صحوة بايدنية لاستنقاذ الموثوقية الأمريكية
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
طيلة عقود ممتدة خلت، حرصت واشنطن على أن تظل نصيرا موثوقا لحلفائها وشركائها، الذين يشكلون رصيدا استراتيجيا كونيا بالنسبة لها. فثمة قناعة استراتيجية أمريكية مفادها، أن عدم الالتزام بالتحالفات، سواء كانت موثقة في معاهدات وقوانين، أو غير موثقة؛ وكذا التقاعس عن دعم الوكلاء، سيجعلهم يفقدون الثقة بواشنطن كشريك موثوق.
وربما تقليص اعتمادهم على الولايات المتحدة، أو التماس حلفاء، أو رعاة استراتيجيين آخرين. فخلال العقدين الماضيين، عمدت دول عديدة حول العالم، إلى تعميق شراكاتها الاستراتيجية مع روسيا والصين؛ بعدما انحسرت مغانم تحالفاتها المزمنة مع واشنطن.
بعدما وصفت ولاية ترامب الأولى، بأنها «كانت اختبارا تحمل للروابط بين الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة الأوروبيين»؛ أفادت وكالة «أسوشيتد برس»، قبل أيام، بأن قلقا بالغا بات يتملك العديد من حلفاء واشنطن، مخافة أن تغدو، عقب فوز ترامب، بولاية رئاسية جديدة، «أقل قابلية وموثوقية لاعتمادهم عليها». فبينما تمضى روسيا في تعميق شراكاتها الاستراتيجية مع الصين، كوريا الشمالية، وإيران؛ ربما يغرق الرئيس الأمريكي المنتخب في دوامة التحديات الداخلية المعقدة، التي قد تستنفد طاقات وإمكانات، كان يتعين توجيهها لمؤازرة حلفاء بلاده المأزومين حول العالم.
• • •
توسلا منها لطمأنة أولئك الحلفاء، أبت إدارة بايدن، في أيامها الأخيرة، إلا تكثيف دعمها لهم في بؤر العالم الساخنة. ففي أبريل الماضي، وبدعم واسع من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أقرّ مجلس النواب، حزمة تشريعية بقيمة 95 مليار دولار، تتضمن مساعدات عسكرية بواقع 60.84 مليار دولار لأوكرانيا، 26 مليار لإسرائيل، و8.12 مليار لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما فيها تايوان. وبينما أبدى ساسة جمهوريون معارضة شديدة لهكذا تحرك، تتأسس على صعوبة توفير ذلك الدعم مع تخطى الدين العام الأمريكي 34 تريليون دولار؛ أكد البيت الأبيض أن من شأن إقرار تلك التشريعات توجيه رسالة بليغة بشأن قوة القيادة الأمريكية حول العالم في لحظة محورية.
بنهاية أبريل 2022، أيد مجلس النواب الأمريكي، بأغلبية ساحقة، تشريعا، ساهم في هزيمة النازية الألمانية قبل ثمانية عقود مضت، ويقضى بتسهيل إعارة، أو تأجير العتاد العسكري لحلفاء واشنطن. فيما سيساعد حاليا الشركاء المتضررين المحتملين من التهديد الروسي؛ كمثل أوكرانيا، بولندا وغيرها من دول شرق أوروبا. حيث يسمح القانون للشركات الأمريكية بإعادة تزويدهم بالإمدادات العسكرية، بغير إبطاء أو معوقات بيروقراطية، مع التزام بسداد ثمنها لاحقا.
وفى أغسطس 2023، أبدت إدارة بايدن، موافقتها على قيام الدول الأوروبية، كمثل الدنمارك، هولندا، بنقل طائرات من طراز «إف-16» إلى أوكرانيا. على أن يبدأ تحالف من 11 دولة أوروبية في تدريب الطيارين الأوكرانيين على تشغيل تلك الطائرات.
