لماذا أيدت الصين قرار اعتقال نتيناهو؟
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
دعت الصين، الجمعة 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، المحكمة الجنائية الدولية إلى الحفاظ على "موقف موضوعي وعادل"، بعدما أصدرت مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في مؤتمر صحفي دوريّ: "تأمل الصين أن تحافظ المحكمة الجنائية الدولية على موقف موضوعي وعادل، وأن تمارس صلاحياتها وفقًا للقانون"، حسب وكالة فرانس برس.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت، الخميس، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ومحمد دياب إبرهيم المصري، المعروف باسم محمد الضيف، القيادي بحركة حماس الفلسطينية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وذكر القضاة في قرار إصدار أوامر الاعتقال، أن هناك أيضًا أسبابًا كافية للاعتقال بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائيًا عن ممارسات تشمل القتل والاضطهاد، واستخدام التجويع سلاحًا في الحرب في إطار "هجوم واسع وممنهج ضدّ السكان المدنيين في غزة".
لم يعتمد جيان منطق الولايات المتحدة، الذي أكّده الرئيس جو بايدن الذي ندّد بمذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة، واصفًا القرار بأنه "أمر مشين". فالموقف الحيادي الصيني يعتبر صادمًا، بحق فريق يجد ببكين حليفة له في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط.
لا سيما إيران، التي تعيش حالة حرب حقيقية مع تل أبيب، التي بدأت بعد عملية طوفان الأقصى بإستراتيجية حرب تعتمد على الضرب من خلال وكلائها في المنطقة، وهناك بعض القراءات التي تجد أن الحرب قادمة لا محال إلى طهران.
لم تشهد الحرب في الشرق الأوسط على موقف صريح من جانب الصين، التي تكتفي بالدعوة لضبط النفس وعدم الانجرار نحو حرب كبرى. على خلاف موقفها من الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث متّنت الصين علاقاتها مع موسكو، وفعّلت الاتفاقيات بين البلدين، خصوصًا فيما يتعلّق باتفاق الغاز المسال الطبيعي الروسي، متحدية بذلك العقوبات الغربية الأممية على روسيا.
نشطت في الآونة الأخيرة، الدعوة الروسية الصينية إلى تعزيز التعاون بينهما، وتخطّت علاقة الصداقة، لتطالب بضرورة إحداث التغيير في النظام الدولي القائم، والمتمثل بنظام أحادي تسيطر عليه القوى الغربية، تحديدًا الولايات المتحدة.
أكدت بكين أن واشنطن لن تعدّل في مشروعها العدائي تجاهها، رغم فوز الحزب الجمهوري في الانتخابات، وإبعاد الحزب الديمقراطي الذي حمل لواء "احتواء" الصين، وهذا ما ظهر في عدد من التعيينات الجديدة لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، التي تشكل شخصيات ذات عدائية تامة لنهج الصين وسياساتها في العالم.
العمل على تغيير النظام الدولي القائم، لا يتوقف عند إعادة رسمه من جديد، بقدر ما يعمل على زعزعة التأثيرات الغربية في مؤسساته. لهذا تجد كل من الصين وروسيا في استخدام حق "الفيتو" في مجلس الأمن ذريعة لإفشال مشاريع الغرب التي يطرحها وتطال القضايا الساخنة في العالم. أما بالنسبة إلى قرار المحكمة الجنائية الدولية، فوجدت فيه الصين الطريق الأسهل لتقويض الهمينة الغربية؛ لأنّ المستهدف هذه المرةّ زعيم دولة يتموضع في المعسكر الغربي.
فإسرائيل منذ نشأتها اعتبرت "ربيبة" الأنغلوساسونية، من بريطانيا التي أسستها في "وعد بلفور"، إلى الولايات المتحدة التي تولت المهام عن لندن بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم. صحيح، أن لا مصلحة لبكين بمعاداة تل أبيب، التي تجمعها بها مصالح وتبادلات اقتصادية وتكنولوجية، إضافة إلى أن لا عقدة أيديولوجية بين البلدين، باستثناء "الحركشة" الأميركية فيما يخصّ اعتماد الشركات الصينية لتطوير المرافق الحيوية الإسرائيلية، وهذا ما كان سبب خلاف بين واشنطن وتل أبيب في وقت سابق.
