخصية للمؤرخ ورؤيته تجاه الأحداث التاريخية المختلفة فيما يتعلق بمسار الدولة العُمانية، وبعض أحداثها المفصلية التي أثرت على المسارات التاريخية اللاحقة، إلا أن بعضها تنفرد برؤية تاريخية تجاه بعض الأحداث المتفق عليها كما هو الحال في اقتحام حصن الجلالي إبان تحرير مسقط عام 1650م، وغيرها من الأحداث المختلفة، من جهة، وعدم ذكر الكثير من الأحداث غير السياسية فيهما من الجهة الأخرى. فبالإضافة للجانب السياسي والديني المسيطر على تفكير وتوجه المنظومتين، إلا أنهما توفران رافدا تاريخيا لم يُدرس كثيرا، ولم يجد عناية كبيرة بهذا الفن التاريخي مقارنة بالسرد المتعارف عليه، لذلك يأتي هذا العمل ليلقي المزيد من الضوء مبدئيا على الأقل عليه، لنطرح تساؤلا حول إمكانية تجدد هذا الفن التاريخي في الفترات الزمنية المعُاصرة، وهل أصبح هذا الفن من الماضي الذي لم يعد له ورثة يقومون به؟، وذلك بسبب الطابع اللغوي والنظمي المعُقد الذي يقوم عليه، وهي المواءمة بين اللغة والأحداث التاريخية والقدرة على الإتيان بجديد لم يقله السرد التاريخي.

علي الرواحي كاتب ومترجم عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأحداث التاریخیة التاریخ الع مانی هذه المنظومة المنظومة ا هذا العمل إلا أن الذی ی فی هذا

إقرأ أيضاً:

النصر يعزز «الصدارة الخليجية» بثنائية أمام ظفار العُماني

معتصم عبدالله (أبوظبي)
عزز النصر صدارته لـ «المجموعة الأولى» في دوري أبطال الخليج للأندية 2024- 2025، بعدما حول تأخره أمام مضيفه ظفار العُماني بهدف إلى فوز 2-1، في المباراة التي جمعت الفريقين اليوم على استاد مجمع السعادة في مدينة صلالة، ضمن «ّالجولة الخامسة»، والتي شهدت أيضاً مواجهة أهلي صنعاء اليمني ودهوك العراقي على استاد عبدالله بن خليفة في الدوحة.
وأنهى «العميد» الشوط الأول متأخراً بهدف حمود السعدي في «الدقيقة 38» من ضربة ركنية، قبل أن يعود «الأزرق» في الشوط الثاني وينجح في إدراك التعادل بواسطة السويسري هاريس سيفروفيتش مترجماً تمريرة علي مبخوت بكرة مباشرة في المرمى، وعاد اللاعب نفسه ليحتفل بالثنائية، ويضيف الهدف الثاني في الدقيقة 77، بعدما تابع رأسية مروان ازقان والتي أبعدها الحارس مازن الكاسبي وأكملها هاريس داخل المرمى.
ورفع النصر الذي حجز مقعده مسبقاً في الدور نصف النهائي، رصيده إلى 13 نقطة في الصدارة، فيما بقى ظفار برصيد 4 نقاط في المركز الثالث، وتبقى للعميد مباراة في «الجولة الأخيرة» للدور الأول أمام ضيفه أهلي صنعاء اليمني والمقررة في 19 فبراير الجاري على «استاد آل مكتوم».
ويتأهل فريقان من كل مجموعة في «أبطال الخليج»، إلى الدور نصف النهائي، حيث يواجه أول المجموعة الأولى ثاني المجموعة الثانية، بينما يلتقي أول المجموعة الثانية مع ثاني المجموعة الأولى، على أن تقام المباراة النهائية في 25 أبريل 2025.
وتشهد بقية مباريات الجولة ذاتها، ضمن المجموعة الثانية لقاءات القادسية الكويتي والعربي القطري، والرفاع البحريني والاتفاق السعودي اليوم الأربعاء، ويتصدر الاتفاق ترتيب المجموعة برصيد 12 نقطة، مقابل 5 للقادسية «الوصيف»، و4 للرفاع الثالث، فيما يحتل العربي المركز الأخير برصيد نقطة.

 

أخبار ذات صلة النصر يطارد «الصدارة الخليجية» أمام ظفار العُماني هاريس وراشد عيسى يدعمان النصر في «أبطال الخليج»

مقالات مشابهة

  • سيكتب التاريخ ان الصياد هو المتحرك الذي أفترس متمردي الدعم السريع وسلبهم الحياة
  • النعُماني يبحث مع رئيس الأركان التركي تعزيز التعاون الثنائي
  • النصر يعزز «الصدارة الخليجية» بثنائية أمام ظفار العُماني
  • الثقافة العمانية تشعل معرض القاهرة للكتاب بالأسئلة وتفتح حوارات التاريخ والأدب
  • صلاح عيسى بين التاريخ والصحافة والأدب والسياسة فى ندوة بالجمعية المصرية للدراسات التاريخية
  • مشاركة ناجحة للبطل العُماني حمد الوهيبي في "رالي حائل"
  • وزير تعليم الحكومة الليبية يبحث تطوير المنظومات التعليمية مع مركز المعلومات والتوثيق
  • الجديد يجتمع بمركز المعلومات والتوثيق لمناقشة تطوير المنظومات التعليمية
  • بلدية الموصل: فك الاختناقات يشمل تقاطعات جديدة وتحديثات للتصاميم العام الجاري
  • دفعة جديدة من المواطنين تلتحق بالحرس السلطاني العُماني