بعيدا عن النصر أو الهزيمة.. محددات فرضتها المقاومة على الاحتلال الإسرائيلي
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
بجلاءٍ واضحٍ لا لَبْسَ فيه، لا يتبنّى المقال نظرية النصر المطلق للمقاومة الفلسطينية ومحورها، أو الهزيمة المطلقة للاحتلال الإسرائيلي، إذ خَلَت صفحاتُ التاريخ من أيِّ حربٍ قِيْسَت نتائجُها قبل انقشاع آخر ذرة غبار فيها، ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة التقييم، إلّا أنني أحاول في هذه السطور أن أستعرض بعض المُحدّدات الجديدة التي فرضتها المقاومة على الاحتلال لأول مرة في تاريخه منذ قيام دولته الطارئة عام 1948، ما جعله عُرضة للاستنزاف المُرهِق في عصبه العسكري والاقتصادي، أمّا الحديث عن النصر المطلق فذلك لن يتم الإعلان عنه إلّا حينما تتحرّر فلسطين من البحر إلى النهر، وليست هذه مهمة المقاومة بمفردها وإنْ كانت هي الأجدر، بل مهمة الأمة جمعاء بما في ذلك أولئك الذين تخلّوا عن قطاع غزة، وتركوه فريسة سهلة بين فَكّي الاحتلال.
يمكن القول إننا جيل الثمانينات عاصرنا بضعة حروب مكتملة الأركان، منها الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وحرب تموز بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي في 2006، والحرب الروسية الأوكرانية التي لم تنته بعد، بالإضافة إلى معركة طوفان الأقصى بين فصائل فلسطينية على رأسها حركة حماس من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، ناهيك عن ثورات الربيع العربي التي تختلف بمضمونها وهيكليتها عن الحروب.
لو استعرضنا تلك الحروب، وسألنا السؤال التالي: من المنتصر ومن المهزوم في كل واحدة منها؟ لاستطعنا الإجابة عن الأولى والثانية فقط، لسبب واحد: أن تلك الحروب انتهت بالكامل وأصبحت الرؤية واضحة المعالم، وعلى سبيل المثال، يمكننا أن نقول وبالفم الملآن إن الولايات المتحدة انتصرت في غزوها للعراق، لماذا؟ لأن المعركة انتهت وتمكنت واشنطن من تحقيق أهدافها كاملة، باجتياح العراق وإسقاط كل رموز نظام صدام حسين، وجلبهم إلى المحاكم، ومنهم من أعدم ومنهم من سُجن، ومنهم من تقطعت به السبل، فأيا كان موقفي السياسي من ذلك الغزو، فإنني لا أستطيع أن أنكر هذه الحقيقة حتى لو كنت من مناصري صدام حسين، لأن الحقيقة حينما تأتي لا تستأذن الرأي الشخصي، بل تفرض نفسها بقوة المنطق.
الخوض في تفاصيل النصر أو الهزيمة مبكر جدا إلى أن تتوقف الإبادة الإسرائيلية، وبالتالي فإنني أتحدثُ بين هذه السطور عن محددات فقط، مأخوذة من إعلامهم العبري لا إعلامنا
لكن في المقابل هل نستطيع أن نجيب على ذات التساؤل فيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن الحرب لم تنته بعد وما تزال الأيام المقبلة ملأى بالمفاجآت ربما. وكذلك الحال ذاته ينطبق على معركة طوفان الأقصى التي لم تنته بعد، وما زالت على أشدها هناك، إلا أن البعض يسارع في إطلاق الأحكام جزافا بناء على آرائه المسبقة وموقفه السياسي وتحزبه، وهو لا يترقب هزيمة المقاومة فقط، بل يتشهاها ويتمناها كما يتمنى العقيم بشرى الولد، ويقحم رأيه الشخصي في تحليلات عسكرية لا يفقه منها شيئا.
ولهذا فإن الخوض في تفاصيل النصر أو الهزيمة مبكر جدا إلى أن تتوقف الإبادة الإسرائيلية، وبالتالي فإنني أتحدثُ بين هذه السطور عن محددات فقط، مأخوذة من إعلامهم العبري لا إعلامنا. وكشاهدٍ على العصر، شارفَ على الأربعين من عمره، أكاد أجزم بأنني لأول مرة في حياتي أرى الاحتلال الإسرائيلي على هذه الدرجة من الاستنزاف، وذلك بفضل معركة طوفان الأقصى وما تبعها من جبهاتٍ أخرى، لا سيما جبهة لبنان، مع التحفظ على الدور السلبي لحزب الله في سوريا، والذي لا يمكن تجاوزه أو نكرانه، ومشاركته إلى جانب النظام السوري، لكنّ المعركة اليوم بجغرافية جديدة، ومن الحكمة بمكان مراعاة فوارق الزمان والمكان..
