بدر العبري: التنوع الثقافي أساس لتعزيز الهوية العمانية

الحبيب سالم المشهور: التعددية الثقافية تراث وطني للأجيال

أحمد النوفلي: التعايش العماني تأصيل للقيم الإنسانية

مصطفى اللواتي: التسامح ضرورة لحماية المجتمع من التطرف

في إطار ثقافي غني بتنوعه وأصالته، تبرز سلطنة عمان كنموذج حي للتعددية الثقافية التي أثرت الحياة العمانية وأغنتها، فمن خلال التنوع الثقافي والمذهبي والعقائدي الذي تميز به المجتمع العماني، تمكنت البلاد من بناء بيئة متسامحة تتميز بتآلفها، وهو ما جعلها وجهة تشهد على قيم التسامح العريقة المتأصلة في نفوس العمانيين.

في هذا الاستطلاع، نعرض مجموعة من الآراء التي تعبّر عن رؤية مجموعة من الكتاب والمفكرين العمانيين حول موضوع التعددية الثقافية، مستعرضين كيف تشكل هذا التنوع من خلال عوامل التاريخ والجغرافيا والسياسات الاجتماعية والدينية التي دعمت الاستقرار والتعايش، وصولاً إلى التركيبة الاجتماعية المتفردة في عمان، متناولين انعكاسات التعددية على الوجدان الوطني وكيف أسهمت هذه العوامل مجتمعة في بناء مجتمع متسامح وقادر على العيش المشترك.

التعدد الثقافي

بداية قال الكاتب والباحث بدر العبري حول "التعدد الثقافي في بناء مجتمع عماني متسامح" إن "المجتمعات بطبيعتها ليست على صورة واحدة"، موضحًا أن الهويّة الثقافية الواحدة بمعناها الحرفي لا وجود لها، حيث يمكن للمجتمعات أن تشترك في خيوط جامعة فيما بينها، إلا أنها تظل، من حيث البداية، متباينة. حيث أن المجتمع العماني هو أحد الأمثلة الواضحة على هذا التباين، فهو ليس على صورة وهوية واحدة، حيث تضافرت عدة عوامل جعلت منه مجتمعًا متنوع الثقافات والهوية. وأكد أن هذا التباين يعود لأسباب مختلفة، من أبرزها تباين التضاريس في عمان التي تشمل البحر والسهل والجبل والصحراء والبادية والواحات، مما أوجد بيئات متنوعة أثرت في تباين الهوية العمانية الثقافية، وأسهمت في تكوين ملامح متعددة لهذا المجتمع.

وأضاف "العبري" أن الموقع البحري لعمان وانفتاحها على المحيطات وفرّ للعمانيين فرصة التواصل والتفاعل مع الخارج منذ القدم، حيث سمحت لهم سهولة الهجرة والانفتاح بالاطلاع على حضارات متعددة، كحضارة ما بين النهرين، والسند، وفارس، وشرق آسيا، وأجزاء واسعة من القارة الإفريقية. وشدد على أن هذا الانفتاح لم يكن من اتجاه واحد فقط، إذ شهدت عمان أيضًا هجرة عكسية حيث استقرت فيها قبائل قدمت من تلك الحضارات إلى عمان، ما أسهم في رسم صورة ثقافية متكاملة، وخلق روابط تتجاوز الحدود. وأضاف أن بعض القبائل العمانية هاجرت إلى الخارج، وما زال لها وجود في تلك المناطق التي أشرنا إليها، بينما استقرت قبائل أخرى داخل عمان وأصبحت جزءًا من الهوية العمانية الجامعة، مما زاد من تنوع المجتمع العماني على صعيد الانتماء الكلي والمواطنة.

وأشار بدر العبري إلى أن هذه العوامل التاريخية والجغرافية أسهمت في خلق لوحة ثقافية متباينة في عمان، حيث توجد عدة لغات داخل عمان، منها الكمزارية والشحرية والمهرية والبطحرية والحرسوسية والبلوشية والأردية والفارسية والهندية السندية، بجانب اللغة العربية الأم، والتي تعتبر اللغة الجامعة بين الجميع. ولفت إلى أن هذا التعدد اللغوي يقابله أيضًا تعدد في اللهجات داخل اللغة العربية نفسها، حيث تتميز اللهجات العمانية بجماليات صوتية فريدة وخصوصيات معجمية تساهم في إثراء التجربة الثقافية في عمان، وتُعد مكونًا مهمًا من مكونات الهوية.

كما نوه إلى أن التعدد الثقافي في عمان يتجلى في العادات والتقاليد، إذ تشكلت في عمان لوحات من التقاليد المرتبطة بمناسبات متعددة مثل الأفراح والأعراس والمواسم الدينية، وسفر البحر، ومواسم الأعياد، وغناء الأطفال، والركبان، مما يعكس تنوعًا في العادات يعزز التماسك الاجتماعي. وأوضح أن هذه العادات تشمل تنوعاً في الملبوسات والأطعمة وأنماط الحياة المختلفة، والتي أوجدت تراثًا متجذرًا في المجتمع العماني يجسد الطابع الفريد لهذا المجتمع.

وأكد في الوقت نفسه على أن الانفتاح الذي عاشته عمان في الماضي، سواء بسبب البحر والهجرة، أو في الحاضر بفضل التطورات في العمل والسياحة، ساهم في خلق تعددية دينية ومذهبية داخل المجتمع العماني، وأوضح أن انفتاح المجتمع العماني اليوم على الفضاء الفكري والمعرفي أوجد تعددية معرفية وفكرية إضافية. وأشار إلى أن عمان أصبحت جزءًا من فضاء عالمي مفتوح يتفاعل فيه الثقافي والمعرفي، مما يجعل من الطبيعي أن تنتقل بعض الثقافات المعاصرة إلى عمان، وهو ما يعزز تنوع المجتمع الثقافي في الوقت الحاضر.

