المنظومات التاريخية .. تقاطعات التاريخ والأدب
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
بعد صمت متقطع منذ كتابه الأول «الإمامة والصراع على السلطة في عُمان أواخر دولة اليعاربة» الصادر عام 2014م، يعود المشتغل بحقل التاريخ العُماني، الباحث سيف بن عدي المسكري، في كتابه الجديد الصادر عن مجلة نزوى في عددها رقم 120، للبحث في حقل المنظومات التاريخية، مشتغلا بالتحليل والنقد على منظومتين تاريخيتين شهيرتين في السياق العُماني.
ومن هنا يُشكّل الأدب بشكل عام، والنظم بشكل خاص، حقلًا خصبًا للقول وسبك الروايات التاريخية، ووضعها ضمن قالب يكتنفه الكثير من الغموض والتعقيد مقارنة بالسرد التاريخي المتعارف عليه، الذي يتسم بالسلاسة في السرد، غير أن النظم يُعد عاملًا مساعدًا في تناقل الأحداث من خلال الذاكرة الشعرية العربية التي تتقاطع مع المخزون الشعري العربي، ويُذكي الذاكرة الحافظة المفتونة بالاستعارات والجماليات والخيال الواقعي.
في هذا السياق، لا يختلف التاريخ العُماني الثري بالأحداث التاريخية المختلفة، والغني بالطرق التعبيرية المتنوعة، عن بقية أصقاع العالم، حيث تعود المنظومات التاريخية – موضوع هذا العمل – في الجانب العُماني إلى القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، والتي تناولت موضوعات دينية وتوحيدية بشكل خاص، وذلك على يد الفقيه العُماني أبي المؤثر الصلت بن خميس الخروصي، ثم توالت المنظومات في المناخ العُماني حتى بلغت ذروتها في القرن 14 هـ/20م، ثم القرن 11هـ/17م. وبالرغم من الفترات الزمنية المتفاوتة في تاريخ المنظومات إلا أن سيطرة الموضوعات الدينية، والفقهية، واللغوية كان هو السائد، في حين أن المنظومات التاريخية جاءت في مراتب أقل من سابقاتها. الأمر الذي جعل الاهتمام بالمنظومات التاريخية وتحليلها، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنهما منظومتان معاصرتان زمنيا على الأقل، في حين أنهما تنتميان من حيث الأسلوب والشكل إلى حقب زمنية وتاريخية سابقة، يكتسب أهميته، ويجعلنا نطرح عددًا من الأسئلة المبدئية حولهما، مثل: هل قالت المنظومات كل شيء؟ وهل اختزلت التاريخ من أجل الضرورة النظمية لكيلا نقول الشعرية؟ أهناك تاريخ جديد، أم أننا أمام نظم تاريخي شارح ومكرر؟
من السرد التاريخي إلى المنظومات التاريخية:
يأخذنا المؤلف في هذا العمل، في منظومتين تاريخيتين معُاصرتين، كدراسة حالة ويقارن بينهما من موضوعات مختلفة. ففي المنظومة الأولى وهي للشيخ خلفان بن جميل السيابي (1891-1972م)، المعنونة بسلك الدرر الحاوي غرر الأثر، الذي عاش وولد في فترة زمنية قلقة، على المستويين الداخلي والخارجي، وعاش في ضنك من العيش، الأمر الذي انعكس على مساره الشخصي الذي أفناه في طلب العلم، وتأثير ذلك على الآراء التاريخية والسياسية التي سطرها في هذه المنظومة التاريخية. وتُعد هذه المنظومة نظمًا لكتاب «النيل وشفاء العليل» للإمام عبدالعزيز الثميني، الذي شرحه الشيخ محمد بن يوسف أطفيش. من هنا تأتي هذه المنظومة تداخلًا بين هذه الشخصيات وهذه الأعمال، لتقوم بعملية توثيق تاريخي نظمي بدءا من العصر النبوي مرورا بالخلفاء والدول الإسلامية اللاحقة، ليتطرق بعد ذلك إلى عُمان في العصور الإسلامية الأولى، ليصل إلى العصور الحديثة مع الإمام ناصر بن مرشد اليعربي (1624-1649م)، ساردا في ذلك الأوضاع السياسية في تلك الفترة، والأحداث الكبيرة التي كان لها تأثير كبير على التاريخ العُماني اللاحق.
بينما تأتي المنظومة الثانية للعلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي (1912-2000م)، في كتابه سلاسل الذهب في الأصول والفروع والأدب، والتي تقع في 124 ألف بيت، والتي تتقاطع مع المنظومة السابقة للسيابي من حيث عودتها إلى كتاب النيل وشفاء العليل كما يُصرح بذلك البطاشي. تبدأ هذه المنظومة مثل المنظومة السابقة في بداياتها على الجوانب الفقهية الإسلامية المعروفة، كالصوم والزكاة والحج وغيرها، ليحتل الجزء العاشر منها التاريخ العُماني، مُبينا أهمية التاريخ وفوائده وضرورة العودة إليه، ومزايا وضعه في صورة نظمية ليسهل على القارئ حفظه وتناقله بين الأجيال والأفراد على حدٍ سواء.