قبل أيام قليلة، أعلنت الخارجية الأمريكية حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 275 مليون دولار، تشكل بدورها الدفعة السبعين من المعدات، التي ستقدمها إدارة بايدن من مخزونات وزارة الدفاع لأوكرانيا منذ أغسطس 2021. كما وافق بايدن أيضا على تزويد أوكرانيا بالألغام الأرضية المضادة للأفراد، وهى المحظورة لدى أكثر من 160 دولة. وأبلغ الكونجرس نيته إلغاء نصف قرض بقيمة 9 مليارات دولار تلقتها أوكرانيا كجزء من حزمة تكميلية بقيمة 60 مليار دولار، تمت الموافقة عليها في أبريل الماضي.
وأكدت الإدارة عزمها مواصلة العمل مع نحو 50 من الحلفاء والشركاء، عبر مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية وتحالفات القدرات المرتبطة بها، لتلبية المتطلبات العسكرية الملحة لكييف ومجابهة الهجوم الروسي.
بحلول العشرين من الشهر الجاري، سمحت إدارة بايدن لأوكرانيا بمهاجمة روسيا بصواريخ «أتاكمز»، التي حصلت عليها قبل أشهر، دونما تصريح أمريكي باستخدامها. وعقب نفيها سعى بلادها لإشعال صراع إقليمي أوسع في أوروبا، أو تفجير مواجهة مع روسيا، أكدت نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، مواصلة إدارة الرئيس المنتهية ولايته بايدن، تسليح أوكرانيا ودعمها، حتى مغادرتها البيت الأبيض.
وعلاوة على تطمين كييف جراء فوز ترامب، بولاية رئاسية جديدة، وهو الذى طالما انتقد الدعم الأمريكي السخى لأوكرانيا، ملوحا بتقليصه، وبلورة تسوية سياسية تنهى الحرب، ربما تتأتى على حساب كييف.
جاء قرار بايدن، ردا على نشر روسيا قوات كورية شمالية، قوامها 12 ألف جندى، تقاتل حاليا فى جبهة كورسك. ورغبة فى مواصلة استنزاف روسيا، عبر تكثيف الضغوط العسكرية عليها، ونقل الحرب إلى عمقها، خلق واقعا ميدانيا وسياسيا تضطر إدارة ترامب، إلى مواصلة الدعم العسكرى لأوكرانيا. وضمان استمرار الثغرة الأوكرانية بمنطقة كورسك، بغية الحفاظ على وضع كييف العسكرى أو تحسينه؛ بما يعزز موقفها السياسى فى أية مفاوضات مقبلة.
وتسخين الجبهات بقصد الحيلولة دون حدوث أى تقارب مستقبلى محتمل بين ترامب وبوتين، على حساب أوكرانيا أو دول الناتو. وإبقاء زخم المساعدات الأوروبية والأطلسية لأوكرانيا بمنظومات تسليحية مشابهة أو أكثر تطورا.
أما بخصوص إسرائيل، فعلى الصعيد السياسي باشر بايدن، ضغوطه على حلفائه الغربيين، كما حيد الأنظمة العربية، قوض دور المنظمات الدولية، واستنفر الرأي العام العالمي لصالح إسرائيل. بل وسمح بإطالة أمد الحرب لتمكينها من بلوغ مآربها.
وللمرة الرابعة على التوالي، منذ بدء العدوان الإسرائيلي الخامس على غزة في الثامن من أكتوبر 2023، أعاقت واشنطن صدور قرار لمجلس الأمن الدولي، عبر استخدام حق النقض، دعما لحليفتها إسرائيل.
ورغم أن مشروع القرار، الذى أيدته 14 عضوا، لم يأت ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذى يسمح للمجلس باتخاذ تدابير عقابية زجرية تتيح تطبيق قراراته، كان يطالب بوقف فورى، غير مشروط ودائم لإطلاق النار؛ يجب أن تحترمه كل الأطراف، مع الإفراج الفوري وغير المشروط عن كل الرهائن. وبررت واشنطن رفضها مشروع القرار، بعدم اشتراطه الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، بينما يشجع حماس على تقويض المفاوضات.