وتابع "العبري" الحديث عن تاريخ عمان، مبينًا أن عمق التاريخ العماني الذي يمتد لآلاف السنين أوجد تنوعًا ثقافيًا في العمارة والفنون والمخطوطات والآثار البنائية، حيث أنشئت الحصون والقلاع والأفلاج والأسوار، وتنوعت الأضرحة، مما أضاف جانبًا أثريًا غنياً إلى المشهد الثقافي العماني. وذكر أن الآثار العمانية لا تتوقف عند هذا الحد، بل تشمل الأدوات المعدنية والنحاسية والفخارية والصناعات التقليدية، إضافة إلى أدوات الرعي والبحر ووسائل التنقل، مشيرًا إلى أن هذا التاريخ العريق قد أسهم في تشكيل هوية ثقافية متعددة الأبعاد لأبناء عمان.

في الوقت نفسه أوضح الباحث بدر العبري أن التعددية الثقافية ليست حالة سلبية، بل هي حالة طبيعية لها أبعادها المتعددة، حيث إن منها ما ينقرض أو يضمحل بمرور الزمن، ومنها ما يستمر ويتفاعل مع مجتمعات أخرى، ومنها ما يُستقبل ويصبح جزءًا من المجتمع، فتتثاقف الثقافات وتندمج وتتشكل هويات جديدة، أو يبقى بعضها ضمن الهويات الأصلية، مما يعكس جمال التنوع والتعددية في المجتمع الواحد. وأكد أن التعددية الثقافية تعطي لوحة جمالية تعكس ثراء المجتمعات، وهي توفر، إلى جانب ذلك، ثراء سياحياً واقتصادياً يمكن الاستفادة منه إذا ما تم استثماره بالشكل الصحيح. وأوضح أن السياحة الثقافية لا تقل أهمية عن السياحة الطبيعية، سواء كانت فنية أو دينية أو ثقافية أو معرفية، فهي حالة طبيعية يجدها السائح سواء من خارج البلاد أو من داخلها، وتساهم في خلق فرص عمل جديدة تدعم استقرار الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن تنوع الأنشطة السياحية الثقافية يخلق حركة اقتصادية واسعة في المجتمع.

ولفت إلى أن التعددية الثقافية توفر مادة خصبة للسينمائيين والفنانين والكتّاب والأدباء والمترجمين، فهي حاضرة في الأفلام والسينما والموسيقى والشعر والأدب بأنواعه، مما يوفر مساحات إبداعية واسعة للباحثين والمفكرين والفلاسفة. وأضاف أن هذا التنوع الثقافي يثري مجال التوثيق الإعلامي، ويجعل من جمالية التعدد الثقافي مادة خصبة تسافر معنويًا إلى الخارج من خلال الأفلام الوثائقية والسينمائية والموسيقية، والكتب الأدبية والتحليلية، كما يساهم في تشجيع الترجمة إلى لغات أخرى، مما يفتح المجال لتعريف العالم بعمان وثقافاتها ويساهم في دعم السياحة. . وأوضح العبري أن هذه الجوانب جميعها تعكس قيمتين مهمتين: الأولى هي القيمة الجمالية التي يحققها التنوع الثقافي، والثانية هي القيمة التعايشية والتسامحية، مشيرًا إلى أنه كلما كانت المجتمعات أكثر تعددية، كلما زاد تماسكها وانعكس جمال هذا التنوع في روح الوحدة التي تجمعها. وأضاف أن التنوع الثقافي في عمان يعزز مفهوم المواطنة القائمة على الاحترام المتبادل، مما يسهم في إثراء الأبعاد الوطنية والاستثمارية والسياحية، ويساهم في استدامة هذا الإرث الثقافي للأجيال القادمة.

وبيّن الكاتب والباحث بدر العبري أن المجتمع العماني قد حقق هذا التنوع الثقافي المتسامح من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية، أسهمت في ترسيخ روح الانسجام وقبول الآخر بين أفراده. أول هذه الأبعاد هو "البعد الذاتي والتاريخي"، الذي أوجد لدى العمانيين قدرة على التآلف والتعايش مع الثقافات المختلفة عبر تاريخ طويل من التواصل الحضاري. وأشار العبري إلى ما جاء في مقال للكاتب زكريا المحرمي بعنوان "عمان من التسامح إلى الانسجام"، حيث أورد شهادة المبشر الإنجليزي ويليام جيفورد بالجريف الذي زار عمان في عام 1863م، ووصف طبيعة العمانيين بأنها الأفضل سجية والأحسن معشرًا من بين جميع الأجناس العربية، حيث أكد أن التسامح بأقصى درجاته كان مكفولاً في عمان، مما أتاح لجميع الأجناس والأديان حرية العبادة وفق معتقداتهم، ومنحهم حرية اللباس وممارسة التقاليد الاجتماعية مثل الزواج ودفن الموتى، دون أي قيود أو مضايقات، وهو ما يعكس متانة الروح التسامحية في المجتمع العماني.

أما البعد الثاني فهو "تسامح سلاطين عمان مع المختلفين دينيًا وثقافيًا"، والذي انعكس من حكام عمان إلى أفراد الشعب، حيث اشتهر السلاطين العمانيون بسعة صدورهم وتسامحهم تجاه أصحاب المعتقدات المختلفة. وذكر العبري مثالاً على ذلك مما أورده هلال الحجري في كتابه "عمان في عيون الرحالة البريطانيين"، حيث ذكر شهادة الرحالة البريطاني جيمز ريموند ويلستد الذي زار عمان في عهد السيد سعيد بن سلطان في عام 1833م، والذي أشار إلى أن حكومة هذا السلطان كانت تتسم بالبعد عن ضروب القمع والاعتقال العشوائي، وامتازت بكرمها ولطفها تجاه التجار القادمين إلى مسقط من مختلف الدول، ما جعل من التسامح سمة جوهرية في السياسة العمانية منذ ذلك الحين، وشجّع على تعزيز الوحدة الوطنية.

أما البعد الثالث فهو "البعد القانوني"، حيث وقفت عمان موقفًا صارمًا ضد كل من يثير النعرات الدينية والمذهبية والقبلية، وأكدت على تجريم الإساءة إلى الثقافات الأخرى، مما أعطى طمأنينة اجتماعية ساعدت على إرساء الاستقرار الداخلي.

ويضيف "العبري" أن هذه القوانين أسهمت بشكل مباشر في تكريس ثقافة التعايش السلمي بين مختلف الأطياف، وأسهمت في مرور الوقت في جعل التسامح جزءًا راسخًا من الهوية العمانية، موضحاً أن هذه القوانين ساعدت على حماية المجتمع من الأفكار السلبية التي قد تهدد التعايش السلمي.