لا تستطيع بكين أخذ موقف مؤيد لقرار المحكمة، لأنّ هذا سيعرضها إلى انتقادات جدية في مواقفها الخارجية، إذ رفضت القرار بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ كانت هذه المحكمة أصدرت في مارس/ آذار من عام 2023، أمرًا باعتقال الرئيس الروسي بشأن مزاعم جرائم حرب متعلقة بترحيل أطفال و"نقلهم بصورة غير القانونية" من أوكرانيا، حسبما قال رئيس المحكمة الجنائية الدولية، بيوتر هوفمانسكي.
ازدواجية المعايير بشأن قرار المحكمة هو من اختصاص إدارة بايدن، التي رحّبت به في عام 2023، ونددت به عام 2024، الأمر الذي يفقد ثقة الرأي العام الدولي بدورها كشرطي دولي، وهي التي حاولت إعطاء صورة شفافة للعالم، بأنها تنشر قيم الديمقراطية، وتفرض العدالة في العالم.
لهذا الصين، أخذت موقفًا واحدًا بحق قرار المحكمة إن كان الصادر بحق بوتين أم نتنياهو، في سياسة دبلوماسية تسعى من خلالها لتصوير نفسها على أنها لا تكيل بمكيالين تجاه القضايا العالمية.
عرفت بكين من أين "تُؤكل الكتف" في ظلّ نظام تعمل على تغييره، إذ بدل الاعتماد على سياسة حلفائها، روسيا وإيران، وكوريا الشمالية بالصدام العسكري المباشر، لجأت الصين إلى سياسة المواجهة "الناعمة" ضمن المؤسسات الدولية، في محاولة لسحب بساط "التأثير" الأميركي في المؤسسات الدولية، وتجريدها من دورها الذي برزت به على الساحة الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991.
طال قرار المحكمة كلًا من نتنياهو وغالانت؛ بسبب أعمالهما الإجرامية بحق أهل غزة، ولكنّ ما هو أبعد من عدم إمكانية تنفيذ القرار، هو الانقسام الذي أحدثه القرار الذي تمثّل في الشرخ بين المواقف للدول الغربية. إذ سارعت دول أوروبية مهمة وشخصيات أممية ومنظمات حقوقية إلى تبني قرار المحكمة بإصدار مذكرتَي الاعتقال، وكانت هولندا أولى الدول التي عبّرت عن تأييدها واستعدادها، وكذلك كان موقف أغلبية دول الاتحاد الأوروبي، الذي عبّر ممثله الأعلى للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، بأن قرار المحكمة ملزم ويجب احترامه.
إن السياسة الصينية تجاه الولايات المتحدة، هي استنساخ عن تلك السياسة الغربية التي اتّبعتها مع المعسكر السوفياتي في الحرب الباردة، حيث تجنّبت العمل العسكري المباشر، لتعتمد على تفكيك النسيج الغربي بهدف إضعافه.
فما أعلن عنه السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، بأنه سيقدم تشريعًا تحذيريًا لدول أخرى بأنها ستتحمل عواقب من الولايات المتحدة بحال مساعدتها للمحكمة في قرارها ضدّ إسرائيل، دليل على مدى الأذى الذي سيلحق بهذا الحلف، فهل سيشهد العالم على سقوط جديد للمعسكر الغربي بضربات من مؤسساته التي أسَّسها وفرض الهيمنة عليها؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المحکمة الجنائیة الدولیة الولایات المتحدة قرار المحکمة المحکمة ا
إقرأ أيضاً:
لماذا أوقف العراق صفقة بقيمة 10 مليارات دولار مع الصين؟
نشر موقع "ذا دبلومات" تقريرًا يسلط الضوء على قرار العراق تعليق اتفاقية النفط مقابل البنية التحتية بقيمة 10 مليارات دولار مع الصين، وهو تحول هام في الديناميكيات الجيوسياسية للشرق الأوسط؛ حيث كان هذا الاتفاق جزءًا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي كان من المقرر بموجبها أن تزود بغداد الصين بـ100,000 برميل من النفط يومياً مقابل تطوير البنية التحتية في العراق.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21" إن تعليق الاتفاق ينبع من المخاوف المتزايدة داخل القيادة العراقية بشأن الآثار المترتبة على مثل هذا الاعتماد الكبير على الاستثمار الأجنبي، لا سيما في سياق التدقيق المتزايد في الإستراتيجيات الاقتصادية العالمية للصين، ويمثل لحظة محورية بالنسبة للعراق في وقت تعيد فيه البلاد تقييم دورها في المشهد المتغير للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، مما يسلط الضوء على التوازن المعقد بين الضرورة الاقتصادية والاستقلالية الإستراتيجية في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد.