وأبرز تلك المحددات الجديدة التي فرضتها المقاومة، أولا: لأول مرة في تاريخ الاحتلال يصبح قصف العمق الإسرائيلي خبرا ثانويا في وسائل الإعلام.. الخبر الثاني أو الثالث أو ربما بعد النشرة الجوية، بما في ذلك قصف تل أبيب الكبرى، ومواقع عسكرية في حيفا شمالا، ومستوطنات الكريوت والجليل الغربي والأدنى والأوسط، والمستوطنات الجنوبية المحاذية لقطاع غزة، ولو سألنا أنفسنا عن السبب في ذلك، لَقادتنا الإجابة إلى صواريخ المقاومة ومُسيّراتها التي وصلت إلى نافذة غرفة النوم الخاصة بنتنياهو وعائلته وفق هيئة البث العبرية الرسمية، ما فرضَ واقعا جديدا على الاحتلال الذي فشل حتى اللحظة في إعادة سكان الشمال إلى منازلهم.
وهذا ما قاله رئيس بلدية حيفا يونا ياهف، لقناة آي نيوز 24 العبرية الأحد، أن المدينة تعاني من وضع اقتصادي صعب جدا بعد إغلاق المحال التجارية إثر صواريخ حزب الله. وأضاف أنه سيذهب إلى الكنيست من أجل أن يشرح لأعضاء البرلمان الإسرائيلي ما يجري من وضع صعب في المدينة، وذلك بعد أن أطلق حزب الله أكثر من 350 صاروخ على دولة الاحتلال في يوم واحد، تحت شعار تل أبيب مقابل بيروت، وهذا يقودنا إلى التساؤل التالي: هل شهد الاحتلال فيما سبق رقما كهذا أو معادلة كهذه؟!
ليس هذا فقط، بل في اليوم نفسه، قال رئيس بلدية نهاريا رونين بارلي للإذاعة ذاتها، إن تل أبيب فشلت في توفير الأمن لمواطنيها، وأهدرت أموالا ضخمة من ميزانيتها دون جدوى، واصفا قرار الإجلاء بأنه "غبي"، فنتنياهو الذي وعد الإسرائيليين بالعودة إلى منازلهم في طليعة العام الدراسي الذي افتتح أبوابه في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أضحى غير آمن على نفسه وعائلته، وعلى نجله يائير المقيم في الولايات المتحدة، إذ طلب أبو يائير من واشنطن تشديد الحراسة على ولده المُدلّل بعد وجود تهديدات عن استهداف محتمل له.
أمّا المُحدّد الثاني، تجده على الموقع الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في زاوية خاصة بالقتلى والجرحى على جبهتي غزة ولبنان، ورغم أنّ الأرقام الواردة جزء يسير من الحصيلة الحقيقية التي يُخفيها الاحتلال، إلّا أنّ المُثير فيها أنها تأتي تِباعا ضمن التسلسل التالي: تعلن كتائب القسام عن عملية نوعية في قطاع غزة، ثم بعد ذلك تجد كاميرا قناة الجزيرة ترصد بالصوت والصورة مروحيات الاحتلال وهي تنقل قتلاه وجرحاه إلى مشافي حيفا، ثم بعد ذلك تعلن وسائل الإعلام العبرية عن "حدث أمني صعب"، ثم يرتفع الرقم الوارد في الموقع الرسمي لجيش الاحتلال، ما يُثبت أنّ هذا التسلسل دليل على مصداقية المقاومة وكَذِب الاحتلال بخصوص خسائره.
وقالت صحيفة هآرتس منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، إن الاحتلال يعمد إلى تجنيد أفارقة للقتال في غزة، بعد نفاد مخزونه العسكري، مقابل وعود لهم بمنحهم بإقامة دائمة.
تَكَتّمُ الاحتلال على خسائره ليس بحاجة إلى برهان أصلا، فبعد الرد العسكري الذي نفذته إيران على مساحة جغرافية واسعة داخل دولة الاحتلال مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ادّعى متحدث الجيش دانيال هاغاري أنْ لا خسائر تُذكَر، وقلّل من شأن الهجوم، ليأتي دحض روايته من صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية التي قالت إن خسائر الاحتلال جراء الهجوم الإيراني تُقدّر بنحو 53 مليون دولار، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والتي أظهرت حرائق واسعة واستهدافات مباشرة لمواقع حيوية.