ثروة التعددية

من جانبه، يؤكد الحبيب سالم المشهور أن التعددية الثقافية تشكل ثروة عظيمة للوطن، مشيرًا إلى أن الله حبا سلطنة عمان بتنوع ثقافي وفكري يشمل الجوانب الدينية والمعيشية وكافة تفاصيل الحياة، وقد تعامل الأسلاف مع هذه التعددية بوعي متصالح، حيث أسسوا لأدبيات التسامح والتعايش ضمن النسيج الوطني المتين. ويرى المشهور أن هذا التراث القيم من العيش المشترك يعبر عن خبرة عمانية راسخة في فن التآلف والتواصل الحضاري، والتي أسهمت في إنضاج وعي الإنسان العماني، ورفع مستواه الفكري وتحصينه من خطابات التطرف والتعصب والانغلاق.

ويضيف المشهور أن أجواء التعددية تجعل الإنسان أكثر فهمًا للحياة، كما أرادها الله، وهذا ما تحقق بفضل الله للإنسان العماني. وأشار إلى أن عمان تمتلك تاريخًا طويلًا من تجربة العيش المشترك، وأنه من الواجب اليوم أن نحافظ على مكتسبات هذه التجربة، وأن ندفع الأجيال القادمة نحو فهم هذه الحكمة، وتطوير خبرات الأسلاف في التعايش الإيجابي وتحصينهم ضد كل ما قد يهدد هذه المكتسبات والمنجزات. ويرى المشهور أن هذا الهدف لن يتحقق إلا بتعاون الجميع وباستشعارهم الواجب الوطني والديني في هذا الشأن.

وينوّه إلى أن أكبر ما يمكن أن يهدد تعايشنا المشترك وثقافة التسامح في المجتمع العماني هو خطاب التكفير والتعصب المذهبي، الذي بات ينتشر في عالمنا الإسلامي عبر وسائل التواصل والإمكانات التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة، مما يفرض على المجتمع العماني تحديًا حقيقيًا لمواجهة هذه الأفكار الضالة، وتحصين الوعي الديني وتعزيز أدبيات التعايش بين مختلف الأفكار الدينية والثقافية.

ولتجاوز هذا التحدي، يقترح الباحث الحبيب سالم المشهور تعزيز الإعلام ليكون ذا تأثير قوي، وخطاب مباشر موجه للشباب، إلى جانب مراجعة المناهج التعليمية بما يواكب التحديات الراهنة. ويؤكد كذلك على أهمية إتاحة المجال لحوارات صريحة مع الشباب، مشيرًا إلى أن الحوار يُعد أفضل وسيلة لتصحيح الأفكار الخاطئة وتحصين المجتمع ضد عوامل الفُرقة والتطرف.

خصوصية عمان

الكاتب والباحث أحمد بن مبارك النوفلي يرى أن المجتمع العماني، كغيره من المجتمعات، يضم المثقف وغير المثقف، كما يحتوي على الصالح والطالح، ويؤثر في محيطه ويتأثر به، إلا أن له خصوصية تميزه ككل المجتمعات التي لها خصائصها الفريدة. ويشير النوفلي إلى أن أبرز ما يميز المجتمع العماني هو قدرته على التعايش بتسامح وتفاهم، وهو ما يجعل هذا المجتمع قادرًا على بناء علاقات إنسانية فريدة، وإن كان هذا لا يعني أنه مجتمع خالٍ تمامًا من التعصب أو التزمت، إذ إن طبيعة البشر تجمع بين الصالح والطالح، ويتخلل حياتهم التصادم والتدافع، مما يجعل الحياة أكثر وضوحًا وتبرز قيمها، مذكّرًا ببيت الشعر الشهير للمتنبي:

"فالضد يُظهر حسنه الضد

وبضدها تتبين الأشياء."

ويرصد النوفلي وجود تعدد ثقافي في عمان ليس فقط في العصر الحالي بل منذ القدم، ومنذ ما قبل الإسلام، حيث ضمت عمان ديانات متعددة كالنصرانية واليهودية والوثنية، وتعايش المسلمون مع غيرهم، وهذا التسامح استمر حتى فترة قريبة، حيث أقر غير المسلمين بتسامح العمانيين، مثلما ذكر الرحالة الإنجليزي جيمز سلك بكنجهام في كتابه "عمان في عيون الرحالة البريطانيين"، عندما زار عمان في عام 1816م، مشيدًا بما شهده من احترام ولطف من العمانيين تجاه الأوربيين، مما أتاح للأجانب التحرك بحرية وأمان في عمان، وعزا هذا التسامح إلى طبيعة العمانيين المسالمة والودودة.

ويعود ذلك إلى أسباب هذا التسامح، مشيرًا إلى التنوع العرقي والثقافي داخل عمان، حيث يضم الشعب العماني تنوعًا عرقيًا يشمل العرب والأفارقة والبلوش والأتراك والهندوس واليهود، مما أدى إلى خلق مجتمع متسامح ومتنوع ثقافيًا ومعرفيًا. ويشير إلى دور الحكومة العمانية في ترسيخ التسامح من خلال سنّ القوانين التي تدعو إلى التعامل الحسن وحماية حقوق الجميع.

ويرى أن القيم الإنسانية العريقة هي ما أسست لصورة المجتمع العماني المتسامح الذي نعرفه اليوم، حيث عُرفت عمان منذ القدم بقيمة الاحترام والتعاون والكياسة، وكان نمط العيش الذي فرضه السفر والانخراط في مجتمعات متنوعة كالمجتمعات الإفريقية والمصرية والصينية القديمة قد ساعد العمانيين على التعايش مع الثقافات الأخرى، مما خلق لديهم روح الانسجام والتعاون وتبادل الاحترام مع الشعوب الأخرى. وأشار إلى ما تناوله في كتابه المشترك مع الأستاذ نبال خماش بعنوان "أثر الفقه العماني في السلوك المجتمعي: التسامح نموذجًا"، حيث ذكر العديد من الأمثلة المأخوذة من المدونات الفقهية العمانية التي تتحدث عن الكياسة وأدب التعامل واللياقة الاجتماعية.

