الحرب في السودان: كيف لشعب (مهمل) ان يعيش في دولة فاشلة؟
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
بروفيسور حسن بشير محمد نور
كيف يمكن لعالم (متحضر) ان يقف مكتوف الأيدي أمام أزمة تهجير قسري ونزوح مصحوبة بانتهاكات فظيعة والحرمان من الحياة والكرامة الإنسانية، حياة تشهد توطين الاوبئة وتفشي المجاعة والفقر المدقع؟ هذا العالم يجب ان يكون متوحشا ولا انسانيا وبدون أخلاق حتي يسمح لكل هذه الفظاعات ليس ان تحدث فحسب، بل يقوم بتغذيتها وتأجيجها واستغلالها في خلافاته وانشغاله ب(قضاياه الكبرى).
في ظل هذا الوضع المزري كيف يمكن الحياة وللاقتصاد أن يعمل في دولة فاشلة مثل السودان؟ وما هي فرص تعبئة الموارد وآليات المجتمعات المحلية في مواجهة الأزمات؟ بالتأكيد السودان الآن دولة فاشلة حسب مؤشرات انهيار المؤسسات الحكومية الأساسية، وغياب الحكم الرشيد، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبالطبع الغياب التام لحكم القانون. في هذه الحالة يعاتي الانسان، من أزمات متعددة الأوجه تشمل الحرب الطاحنة، تفشي الفساد، انهيار البنى التحتية، وانعدام الثقة بين المواطنين والدولة وانعدام مقومات الحياة في غالبها الاعم، يصبح السؤال عن كيفية عمل الاقتصاد وتعبئة موارده معقداً ولكن ليس مستحيلاً لأن هناك ناس لا زالوا علي قيد الحياة. فلنكن خيالين قليلا في بعض مقترحاتنا فالحاجة ام الاقتراع كما يقال.
في هذه الظروف عندما تفشل الدولة، فإن المؤسسات الرسمية التي تدير الاقتصاد، مثل الوزارات والمؤسسات العامة والخدمات والبنوك، تتراجع عن أداء وظائفها وتتحول الأنشطة الاقتصادية من القطاع الرسمي إلى القطاع غير الرسمي أو "اقتصاد الظل"، الذي يصبح المصدر الرئيسي للدخل وتوفير السلع والخدمات. يعمل هذا القطاع في السودان من خلال شبكات غير رسمية تشمل الأسواق الشعبية، التجارة عبر الحدود، والنشاط الزراعي الفردي، والمبادرات المجتمعية، حيث يعتمد الناس على مواردهم المحدودة وشبكاتهم الاجتماعية لتأمين احتياجاتهم.
اضافة لأن عددا كبيرا من الاسر يعتمد علي تحويلات المغتربين التي تلعب دوراً مهماً في دعم سبل العيش والاقتصاد المحلي. يعاني السودان من هجرة واسعة للعمالة إلى الخارج حتى قبل هذه الحرب، وهذه التحويلات تمثل مصدر دخل ثابت للأسر في الداخل، مما يعزز القدرة الشرائية رغم الأزمات الاقتصادية المزمنة.
في حالة فشل الدولة، يصبح من الضروري التفكير خارج الصندوق لتعبئة الموارد بطرق غير تقليدية. يمكن حصر بعض هذه الأساليب في عدد من الجوانب اضافة لاخري يتم ابتداعها، من أهم تلك الوسائل:
1. الاعتماد علي الزراعة المحلية وتحسين الانتاج المعيشي:
بوجود مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، أو حتي في مساحات محدودة مثل ما يعرف في السودان ( بالبلدات " وهي اراضي زراعية ثقليدية صغيرة الحجم" أو "الجروف علي شواطيء الإنهار)، يمكن للمجتمعات المحلية تنظيم نفسها لاستغلال هذه الأراضي بفعالية أكبر في زراعة المحاصيل الأساسية مثل الذرة والدخن والبقوليات وغيرها، وقد تكون هذه أحد السبل لتوفير الغذاء وإيجاد دخل للمزارعين.