بدأ منذ اليوم التالي لطوفان الأقصى الدعم الأمريكي السخي وغير المسبوق، لإسرائيل
عسكريا، بدأ منذ اليوم التالي لطوفان الأقصى الدعم الأمريكي السخي، وغير المسبوق، لإسرائيل. فحسب تقرير حديث لجامعة براون الأمريكية، أرسلت إدارة بايدن مساعدات عسكرية خلال عام القتال فى غزة بقيمة 17.9 مليار دولار، وهو أعلى رقم قُدم لإسرائيل خلال عام واحد.
كما سلمتها قنابل خارقة للأقبية زنة 2000 رطل، استخدمت 80 منها لاغتيال حسن نصر الله، كما أنفقت أربعة مليارات دولار لتجديد أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية. كذلك، عرقل مجلس الشيوخ الأمريكي ثلاثة قرارات كانت تهدف إلى وقف نقل بعض الأسلحة والذخائر الهجومية الأمريكية إلى إسرائيل؛ على شاكلة: قذائف «مورتر» عيار120 ملم، ذخائر الهجوم المباشر المشترك من طراز «جيه.دى. إيه. إم.إس»، وقذائف الدبابات.
وقدم مشروع «قرارات الرفض» السناتور المستقل المؤيد للديمقراطيين، بيرنى ساندرز، مدعوما بعدد من الديمقراطيين الرافضين لانتهاكات الاحتلال فى غزة. وقال ساندرز فى بيان: «لقد تم شن هذه الحرب بالكامل تقريبا باستخدام الأسلحة الأمريكية، و18 مليار دولار من أموال دافعى الضرائب الأمريكيين. وهى تتضمن ممارسات غير أخلاقية أو قانونية».
وكان ساندرز قدم ستة قرارات تغطى نحو عشرين مليار دولار من الأسلحة لإسرائيل، لكن لم يُطرح للتصويت سوى ثلاثة منها. وقد عارضت إدارة بايدن، تمرير تلك القرارات، مبررة موقفها بأنّ «تعطيل هذه الصفقات سيؤدّى إلى تقوية وتشجيع جماعات إرهابية مثل حماس وحزب الله».
يتمتع الكونجرس بحق إيقاف مبيعات الأسلحة للخارج. وعبر قائمة ضمت 11 نقطة نقاش أرسلتها إلى أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، أكدت الإدارة الأمريكية أن تزويد إسرائيل بالمعدات العسكرية يمثل استثمارا في أمنها على المدى الطويل؛ كونها تواجه تهديدات من إيران وأطراف أخرى. وفى أكتوبر الفائت، أبلغت إدارة بايدن، إسرائيل بأن أمامها 30 يوما لتحسين تدفق المساعدات إلى غزة، أو مجابهة عواقب تتعلق بتجميد المساعدات العسكرية الأمريكية. وبعد انقضاء المهلة فى 12 نوفمبر الجاري، زعمت واشنطن، خلافا لشهادات المنظمات الإغاثية الدولية، أن إسرائيل أحرزت تقدما لجهة عدم إعاقة تلك المساعدات.
أما بالنسبة لتايوان، فقد صادقت إدارة بايدن، قبل نهاية أكتوبر المنصرم، على مشروع يستهدف احتواء الصين عسكريا، وبيع معدات عسكرية لتايبيه، تشمل منظومات صواريخ أرض - جو، وأنظمة رادار، بقيمة إجمالية تناهز ملياري دولار. ولم تتورع الإدارة المنقضية عن التأكيد على عبثية التهديدات الصينية باعتبار العام 2025، عاما لضم الجزيرة إلى البر الرئيسي الصيني.