ويضيف "النوفلي" أن التسامح والتعايش اللذين عاشتهما عمان في الماضي وما زالت كثير من العمانيين متمسكين بهما لا يكفيان وحدهما اليوم، بل يتطلب الأمر من الدولة أن تعزز هذه القيم من خلال تفعيلها في المناهج التعليمية وتدريسها في المدارس والكليات والجامعات. ويرى أن مجرد الترويج للتسامح عبر الندوات والزيارات الخارجية لن يكون له أثر قوي ما لم يتم ترسيخ هذه القيم في داخل المجتمع نفسه، وأن التدريس وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون هناك تطبيق عملي من خلال القدوات والرموز التي ينظر إليها المجتمع ويستلهم منها. ويؤكد النوفلي أن رموز المجتمع يجب أن تمارس التسامح في تعاملاتها اليومية مع جميع الأطياف، حيث يكون تسامحها مثالاً يُحتذى به.

كما يعوّل الباحث أحمد النوفلي على الحكومة في ترسيخ التسامح والتعايش، خاصة في الجوانب الدينية والثقافية، مشيرًا إلى أن التعصب الديني يُعدّ من أشد أنواع التعصب لأنه ينطلق من معتقدات جازمة ويعتبرها البعض مشروعة دينيًا، نتيجة للتعليم الخاطئ والتوجيه غير السليم، فيما الإسلام دين الإنسانية والتسامح والعدل والرحمة. داعيا إلى توسيع الدائرة الثقافية وإتاحة المزيد من الأنشطة الفكرية، التي تؤدي إلى تفاعل الأفكار وتلاقحها مما يعزز ثقافة التسامح وقبول الآخر.

ويرى "النوفلي" أن المجتمع العماني بحاجة إلى استقطاب المفكرين في مجالات التربية والدين والاجتماع والنفس والفلسفة، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من الأصوات والأفكار القادرة على المساهمة في إثراء الحوار لكنها محصورة في مساحات ضيقة. ويعتبر النوفلي أنه ما لم تتغير هذه الظروف فإن الواقع لن يتغير، وسنظل ندور في دائرة مفرغة تزيد من الشعور بالاختناق وتغذي التطرف. ويرى أن قمع الفكر والإبداع يؤدي إلى ظهور الكراهية، بينما يؤدي تشجيع الفكر الحر إلى تعزيز التسامح.

ويختتم الباحث أحمد النوفلي قائلاً إن تعزيز الجانب المعيشي للأفراد وتوسيعه يؤثر في ترسيخ التسامح، حيث يرتبط التسامح اجتماعياً وثقافياً بسعة العيش، فكلما توسعت المعيشة اتسع معها الخلق وتحسنت العلاقات، وكلما ضاقت اشتد التوتر وزادت حدّة التعصب، سواء تجاه الأقارب أو الغرباء.

تعايش عمان

يشير الكاتب والباحث مصطفى محسن اللواتي في بداية حديثه إلى أهمية توضيح بعض المصطلحات الأساسية كالتسامح والتعايش والمواطنة، موضحًا أن هذه المفاهيم التي تصب في إطار التعايش السلمي لا تعني بأي حال من الأحوال أن يتخلى الإنسان عن مذهبه أو دينه أو أفكاره أو معتقداته. ويؤكد اللواتي أن المحور الأساسي لهذه المصطلحات هو "قبولنا لبعضنا البعض كما نحن"، بكل اختلافاتنا. ويرى أن الخوف من الانصهار مع معتقدات الآخرين لا معنى له، إذ إن الهدف هو أن نعيش معًا دون أن يؤثر هذا التباين في علاقات الود والمحبة أو المواطنة. ويؤكد أن هذه الروابط تكون أقوى عندما يكون الدين هو الجامع بين أبناء الوطن، مشددًا على أهمية الأخوة الإسلامية كرباط قوي، إذ يقول: "حبل الله معتصم، والتفرق والتنازع فشل".

ويتابع "اللواتي" بالإشارة إلى أن سلطنة عمان اكتسبت سمعة طيبة في مجال التعايش بين أبنائها على اختلاف مذاهبهم، حتى باتت تُضرب بها الأمثال، مشيرًا إلى أن هذه السمعة الطيبة لم تأتِ من فراغ، رغم وجود بعض الملاحظات من العمانيين أنفسهم. ويضيف أن هناك عدة عوامل دعمت ترسيخ هذه الصورة في عمان، فيقول: أولًا، "الشعب العماني نفسه"، فقد عُرف الإنسان العماني بطيبة مفرطة تتجلى في كرم الأخلاق وسخاء النفس وجود اليد. وأوضح اللواتي أن العماني بطبعه صاحب طرفة وابتسامة، حتى في أصعب المواقف، محاولًا تحويلها إلى لحظات خفيفة الظل بمساعدته لهجته ومصطلحاته الخاصة. وأضاف أن حالة التعاون ومساعدة الآخرين التي يتميز بها العماني هي خلق أصيل يؤثر في قبول الآخر والتعايش معه بسلام واحترام.

ثانيًا، "السياسات الحكومية"، فقد ساهمت الحكومة من أعلى المستويات في ترسيخ حالة التعايش عبر سياسات وتشريعات طمأنت المواطنين على أن دينهم أو مذهبهم محترم، حيث كفلت حرية الشعائر والممارسات لكل دين أو مذهب ضمن ضوابط معينة. ويشير اللواتي إلى أن القانون العماني يجرّم أي حديث طائفي مذهبي ضد الآخرين، كما أن أي فعل يصب في نفس الإطار يُحدد عقوبته وفق قانون الجزاء العماني، موضحًا أن المراسيم السلطانية لا تميز بين المواطنين في التعيينات الوزارية على أساس مذهبي. وقد أقر بأنه قد تكون هناك اعتبارات قبلية في فترات معينة، ولكن المذهبية بقيت بعيدة عن المشهد بشكل عام. وأكد أن أي اعتقالات سياسية لبعض المجاميع، رغم وجود بعض الملاحظات عليها، شملت معظم الفئات دون تمييز مذهبي أو طائفي. ويضيف اللواتي أن المواطنة قد حلّت في مختلف مفاصل الدولة، بحيث بات المذهب غائبًا تقريبًا عن المشهد العماني.