2. أمكاتية تشكيل التعاونيات المحلية:
يمكن تأسيس تعاونيات زراعية أو تجارية تعمل على تعزيز الإنتاج المحلي والتبادل، تقاسم الموارد، وتوفير الاحتياجات الاساسية بأسعار مناسبة. هذه الأشكال تقلل من تأثير غياب الدولة وتضمن مشاركة واسعة من أفراد المجتمع. ويمكن لخبراء مثل دكتور محمد الفاتح العتيبي التوسع في هذا المجال من الناحية العملية لخبرتهم.
3. تفعيل دور لجان الطواريء والخدمات والمنظمات غير الحكومية والمبادرات الشعبية:
تعمل هذه المكونات غير الحكومية والمنظمات أحياناً كبدائل مؤقتة لتوفير الخدمات الأساسية مثل توفير الطعام (التكايا) والصحة والتعليم. على المستوى المحلي، يمكن للمبادرات الشعبية والمجتمعية أن تركز على تنظيم التعليم غير الرسمي والرعاية الصحية الأولية.
4. تطوير الحرف وبعض الصناعات الصغيرة التقليدية:
الانشطة الحرفية الصغيرة مثل الحدادة، صناعة الأدوات الزراعية، وصناعة الأغذية المحلية يمكن أن تسهم في توفير بعض الاحتياجات وتشغيل الأيدي العاملة وتوفير الدخل لبعض للأسر.
اما بشأن الجهود الذاتية للتغلب علي المجاعة فيمكن للمجتمعات المحلية استخدام مجموعة من التدابير للتعامل مع هذا التحدي القاتل مثل:
1. التضامن والتخطيط الاجتماعي:
التضامن والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع يمكن أن يكون حلاً لمواجهة نقص الغذاء، حيث يتم تقاسم الموارد المتاحة بشكل منظم بين الأسر وتحقيق الاستفادة القصوى منها. هذا النموذج يعتمد على بناء الثقة والشعور بالمسؤولية الجماعية.
2. العمل علي توفير مصادر للمياه النظيفة والوقاية الصحية:
تفشي الأمراض والاوبئة المنتشرة مثل الكوليرا غالباً ما يكون مرتبطاً بتلوث المياه وضعف البنية التحتية الصحية. يمكن للمجتمعات المحلية تنظيم حملات للتوعية بأهمية تنقية المياه واستخدام الحلول التقليدية مثل الغلي أو الترشيح أو استخدام بعض المواد المحلية المعروفة في السودان خاصة في مناطق النزوح المكتظة.
3. التخلي عن عادات غذاء ما قبل الحرب وتنويع مصادر الغذاء:
يمكن تحقيق ذلك عبر زراعة المحاصيل المتعددة لتحسين التنوع الغذائي. على سبيل المثال، زراعة محاصيل قصيرة الدورة الإنتاجية مثل الخضروات والبقوليات وتربية الدواحن المنزلية في المناطق المستقرة نسبيا التي تساهم في توفير الغذاء خلال فترات قصيرة.
4. التنسيق مع المنظمات الإنسانية:
يمكن للمجتمعات المحلية واللجان واي تنظيمات تستطيع العمل في الواقع الداخلي، العمل علي التتسيق مع المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية للحصول على الدعم الغذائي أو الطبي، التنسيق الجيد مع هذه المنظمات يساهم في تحسين استهداف المساعدات الضرورية وضمان وصولها وتوزيعها علي المحتاجين ومنع تسربها للأسواق.