إذا كان الاحتلال بدأ يستشعر أن المقاتل الفلسطيني عصيٌّ عن الهزيمة لأنه يقاتل بدافع الانتماء للأرض التي يملكها، فما بالُ أبناء الجلدة وزملاء الضاد ورفاق الوطن راحوا يُحمّلونه مسؤولية الويلات التي جلبها الاحتلال الإسرائيلي للقطاع من قتل وتهجير وحصار وتجويع ونزوح وافتراش الخيام.. تُرى ما الذي يدفع بهؤلاء إلى أن يتبنّوا تلك الرواية ويكرروها نقلا عن الاحتلال؟
لقد كشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية في آب/ أغسطس الماضي أن قسم التأهيل التابع لها استقبل أكثر من 10 آلاف جندي مصاب منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقدّرت أنه في كل شهر يتم استقبال ألف جندي، مع الإشارة إلى أنّ هذه الإحصائيات كانت قبل بدء التوغل البري لجيش الاحتلال في جنوب لبنان، ما يشير إلى أن جُل الإصابات كانت على جبهة غزة، ومع دخول لبنان على خط المواجهات المباشرة فإنه من الطبيعي أن تزداد هذه الأرقام وتصل إلى مُعدّلات قياسية.
المُحدد الثالث: مُجرّد بقاء الطرف الآخر حَيّا يقاتل هو بحد ذاته إنجاز بعد خوضه أطول معركة في تاريخ الاحتلال، وهذا ما قاله وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتس، أن تل أبيب تخوض أطول الحروب وأشرسها وأكثرها كلفة، ليس هذا فحسب، بل إن مالك صحيفة "هآرتس" العبرية عاموس شوكن وصف كتائب القسام بأنهم مقاتلون من أجل الحرية، وهو ما أحدث أزمة كبرى ألمّت بالصحيفة مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بعد أن علقت وزارتا الداخلية والثقافة الإسرائيليتان علاقاتهما مع الصحيفة على خلفية ذلك، الأمر الذي أجبر الصحيفة على التراجع عن تصريحات صاحبها والاعتذار.
فإذا كان الاحتلال بدأ يستشعر أن المقاتل الفلسطيني عصيٌّ عن الهزيمة لأنه يقاتل بدافع الانتماء للأرض التي يملكها، فما بالُ أبناء الجلدة وزملاء الضاد ورفاق الوطن راحوا يُحمّلونه مسؤولية الويلات التي جلبها الاحتلال الإسرائيلي للقطاع من قتل وتهجير وحصار وتجويع ونزوح وافتراش الخيام.. تُرى ما الذي يدفع بهؤلاء إلى أن يتبنّوا تلك الرواية ويكرروها نقلا عن الاحتلال؟ وإلى أي مدى هم مُحقّون في ذلك؟ وهل يمكن أن نسأل المقاومة أو نُسائلها على ذلك؟ وبمَ سوف تجيب؟ هذا ما سوف أستعرضه بمقالتي القادمة بإذن الله.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه النصر الهزيمة المقاومة الاحتلال الاحتلال النصر المقاومة الهزيمة مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی أو الهزیمة تل أبیب فی ذلک إلى أن أن الم
إقرأ أيضاً:
كيف استطاعت المقاومة في غزة الصمود خلال 2024؟.. أسباب مهمة
تدخل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عاما جديدا في مقارعة قوات الاحتلال والتصدي لعدوانها المتواصل على الأحياء والمخيمات والمدن منذ ما يزيد عن 14 شهرا متواصلة.
ولا تُظهر المقاومة في قطاع غزة أي نوع من التراجع أو الانكسار أو الضعف، رغم التحديات والعقبات الجسيمة التي واجهتها بفعل اشتداد العدوان الوحشي، وتواصل الحصار، وانقطاع خطوط الإمداد الداخلية والخارجية.
وشهد العام الجاري الذي يوشك على الانتهاء، عمليات شبه يومية ضد مواقع قوات للاحتلال، خصوصا في مناطق التوغل في شمال وجنوب قطاع غزة، مثّل بعضها محطات فارقة في جهود المقاومة في مقارعة الاحتلال والتصدي لتوغلاته واجتياحاته المستمرة، بل واعتبر من قبل بعض المحللين صمودا أسطوريا لا مثيل له في العصر الحديث.