ثالثًا، "التنوع المذهبي والثقافي"، فقد أوضح اللواتي أن المجتمع العماني يتشكل من مزيج من الأديان والمذاهب المتنوعة، فالإسلام يطغى على المشهد، حيث يتصدره المذهب الأباضي والسني بنسبة واضحة، إلا أن هناك أيضًا حضورًا لافتًا للمذهب الشيعي رغم نسبته القليلة. وأضاف أن هناك أعدادًا قليلة من الهندوس والمسيحيين، ويعكس هذا التنوع المذهبي في عمان تعددًا عرقيًا، حيث يتشكل الشعب العماني من مزيج من الثقافات الهندية والباكستانية والإفريقية، بالإضافة إلى تأثير أقل من الثقافة الفارسية، وذلك من خلال هجرات أبنائها وعودتهم لاحقًا عبر فترات زمنية مختلفة، مما أدى إلى جلب ثقافات متنوعة تشمل اللغات واللباس والطعام والعادات والأفكار وغيرها. وأوضح اللواتي أن هذا التعدد والتنوع الكبيرين كان لهما دور كبير في تعزيز التعايش بين أبناء الوطن، والقبول بالآخر بغض النظر عن الدين أو المذهب، مبينًا أن أسواق عمان كانت تجمع كل هذا الاختلاف العقدي، وأن التجار والعمال كانوا يتعايشون مع هذا التنوع بقبول ومحبة، وأن هذا التعدد في الأفكار والرؤى والعقائد ولّد مزيجًا ثقافيًا جديدًا أصبح جزءًا من الثقافة العمانية التي يعود إليها العمانيون بمختلف مشاربهم.

ويضيف "اللواتي" أن دول الخليج الأخرى أيضًا عاشت حالة التعايش بشكل طبيعي وتلقائي، حيث كان التزاوج بين أبناء المذاهب المختلفة أمرًا اعتياديًا وطبيعيًا، إلى حد أن بعض الناس لم يكن يعرف الحي أو المنطقة التي ينتمي إليها مذهبيًا. ولكنه يشير إلى أن دخول الحركات السلفية والتكفيرية المتشددة قد أثر سلبًا في هذه الدول، حيث أدى إلى تشرذمها تمامًا. ويرى أن الحكومة انتبهت لهذا الخطر منذ البداية، وضربت بيد من حديد على كل من انضم أو انتسب إلى هذه الحركات، وسارعت بإخراج أي شخص يحاول تخريب المجتمع العماني بهذه الأفكار، بغض النظر عن جنسيته.

ويختم الكاتب والباحث مصطفى محسن اللواتي حديثه بالقول إنه رغم تميز التجربة العمانية في التعايش، إلا أنها لا تزال غير مكتملة، وتحتوي على بعض الثغرات، سواء من ناحية السياسات الحكومية والوزارات المعنية بالشأن الديني والثقافي والتربوي، أو من جانب علماء المذاهب المختلفة. مؤكدا أن تمتين اللحمة الوطنية في عمان ليس بالمهمة السهلة، مشيرًا إلى أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي قد تشكل منافذ للاختراق. ويحث المسؤولين والعلماء على ضرورة العمل لسد أي ثغرة قد تسبب مشكلة في المستقبل، بهدف حماية واستدامة تجربة التعايش العماني.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التسامح والتعایش الهویة العمانیة التنوع الثقافی التعدد الثقافی الکاتب والباحث مشیر ا إلى أن فی المجتمع هذا التنوع الثقافی فی ا التنوع فی ترسیخ أسهمت فی وأضاف أن جزء ا من من خلال أن هناک ویرى أن ثقافی ا عمان فی مجتمع ا أن هذه وهو ما تنوع ا جانب ا أن هذا إلا أن

إقرأ أيضاً:

سلطنة عمان وقطر.. نموذج متميـز للتــــآخي والتـعاون الاستراتيجي المستدام

تتمثل العلاقات بين سلطنة عُمان ودولة قطر في نموذج رفيع من التعاون المستمر والتآخي الذي يضرب بجذوره في التاريخ، وتطورت تلك العلاقات بفضل الرؤى الحكيمة والتوجيهات السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر - حفظهما الله ورعاهما -، حيث تقوم على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مع تعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية بين البلدين، وتستمر هذه العلاقات في النمو والتطور لتواكب التحديات المعاصرة، مما يسهم في تحقيق الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.

وتسهم الشراكة بين سلطنة عمان وقطر في تعزيز التعاون المتبادل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، مما يعكس التزام البلدين بتحقيق تطلعات شعبيهما والعمل معًا من أجل مستقبل أفضل يحقق المزيد من التقدم والازدهار للطرفين.

وتعكس زيارة صاحب السمو أمير دولة قطر إلى سلطنة عُمان عمق العلاقات الثنائية، وتُبرز حرص القيادتين الحكيمتين على تعزيز أواصر التعاون واستدامتها، وسيشهد اللقاء بين جلالة السلطان المعظم وأخيه سمو أمير دولة قطر، مناقشة العديد من الملفات ذات الأهمية المشتركة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين الشقيقين، بالإضافة إلى توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات تفاهم والبرامج التنفيذية التي تهدف -بلا شك- إلى تطوير الشراكة في قطاعات متنوعة كالتجارة، والاستثمار، والرياضة والثقافة والتعليم والصحة والعديد من المجالات الأخرى.

وتشهد العلاقات التجارية بين سلطنة عمان ودولة قطر نموًا متواصلًا منذ عام 2020، حيث بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 5.8 مليار ريال عماني حتى نهاية نوفمبر 2024م، وسجلت الواردات من دولة قطر إلى سلطنة عمان أكثر من 3.8 مليار ريال عماني خلال السنوات الـ5 الماضية، بينما بلغ إجمالي الصادرات نحو 1.9 مليار ريال عماني.

التبادل التجاري

وأظهرت بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن إجمالي التبادل التجاري بين البلدين في عام 2024 (من يناير إلى نوفمبر) تجاوز 960.8 مليون ريال عماني، حيث سجلت الصادرات العمانية إلى قطر 205.8 مليون ريال عماني، في حين بلغت الواردات من قطر 754.9 مليون ريال عماني، ووفقًا لبيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فقد تمثلت أبرز السلع المستوردة من دولة قطر في الديزل لأغراض أخرى، وعنفات نفاثة تتجاوز قوة دفعها ٢٥ كيلو نيوتن، ومحركات طائرات ذات مكابس متناوبة أو دوارة يتم الاشتعال فيها بالشرر (محركات انفجارية)، وغيرها من أثيرات لا دورية (لاحلقية) ومشتقاتها.