يبقي هناك جانب مهم هو كيفية التعامل مع العنف وتدهور الأمن الذي يشكل تهديداً إضافياً يفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. في هذا السياق، يصبح من الضروري للمجتمعات المحلية وكل من يستطيع العمل في الداخل، التركيز على تعزيز آليات السلم الأهلي والتفاوض مع الفاعلين المسلحين (مثل ما اشيع حدوثه في بلدة التكينة مؤخرا) لضمان مرور الإمدادات الحيوية وتجنب العنف ضد المدنيين متى ما كان ذلك ممكنا.
هناك العديد من التجارب التي مرت بها شعوبا قبلنا يمكن الاستفادة منها، مثل الصومال وألعراق واليمن، حيث أثبتت المجتمعات المحلية قدرتها على التكيف باستخدام التكنولوجيا البسيطة، مثل الهواتف المحمولة لتحويل الأموال أو نشر الوعي والتغلب علي خطاب الكراهية، كما يمكن استخدام المخاطبات عبر شخصيات مؤثرة ومقبولة، كل ذلك وغيره من الاساليب والحلول المبتكرة يمكن ان تحسن الأوضاع, لكنها لن تحلها بشكل تام, انما للضرورة احكام.
مثل هذه التدابير يمكن العمل بها والتوسع فيها حتى في حالة حدوث اتفاق بين الجيش والدعم السريع (وهو اقرب الاحتمالات وفقا لسلوك الجانبين) واقامة حكمهم بشكل منفرد بحكم الامر الواقع، اذ ان مثل هذا الحكم سيكون معزولا دوليا وغير مستقرا وسيكون مشروع دولة فاشلة بامتياز.
لا شك أن الحياة في ظل غياب الدولة، كما يحدث في السودان يواجه تحديات ضخمة، ولكن التاريخ وتجارب الشعوب أثبتت أن المجتمعات البشرية قادرة على التكيف مع الأزمات. بالاعتماد على التعاون المحلي وتعزيز الفرص الممكنة، لابتكار طرق واساليب مستحدثة تناسب هذا المجتمع أو ذاك، ونسبة لاختلاف وتنوع المجتمعات المحلية في السودان فيمكن لكل منها انتهاج الاساليب والاليات المناسبة لها، التي يمكن ان تخفف من المعاناة وتحافظ علي حياة الناس وتضمد جراحهم.
وهنا تجدر الاشادة والأجلال بالأطباء والطواقم الطبية ولجان الطواريء والخدمات والمعلمين وعمال التكايا والمطابخ الشعبية، الابطال الحقيقيون جند الحياة وحملة مشاعل الأمل فيها، الذين يضحون بحياتهم لأنقاذ حياة الغلابة، في زمن عزت فيه التضحيات وتقاصرت فيه النخوة وروح الفداء، فالتحية لهم ولصمودهم كنداكات وشباب نساء ورجال سودانيون وغيرهم من جنسيات شعوب الارض.
في هذا الوضع يعتبر تنظيم المبادرات الشعبية والمجتمعية والذاتية، من طرق تخفيف آثار انهيار الدولة. الأمل يبقى في قدرة هذه المجتمعات والمكونات على الصمود واستعادة الاستقرار تدريجياً، سواء من خلال الحلول المحلية أو بدعم مرتجأ يمكن ان يأتي من اي جهات ممكنة.