واستخدمت المقاومة الفلسطينية خلال معركتها المستمرة منذ عام تكتيكات عديدة في مواجهة جيش الاحتلال لمقاربة معادلة القوى التي لا تقارن بين الطرفين، ولعل ذلك يكشف سببا رئيسيا لفشل الاحتلال بتحقيق أهدافه في غزة طوال 14 شهرا.
ومنذ بداية العملية البرية، تواصل المقاومة تصديها لقوات الاحتلال، إذ لا يمر يوم إلا وهناك مقاطع مصورة وبيانات عن المعارك الدائرة في مختلف محاور التوغل.
"إرادة أبناء الأرض"
تبرز إرادة القتال والصمود لدى المقاومة الفلسطينية على أرضها، كأحد أهم عوامل الاستمرار في مقارعة الاحتلال، والنيل منه، رغم حجم هائل من الصعوبات والمعيقات التي تحول "افتراضيا" دون استمرار أعمال التصدي والمقاومة في قطاع غزة، إذ كيف لمقاومة محاصرة، لا عمق لها، ولا خطوط إمداد داخلية وخارجية تغذيها أن تستمر؟
يدرك المقاومون في غزة أن المعركة التي يخوضونها، معركة فاصلة ومهمة، إذ يراد لهم أن يسحقوا حتى آخر مقاوم، ليبدأ في غزة عهد جديد ببصمة إسرائيلية صرفة، وإزاء هذا الاعتقاد، وهذه القناعة تواصل المقاومة دورها بعزيمة من حديد، رغم الجراح الغائرة، وحالة الخذلان غير المسبوقة.
العقد والكمائن
عمدت المقاومة لاستخدام أسلوب حرب العصابات، الذي يستند إلى التجربة الفيتنامية في المعارك بعيدًا عن القتال الجبهوي.
ويقاتل أفراد المقاومة في عقد قتالية معدة مسبقة، يشتبكون خلالها مع الاحتلال في الزمان والمكان الذي يختارونه، لتحييد أكبر قدر ممكن من فارق القوى بينهم وبين جيش الاحتلال المجهز بأحدث الأسلحة وأكثرها تدميرا.
كذلك كانت الكمائن المركبة كابوسا للاحتلال، حيث كبدته خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، فضلا عن الكمائن المنفردة وعمليات القنص وتفجير العبوات والأنفاق المعدة مسبقا لاستدراج جيش الاحتلال.
أساليب متطورة
طورت المقاومة الفلسطينية خلال الحرب من تكتيكاتها بشكل كبير، وبدا ذلك واضحا من خلال استمرارية العمليات وعجز الاحتلال عن السيطرة على منطقة واحدة في القطاع دون أن يتلقى الضربات.
يقول مصدر ميداني مطلع لـ "عربي21" في تصريح سابق، إن "المقاومة عملت في بعض الأماكن على تسيير الاحتلال كما تريد هي، وفقا لخطط معدة مسبقا، كما اختارت هي المكان والزمان للكثير من فصول المواجهة".
وأضاف أن المقاومة سحبت مجموعات وتشكيلات عسكرية من بعض الأماكن، ودفعت بها لأماكن أخرى، بعد دراسة معمقة لطبيعة الميدان في إطار خطة لإدارة والاستفادة القصوى من العناصر المقاتلة على الأرض".
تجنيد وإعادة تدوير
يقول المصدر الميداني، إن المقاومة كيفت نفسها مع حرب طويلة الأمد التي أعدت لها العدة منذ زمن، كما غيرت بعض التكتيكات تماهيا مع المواجهة الطويلة.
وتحدث المصدر عن إطلاق حملة تجنيد واسعة النطاق للشباب في إطار التجهيز لحرب استنزاف طويلة لقوات الاحتلال، مؤكدا أن الفصائل وخصوصاً القسام تمكنت من تجنيد الآلاف خلال الأشهر القليلة الماضية.
من جانب آخر، فقد أظهرت مقاطع مصورة للقسام تفجير عبوات ناسفة بآليات الاحتلال، من مواد أعيد تدويرها خلال الحرب.
وعن ذلك، يقول المصدر إن المقاومة أعادت تصنيع القنابل التي يطلقها الاحتلال صوب المنازل والأهداف ولا تنفجر، حيث تستخدم خصوصا في إطار عبوات ناسفة جديدة لاستهداف آلياته. إلى جانب استخدام المواد داخل هذه القنابل في الرؤوس المتفجرة والقذائف والصواريخ.