أبرز الصادرات

ومقابل ذلك أوضحت البيانات أن أبرز الصادرات من سلطنة عمان إلى دولة قطر شملت خامات الحديد ومركزاتها (المكتلة)، حصى حصباء وحجارة مجروشة أو مكسرة من الأنواع المستعملة عادة للخرسانات أو رصف الطرق أو السكك الحديدية أو أنواع الرصف الأخرى، وكذلك الكابلات الكهربائية التي يزيد مقطعها العرضي عن 10 ملم وجهدها عن 300 فولت، ومحولات ذات وسط وذات عوازل سائلة تزيد قدرتها عن 650 كيلو فولت أمبير ولكن لا تتجاوز 10 آلاف كيلو فولت أمبير، بالإضافة إلى مجمر (كوك) مكلس.

ومن أبرز المنتجات التي تزخر بها سلطنة عمان لتصديرها إلى دولة قطر هي خامات الحديد والمركزات والحصى والقوباء والصوان والأحجار المكسورة المطحونة والحديد والفولاذ شبه النهائي، وكربون (0.25)، كما تتمتع سلطنة عمان بأعلى قدرة توريد في الماعز الحي، بالإضافة إلى أن المجوهرات المصنوعة من المعادن الثمينة تعد من المنتجات التي تواجه أقوى إمكانات الطلب في دولة قطر، وفيما يتعلق بالاستثمارات، بلغ عدد الشركات المسجلة التي تضم مساهمات قطرية نحو 214 شركة حتى أكتوبر 2024م، حيث بلغت القيمة الإجمالية لمساهماتها أكثر من 72.8 مليون ريال عماني أي ما يعادل 65.8% من إجمالي رأس المال المستثمر في هذه الشركات، وشملت أبرز القطاعات التي استثمرت فيها هذه الشركات تجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية، بالإضافة إلى أنشطة الإقامة والخدمات الغذائية، والتشييد، والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية. كما شملت الاستثمارات في الصناعة التحويلية، والخدمات الإدارية والدعم، والنقل والتخزين، واستغلال المحاجر، فضلًا عن المعلومات والاتصالات».

5 اتفاقيات

وفيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين، فقد وُقعت نحو 5 اتفاقيات في عدد من المجالات، ومن ضمنها مجال التعاون الثقافي التربوي، ويتم فيها تبادل الخبرات بين البلدين حسب احتياج كل بلد، كما تم الاتفاق بين وزارة الثقافة والرياضة والشباب ووزارة الثقافة القطرية لتوقيع البرنامج التنفيذي الأول في مجال الثقافة للأعوام (2022 -2025)، ووقعت اتفاقية في مجال تعزيز التعاون بين البلدين وتبادل الخبرات الأمنية والفنية من أجل مكافحة الجريمة، واتفاقية أخرى في تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب من الضرائب بالنسبة للضرائب على رأس المال، والتوقيع على اتفاقية إنشاء مركز لوجستي متكامل يوفر خدمات التوزيع والتخزين في مدينة خزائن العمانية مع شركة ساركو، بالإضافة إلى التوقيع على اتفاقية تعاون بين وزارة الإسكان والتخطيط العمراني وشركة أريان العقارية، بحيث تقوم الشركة بتطوير منطقتين في مدينة السلطان هيثم بمساحة إجمالية تقدر 2221812 مترًا مربعًا، بتكلفة 327 مليون ريال عماني، وتم تفعيل الاتفاقية لتعزيز وتطوير التعاون بين البلدين في مجال إنشاء البنى الوطنية للمعلومات الجغرافية، والممارسات والخبرات في مجال البيانات المكانية واستخدام نظم المعلومات الجغرافية في التعدادات السكانية.

20 مذكرة تفاهم

كما وقّعت بين البلدين نحو 20 مذكرة تفاهم في عدد من المجالات، حيث وقّعت مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال العمل، بالإضافة إلى مذكرتي تفاهم الأولى منهما في مجالات التدريب والتطوير والاستشارات وغيرها من شؤون الخدمة المدنية والتطوير الإداري، أما الثانية، فكانت في مجال بناء قدرات الموظفين الحكوميين، كما تم توقيع مذكرة أخرى في قطاع التراث والسياحة لمواصلة تنمية التعاون في المجال السياحي والعمل على تدعيمه وإنمائه بين البلدين، وتبادل الخبرات السياحية والمعرفة الفنية في مجالات التدريب والتأهيل، إلى جانب ذلك تم التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين البلدين في المجال الثقافي.

كما وقّعت مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال البيئة وصون الطبيعة والتنوع الأحيائي، ومذكرة تفاهم أخرى في مجال الموانئ بين المجموعة العمانية العالمية للوجستيات (أسياد) والشركة القطرية لإدارة الموانئ المملوكة بالكامل لحكومة دولة قطر بهدف تعزيز التبادل التجاري وربط الموانئ لغرض الاستثمار المشترك في الخدمات البحرية واللوجستية.