mnhassanb8@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: دولة فاشلة فی السودان
إقرأ أيضاً:
لنعزز الاستقلال بوقف الحرب واستكمال مهام الثورة
بقلم : تاج السر عثمان
1
مضت٦٩ عاما لإعلان استقلال السودان الذي جاء متزامنا مع الذكرى السادسة لثورة ديسمبر، جاءت للثورة لتعزز الاستقلال والسيادة الوطنية والعدالة والديمقراطية التي مازالت مستمرة رغم انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد المرتهن للمحاور الاقليمية والعالمية الهادفة لنهب ثروات وموانئ البلاد ، وانقلاب 25 أكتوبر الذي قاد لانفجار الحرب اللعينة بهدف السلطة والثروة بدعم خارجي لنهب ثروات البلاد ، مما يتطلب تعزيز الاستقلال بوقف الحرب و استكمال مهام الثورة ، و مواصلة النضال لتعزيز الاستقلال والسيادة الوطنية بإسقاط طرفي الحرب وخروجهما من السياسة والاقتصاد، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي الذي يفتح الطريق للتنمية المستقلة المتوازنة والسلام، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والصحية والإنسانية التي تدهورت نتيجة النزوح والقصف الذي أودى بحياة عشرات الآلاف، اضافة لكارثة اغراق َمدن قرى النيل الأبيض بسبب تعطل عمل خزان جبل أولياء الذي يتحمل مسؤوليته طرفا الحرب، اضافة لجرائم الحرب الجارية ونزوح الملايين ومقتل الآلاف من الأشخاص والابادة الجماعية وحالات العنف الجنسي، واعتقال الآلاف في سجون طرفي الحرب في أوضاع إنسانية مزرية كما في التعذيب حتى الموت. إضافة لخطر تمزيق وحدة البلاد كما في الدعوات المرفوعة لتكوين حكومة موازية في مناطق الدعم السريع، وهي دعوات مرفوضة تعجل بتقسيم البلاد، وعدم تكرار كارثة انفصال الجنوب. مما يتطلب قيام اوسع جبهة جماهيرية قاعدية لوقف الحرب واسترداد الثورة ووحدة الوطن.
٢
كما اوضحنا سابقا، لم يكن انتزاع الاستقلال سهلا، فقد جاء نتاج تراكم نضالي طويل خاضه الشعب السوداني منذ هزيمة الدولة المهدية، وإعلان دولة الحكم الثنائي الانجليزي – المصري عام 1898. بدأت مقاومة الشعب السوداني بانتفاضات القبائل في جنوب السودان وجبال النوبة ، والانتفاضات الدينية في أواسط وشرق وغرب السودان والتي كانت مستمرة في السنوات الأولى للحكم الثنائي، وبعد الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1926 حيث تم إخضاع آخر القبائل الجنوبية المتمردة ( التبوسا ) ، وعام 1929 عندما تم قمع المعارضة نهائيا بقمع الليرى في جبال النوبة ، وقبل ذلك كان إخضاع دارفور بهزيمة السلطان على دينار عام 1916.
٣
بعد ذلك ظهرت أشكال وأساليب جديدة للكفاح ضد الاستعمار مثل : قيام الجمعيات والاتحادات السرية " الاتحاد السوداني ، اللواء الأبيض " ، وتأسيس الأندية الاجتماعية " أندية الخريجين وأندية العمال والثقافية والرياضية "، ظهرت أساليب نضالية جديدة مثل : المنشورات والكتابة في الصحف والخطب في المساجد وانتفاضات وتمرد الجنود السودانيين " تمرد الأورطة السودانية 1900 ، مقاومة العسكريين المسلحة في 1924 ". حتى انفجار ثورة 1924 ،والجمعيات الأدبية والثقافية التي تكونت بعد هزيمة ثورة 1924 "جمعية أبى روف وجمعية الفجر" وظهور مجلتا "النهضة السودانية "و"الفجر". اضرابات العمال من أجل تحسين الأجور وشروط الخدمة ، اضراب طلاب كلية غردون 1931 ، تكوين مؤتمر الخريجين عام 1938 ، ومذكرته الشهيرة عام 1942 التي طالبت بتقرير المصير ، تكوين الأحزاب بعد الحرب العالمية الثانية ، انتزاع الطبقة العاملة لتنظيمها النقابي " هيئة شؤون العمال عام 1947 ، وقانون النقابات لعام 1948 الذي قامت علي أساسه النقابات وتم تكوين اتحادات العمال والمزارعين والطلاب والشباب والنساء والمعلمين والموظفين التي لعبت دورا كبيرا في معركة الاستقلال، ظهور الصحافة التي لعبت دورا كبيرا في الوعي ، وحركة الدفاع عن الحريات والسلام.