وبالرغم من جوانب التشابه بين المنظومتين في التسلسل التاريخي والخطوط العريضة للبدايات، إلا أن الفارق الجوهري بينهما يكمن في الآراء الشخصية للمؤرخ ورؤيته تجاه الأحداث التاريخية المختلفة فيما يتعلق بمسار الدولة العُمانية، وبعض أحداثها المفصلية التي أثرت على المسارات التاريخية اللاحقة، إلا أن بعضها تنفرد برؤية تاريخية تجاه بعض الأحداث المتفق عليها كما هو الحال في اقتحام حصن الجلالي إبان تحرير مسقط عام 1650م، وغيرها من الأحداث المختلفة، من جهة، وعدم ذكر الكثير من الأحداث غير السياسية فيهما من الجهة الأخرى. فبالإضافة للجانب السياسي والديني المسيطر على تفكير وتوجه المنظومتين، إلا أنهما توفران رافدا تاريخيا لم يُدرس كثيرا، ولم يجد عناية كبيرة بهذا الفن التاريخي مقارنة بالسرد المتعارف عليه، لذلك يأتي هذا العمل ليلقي المزيد من الضوء مبدئيا على الأقل عليه، لنطرح تساؤلا حول إمكانية تجدد هذا الفن التاريخي في الفترات الزمنية المعُاصرة، وهل أصبح هذا الفن من الماضي الذي لم يعد له ورثة يقومون به؟، وذلك بسبب الطابع اللغوي والنظمي المعُقد الذي يقوم عليه، وهي المواءمة بين اللغة والأحداث التاريخية والقدرة على الإتيان بجديد لم يقله السرد التاريخي.
علي الرواحي كاتب ومترجم عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأحداث التاریخیة التاریخ الع مانی هذه المنظومة المنظومة ا هذا العمل إلا أن الذی ی فی هذا
إقرأ أيضاً:
بالصور.. قطر إلى "المونديال".. والحلم العُماني يتبخر في سماء الدوحة
الرؤية- أحمد السلماني
تلاشى الحلم العُماني في تسجيل أول حضور تاريخي بنهائيات كأس العالم 2026، بعدما حسم المنتخب القطري قمة الملحق الرابع الآسيوي أمام نظيره الإماراتي بالفوز بهدفين مقابل هدف، في المواجهة التي أقيمت على استاد جاسم بن حمد بالعاصمة القطرية الدوحة.
وبهذا الانتصار الثمين، تصدّر “العنّابي” المجموعة برصيد 4 نقاط، ليضمن تأهله الرسمي إلى كأس العالم للمرة الثانية في تاريخه، فيما تجمد رصيد الإمارات عند ثلاث نقاط لتتجه إلى الملحق الآسيوي الخامس، في حين تأكد رسميًا خروج منتخبنا العُماني من سباق التأهل بعد أن كان ينتظر تعثر أحد الفريقين في هذه المباراة.
شهد الشوط الأول تكافؤًا في الأداء بين المنتخبين، مع تبادل للهجمات دون خطورة حقيقية على المرميين. وكانت أولى المحاولات الخطرة لقطر من تمريرة أكرم عفيف إلى محمد مناعي الذي سدد بقوة لكن الحارس خالد عيسى تصدى ببراعة. وردّت الإمارات بتسديدة من لوكاس جاورت القائم، ثم رأسية خطيرة من خيمنيز مرت بجانب القائم الأيمن. ومع انحسار اللعب في منتصف الميدان، انتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي.
ومع انطلاق الشوط الثاني، فرض المنتخب القطري أفضليته وتمكّن من افتتاح التسجيل في الدقيقة 48 عبر رأسية المدافع خوخي بوعلام بعد كرة ثابتة نفذها المتألق أكرم عفيف بإتقان. واستمر التفوق القطري وسط محاولات إماراتية خجولة، إلى أن أضاف بيدرو الهدف الثاني برأسية متقنة من عرضية محكمة نفذها مجددًا صانع الألعاب عفيف في الدقيقة 74، ليضاعف من معاناة الأبيض.
ورغم طرد المدافع القطري طارق سلمان في الدقائق الأخيرة، حافظ العنّابي على توازنه الدفاعي، فيما حاولت الإمارات تقليص الفارق بتسديدات متتالية من حارب عبدالله وإيريك، إلا أن الحارس محمود أبو ندى تألق في الذود عن مرماه. وتمكّن سلطان عادل من تسجيل هدف شرفي للأبيض في الدقيقة 97، لكن الوقت لم يسعف الفريق للعودة، لتنتهي المواجهة بفوز قطري مستحق 2/1 وتأهل مستحق إلى نهائيات المونديال، في ليلةٍ طوت رسميًا صفحة الحلم العُماني الذي توقّف عند أسوار الدوحة.