أما في المجال الزراعي والحيواني والسمكي فقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين البلدين في مجالات الإنتاج الغذائي والتسويق والاستثمار المشترك وتصدير المنتجات العمانية إلى دولة قطر، وتم الاتفاق في اجتماع اللجنة الأخير في نوفمبر 2023م على تفعيل الاتفاقية، إضافة إلى مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الفني والتقني والقانوني وتحقيق سبل التعاون والتنسيق في كافة المجالات ذات الصلة بالمستهلك، كما وُقعت بين البلدين مذكرة تفاهم في مجال تعزيز التعاون وتبادل الخبرات المتعلقة بالبرامج التمويلية واستخدام التقنية الإلكترونية في العمل المصرفي المتعلق ببنوك التنمية، وأخرى في مجال العلوم والتعليم العالي لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف مجالات التعليم العالي، ومذكرة تفاهم من أجل تنظيم أنشطة ومعارض مشتركة وتبادل المقتنيات والمعروضات بصفة دورية والاستفادة من برامج التدريب والتأهيل في إطار التعاون في مجال إدارة المتاحف والمقتنيات، إلى جانب توقيع مذكرة تفاهم في مجال العمل وتنمية الموارد البشرية، والتوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارة التربية والتعليم واللجنة العليا للمشاريع والإرث بدولة قطر حول تنفيذ برنامج الجيل المبهر في المدارس الحكومية والخاصة بسلطنة عمان، والتوقيع على محاضر تبادل وثائق التصديق على مذكرتي التفاهم في مجالات النفط والغاز ومذكرة التعاون في مجال السياحة، وتم التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري، والتوقيع على مذكرة تفاهم في مجال تقديم الخدمات الإعلامية والتدريب على مهارات فن الحوار والنقد والإنتاج الإعلامي وبحث مشاريع مشتركة تهم الإعلام والصحافة والتعاون في مجال الدراسات والبحوث، والتوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة بين مركز مناظرات عمان ومركز مناظرات قطر، بالإضافة إلى مذكرات تفاهم للتعاون في مجال الرياضة والشباب بين وزارة الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عمان ووزارة الرياضة والشباب بدولة قطر.

وأكد سعادة السفير السيد عمّار بن عبدالله بن سلطان البوسعيدي سفير سلطنة عمان المعتمد لدى دولة قطر، في تصريح لـ «عمان» أن حجم التبادل التجاري بين سلطنة عمان ودولة قطر في عام 2023م قد بلغ 1,113,340,858 ريالا عمانيا، وفقًا للإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في سلطنة عمان.

وأشار سعادته إلى أن الصادرات العمانية إلى دولة قطر خلال عام 2023م قد بلغت حوالي 236,556,128 ريالًا عمانيًا، في حين بلغ إجمالي الواردات من دولة قطر 828,671,991 ريالًا عمانيًا.

كما أوضح سعادة السفير أن الصادرات العمانية إلى قطر حتى أكتوبر 2024م قد بلغت 140,198,414 ريالًا عمانيًا، بينما وصل إجمالي واردات سلطنة عمان من دولة قطر حتى التاريخ نفسه إلى 708,721,923 ريالًا عمانيًا.

الصادرات والواردات

وتتمثل أبرز صادرات سلطنة عمان إلى قطر حتى أكتوبر 2024م في خامات الحديد ومركزاتها المكتلة، وحصى حصباء وحجارة مجروشة أو مكسرة، بالإضافة إلى محولات ذات عوازل سائلة بقدرة تتراوح بين 650 و10,000 كيلو فولت أمبير.

أما أبرز الواردات العمانية من قطر حتى أكتوبر 2024م، فتشمل الديزل لأغراض متعددة، وعنفات نفاثة قوية تزيد قدرتها عن 25 كيلو نيوتن، ومحركات طائرات ذات مكابس متناوبة، وأثيرات لا دورية ومشتقاتها.

اللجان وفرق العمل المشتركة

وأشار السيد عمار البوسعيدي إلى أن هناك العديد من اللجان وفرق العمل المشتركة بين سلطنة عمان ودولة قطر، التي تحقق تقدمًا مستمرًا في تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين عامًا بعد عام. هذه اللجان تعمل على متابعة وتنفيذ الاتفاقيات، واستكشاف فرص التعاون في مختلف القطاعات الحيوية، فضلاً عن تبادل الخبرات بين البلدين في مجالات مثل التعليم والثقافة، والصحة، والطاقة. وأوضح سعادته أن اللجنة العمانية القطرية المشتركة تُعد من أبرز هذه اللجان، وأن النتائج المحققة حتى الآن تعكس حرص البلدين على تحقيق التكامل والتعاون بما يضمن تعزيز المصالح المشتركة.

وتطرق سعادة السفير العماني إلى الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المبرمة بين سلطنة عمان ودولة قطر، حيث أكد أن البلدين قد وقّعا العديد من الاتفاقيات والبرامج التنفيذية التي تغطي معظم المجالات، مثل التعاون العسكري، والعمل المشترك، وتعزيز التجارة والاقتصاد والاستثمار، والنقل، والتعليم، والصحة، وأضاف سعادته: إن هذه الاتفاقيات تُعد إطارًا قانونيًا قويًا يُسهم في تطوير العلاقات الثنائية، ويعزز من فرص التعاون بين البلدين، مما يفتح آفاقًا جديدة لبناء شراكات أوسع في مختلف القطاعات.

الطلبة الدارسون

وتطرق السفير إلى عدد الطلبة القطريين في سلطنة عمان، وكذلك عدد الطلبة العمانيين في دولة قطر، حيث بلغ عدد الطلبة العمانيين في قطر نحو (167) طالبًا وطالبة. وأوضح أن هؤلاء الطلبة يتابعون دراستهم في تخصصات متنوعة مثل الهندسة، والعلوم الإنسانية، والإدارة، والاقتصاد، وتقنية المعلومات. وأكد أن هذا التبادل التعليمي يسهم بشكل كبير في تعزيز التفاعل الثقافي والمعرفي بين الشعبين، مما يعزز أواصر التعاون بينهما في مجال التعليم.

التوجهات الواضحة

وأشار السفير إلى التوجهات الواضحة من القيادات الحكيمة في سلطنة عمان ودولة قطر لتعميق التعاون بين البلدين، وتحويله إلى شراكة استراتيجية ومتميزة في مجالات متنوعة مثل العمل والطاقة المتجددة والبيئة، والاقتصاد الرقمي، والتكنولوجيا، وأوضح أن الاجتماعات المستمرة والمكثفة بين الوزراء والمسؤولين في البلدين تعكس الرغبة المشتركة في تعزيز التكامل الاستراتيجي وتحقيق مزيد من التعاون. وأضاف أن المنطقة تواجه تحديات متعددة ومستمرة، وهو أمر طبيعي في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى التغيرات المناخية. ومع ذلك، هناك تنسيق دائم بين سلطنة عمان ودولة قطر لمواجهة هذه التحديات، بما يسهم في تعزيز استقرار المنطقة وتحقيق التنمية المستدامة.