القتال تحت الأرض
في تشرين الأول/ أكتوبر، كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تفاصيل جديدة حول تكتيكات حركة حماس في بناء الأنفاق، مبينة أن التفاصيل ظهرت ضمن دليل إرشادات للحركة، ويعود تاريخه لعام 2019، عثرت عليه القوات الإسرائيلية في أثناء حرب غزة الحالية.
وقالت الصحيفة، إن دليل القتال تحت الأرض يتضمن تعليمات بشأن كيفية إخفاء مداخل الأنفاق، وتحديد موقعها باستخدام البوصلات أو نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والدخول بسرعة والتحرك بكفاءة.
وجاء في وثيقة أنه في "أثناء التحرك في الظلام داخل النفق، يحتاج المقاتل إلى نظارات رؤية ليلية مزودة بالأشعة تحت الحمراء"، وتشير إلى أنه خلال التحرك في الممرات الضيقة في الظلام، يجب أن يضع المسلح يدا على الحائط والأخرى على المسلح أمامه.
وتلقى القادة الميدانيون أيضا تعليمات بتحديد الوقت الذي يستغرقه المسلحون تحت إمرتهم للتنقل بين نقاط مختلفة تحت الأرض، بالثانية، كما تروي الصحيفة.
وتشير الوثائق إلى الأبواب المقاومة للانفجار في الأنفاق للحماية من القنابل والجنود الإسرائيليين.
وتظهر وثيقة أنه قبل عام واحد فقط من مهاجمة إسرائيل، وافق يحيى السنوار، قائد حماس في قطاع غزة، والذي اغتيل في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، على إنفاق 225 ألف دولار لتثبيت أبواب مقاومة للانفجار لحماية شبكة الأنفاق من الغارات الجوية والهجمات البرية، كما زعمت نيويورك تايمز.
ونقلت عن تامير هايمان، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق، قوله "إن استراتيجية حماس القتالية تعتمد على تكتيكات تحت الأرض. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتهم قادرين على الصمود في وجه الجيش الإسرائيلي حتى الآن".
الخداع والتخفي
من عيون الأنفاق المفخخة إلى الدمى وأصوات تحاكي أصوات الأسرى وصولا للأسلحة المعدة لجذب الجنود، تفننت المقاومة الفلسطينية في أساليب خداع جيش الاحتلال.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست"، عن عسكريين إسرائيليين، ما وصفوه بتكتيكات حماس خلال الحرب البرية في قطاع غزة المحاصر.
وقالت الصحيفة، إن "مقاتلي حركة حماس أعدّوا الكمائن والأفخاخ المتفجرة والدمى للإيقاع بالجنود الإسرائيليين خلال القتال الدائر حاليا في غزة".
وأشارت الصحيفة إلى أن المقاتلين، على سبيل المثال، يستخدمون الدمى وحقائب الأطفال مع مكبرات صوت تبث أصوات بكاء قرب مدخل نفق متصل بشبكة أنفاق كبيرة، بحسب جيش الاحتلال لاستدراج الجنود لزقاق ضيق مليء بالأنقاض قرب مخيم جباليا.
ويقول جيش الاحتلال، إنه "جرى وضع هذه الأشياء عمدا بالقرب من مدخل النفق. ونشر جيش الاحتلال الإسرائيلي صورا قال إنها لاثنتين من عارضات الأزياء أو الدمى ملفوفة في ملابس أطفال ملغومة بالمتفجرات".
وتنقل الصحيفة عن جيش الاحتلال قوله إن "جنوده سمعوا تسجيلات لأشخاص يبكون ويتحدثون العبرية، وهي محاولات، كما يعتقد القادة، لخداع الجنود الإسرائيليين للبحث عن رهائن في مكان قريب".
كما تحدث ضابط برتبة مقدم في وحدة استطلاع تابعة لجيش الاحتلال عن تكتيكات حماس، تضمنت "أفخاخا متفجرة ودمى وبكاء وأشخاصا يتحدثون العبرية".
وأضاف الضابط، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، بموجب القواعد التي وضعها جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن وحدته أُرسلت مؤخرا لفحص مبنى في وسط غزة، حيث سمع بعض الجنود "تسجيلات بكاء"، لكنهم لم يتمكنوا من العثور على مصدرها".
وتابع ضابط بالجيش بأن "قنابل كانت معلقة في أكياس رمل على الجدران لتنفجر على مستوى رؤوس الجنود"، وأردف بأنه "من خلال بكاء الأطفال وكل هذه الحيل، تهدف حماس لإيقاع قوات الجيش في الفخاخ".