٤
كما قاومت الحركة الوطنية والجماهيرية محاولات الاستعمار لامتصاص المد الجماهيري باحداث اصلاحات دستورية وتغييرات شكلية تبقي علي جوهر النظام الاستعماري والسلطات المطلقة للحاكم العام مثل : المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943 ، والجمعية التشريعية عام 1948 ، ومحاولات تكوين "لجان العمل" في الورش لتفتيت وحدة العمال في السكة الحديد التي رفضها العمال وطرحوا البديل عنها "النقابة" التي توحد العمال والفنيين.
هذا التراكم النضالي أدي في النهاية لتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953 التي كانت نتاجا لنضال الشعب السوداني ، ونتج عنها تكوين أول برلمان سوداني في نهاية عام 1953 ، مما فتح الطريق لتوسيع النضال الجماهيري من أجل إلغاء القوانين المقيدة للحريات مثل : قانون النشاط الهدام الذي تم إلغائه في جلسة مجلس النواب المنعقدة مساء الثلاثاء 30 /3/ 1954 ، والتمسك بوحدة البلاد والتنمية المتوازنة، ، وتوسيع التعليم وزيادة ميزانيته، وتمّ تكوين الجبهة الاستقلالية من مندوبي حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي والجبهة المعادية للاستعمار وشخصيات مستقلة وعمالية والتي اتفقت علي الاستقلال التام ، وكفالة الحريات وعدم ربط البلاد بالأحلاف العسكرية ومعونات الدول التي تؤثر علي سيادتنا. تواصل النضال حتي كانت الجلسة التاريخية التي أعلن فيها الاستقلال من داخل البرلمان في ١٩ ديسمبر ١٩٥٥.
٥
بعد الاستقلال كانت القضية الأساسية استكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، والحفاظ علي السيادة الوطنية ، وترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية ومعالجة مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية وانجاز التنمية المتوازنة في كل أنحاء البلاد وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أواللون أوالعقيدة أوالفكر السياسي أوالفلسفي. ولكن ذلك لم يتم ودخلت البلاد في حلقة جهنمية من انقلابات عسكرية وأنظمة ديكتاتورية شمولية أخذت حوالي ٥٩ عاما من عمر الاستقلال البالغ ٦٩ عاما، وأسهمت تلك الأنظمة العسكرية في تكريس قهر الجنوب والمناطق المهمشة، والتنمية غير المتوازنة ومصادرة الديمقراطية والحقوق الأساسية، وتكريس التنمية الرأسمالية والفوارق الطبقية والتبعية للدول الغربية حتى بلغت ديون السودان حاليا حوالي 60 مليار دولار.
وصل التدهور الي ذروته في ظل نظام الحكم الفاشي باسم الدين بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، الذي قام به تنظيم الجبهة الإسلامية بقيادة د. الترابي، والذي قطع الطريق أمام الحل السلمي الديمقراطي بعد مبادرة الميرغني – قرنق، وأشعلها حربا دينية بين أبناء الوطن الواحد والتي امتدت من الجنوب لتشمل: دارفور والشرق وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبا، وتركت جروحا غائرة لن تندمل بسهولة، كما دمرالنظام كل المؤسسات القومية التي كانت ترمز لوحدة السودان مثل: الخدمة المدنية والقوات النظامية ونظام التعليم الذي كان قوميا في مناهجه ونظمه، وخصخصة وتدمير المؤسسات العريقة التي بناها الشعب السوداني بعرقه مثل: السكة الحديد ومشروع الجزيرة والخطوط الجوية السودانية والنقل الميكانيكي والنقل النهري، والمؤسسات الإنتاجية الصناعية وبقية المشاريع الزراعية، إضافة لخصخصة الخدمات الصحية والتعليم، والثراء علي حساب الدولة وممتلكاتها التي تم بيعها بأثمان بخسة أدت للمزيد من إثراء الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية التي دمرت كل المؤسسات الإنتاجية الصناعية