الشروق المصرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بايدن الدعم الأمريكي غزة الاحتلال غزة الاحتلال بايدن الدعم الأمريكي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إدارة بایدن ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.. ماذا يخطط ترامب بشأن الـ2000 جندي؟
يُشكل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا مُعضلة مبكرة أمام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، عندما يبدأ ولايته الثانية الشهر المقبل، وفقًا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، والتي قالت إن ترامب يواجه أسئلة ملحة بشكل متزايد حول مستقبل نحو 2000 جندي أمريكي متمركزين في شرق سوريا، حيث استخدمت واشنطن لأكثر من عقد من الزمان مجموعة من المواقع المتقدمة لمحاربة داعش ومراقبة أنشطة إيران.
ماذا يخطط ترامب بشأن قوات أمريكا في سوريا؟وبحسب ما جاء في «القاهرة الإخبارية» نقلا عن التقرير الأمريكي، إن ترامب، الذي هدد مرارًا وتكرارًا بسحب القوات الأمريكية من سوريا خلال ولايته الأولى، وسعى في الأيام الأخيرة إلى إبعاد الولايات المتحدة عن الاضطرابات التي تجتاح البلاد الآن، لم يكشف عن خططه بشأن المهمة العسكرية الأمريكية هناك.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن ترامب ومستشاروه أشاروا إلى أن الأولوية القصوى ستكون احتواء تنظيم داعش، الذي أعاد تجميع صفوفه في الصحراء الجنوبية لسوريا، حيث قصفت القوات الأمريكية المتشددين بغارات جوية مكثفة في الأيام الأخيرة، وأشار جيمس جيفري، الذي شغل منصب المبعوث الخاص لسوريا خلال فترة ولاية ترامب الأولى، إلى أن هيئة تحرير الشام، التي قادت الفصائل السورية في معركة الإطاحة بنظام بشار الأسد، نجحت في محاربة تنظيم داعش في الماضي، وهي حقيقة من شأنها أن تزيد من حدة الأسئلة المطروحة على الرئيس القادم.
تصريحات مسؤولين أمريكيون عن سورياونقلت «واشنطن بوست» تصريح النائب مايكل والتز (جمهوري من فلوريدا)، ضابط القوات الخاصة المتقاعد الذي اختاره ترامب مستشارًا للأمن القومي، أن الرئيس المنتخب سيعطي الأولوية للحد من التدخلات العسكرية في الخارج، لكنه وصف أيضًا منع عودة داعش بأنه الأولوية رقم واحد، ما يجعل الاستراتيجية العسكرية التي قد تسعى إليها الإدارة الجديدة غير واضحة.
ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن فريق ترامب وإدارة بايدن، التي أرسلت دبلوماسيين كبارًا إلى سوريا الأسبوع الماضي لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمان، يتعاملان بحذر مع هيئة تحرير الشام، التي تشكلت في البداية كفرع من فروع تنظيم القاعدة.
وفي حين وعدت الجماعة بالاستقرار والشمولية، إلا أنها لا تزال مدرجة على القائمة الأمريكية للجماعات الإرهابية الأجنبية، ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، الزعيم المؤقت الجديد في سوريا، دعا إلى حل الميليشيات في جميع أنحاء سوريا، لكنه لم يقل صراحة ما إذا كانت حكومته ترغب في بقاء الولايات المتحدة.
وترى «واشنطن بوست» أن من أهم مصادر القلق بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين هي السجون والمخيمات، التي تأوي مسلحي داعش وأفراد عائلاتهم، والتي تحرسها الآن قوات سوريا الديمقراطية.
وقال فرهاد شمسي، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، إن تنسيق مجموعته مع القوات الأمريكية تكثف بسبب التهديد المتطور من داعش، محذرا من أن المسلحين يحاولون التوغل في شمال شرق سوريا، وأن بعضهم، على حد زعمه، ينضمون إلى القوات المدعومة من تركيا، والتي قاتلتها قوات سوريا الديمقراطية في الأيام الأخيرة.