ويجسد هذا التطور أيضًا التفاعل المعقد بين القوى الإقليمية والمصالح العالمية في الشرق الأوسط، كما يمثل تحولًا مهمًا في نهج العراق تجاه الشراكات الدولية، ويعكس المخاوف الإقليمية الأوسع نطاقًا بشأن الآثار طويلة الأجل للدبلوماسية المتعلقة بالبنية التحتية؛ مما يؤكد على حساسية التوازن الدقيق الذي تحاول دول الشرق الأوسط الحفاظ عليه بين الاستفادة من الاستثمار الأجنبي من أجل التنمية المحلية والحفاظ على استقلالها الإستراتيجي.
وعلاوة على ذلك؛ يوضح هذا التوقف الإستراتيجي التعقيد المتزايد للعلاقات الدولية في منطقة يتقاطع فيها النفوذ الغربي التاريخي مع القوة الاقتصادية الشرقية الناشئة، ويوضح أن دول الشرق الأوسط تعمل على تطوير نهج أكثر دقة لإدارة العلاقات مع القوى العالمية والانتقال إلى ما هو أبعد من الخيارات الثنائية البسيطة إلى استراتيجيات دبلوماسية أكثر تعقيدًا، وبينما تسعى الدول الإقليمية إلى تحديث بنيتها التحتية مع الحفاظ على السيادة، فقد يكون قرار العراق بمثابة نموذج لكيفية التعامل مع تحديات مماثلة في المستقبل.
النفط مقابل البنية التحتية وطموحات الصين الإقليمية
وأشار الموقع إلى أن جذور هذه الشراكة الإستراتيجية تعود إلى سنة 2019، عندما أبرمت بغداد وبكين اتفاقية رسمية في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية التي كانت ستؤمن تمويلاً صينياً بقيمة 10 مليارات دولار لجهود إعادة إعمار العراق، وكانت الشروط واضحة وبعيدة المدى: سيزود العراق الصين بـ 100 ألف برميل من النفط يومياً لمدة 20 سنة مقابل تطوير شامل للبنية التحتية.
وكان هذا الترتيب تحولًا كبيرًا في استراتيجية العراق لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب بعيدًا عن نماذج التنمية التقليدية المدعومة من الغرب.
وقد أشار تغلغل المبادرة في هذه المنطقة المنحازة تاريخيًا للغرب إلى ثقة الصين المتزايدة في إبراز قوتها الاقتصادية خارج مناطق نفوذها التقليدية، ومثّلت تحديًا مباشراً للنظام الإقليمي القائم، لا سيما في القطاعات التي تهيمن عليها المصالح الغربية.
وقد شعرت الولايات المتحدة بالقلق من توسع نفوذ الصين في ممرات الطاقة الحساسة؛ فالولايات المتحدة التي استثمرت أكثر من 90 مليار دولار في إعادة إعمار العراق منذ سنة 2003، تحتفظ بنفوذ كبير على قرارات بغداد الإستراتيجية، ويعزز هذا النفوذ اعتماد العراق على الدعم المالي الخارجي؛ حيث تستمد 40 بالمئة من ميزانيتها السنوية من القروض الدولية، ومعظمها من مؤسسات منحازة للولايات المتحدة.