عمق العلاقات

وفي ختام حديثه، أكد سعادة السفير على عمق العلاقات الراسخة بين البلدين وتوافق رؤيتهما، مع تأكيد حرصهما المشترك على تعزيز هذه العلاقات بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين. وقال: «نسعى دائمًا لتحقيق رؤى قيادتي البلدين الحكيمتين، ونتطلع إلى مزيد من التعاون المثمر في مختلف المجالات، ونحن على يقين بأن هذه الزيارة سيكون لها أثر إيجابي بارز ونتائج واعدة على أرض الواقع في القريب العاجل».

«مثال يحتذى»

من جهته، قال سعادة الشيخ مبارك بن فهد آل ثاني سفير دولة قطر الشقيقة في سلطنة عمان: إن العلاقات القطرية العمانية كانت ولا تزال مثالًا يحتذى به في العلاقات بين الدول والشعوب، وأضاف: إن العلاقات بين الدوحة ومسقط تعتبر واحدة من أقوى العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، على الرغم من الظروف والتجاذبات التي شهدتها المنطقة. وأكد أن هذه العلاقات الأخوية راسخة منذ زمن بعيد، ويجمع بين البلدين التداخل الشعبي والعلاقات الأسرية، فضلا عن التنسيق الكامل بين الدولتين في جميع المجالات، والتقارب في وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية.

استكمال لمسيرة التعاون المشترك

وأشار سعادة السفير إلى أن زيارة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لسلطنة عمان، تأتي استكمالا لمسيرة التعاون المشترك والتواصل الدائم بين البلدين. وبيّن أن هذه الزيارة ستسهم في تأسيس مرحلة جديدة من التعاون التي تلبي طموحات الشعبين الشقيقين، وتعمل على تعزيز العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، كما أشار إلى أن هناك العديد من الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بالفعل وبدأت في الدخول حيز التنفيذ، بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات التي من المتوقع توقيعها خلال هذه الزيارة، التي تهدف إلى تنشيط مجالات التعاون بين البلدين.

نمو متواصل

وأكد سعادته أن العلاقات بين دولة قطر وسلطنة عمان تشهد نموًا متواصلًا في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار، مما أدى إلى تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين سبع مرات منذ عام 2016، وأوضح أن هذا التوسع في الاستثمارات جعل دولة قطر تحتل المركز السادس في قائمة الدول المستثمرة في سلطنة عمان، وأكد أن التبادل التجاري بين البلدين في عام 2023 بلغ نحو 5.4 مليار ريال قطري، وفقًا لأحدث الإحصائيات.

وتحدث سعادة السفير عن دور اللجان وفرق العمل المشتركة في تعزيز التعاون بين البلدين، مشيرًا إلى أن اللجنة القطرية العمانية المشتركة، ومجلس رجال الأعمال القطري العماني، هما من أبرز الآليات التي تعمل على زيادة التعاون في مجالات متعددة، وأوضح أن هذه اللجان قد أسهمت في تعزيز المشاريع الاستثمارية المشتركة في مجالات مثل الثقافة والرياضة والشباب، وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والنقل، والبيئة، والتعليم العالي، والسياحة، وغيرها من المجالات الحيوية.

مجالات متنوعة

وأشار إلى أن الاتفاقيات بين البلدين تشمل مجالات متنوعة مثل التعاون العسكري، والاقتصادي، والاستثمار، والقطاع البحري، والضيافة، وتنمية الموارد البشرية، وذكر سعادته أنه تم التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل المنح الدراسية بين البلدين في مجال التعليم الجامعي، مشيرًا إلى أن عددًا من الطلبة العمانيين يدرسون في دولة قطر بموجب منح دراسية كاملة من الحكومة القطرية، كما أن هناك عددًا من الطلبة القطريين يدرسون في الجامعات العمانية.

رعاية كاملة

وأكد سعادة السفير أن أبواب التعاون بين دولة قطر وسلطنة عمان مفتوحة دائمًا لتعزيز العلاقات بين البلدين، وأن هذا التعاون يحظى برعاية كاملة من القيادتين الحكيمتين في البلدين، صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظهما الله ورعاهما-، وأوضح أنه لا يوجد سقف محدود لهذا التعاون في ظل الروابط العميقة التي تجمع البلدين. وأشار سعادة السفير إلى أن منطقة الشرق الأوسط تبقى محور اهتمام قادة دول المنطقة، بما في ذلك قادة سلطنة عمان وقطر، في ظل التحديات التي تمر بها المنطقة، وأبرزها قضية فلسطين، والملف النووي الإيراني، وعدم الاستقرار في بعض الدول، كما تناول قضايا البيئة والأمن الغذائي، وندرة المياه، باعتبارها من القضايا ذات الأولوية. وفي ختام حديثه أعرب سعادة السفير عن شكره العميق لسلطنة عمان قيادة وحكومة وشعبًا على الحفاوة التي تم استقبالهم بها منذ اليوم الأول لهم في سلطنة عمان، مشيرًا إلى أن هذا ليس جديدًا على الشعب العماني المضياف.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية يستقبل السفير العماني لدى الجزائر
  • منتدى الأعمال العماني الهندي يؤكد على تعزيز الشراكة واستكشاف الفرص الاستثمارية بين البلدين
  • 6 مغامرين يستكشفون التنوع الفريد لـسلطنة عمان .. جوهرة العرب
  • سعيد بن سلطان: المشاركة في "معرض القاهرة للكتاب" فرصة للتعريف بالتنوع الثقافي العماني
  • السفير الأردني: معرض القاهرة الدولي للكتاب منصة متميزة لتعزيز التنوع الثقافي
  • السفير الأردني: «القاهرة للكتاب» منصة ثقافية متميزة تساهم في تعزيز التنوع
  • وكيل وزارة الأوقاف: نهدف من الفعاليات تعزيز قيم التسامح بين أفراد المجتمع بالإسكندرية
  • الحسني لـ"الرؤية": الحضور العماني في "معرض القاهرة للكتاب" يعزز التواصل مع الشعوب للتعريف بإرثنا الثقافي
  • سلطنة عمان وقطر.. نموذج متميـز للتــــآخي والتـعاون الاستراتيجي المستدام
  • حزب المصريين: الإفراج بالعفو عن 4466 نزيل تأكيد لسياسات الجمهورية الجديدة