والزراعية، وباعت أراضي السودان الزراعية أو تأجيرها لسنوات تصل إلي 99 عاما، وربطت البلاد بالأحلاف العسكرية والمشاركة في محرقة حرب اليمن، إضافة لتشريد الالاف من الكفاءات من أعمالهم لأسباب سياسية ونقابية، واعتقال وتعذيب الالاف من المعارضين في "بيوت الاشباح"، وتعميق التهميش الديني واللغوي والثقافي وتفتيت النسيج الاجتماعي والحزبي وتعميق العنصرية والقبلية، وفقدان السودان لأجزاء منه بالاحتلال أو الإيجار" حلايب ، شلاتين ، الفشقة، سواكن . الخ" ودمج النقابات والمؤسسات النيابية في جهاز الدولة، والعداء للديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية حتي النخاع ، وتزوير الانتخابات النقابية والعامة. ، ونقض العهود والمواثيق وعدم الإيفاء بمتطلبات الاتفاقات التي أبرمها مع الأحزاب والحركات المسلحة مما أدي لفصل الجنوب وتوسيع دائرة الحرب ومعاناة شعب السودان التي وصلت علي ما هي عليه الآن حيث فقدت البلاد السيادة الوطنية و انعدمت أبسط مقومات الحياة جراء الارتفاع المستمر في الأسعار والتضخم وصفوف الوقود والخبز والصرافات ، وفشل النظام في تقديم أبسط الحلول لمشاكل الناس ، بحيث أصبح لا يفيد التسوية علي أساس "الهبوط الناعم " والحلول الجزئية التي تعيد معاناة شعبنا ، ولا بديل غير ذهاب النظام وتصفيته.
٦
استمرت المقاومة لنظام الانقاذ حتى تم اسقاط راس النظام في ثورة ديسمبر ، وما زالت الثورة مستمرة ضد انقلاب 25 أكتوبر الذي هو امتداد لانقلاب 11 أبريل 2019 الذي قطع الطريق أمام الثورة ، وانقلاب مجزرة فض الاعتصام ، والانقلاب على الوثيقة الدستورية ، الذي أدي للحرب الجارية بعد الاتفاق الإطاري، مما يتطلب تقوية تمتين اوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب واسترداد الثورة، وتعزيز الاستقلال والسيادة الوطنية واستكمال مهام الثورة مثل:
- الحكم المدني الديمقراطي ، وعودة الجيش للثكنات وحل مليشيات الدعم السريع والكيزان وجيوش الحركات وجمع السلاح وقيام الجيش القومي المهني الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية ، وعودة شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية.
- استعادة الديمقراطية ،الغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واصدار القانون الديمقراطي للنقابات الذي يؤكد وحدة وديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، واستقلال القضاء وحكم القانون، وعودة المفصولين العسكريين والمدنيين ، وتحقيق قومية ومهنية الخدمة المدنية والعسكرية .
- تحقيق السيادة الوطنية، وعودة اراضي السودان المحتلة ،إعادة النظر في كل اتفاقات الأراضي والتعدين والموانئ الضارة بالوطن وسيادته .
- تحسين الأوضاع الاقتصادية و المعيشية، و تركيز الأسعار بدعم السلع لأساسية والدواء ومجانية التعليم والصحة، وتنفيذ توصيات المؤتمر الاقتصادي السابق .
- إلغاء اتفاق جوبا والحل الشامل لقضايا البلاد والدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع.
- تفكيك التمكين واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة.
- قيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم لمصلحة شعب السودان بعيدا عن الأحلاف العسكرية والمحاور الإقليمية .
- عدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الإنسانية والابادة الجماعية ، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية.
- قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات ديمقراطي يفضي لانتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية وأهداف الثورة .
alsirbabo@yahoo.co.uk