القيود المحلية في العراق
وأوضح الموقع أن الاقتصاد السياسي المحلي في العراق يضيف تعقيدات أخرى إلى هذه المعادلة الجيوسياسية، فمع وجود 30 بالمئة من العراقيين تحت خط الفقر والتحديات المستمرة في توفير الخدمات الأساسية، تواجه القيادة العراقية ضغوطًا لتطوير البنية التحتية، لكن شبح التبعية للخارج يلوح في أفق الخطاب السياسي العراقي، لا سيما بالنظر إلى تجارب البلاد التاريخية مع القوى الخارجية، وقد خلقت هذه الديناميكية الداخلية قيودًا كبيرة على قدرة العراق على السعي وراء الاعتبارات الاقتصادية في شراكاتها الخارجية.
إن الأسس الاقتصادية الكامنة وراء هذا التوقف الإستراتيجي في صفقة النفط مقابل البنية التحتية ليست أقل أهمية، فاعتماد العراق الكبير على عائدات النفط يجعل اقتصاد البلاد هشًا أمام تقلبات السوق العالمية، ويؤكد النمو السنوي المتواضع للناتج المحلي الإجمالي في البلاد الحاجة الملحة للتنوع الاقتصادي، ومع ذلك، فإن التزام العراق بالصفقة لمدة 20 سنة كان من المحتمل أن يحد من قدرة العراق على التكيف مع ظروف السوق المتغيرة، لا سيما بالنظر إلى التقلبات الكبيرة في أسعار النفط التي شهدتها السنوات الأخيرة، والتي تراوحت بين 20 و100 دولار للبرميل الواحد.
التداعيات الإقليمية وديناميكيات القوة
وأفاد الموقع أن التداعيات الإقليمية لقرار العراق تمتد إلى ما هو أبعد من حدوده، فقد برزت مبادرة الحزام والطريق الصينية كقوة مهمة في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، لكن تردد العراق يشير إلى وعي إقليمي متزايد بالحاجة إلى الحفاظ على الاستقلالية الإستراتيجية مع الاستفادة من الاستثمار الصيني، ويتجلى هذا التوازن الحذر في جميع أنحاء المنطقة، من القاهرة إلى الرياض؛ حيث تسعى الدول إلى الاستفادة من المشاركة الاقتصادية الصينية دون المساس بمرونتها الإستراتيجية.
وقد أضافت أزمة الطاقة العالمية التي عجل بها الغزو الروسي لأوكرانيا بعدًا آخر لهذه الحسابات الجيوسياسية المعقدة؛ حيث أدى الارتفاع الحاد في أسعار النفط الناتج عن ذلك إلى تغيير الجاذبية الاقتصادية لالتزامات الإمدادات طويلة الأجل، مما شجع العراق على إعادة تقييم خياراته الاستراتيجية في سوق الطاقة العالمي سريع التطور.
التداعيات المستقبلية والتوقعات الاستراتيجية
وأكد الموقع أن هذا التعثر ليس مجرد توقف مؤقت في العلاقات الثنائية، بل يشير إلى إعادة تقييم إستراتيجي أوسع نطاقًا في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، فبينما تتعامل القوى الإقليمية مع المصالح العالمية المتنافسة، تصبح القدرة على الحفاظ على الاستقلالية الإستراتيجية مع تأمين موارد التنمية أمرًا بالغ الأهمية، ويوضح قرار العراق الحسابات المعقدة المطلوبة في عالم متعدد الأقطاب؛ حيث يجب الموازنة بعناية بين التنمية الاقتصادية والسيادة الوطنية والمواءمة الاستراتيجية.
واخختم الموقع تقريره بالقول إن هذا التوقف الإستراتيجي في الاتفاق الصيني-العراقي يمثل حالة حاسمة في الجغرافيا السياسية المعاصرة، ويوضح كيفية تعامل الدول مع تقاطع التنمية الاقتصادية والاستقلالية الاستراتيجية ومنافسة القوى العظمى، ومن المرجح أن تؤثر نتيجة هذا الوضع على قرارات مماثلة في جميع أنحاء العالم النامي مع تغير النظام العالمي، لا سيما في المناطق التي تتقاطع فيها المصالح الصينية والغربية.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)